(EN ARABE) L'entité "Makhzen" aujourd'hui au Maroc: réalité ou hantise?
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS, puis sur ARABE(Windows).
ماهية "المخزن" اليومَ،
ما بين الواقع والوسواس
المفاهيم أدوات ذهنية حاسمة في تحديد مدى قدرة ثقافة
جمعية معينة على التعامل الإيجابي مع المحيطين الطبيعي والإنساني-التاريخي،
وذلك باعتبار درجة الدقة الصورية لمعالم تلك المفاهيم، أو تداخلها بالعكس من
ذلك واشتباهها وانبهامها، وكذلك باعتبار مطابقتها للواقعين، الطبيعي
أو التاريخي، أو لمجرد مقتضى الذهن، أو كونها مجرد أشباح وتمثلات وثنية
مختـلـَـقة، تحتل فضاء الذهنية المعينة وتستعمر ملكاتها، فتقطع صلتها بالحقيقة
والواقع. في الحلقة الأخيرة من هذا العمود، حاولنا رفع الالتباس الذي يقيمه البعض
ما بين مفهومين من مفاهيم فلسفة الأخلاق في باب الحكم، ألا وهما مفهوم "المشروعية"
من جهة، ومفهوم "مطابقة القانون" من جهة ثانية. ومما له علاقة
بتدقيق المفاهيم، لكنه ينتمي هذه المرة إلى حقل دياكرونية بعض أشكال مؤسسات الحكم،
مفهوم "المخزن" الذي له تاريخ خاص، لغة واصطلاحا، كمميز من
مميزات تاريخ الدولة المغربية. وبما أنه قد لوحظ منذ عقود أن هناك جنوحا في الخطاب
السياسي والصحفي نحو تجنب تسمية كثير من الأطراف الملموسة في حقل الفعل السياسي
بتسمياتها، والجنوح بدل ذلك إلى أساليب بيانية تستعمل التشبيه والاستعارة
والكناية لــ"شبحنة" تلك الأطراف وتعويم المسؤولية، فقد
أصبحت الحاجة ماسة اليوم إلى مساءلة كثير من تلك المفاهيم الشبحية؛ وآخر الألفاظ
المستحدثة للدلالة على تلك الماهيات الشبحية هما لفظا "التماسيح"
و"العفاريت"، اللذان أصبحا مؤخرا عملة صعبة في باب التعبئة
والإقناع السياسين، وذلك بعد أن حلاّ، كـ"مسؤولين" عن كل النقائص
والشرور، محل سلسلة من الألفاظ المتناسخة والمتقادمة في نفس القاموس من قبيل:
"خصوم الديموقراطية"، "الحزب السري"، "جيوب
المقاومة"، "لوبيات الفساد"، وذلك دون أن يكلف تأثيمُ
كل هذه الماهيات العنقائية أيَّ حرج أو تبعة سياسية لكل من يملـّـص
على عاتقها كل الأوزار والتبعات ممن يتخذ من ثقافة المعاكسة والاحتجاج
ورفض مبدإ الدولة مبررَ وجودٍ سياسي. وعلى رأس تلك الألفاظ
التحليلية والتعبوية التي تستدعي اليوم إعمال الفكر النقدي لاستجلاء ما
وراءها من مضامين، هناك لفظ "المخزن" كما يستعمل في مغرب اليوم،
وبما يحيل عليه على أرض الواقع. ونفضل أن نعطي هنا الكلمة لتفصيل القول في
ذلك، لأحد المتخصصين في تاريخ مؤسسة "المخزن"، الأنثروبولوجي محمد
الناجي، وذلك من خلال ترجمتنا الآتية عن اللغة الفرنسية لأحد نصوصه الأخيرة بعنوان
معناه "وسواس المخزن". فها هي ترجمة النص:
[["المخزن"، "المخزن"،
"المخزن" ... يصرّ الخيال الشعبي على تأثيث مفاد هذا اللفظ بمختلف الصور
والتمثلات: سجناء مصفدون، رؤوس مقطوعة ومعلقة على أبواب الحواضر السلطانية، جُباة
ضرائب مُشهرون بنادقَهم، حملات عسكرية متحركة تقتات على حساب الأهالي، حُجّاب
وسلاطين من كل رهط.
يبدو أن قدرة مفهوم هذا اللفظ على سحر
واستهواء الأذهان لا حدود لها؛ إنه لفظ تتولد عن ترديد البعض له متعةُ الشعورِ
بالخلاص؛ ويشكل استعمالـُه متنفسا لكل صحفي تعوزه الأفكار. ذلك لأن حكايات
الأشباح والأرواح تُــلهب دائما حماس الجمهور. إنه لغريب فعلا شأن هذا الأمر؛ فهاهو مصطلح من المصطلحات
الدلالة على ماهية تجرّ وراءها سمعة لا تحسد عليها من حيث ما يحيل عليه ذلك
المصطلح من سيئات القمع والطغيان والتبذير، ومع ذلك فما يزال ذلك المصطلح يسكن، في
جذل وارتياح، ثنايا خطاب الصحافة لدينا.
فـ"المخزن" يشكل باطراد، وبلا توقف، موضوعا للصفحات الأولى، ولملفات
كثير من اليوميات والأسبوعيات.
ماذا يمكن أن يقال عن معاينة هذا الواقع الذهني
كما هو قائم؟ وكيف يمكن تفسير ذلك الواقع الذهني؟ أفيتعلق الأمر بمجرد حنين محض
إلى الماضي؟ إذا كان الأمر كذلك، فسيكون ذلك القبيل من الحنين حنينا غريبا ومن
العيار السيئ، من حيث إنه يغذّي ويربّي تشبثا مرضيا في أعماق وعي المجتمع
بجلاده القديم. إلا أن هذا القبيل من التفسير لا يمكن أن يذهب بعيدا كـتعليل. ومن
جهة ثانية، لا يمكن الزعم بأن هذه الماهية المؤسسية التي تعاظم التنديد بها اليوم
إنما كثر الحديث عنها بالضبط لأنها ما تزال في الحقيقية حية تخترق البنيات الجديدة
للدولة، ولأنها الماهية التي تفسر كثيرا من آليات تلك البنيات. هذا أسلوب في
التفسير مفرط السهولة، من حيث إنه أسلوب
يتملص من الإشكال عن طريق تجاهله والفرار منه. فمما لا شكل فيه أن الدولة
المغربية تطورت اليوم كثيرا؛ ولم يعد يربطها شيء ذو بال، من حيث الجوهر، بجهاز
المخزن التاريخي.
إذن، فكيف يمكن تأويل هذا الاستحضار الملحّ، على أعمدة
الورق، لصورة هذا الجهاز إلى درجة أن ذلك الاستحضار يصبح في النهاية بمثابة
حضور وجودي حقيقي لذلك الجهاز؟ يبدو، في هذا الباب، أن هناك صعوبة
حقيقية لدى الكثيرين في تمثل اللحظة الانتقالية الجارية لمجتمعنا المركـّـب،
الذي تتزاحم فيه إشارات متناقضة أحيانا، وتتعايش فيه بنيات تعطي أنماطـُ التمفصل
بينها للملاحظ الانطباعَ بسيادة اللجوء إلى الترقيع بدل سيادة التماسك والضبط
والانسجام. وبناء على ذلك، فإن شبح "المخزن" لا يستوطن الأذهان
بمحض الصدفة وبشكل اعتباطي؛ إنه بالأحرى يسكنها بسبب قصورها عن إدراك جوهر
ودلالات التغييرات الجارية التي تندرج في أنماط تطورية جد خاصة، مركبة
وجدّ مستعصية على التصور والتمثل. أكيد أن غلبة حضور المؤسسة الملكية تفسر جانبا
من جوانب التمادي في استحضار صورة ماهية "المخزن"؛ إلا أنها تفسر
ذلك من داخل نفس المنطق، أي من حيث إنه
ليس هناك في الأذهان تمثل وتصوّر واضحان لا لأشكال التمفصل ما بين المؤسسة
الملكية من جهة، وبقية مكونات دوائر اتخاذ القرار في الدولة من جهة ثانية، ولا
للمستويات والأصعدة التي يتم عليها ذلك التمفصل.
أكيد أن ماهية "المخزن" تمثل أساسا تجاريا يكثر عليه الطلب؛ لكن هذا الوجه لا يكفي لتعليل الافتتان بـ"المخزن" كمفهوم؛ فذلك الافتتان، لا يكفي منطقُ السوق وحدَه لتفسيره. إنه افتتان يعود إلى قصور في التصور أكثر مما يرجع إلى مجرد حنين إلى تمثلات الماضي؛ ولعله يعود كذلك، جزئيا ومن جهة أخرى، إلى تخوف وإشفاق غير واع، يسكن حاضرَنا الجماعي، تخوّف من أن لا تتمكن الحركية الانتقالية الجارية من الإفضاء إلى غايتها، وإشفاق من رؤية نسيج اجتماعي وسياسي 'مشوه الصورة" ولا يفي كامل الوفاء بوعودِ حداثةٍ منشودة، قد تصبح، بسبب ذلك، هدفا يتم الإخفاق في بلوغه. ولذلك يتوجس البعضُ خيفة من كون ما يشبه عفريتا من العفاريت يكمن في جوف أحشاء الدولة، فيحاول ذلك البعضُ طرد ذلك العفريت بالتعزيمات والرُقى، عن طريق ترديد اسمه والتعوذ منه، قصد إجلائه بمفعول سحري. إن مفهوم المخزن ليعكس أمام أعيننا إذن، في نهاية التحليل، صورة لعُـقـمنا البنيوي الخاص، الذي تحوّل، على مستوى التصور، إلى عجز عن رسم معالم المستقبل. إنه مفهوم يلـُوح في أذهاننا كـفـزّاعة تكبـُـت في قرارتنا قوى التـَوق إلى الحداثة.]]
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres