(En Arabe) Trinité postmoderniste" dans la conception de l’architecture de l’Etat Marocain
مِـــــــن
"الصنعة والتصنيع والتصنّع"
في قاموس النقد الأدبي
إلــــــى
"الحكومة والحُكم والتحكّم"
في قاموس التحليل السياسي
الفتنة أشد من القتل
-- القـــتــــل قـــتـــلٌ؛ فهو غني عن التعريف لشيوعه بين البشر؛ فهو "معروف"، على غرار قول معاجم العربية في تعريف الماء: "هو المائع المعروف". بينما يحدد معجم The American Heritage College Dictionary تلك المادة بقوله: [سائل صافٍ، غيرُ ذي لون ولا رائحة ولا طعم. تركيبه: هيد2 أُك1. ضروري لحياة جميع النبات والحيوان. درجة تجمده: 0° مئوية، ودرجة تبخره: 100° مئوية ...]
-- أما الفـــتــنــة، فهي البلبلة والشِرك والإفك وسائر أوجه الخلط والإبهام والتلبيس مما ينزع المعاني عن دوالـّـها ويقوض بذلك وينسف أسس وجسور التفاهم فيُحيل التجربة المعنيّة (بما في ذلك تجربة الحياة أحيانا) إلى تجربة غير ذات معنى، ولا تستحق بسبب ذلك أن تُعاش.
مناسبة هذه "الاجتهادات" التحديدية التعريفية في باب صناعة المعاجم هو ما استجد أخيرا في قاموس العلوم السياسية المغربي في باب توصيف بنية الدولة المغربية لما بعد دستور 2011. لقد تم تجاوز الاستعمالات التشبيهية لاستعارات من قبيل "خصوم الديموقراطية"، و"الحزب السري"، و"جيوب المقاومة" و"التماسيح والعفاريت" إلى مأسسة أكاديمية في باب العلوم السياسية لثالوث "الحكومة والحكم والتحكم" كأقانيم ثلاثة لتوصيف معمارية الدولة في المغرب.
لقد ذكرتني النوعية المفهومية لهذا الثالوث بفتنة التحصيل والاستيعاب والفهم التي عانيت منها، وعانى منها جيلي، وأنا أحضر إجازة الليسانس في الأدب العربي في بداية السبعينات. فذلك الجيل من طلاب ودارسي الأدب العربي يتذكر بعض الثنائيات التي كانت رائجة حينئذ، من قبيل "التقليد والتجديد" أو"الطبع والصنعة"، كأبعاد من أبعاد تصنيف ودراسة وتحليل ونقد الشعر العربي.
وأتذكر شخصيا في هذا الصدد كيف أربكنا أحد المكثرين من مكثري الوقت حينئذ، وهم كثيرون، ألا وهو الدكتور شوقي ضيف، حينما طرح في السوق "نظرية" له في تصنيف الشعر العربي. تلك "النظرية" التي تصنف الشعر الذي لا يحوز مزية "الطبع" إلى ما هو "صنـــعـــة"، وما هو "تصـنـيع"، وما هو"تـــصنّــع" (انظر هــــنــــا).
وإذ بهر ذلك التصنيف عقول ذلك الجيل، الذي كان مهووسا بـشعارات "التجديد"، ولو كان "تجديدا" على شكل مجرد لفظيات، فقد عانينا، ونحن طلبة، الأمرين، ونحن نحضر اختباراتنا وبحوث تخرجنا، في تبيّن المقاييس الصـــــوريـــــة التي تجعل الأثر الشعري المعين يندرج في هذه الخانة أو تلك من بين الخانات الثلاث، وذلك بشكل موضوعي يفرض نفسه، بحكم التعاريف، على المتعاملين في الميدان (أي المبدعون والنقاد من جهة، والطلبة والأساتذة المشرفون والممتحنون من جهة ثانية). فدامت الفتنة ما دامت، إلى أن تم قتل ذلك القبيل من الاهتمامات.
بعد ما يقارب نصف قرن بعد ذلك، يظهر مقابل لذلك الثالوث في قاموس السياسة هذه المرة على شكل تصنيف في العلوم السياسية، بهر المحللين السياسين اليوم في المغرب، وأخذ البعض يستدرج نحوه فقهاء القانون الدستوري لتنظيره. إنه مذهب تثليثي يميز في معمارية الدولة المغربية الحالية لما بعد دستور 2011 بين أقانيم ثلاثة هي: "الحُـــكــــومة" و"الحُـــكــم" و"التـــحكّــــم". وربما سيسأل طلبة العلوم السياسية غدا في المغرب عن الفرق بين "الحكومة" و"الحكم" و"التحكم" كما كنا نسأل عن الفرق بين "الصنعة" و"التصنيع" والتصنع". ذلك أن الاقنوم الثالث على الأخص، أقنوم "التحكم"، الذي يعود البعض بترويجه إلى اليساري المرحوم المهدي بن بركة، مرورا بكل الطيف السياسي، ووصولا إلى الإسلامي عبد العزيز أفتاتي وغيرهما، قد أصبح اليوم، واليوم فقط، على بُعد ثلاثة أشهر فقط من استحقاقات أكتوبر المقبل، إشكاليةً فكرية مدرسيّة، خصصت لها مجلة TelQuel مثلا ملفا استقرائيا بعنوان "Qu’est ce qu’est que Tahakoum?" (انظر هــــنـــــا)
وحسب ما يمكن أن يستفاد تخمينا من الأدبيات التي بدأت تتشكل حول معمارية صرْح الثالوث المذكور، تبقى "الحكومة" معروفة كما حدّد الدستور تشكيلها وصلاحياتها ومسؤولياتها وطرق محاسبتها وطرق وإقالتها أو استقالتها أو إقالة بعض أعضائها أو استقالتهم، كما حدد علاقاتها بالمؤسسة الملكية من جهة وبكل من السلطتين التشريعية والقضائية.
أما الأقنومان الباقيان، أي "الحُكم والتحكّم"، فليس هناك لحد الآن من معجم يحدّد مضمون كل منهما بشكل صوري كما حدد الدستور ماهيات مؤسسات "الملك"، و"الحكومة"، و"الهيئات التشريعية"، و"المعارضة"، و"الأحزاب"، الخ.، وحدّد دور وصلاحيات ومهام كل ماهية من تلك الماهيات. كما لا يُعرف نوع العلاقة القائمة ما بين ذينك الأقنومين، ولا عبر أيّ آليات وفي أي مستوى تتم تلك العلاقة، مما يجعل البعض في النهاية، من سياسيين وأكاديميين على السواء، يفضل تذويب ذينك الأقنومين في مصطلح يحيل على ماهية واحدة قديمة، كانت مقوماتُها معلومة (السلطان وحرسه وجيشه، ولاته وحرسهم، وقوادههم وشيوخهم ومقدموهم) ثم أصبح إسقاطها اليوم على مؤسسة الدولة الحالية من باب تعزيمات وسجع الجفريات والكهنوت في ميدان السياسة، ألا وهي ماهية ما يسمى بــ"المخزن" (انظر هـــــنــــا).
فكأن ذينك الأقنومين المبتدعين، في نهاية الأمر (أي "الحُكم" و"التحكم")، عبارة عن إنجاز لفظي باهر يلعب على صرف اللغة العربية وإمكاناتها الاشتقاقية لإضفاء مشروعية ذهينة أكاديمية مبنيّة على أساس وجود انطلوجي (بناء على الذهنية السحرية لمبدإ "أنا أسمّيك، إذن فأنت موجود"، انظر هــــــنـــا) على الثنائي الخطابي القديم الآخر الذي استنفذ فاعليته، ألا وهو ثنائي "التماسيح والعفاريت"، الذي كان يحول طابُعه التشبيهي المكشوف دون دخول المحللين السياسيين وفقهاء القانون الدستوري على الخط لمأسسة عُنصرَيه كماهيتين من ماهيات قاموس توصيف وتحليل معمارية الدولة المغربية لما بعد دستور 2011. و
هذا الدخول "الأكاديمي" على الخط لتلك المصطلحات، يبدو اليوم قائما في الأفق قياما بديهيا إلى درجة أن أحد الأطر السياسية ، وهو محلل سياسي في نفس الوقت، الأستاذ عبد العالي حمي الدين استعمل لفظ "التحكم" عشر مرات في عمود تحليلي له بعنوان "كلفة التحكّم" (الصفحة الأخيرة من "أخبار اليوم" 6-8 يوليوز 2016)، وذلك باعتباره إياه من المصطلحات السياسية المعروف والغنية عن التعريف على غرار حالة "الماء" في المعاجم العربية. ومن النماذج السابقة لذلك الدخول على الخط، وعلى سبيل المثال فقط، افتتاحية نفس الصحيفة المستقلة "أخبار اليوم" (4 يوليوز 2016) بتوقيع من مديرها، توفيق بوعشرين بعنوان سميك هو: "الحكومة والحُكم والتحكم"؛ وهي افتتاحية يكملها عمودٌ في الصفحة الأخيرة لإطار سياسي آخر ومحلل في نفس الوقت، الأستاذ حسن طارق بعنوان "الدولة الأخرى!"، وهو عمود استدعى فيه الكاتب ما يراه لدى فلاسفة ومحللين آخرين (عبد الله العروي، محمد عابد الجابري، حسن أوريد) دعما وتأكيدا تحليليا لوجود ماهيات معنوية في جوف الدولة المغربية غير مسماة وتستعصي على الرصد والتحديد والتعيين، وبالتالي تسقط عنها المسؤولية والمساءلة لتعَذّر ذلك، بنفس الشكل الذي تمكّن فيه تلك الماهيات سائر الأطراف من التملص من المسؤولية والمساءلة بدعوى تدخل تلك الماهيات غير الدستورية وإمساكها بالأمور.
هذا القبيل من القواميس السياسية، ومن التحليلات والخطابات السياسية المبنية عليه، هو الطريق المستقيم المؤدي ليس فقط نحو قتل الأحزاب (وهو الوسواس السياسي الذي يدفع إلى استعمال تلك القواميس) عن طريق زرع الفتنة البلبلة والغموض والشرك في صفوف قواعدها، ولكن كذلك إلى قتل المشاركة السياسية كلية بسبب فتنة سيادة العبث واللغو واللاجدوى التي يقرنها في الأذهان بالسياسة وبرامجها والتزاماتها، تلك "السياسة" التي لا تتبقى بمقتضى ذلك فضيلة، ما دامت ماهيات مستعصية على التحديد والرصد والتعيين هي من أو ما يمسك بزمام الأمور (انظر هـــنــــا). ويصدق على كل ذلك، من باب القياس مع وجوذ الفارق، قول التنزيل: {إن هي إلا أسماء سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان. إنْ يتّبعون إلّا الظن وما تهوى الأنفس}/سورة "النجم".
خلاصة بالواضح، لا بالمرموز، ولا بالتلبيس
بعبارات أخرى أكثر فجاجة - والفجاجة أهون ضررا من التلبيس والإبهام-، يعلم الجميع اليوم بفضل فصول الدستور أن هناك سلطة تنفيذية موصوفة كيفيات التشكيل والصلاحيات والمسؤوليات، وموصوفة العلاقات مع كل من السلطات التشريعية والمؤسسة الملكية اللتين حدد الدستور كذلك أدوارهما وصلاحياتهما، كما يعلم الجميع سياسيا أن المؤسسة الملكية مؤسسة لها أدواتها ودواوينها التي بها تمارس صلاحياتها الدستورية. وكما يقال، وكما تمثل بذلك الملك الراحل، الحسن الثاني يوما في شأن بعض من يريد السمن وثمن السمن في نفس الوقت، فإن "اللي بغى سيدي بوغانيم يبغيه بقلالشو". وبهذا الفهم، وبقطع النظر عن حيثيات وظروف ميلاد التنظيمات السياسية في المغرب التي يشترك في جوهر طبيعتها جل الفرقاء بتنويعات طفيفة مما تمليه الظرفية (انظر هـــــنـــــا؛ بالفرنسية)، فإن كل هيئة سياسية تتتقدم إلى ممارسة السلطة عبر المساطر الدستورية، ابتداء بتشكيلها لنفسها كهيئة سياسية ذات برنامج سياسي محدد في الزمن ومفصل حسب القطاعات تؤطر المواطنين على اساسه ليرفعوها إلى دائرة ممارسة السلطة الحكومية، إنما تفعل ذلك منطقيا على بيّـنة من أن معمارية الدولة، كما شيدها الدستور، معمارية تسمح لها آليات اشتغالها بالوفاء بالتزاماتها التي ستحاسب على أساسها، وأنها، أي تلك التشكيلة السياسية، حينما يحصل أن تقتنع اقتناعا، من خلال الممارسة، بأن هناك خللا فادحا في آلية الاشتغال كما وصف الدستور تلك الآلية، لن تتردد في تحمّـل مسؤوليتها بالكشف عن الخروقات المحددة والموصوفة، فتقوم بما يسمح به الدستور وما يقتضيه تحمّل المسؤولية المربوطة بالمحاسبة السياسية، مجبِرة بذلك كلّ شبح من الأشباح إلى ازالة القناع والخروج إلى العلن، إي أجبار "الحكم" أو "التحكم" أو هما معا على ارتداء الزيّ الرسمي لـ"الحكومة" ("واللي كا يشطـ'ـح ما يغطي و'جــهو").
وفي هذا الصدد، لا مانع يمنع فاعلا سياسا أو محللا سياسيا، حتى وإن كان ذا قبعة صحفية، من أن يقتنع اقتناعا، فيعمل على إقناع المواطنين بالدور السياسي المحض في ظرفية معينة من الظرفيات لممارسة تشكيلة سياسية معيّنة للسطلة الحكومية و/أو لاستمرارها في ممارستها بدون شق برنامج تدبيري تتم على أساسه المحاسبة (أي ما سماه رئيس الحكومة الحالي، السيد عبد الإله بنكيران في أحد حواراته الصحفية بـ"الدور التاريخي" مشيرا على سبيل تداعي الأفكار إلى الأوضاع في سوريا وليبيا!)؛ إذ لا مانع من أن يكون ذلك الدور السياسي المحض صحيحا قائما في بعض الظروف. لكن يتعين أن يتم الإقناع بذلك باستعمال المنطق السياسي المناسب بقضاياه وأطروحاته وبالأدوات المفهومية الملائمة بدون تلبيس وخلط للأنواع الأدبية ("واللي كا يشطـ'ـح ما كا يغطّي و'جــهو" هنا كذلك)، عكس ما حصل في الافتتاحية الصحفية المشار إليها أعلاه بعنوان "الحكومة والحكم والتحكّم"، التي ختمها كاتبها بسردية روائية طويلة تنم عن موهبة أدبية وخصب في الخيال لا يستهان بهما بل يستحقان باقة من "جيمات" الإعجاب، حيث يقول:
[[مبررات من ينتقد بنكيران ويريد أن يقنعه بسياسية "سدّ فُـمّـ'ـك" تقول لرئيس الحكومة: إن كل ما تقوله عن وجود دولتين في المملكة الشريفة كذب وافتراء، وهو من بنات خيالك أو من أحلام يقظتك. وإذا وُجدت دولتان في المملكة، وهذا مستبعد جدا، فإنك أنت المسؤول عن ذلك. فلماذا لا تضع البيضة في الطاس وتقلب الطاولة وترجع إلى المعارضة؟ وإذا كنت غير قادر على فعل ذلك فاصمت وتحمّل الضرب تحت الحزام؛ فهذه هي فاتورة كرسي رءاسة الحكومة"… إن الأمر أشبه ما يكون بشخص فقد بيته وعجز عن استرداده بالقوة لأنه إما ضعيف أو لا يريد أن يدخل في حلبة الملاكمة حرصا على سلامته أو سلامة عائلته، فاختار طريقا آخر لاسترجاع بيته بالحديث للناس عن مظلمته وتعميم شكواه في محاولة لنزع شرعية حيازة البيت بطرق غير شرعية. وحتى يضغط على من أخذوا منه منزله ويدفعهم إلى إرجاعه بالتي هي أحسن، وهو يشهد الناس على ما جرى، ويترافع عن حقه أمام المجتمع، فجاء من نصحه بالصمت والكف عن البكاء والعويل لأنه يشوّش على المالكين الجدد لبيته ويؤلب الناس عليهم ويمس بصورتهم، وهذا حرام لا يجوز. وعوض أن يقول لهم هذا المواطن المغلوب على أمره "آمين" ويصمت ويعمل بالنصيحة أو يخاف التهديد، سألهم سؤالا محرجا: "إذا كان بكائي على حقي حراما، فهل أخذ بيتي حلال؟"]]. انتهت تراجيدية "هامليت" المغربي ("أن تكون أو لا تكون، تلك هي المسالة") بقلم كاتبها، المحلـّـل السيكو-سياسي، توفيق شيكسبير؛ ومن أعجبته وبهرته، فليؤشر عليها بـ"جـيـــم" أو بــ"جاضور".
أما إذا ما تم اقتناع البعض بأن الخلل هيكلي في أصل وأساس معمارية الدولة كما شيدها دستور 2011، فإنه يتعين حينئذ إقناع الجميع بضرورة التوافق من جديد حول مراجعة تلك المعمارية وبأن ذلك أصوبُ وممكنُ التحقيق هنا والآن بدون خسائر ولا مغامرات. أما ما عدا الخيارين الأخيرين فهو أقرب إلى الفتنة البلطجية الفكرية والسياسية، تكفّ معه السياسة، خطابا وفعلا، عن أن تظلّ فضيلة، إذ تصبح معه خبثا ورذيلة.
ذلك أنه إذا ما كان لمصطلح "المخزن" (وكل التسميات المبطنة اللاحقة، وآخرها "التحكّـم") مفهوم ملموس يحيل على واقع ملموس في ما قبل الحماية، ومع الحماية التي لم تعمل إلا على الاستفادة من بنيات ذلك الجهاز وتقويتها وبسطها على فضاءات كانت مستعصية (ما كان يعرف ببلاد "السايبة")، وكذلك في ما بعد الحماية بعقود، باعتبار ذلك المصطلح/المفهوم يحيل على ذلك الجهاز الإداري-الترابي لـــتــصريف سلطة مركزية بتفويضاتها العينية التي كانت تتم بناء على شبكة وهرمية الولاءات المباشرة برمزياتها التي لا تضبط معماريتها وآليات اشتغالها أي منظومة نصوص قانونية صورية منسجمة وواضحة، وذلك بشكل يجعل ذلك الجهاز في نهاية الأمر عبارة عن آلية للتنزيل العملي ترابيا لإرادة سلطة المؤسسة الملكية في صورتها التقليدية عبر واقع قوَى النفوذ السوسيو-سياسي والاقتصادي التقليدية، فإن واقع العهد الجديد مختلف تماما.
فكما أن الصورة التقليدية لعلاقة المؤسسة الملكية بالجهاز الإداري المخزني كان يعكسها بوضوح ليس فقط تاريخ وقائع الممارسات الفعلية للسلط (تعيين الحكومات، التحكم الإداري المباشر في الانتخابات، التعامل مع الهيئات التشريعية) ولكن يعكسها كذلك استعراض النصوص المؤسسة من جهة (مختلف صيغ الدستور) واستعراض ديوان أدبيات الخطب الملكية الرسمية من جهة أخرى، تلك الأدبيات التي تبيّن بوضوح المفهوم التقليدي للسلطة القائمة على أساس مجرد تفويض إنجاز الإرادة بناء على مؤشرات الولاء مهما كانت طبيعة السلطة المفوضة، تنفيذية أم تشريعية أم قضائية (التفاصيل هــــــنــــا)، فكذلك الصورة الحالية لعلاقة المؤسسة الملكية بالسلطة السياسية عامة في صرح الدولة يعكسها ليس فقط تاريخ وقائع الممارسات الفعلية للسلط (تشكيل الحكومات، كيفية تام الانتخابات، التعامل مع الهيئات التشريعية)، ولكن يعكسها كذلك استعراض النصوص المؤسسة من جهة (دستور 2011) واستعراض ديوان أدبيات الخطب الملكية الرسمية من جهة أخرى، تلك الأدبيات التي تبين بوضوح المفهوم الجديد للسلطة، وهو مفهوم يتميز، وخلافا لسابقه بالإلحاح على الجانب المؤسساتي، وعلى مسؤولية المسؤولين التي تستتبع المحاسبة بدل الإلحاح على مجرد إعلان الخدمة والولاء للتملص من المسؤولية، وكذا الإلحاح على ضرورة تأهيل القوى السياسية لنفسها بعقد مؤتمراتها وتجديد نخبها وتنويعها ما بين الجنسين وما بين المركز والهامش وكذلك الحث على الممارسة النظيفة للسياسة من خلال الانكباب على التشريع بدل الاشتغال بمجرد السباب والتقريع. هذه الأدبيات متوفرة وذات دلالة في الحالة الأولى وفي الحالة الثانية ويتعين استقراؤها في كل بحث أو تحليل لتبيُّنِ طبيعة المؤسسات في تطورها وليس عن طريق خطابات تحنط بعض التصورات في الأذهان.
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres