OrBinah

(EN ARABE) Le carton rouge "Dahir Berbère" est de retour au Maroc

فزّاعة "الظهير البربري" تعود إلى واجهة الصحف

 

 

يتعين منع استعمال هذه التسمية،

-       لأن الظهير سلطاني كغيره من الظهائر الشريفة التي صدرت قبل الحماية وخلالها وبعد الاستقلال، ولأن الظهائر والقوانين تسمى بتواريخيها منسوبة إلى المؤسسة الملكلية. فالتسمية الأصلية الحقيقية هي: "الظهير المنظم لسير العدالة في المناطق ذات الأعراف البربرية والتي لا توجد بها محاكم شرعية". وهو ظهير وقعه السلطان محمد الخامس في ظل نظام الحماية الفرنسية في 17 ذو الحجة 1340 هـ الموافق لـ 16 ماي 1930م. وقد جاء هذا الظهير لست عشرة سنة بعد ظهير 1914 الذي همّ التحفيظ العقاري، الذي مهدت بمقتضاه الإقامةُ الفرنسية لعملية نزع أراضي الجموع التابعة للقبائل في عالم البادية في الجبال والسهول والتي كانت تضبط استغلالـَها الرعوي الزراعي الجماعي القوانينُ الوضعية العرفية الأمازيغية القديمة. وقد جاء ظهير 1930 في إطار تهدئة المقاومة المسلحة (pacification) التي انطلقت في تلك المناطق منذ توقيع معاهدة الحماية الفرنسية ولم تنتهه إلا في بداية الثلاثينات من القرن العشرين، فأقــــرّ  جعل سير العدالة في تلك المناطق مستمرّا تحت سلطة محاكم عرفية تستند إلى قوانين وأعراف أمازيغية محلية، وفق ما كان الأمر عليه قبل دخول الاستعمار؛ فيما تبقى المناطق الأخرى التي لا تتوفر على مثل تلك البنيات (مثل أغلب الحواضر) تحت سلطة قضاء المخزن المركزي (انظر نص الظهير هــــنـــا)؛ 

-       ولأن هذه الحالة التي تفرّدت بإعطاء ظهير شريف لقبا قدحيا يحيل على مكون واسع من مكونات الشعب المغربي عبر جميع التراب الوطني، خصوصا في الرقعة الأكبر لباديته وجباله في العمق البشري والجغرافي والتاريخي للبلاد، قد جعلت من تلك التسمية بما أُلبِسَتـه من تأويلات تحريفية، بعد ذلك، تجسيدا في القاموس للابتزاز الرمزي المعبّر عنه باسم المشاعر الدينية وقراءة اللطيف في مساجد الحواضر، مزايدة في الدين على من كانوا يعمّرون تلك المساجد كفقهاء ومعلمي طلاب وافدين من ما أصبح يطلق عليه "بلاد السايبة" في فترة صدور ذلك الظهير في ظل الحماية الاستعمارية؛

-       ولأن ذلك الظهير، قد جاء بعد إفلاح سلطات الاستعمار في تهدئة آخر معاقل عشرين سنة من مقاومة ذلك الاستعمار بالسلاح في الجبال، فكان ذلك الظهير، في ظروف مجتمع حينه - وبقطع النظر عن نوايا الأطراف التي تواطأت على صياغته (أي بقطع النظر عن "اللي فراس الجمل واللي فراس الجمّال") – وجها من أوجه اللا-مركزية واحترام البنيات السوسيو-اقتصادية التقليدية للوقت في تلك المناطق (الاستغلال الجماعي الرعوي الزراعي لفضاء اقتصاد الاكتفاء الذاتي، خصوصيات الميراث والكدّ والسعي بين الذكر والأنثى وبين الفرد والجماعة)، تلك البنيات التي كانت تضبطها قوانين عرفية أو مدونة تسمى "الألواح" في أماكان ("ألواح جزولة" مثلا للمختار السوسي) و"تيعقيدين" في أماكن أخرى (درعة وتافيلالت)؛ ولا علاقة لكل ذلك بافتراءات الأدبيات السياسوية التي راكمتها نخبة المدن التي تعايشت بسرعة مع نظام الحماية وأخذت تحاول الحصول على مجرد اعتراف بمكانة وظيفية عن طريق تسويد دفاتر المطالب الإصلاحية. أي أن ذلك الظهير كان يمثل حينئذ، في مجتمع الوقت، حدّا أدنى من "تنازلات" سلطات الحمايةلفائدة الساكنة في وجه الرأسمال الاستعماري الغازي والرأسمال العائلي الحضري الكامبرادوري الناشيء اللذين كانا لا يحلمان إلا بـ"تحريرسوقي الوعاء العقاري وسوق المبادلات اللذين كانت البنيات القديمة تشكل حصونا في وجه توسعهما. أي أن حماية تلك البنيات العتيقة (أراضي الجموع، وضع المرأة في الميراث، أساليب الجباية والاقتطاعات داخل القبيلة، الخ.)، إن أصبحت بعد ذلك في مجتمع اليوم (مجتمع الأجر والوظيفة والتجارة والمقاولة والزراعة الحديثة والانتقال إلى النمط الحضري) تشكلعراقيل أمام التنمية وتطور منظومة الحقوق (حقوق المرأة، والهيئات الجماعية والجهوية الدستورية)، فإنها كانت بالأمس وسيلة من وسائل الدفاع أمام هجمة الرأسمال المتوحش والإدارة المركزية. معنى كل ذلك، في نهاية المطاف،  أن التعامل مع تدبير تلك البنيات كان وسيظل من باب تدبير "المصالح المرسلة" تدبيرا وضعيا حسب معطيات الوقت، ولا علاقة للظهير المذكور المتعلق بذلك التدبير لا بالعقيدة ولا باللغة ولا بالإثنية، من كل ما ابتدعته بعد ذلك تحريفاتُ أدبيات "الحركة الوطنية" ثم رسخته أدبيات ما بعد الاستقلال وإلى اليوم.

-       ولأن تسمية "الظهير البربري" بكل الحمولات التي اكتسبتها بحكم التسمية أولا، ثم بحكم إعادة كتابة تاريخ ظروفها، وبحكم كل ما تمّت مراكمته حولها من طقوس الاحتفالات الصحفية والمنبرية السنوية بذكراها كذكرى مشؤومة، قد استعملت في مجال آخر، كفزاعة ابتزازية لكبت ثقافي دام نصف قرن بعد الاستقلال، حيث كانت تلك الفزاعة تشهر بشكل منهجي في وجه مطالبة المغاربة ليس بأكثر من الاعتراف الرسمي والعملي والتدبيري بأهم وجه من أوجه ما جعل منهم مغاربة عبر التاريخ وفي وجه تقلبات التاريخ، فكان كل من طالب بشكل أو بآخر بذلك يُحشر في حارة رَهْط ِ "حفدة اليوطي" (انظر نموذجا لهذا الخطاب يعود إلى 1978؛ وهو ليس خطاب غلاة السياسيين حينئذ؛ أنه مجرد خطاب أهل الفن آنذاك، هــــــنـــا).

 

-       لم يخفت استعمال هذه الفزاعة سوي عشر سنوات، منذ أن فاجأ ظهير شريف آخر، هو الظهير الذي سمي هذه المرة بـ"ظهير أجدير" طيفا واسعا من النخبة السياسية والفكرية بالاعتراف المؤسسي الرسمي للمغاربة بذلك الوجه من كينونتهم الذي تم إلصاق سبة "الظهير البربري" كجوهر به، به بالشكل الذي تم به تزييف فحوى هذا الظهير الأخير؛ ثم جاء الدستور الجديد ليكرس ذلك الاعتراف تكريسا على مستوى النص المؤسس.

-       لكن، في الآونة الآخيرة، وبعد أن انحنت كثير من الاطراف للموجة لحين من الدهر، وهي التي لم تسطع قط أن تهضم ما حصل، عادت فزاعة "الظهير البربري" إلى سوق الرواج من جديد؛ وانطلقت الالسنة من جديد للعودة بالمغرب إلى نقطة الصفر.

-       فبعد ما كان يلاحظ من تجريبٍ هنا وهناك لإعادة تحميض "الظهير البربري" كبطاقة الحمراء في ثنايا أركان بعض الصحف، وفي كثير من أنفاق الشبكات الاجتماعية (انظر هـــــنـــا)، نفاجأ اليوم بأول عودة إلى أسلوب مانشيطات الصفحة الأولى، حيث تم رفع تلك البطاقة الحمراء من جديد جهارا. إنه المانشيط الرئيسي للصفحة الأولى من يومية "النهار المغربية" (24 يوليوز 2015) الذي يقول: "AMDH تبعث الظهير البربري لـ 1930 في تقريرها الحقوقي".

 

-       بقطع النظر عن مختلف المفاهيم التي أصبحت تعطى لـ"حقوق الإنسان" (انظرهــــنـــا)، وعن طبيعة العمل الميداني في هذا المجال، مما ليس هنا محلّ الخوض فيه مهما كانت الجمعية من الجمعيات العاملة أو المحترفة، وبقطع النظر عن فحوى ما ورد في التقرير المشار إليه في الصحيفة والذي اعتبرته الصحيفة (بصفتها حزبا؟) "بعثا للظهير البربري" بالمفهوم الذي تم ترسيخه في الأذهان لذلك الظهير، أي مفهوم "الفتنة" و"التفريق بين العرب والبربر" و"محاربة الإسلام واللغة العربية" وهي كلها كلمات من قاموس مقال الصحيفة، فإن هذه الخرجة ذات دلالة ويتعين الوقوف عندها.

 

-       صحيح أنه لا يمكن ضبط كل جزئية من جزئيات سلوك المجتمع بالقوانين، خصوصا منها تلك القوانين المتعلقة بالتماسك الاجتماعي مثل قوانين تجريم جميع أوجهالميز العنصري والكراهية على أسس العرق أو اللون أو اللغة أو العقيدة أو اللغة؛ ولكنّ كثيرا من المجتمعات، وبناء على تجاربها التاريخية الخاصة، تعمد إلى بعض الرمزيات، خطابية كانت أم شاراتية (الشارة التشكيلية أو الإشارة اليدوية النازية في بعض بلدان أوروبا مثلا)، فتجرّمها تجريما قانوانيا  حفاظا على تماسكها في لحظة من لحظات تجاربها التاريخية.

وانطلاقا من هذا المنظور، وفي انتظار أن تضافر الدراسات الانثروبو-اجتماعية، والقانونية الحقوقية، والسوسيو-اقتصادية والسوسيو-سياسية، واعتكافها على معالجة ظهير 1930 بشكل يدرجه في إطاره التاريخي ويفسره ويعطيه دلالاته الحقيقية، بما ينتشله من مستنقع استعمالات السفهاء من العوامّ ومن الخاصة، يبدو أن الوقت قد حان، حماية لروح ظهير أجدير ولروح الدستور، كي يتم تجريم استعمال تسمية "الظهير البربري" تجريما قانونيا، لأن في تلك التسمية  تحريفا لتاريخ المغرب، ولأن المفهوم الذي رُوّجت تلك التسميةُ حاملةً إياه (الفتنة، التفريق، الخ) والاستعمالَ الذي استُعملت به طيلة نصف قرن من الزمن، كرمز ابتزاز مستمر واتهام دائم لمدة نصف قرن أصبح فيه وعي أجيال طيف واسع من المغاربة وعيا شقيا فاقدا لثقة واطمئنان المواطنة الكاملة مما أسفر عن تأزّمات كارثية ما تزال تداعياتها جارية، أمورٌ تتنافى مع شروط تماسك مكونات الهوية المغربية الغنية بعناصرها وغير القابلة للتجزيء؛ وذلك في هذا الظرف بالذات المتميز في القرب وفي البعد باستفحال وقع الارتداديات السيكو-اجتماعية لحصيلة عقود منسياسة الدونية والإقصاء في باب المواطنة الكاملة (انظر آخر التطورات السياسية هــــــنــــا).

إن للمسألة في عموميتها مستوييـن: (أ) مستوى موروثِ ثقافة إثنية سوقيّة بالية للمنافرات الإثنية يُعبّر عنه قاموسٌ وديوانٌ شعبيّان معروفان، لا مقابل إثنيَ لهما مع ذلك - ولا حرج في التمثيل لهما ("الشلح"، "الشليّح"، "القروفّي"، "الكًربوز"، وديوان من الأمثال والنكت التجريحية) والذي ما يزال يتسرب إلى الألسنة من حين لآخر حتى من أعلى المنابر، بما في ذلك البرلمان، معبَّرا عنه بإشارات مهنية ("مول الحانوت"، "مول الزريعة"، انظر  هــــنــــا)، (ب) مستوى خطاب للـنُخبة يعمل على أن يُـلبس ذلك الموروث لبوس المفاهيم السياسية باللغة العالمة كما في النماذج المشار إليها أعلاه، من قبيل مفاهيم "الوطنية"، "الوحدة"، "الخيانة"، "العمالة"، "التفرقة"، الخ. وإذا كان المستوى الأول مستوى يترك لمفعول مجهود تربوي ما يزال يُنتظر، فإن المستوى الثاني هو الخطير لأنه مستوى من مستويات الخطاب لديه قوة تأسيسيّة لتكريس اللامساواة في باب المواطنة بمفهومها الحديث.

وسواء تعلق الأمر بالمستوى الأول أم بالمستوى الثاني، فإن الأمر لا يتعلق بسؤال مَنْ هو مَنْ؟ أو مَنْ هو ماذا؟ من المواطنين، تأسيسا على "معطيات" الشجرات المناقبية الأسطورية أو على "معطيات" الأحماض النووية أو كل ما هو "ميتا-اجتماعي" أو "ما وراء-اجتماعي"؛ إذ هوّيّات الأفراد والجماعات لم تكن يوما ماهيات مطلقة بقدرما هي ماهيات بنائية تأسيسية متطورة، بحيث قد تُبنى ثم يُعاد بناؤها عدة مرات لأفراد جيل واحد، كما حصل لجيل كان بعض أفراده قد أقامو شعورهم الهوياتي في مرحلة من المراحل كعرب قوميين، ثم/أو كاشتراكيين، ثم/أو كأمازيغيين، ثم/أو كأمميين إسلاميين، وقليل منهم أخيرا، كمواطنين مغاربة يتداخل ويتكامل شعورهم الهوياتي بالتطور المؤسساتي للدولة الحديثة. فالإقصاء المنهجي التاريخي لبعد واحد دون غيره من أبعاد لحظات بناء الهوية وإعادة بنائها، مما سبقت الإشارة إلى بعض أوجهه، خصوصا على المستوى (ب) المذكور، إقصاء ينذر بانقسام المجتمع على نفسه على مستوى وعي المواطنة، ويحول بالتالي دون مواصلة إعادة بناء الهوية الجمعية على أساس المواطنة في إطار الدولة الوطنية الحدثية.

 

 

على مستوى وعي الانتماء إلى الكيان المغربي كصيرورة تاريخية، وانطلاقا من لحظة الوعي بالدولة الوطنية الحديثة الناشئة الذي ما يزال في طور التكوّن، لا يمكن اعتبار الأطراف والجهات التي أهلتها معطيات بنياتها السوسيولوجية والجغرافية لتشكيل صلب المقاومة عبر التاريخ في عمق البلاد عنصرا منفصلا عن جوهر ذالك الكيان وعبقريته، كما لا يمكن اعتبار ما تم تجريده في الأذهان تجريدا مفهوميا كـ"حركة وطنية" بإحداثياتها السوسيو-اقتصادية والمجالية عنصرا مفارقا مقابلا ومنفصلا عن نفس ذلك الجوهر. إلا أن هذا الطرف الأخير، بما ينطوي عليه في الأذهان من إغراق في التجريد بل والشخصنة أحيانا، قد تميّز بكونه قد أفرز أدبيات أصبحت كتابية لها قاموسها ونصوصُها المؤسِّسة التي أصبحت لها قنوات مؤسَّسية حديثة للتبليغ المنهجي وتشكيل الوعي الجمعي. ولذلك، فإذ ما تزال كثير من الأبعاد الإثنو-ثقافية لما قبل الوعي بالدولة الوطنية الحديثة تخترق الذهنيات كما تم التمثيل لذلك، فإن هذه الأدبيات الكتابية التي ما تزال تكتنف بعضَ مضامينها كثيرٌ من تلك الأبعاد  وتتسرب بذلك تلك الأبعاد باستمرار جيلا بعد جيل إلى مؤسسات التربية والتواصل معبَّراً عنها بلغة وبمفاهيم عالِـمة (حول هذا القبيل من التزييف "المعرفي" بصفة عامة، انظر هــــنــــا)، تظل أدبياتٍ تحتاج اليوم إلى إعادة نظر تاريخية جذرية في قاموسها مضامينها.

 

بناء على كل هذا؛ وفي انتظار أن يقرر المختصون في مجالات العلوم السياسية، وسوسيولوجيا وأنثروبولوجيا التشريعات، أنه قد آن الأوان للمعالجة العلمية للظهير المسمى "الظهير البربري" ولمضامينه ودلالاته التي يحددها إطاره السوسيو-سياسي التاريخي، بعيدا عن استخدامات الخطاب السوقي، يتعين أن يحصل وعي قويّ بما يمثله إضفاء البعض من النخبة للبوس "التحليلات العلمية" في باب السياسة على سفاهات منافرات ما قبل دولة المواطنة والمؤسسات، من نسف لاستكمال بناء تلك الدولة ومن مجازفة بحظوظ نجاحها.



23/07/2015
2 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 345 autres membres