(EN ARABE) Non au lynchage du poète amazighe, Elhoussaïn Ajemmaâ
لا، للحملة الحماسيّة التقريعية
ضد الشاعر الأمازيغي، الحسين اجمّاع.
تأهيل الأمازيغية، والمثلان القائلان
1 "التفَّت الحيّة فنهشَتْ ذنَبَها"
2 "أخذ الحمار يقتات من نهْش بردعته"
تعقيبا على عاصفة التعليقات الأخيرة التي انصبت على تصريحات الشاعر الأمازيغي المقتدر الحسين اجماع (انظر هــــنـــا)، أقول، من جانبي، إنه يتعين الكف عن "إطلاق النار على كل ما يتحرّك".
فهذا الأسلوب في التعاطي مع اللغة والثقافة الأمازيغيتين، إنما يعكس الوجه السالب لأزمة جيل تيتّم ثقافيا، أكثر مما يترجم وعيا موجبا وعمليا، عكس ما يُشبّه لكثير من الحماسيّــين، الذين يُريحهم أن يتحول شعار الأمازيغية إلى دِثار وبُرقُع يدّثِّـر به المزّمِّل، ويصنّف الآخرين عَبر ثُـقب نِقابه ليتلافي الانخراط في دوامة المجتمع بجميع تعقيداته الواقعية الحيّة.
فماذا قال الحسين اجمّاع يا ترى حتى يستهدف لكل هذا الوابل من التقريع؟ لقد قال ما يلي:
[[أننا أصبحنا نتخوف اليوم حتى على الرصيد الشعري المتوارث عبر قرون مضت، و أضحى هذا الشعر مهددا بالاندثار. وإن ما لا أطمئن له اليوم هو توجهُ ثلة من الأساتذة والباحثين في الشعر الأمازيغي الذين يتحدثون بلسان أمازيغي جديد، ويطمحون اليوم إلى قطع الصلة بالموروث الشعري القديم؛ بل عندما تتحدث معهم يصرحون لك بما مفاده: "نحن نريد أن نكتفي بأبنائكم الذين سيفهمون ما نقول أما أنتم فقد نستغني عنكم ...". فهؤلاء يراهنون في دراساتهم وتوجهاتهم على قطع الصلة مع الماضي الشعري من خلال رجالاته، ومن تم فما نسميه اليوم شعرا قد يقبر يوما ويحل محله هذا اللون الجديد الذي بدأت تلوح به هذه الثلة ممن يسمون أنفسهم بالباحثين في الثراث الشعري الأمازيغ. (...)
هذا ما سميته بـ"اللسان الأمازيغي الجديد"، فرواد هذا اللسان يرفضون التحدث بالأمازيغية التي نعرفها وتوارثناها عن الأجداد، وأبدعوا لغة يسعون جاهدين إلى أن تحل محل الأمازيغية التي تعلمناها من آبائنا و أجدادنا. فعلى سبيل المثال، أنا عمري اليوم 65 سنة شربت الأمازيغية كما هي في الأصل من آبائي وآبائي شربوها من آبائهم وأجدادهم وأتى اليوم هذا الصنف من الباحثين يطمحون إلى الاستغناء عني والاحتفاظ بأبنائي. أفليس هذا هو الارث الأمازيغي الأصيل؟ (...)
فأنا شخصيا، أفضل تتبع الأخبار من القنوات الفضائية مثل الجزيرة، على أن أشاهد وأستمع للقناة الأمازيغية التي لا أفهم ما تقول مع أنني شاعر وفنان وما بالك بإنسان عادي. وكل ما أخشاه هو أن تندثر الأمازيغية الأصلية بين أيدينا و تستعصي علينا هذه الحديثة فنبقى بلا هوية لا قدر الله. (...)
هذا إذا أردنا أن نتكلم بـ " المعقول" أما إن أرادنا أن نجانب الصواب فنحن إذن لا فرق بيننا وبين من ننتقد. (...) هذه، بإيجاز شديد، هي الانتكاسة التي يعاني منها الشعر الامازيغي، وأسبابها يعرفها الجميع لكن لا أحد يملك الجرأة ليضع النقط على الحروف]].
هذا الذي عبر عنه الشاعر الحسن ازوليض بوضوح وتفصيل نثرا، كان قد عبر عنه زميل له آخر، الشاعر ازوليض بالرمز شعرا وبشكل مختصر ومرموز أمام جمهو فضاءات "اسايس" لما قال مرتجلا مساجلا في معرضِ جدٍّ بما يشبه المزح يلي:
هيـّـا غيكـّ تيفيناغ آ-س را تـبّـيم اسيف !? (أفَـبِــتيفيناغ تعتزمون اليومَ إذن أن تعبروا النهر!?)
تاشلحيّـت ن-لجديد-ا ور اونـتّ يري يان؛ (إن هذه الأمازيغية المستحدثة لا يقبلها منكم أحد؛)
"تانـمّيـرت ولا "يازول"، ور راتّــن تّـيـنـيغ. (فأنا لن أستعمل لا "تانـمّيرت" ولا "ازول")
(انظر هـــنـــا)
غريب أمر هذا التصور في باب تهيئة لغة من اللغات ونقلها من الشفهية إلى التدوين، بما يوازي ذلك من جمع متونها الشعرية والنثرية، وترتيب معجمها واستنباط قواعدها النحوية والصرفية. لقد مرت اللغات التي أصبحت اليوم كلاسيكية عالمة بمثل تلك المراحل حيث أضحت البضاعة الأدبية الشفهية القديمة عُملة تبادل كان يتعقّب من أجلها الرواةُ آثارَ الشعراء والخطباء، شعراء بلاط كانوا أم صعاليك أسواق، وذلك لكي ليبيعوها للمدوينين واللغويين والنحاة؛ بل كانوا أحيانا يحاكون وينحلون ما حاكَوه فينسبونه إلى شاعر بدوي موجود أو غير موجود لإكساب ما حاكوه شرعية الاستشهاد والاعتماد. واليوم نشهد حركة لتهييء اللغة وتأهيلها تشرع بالقطع أولا مع ما راكمته الأجيال السابقة، وتقطع سُبل التواصل مع الأجيال القائمة، وتبشر بلغة ستعمل على تلقينها للأجيال القادمة.
الحسين اجماع شاعر أمازيغي من العيار الكبير. وأتذكر مشاركتي في ذلك اللقاء الكبير الذي كان قد نُظّم له ولزميله الشاعر مبارك كوكو بتالكًـجونت في صيف 2007 اعترافا لما له من مكانة أدبية وفنية في أوساط هواة الشعر الأمازيغي؛ وهو اللقاء الفني والدراسي الذي شارك فيه كل من المحتفى بهما، إلى جانب الشاعر الكبير الآخر الحسن ازوليض، والذي تم نشر الأعمال التي قُدّمت خلاله، ومن بينها دراسة لي حول عروض الشعر الأمازيغي الأصيل.(1)
فلكل هذا يتعين، من الناحية الأدبية، ألا يُحكم على الشاعر الحسين اجماع، باعتباره شاعرا، انطلاقا من معطيات البيوغرافيا ومن علاقاته واختياراته في الحياة كمواطن له حق وواجب الانخراط المجتمع بالشكل الذي يرتضيه في إطار القانون؛ تماما كما لا يصحّ أن يُحكم على المكانة الأدبية لشاعر كبير مثل لمتنبي على سبيل المثال، بناء على الأحكام الايديو-سياسية الملنية على علاقته بسيف الدولة الحمداني وعلى مدحيّاته له أو هجائياته العنصرية لكافور الإخشيدي؛ وكما لا يصح الحكم على الإسهام الشعري للشاعر الأمازيغي الآخر، المرحوم الشاعر عبد الله حفيظي بناء على موقف أيديو-سياسي "حداثي" من مدحياته للمرحوم الملك الحسن الثاني كما حصل لذلك الشاعر مع كثير من المؤسسات الرافعة لشعار الأمازيغية ومنها تلك التي يومئ إليها الشاعر الحسين اجمّاع في حديثه السابق، حيث تم الحكم بـ"الإعدام" على ديوانه الشعري، "اكًــلـّـيد ن-يكًلدان"، بناء على شعارات "حداثية" مغلـّـفة بمخلفات مسألة "حرب الحَرف" (أنظر هـــنـــا و هــــنــــا).
إنّ ما قاله الشاعر الحسين اجمّاع واقع جديد صحيح؛ وكنت شخصيا قد حذّرت من إمكانيات الإفضاء إليه مرارا تكرارا وبقوّة، سواء كتابة أم من خلال مواقفي منذ سنة ،2003 وأنا حينئذ أشتغل بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. ويتمثل ذلك في التحذير من ذلك الجنوح الخلوصي في إعداد المعجم (purisme lexical) الذي طغى على تصور إعادة تأهيل الأمازيغية في أوساط الحركة الأمازيغية الحديثة عامّة وفي أعمال التهيئة بالمؤسسة المذكورة خاصة؛ وذلك استثناء للغة الأمازيغية، في باب الاقتراض المعجمي، من كافة اللغات البشرية. أنه الاتجاه الذي كنت أتوقع من خلاله ما حصل الآن إلى حدّ بعيد؛ أي اصطناع لغة جديدة تضع الناطقين الفعليين بالأمازيغة على هامش التواصل من جديد، أي خلق مستوى جديد إضافي من مستويات الازدواج اللغوي وما يترتب عليه من أوجه الأميّة داخل الدائرة السوسيو-لسانية الأمازيغية نفسها، لينضاف إلى الازدواجيات والتعدّديات الأخرى، والحكم بالخصوص على جيل واسع من أكبر شعراء الجيل الجديد ممن يستعملون قاموس التواصل الحيّ، بأصيله وبحصاده من الدخيل المؤمزغ، والذين أصبحوا يدوّنون أشعارهم بشكل أو بآخر (موستاوي، عصيد، جوهادي، الزياني، حافيظي، اجمّاع، ازوليض، الخ.) بالنفي من دائرة التواصل والتبادل العصري للمادة الأدبية.
أما على مستوى عموم مستعملي الأمازيغية، فإن ما أشار إليه السيد الحسين اجماع من أنه لا يفهم ما يقال في القناة الأمازيغية، وأنه، بسبب ذلك، يولـّي وجهَه شطرَ فضاءات أخرى - وهو الشاعر الذي قرض الشعر الأمازيغي لمدة أربعين سنة - فذلك كذلك حالي شخصيا، وأنا المتخصص في اللغويات الأمازيغية والمكتسب للمعرفة بكثير من أوجهها الجهوية كما يتم الحديث بها. فإذْ كنت من بين المواظبين على الإنصات إلى الإذاعة خاصة وبشكل يومي منذ 35 سنة، فقد هجرتها اليوم لكي لا يفسد لساني فيها بسبب ركاكة واضطراب النحو والصرف، (انظر هـــنــا، بالفرنسية) وبسبب استغلاق المعجم وتنطـّعيّة مفرداته بشكل يجعلني "أميّا" في ما أسمع إلى حد بعيد، وبشكل يُقلق راحتي كمستمع، إضافة إلى غرابة الأسلوب نظرا لغياب محرّرين مكونين مهنيا ومتمكنين لغويا من الأمازيغية، إذ يتم الاكتفاء بترجمة حرفية لما هو محرر بالعربية وباساليبها الخاصة بها من تقديم أو تأخير، وحصر وقصر، وكل ما يتعلق بالبيان وبالمعاني البلاغية، مع إحلال مفردات لوائح "المعاجم" الاصطناعية محل تلك المفردات العربية. ولقد صرّح لي زميل لي آخر ممّن كنت أشتغل معه في مركز التهيئة اللغوية بمعهد الأركام بأنه قد قرر بدوره أن يفرّ بصفاء وسلامة لسانه الأمازيغي من لوثة ما يُبث في تلك البرامج الجديدة.
وخلاصة القول في ما تُـشكّـل حملةُ التحامل على الشاعر الأمازيغي الحسين اجماع من طرف بعض الحماسيّين عَرَضا مرَضيا من أعراضه، هو ما يجمله المثل الفرنسي الذي يقول في مثل هذه الحالة: /Le serpent se mord la queue/ "التفَّتِ الحيّة فنهضت ذنَـبها". أما المثل الأمازيغي، وبما أن الأمازيغية تحتاج إلى أكثر من مجرد الحماس، فيقول في نفس الحالة: /يــفرد وغيول غ-وحلاس/ "أخذ الحمار يقتات من نهْش بردعته".
وأختم هذا الكلام بإضافة ثلاثة أبيات جميلة تمثل بها الأستاذ Abouzrareps Mohamed على الشبكة تعليقا على نفس هذا المقال فور إشهاره، وهي تترجم ما عسى أن يكون عليه حال جيل الشاعر اجمّاع وأمثاله إزاء حماسة "المتحمسين بلا حدود ".
1- يوت-يـيّي وفوس ينو غ-ودم ينو س-وقمليل
2- ينيد وشكيغ ا-تّن بّيخ، ران ا-يّــي خاصّان
3- ينيدت وجّيغ يرا-كًينغ يتّصّا كيوان
----
1'- سدّدَتْ لي كفّي صفعة على خدّي
2'- إن أقدمتُ على بترها، ستُـعْــوِزُنــي
3'- وإن أبقيتها، سأبقى أضحوكة في العالمِين
-----------------
(1) المدلاوي، محمد (2007) "عن الصياغة الصورية لقوانين العروض والموسيقى الأمازيغيين". توأم الإبداع الأمازيغي – أعمال مهداة للشاعرين الحسين أجماع، و ج. مبارك كوكو. (أعمال الملتقى التكريمي للشاعرين، اجماع / كوكو. تالكجونت؛ أيام 19-22 يوليوز 2007. ص : 36-46). منشورات جمعية تالكجونت للأعمال الاجتماعية، منتدى الأدب لمبدعي الجنوب، شبكة جمعبات محبة أركَـان للمحيط الحيوي.
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres