(En arabe) Pourquoi les articles et thèses scientifiques sont courts?
لماذا تكون المقالات والرسائل أو الأطاريح العلمية قليلة الصفحات؟
تكون المقالات والرسائل أو الأطاريح العلمية قليلة الصفحات بسبب ما يلي:
1- لأنها نصوصها لا تستعمل سوى مصطلحات محدّدة المفهوم سلفا تحديدا صوريا في الحقل المعرفي المعني؛ وإذا ما اضطرّ الباحث إلى ابتداع مصطلح لمفهوم جديد من تصوّره الخاصّ، يقوم أولا بتعريف ذلك المفهوم مستعملا في ذلك التعريف الحدود والمقولات الواضحة في أذهان المجموعة العلمية في ذلك الحقل.
2- ولأن تلك الأعمال لا تتناول سوى قضيةٍ من القضايا توصّل بشأنها الباحث إلى فرضيّـــة تفسيــــــريّة حول واقع معطيات معينة، يقوم بصياغتها وعرضها وتتمثل بقية عمله في مجرّد إقامة برهنــــــــــة متماســـــــكة تماسكا رياضيا على صحتها، وذلك باستعمال مصطلحات الموقولات والمفاهيم بالشكل المشار إليه في النقطة-1، وباختبار توقّعات تلك الفرضية عن طريق مقارعتها بالمعطيــــــات التجريبيّــــــة القائمة في الحقل المعرفي المعني. فليس هناك مقال أو رسالة أو أطروحة علمية بدون فرضية علمية (Une THESE, c’est la DEFENCE d’une hypoTHESE).
3- ولأن الخاصيّـتين 1 و 2، لا تسمحان إلا باليقيـــــــن الثابت منطقيّــــا، ولا تسمحان للباحث بالاستسلام إلى الافتراضات الظنّيّــــــــــة وإلى استعمال الاحتمالات والتشبيهات والتعميمات التي لا يمكن لا إثباتها ولا نفيها لكنّها تفتح أبوب تقليب الكلام المجاني الفضفاض تقليبات لا نهاية منطقية لها.
4- ولأن اللغة الرياضيّــــــــــــة التي تقتضيها الخصائص الثلاثة السابقة تجعل كل جملة بسيطة أو مركبة من جمل العمل المربوطة بروابط المنطقية (بما أن، إذن، لكن، ما عدا...) إما خطوة ضرورية منطقيا من خطوات عــــــــــرض أوجه السؤال/الإشكال المعرفي، وصفيـــــــــــــا كان الإشكل أم تفسيـــــــــــــريا/تعليــــــــــــليا أم هما معا، و/أو من خطوات صياغة الفرضية المقدّمة كتفسيـــــر وتعليـــــــــل لكون معطيات الموضوع على ما هي عليه، و/أو من خطوات البرهنة على صحة الفرضية ومطابقتها لموضوع صياغتها باعتبار معطياته التجريبية، المُعايَنِ منها استــقـــــــــــراء، والمتوقّع/المفترض وجوده بحكم الفرضية المقدّمة، الخ. وإما أن تلك الجملة عبارة عن حشـــــــو وتكرار أو استطـــــــراد يشوّشان على تتبّع خطوات منطق البرهنة، فيحرص الباحث على تجنّبهما كما يحرص على تجنّب الخطإ على حدّ السواء.
5- ومن بين أوجه الحشو والاستطراد المشوّش، الذي يتمّ تجنبه في تحرير النص العلمي، ما يمكن تسميته بـ"قصّـــة التفكيـــــــر"، أي تحرير المراحـــــــل التفكيريّــــة التي انتهت بالباحث إلى صياغة فرضيته، أي استعراض سلسلة من الفرضيات السابق تقديمها بالفعل حول الموضوع أو الفرضيات الممكنة التي ربّما كانت قد خطرت على باله فاكتشف محدوديتها الوصفية للمعطيات أو خطأها التوقّعي بشأن تلك المعطيات قبل أن يهتدي إلى الفرضية الأصح الحائزة للكفاية الوصفية والتفسيرية.
إن الباحث يحرر مقاله على ضوء آخــــــــــــــــر الفرضيات التي مرت بذهنه وتبيّن أنها الأمثل من حيث كفاياتها الوصفية والتفسيرية. وإذا ما كان الأمر هكذا بالنسبة لتطور تفكير الباحث نفسه في الموضوع، فما بالك باقتباس/استعراض فقرات من أقــــــــــــوال من قال شيئا في هذا الاتجاه أو ذاك، استعراضا على سبيل الاتفاق (ونحن نتفق مع 'س') أو الاختلاف (ونحن نختلف مع 'ع')، في ما عدا الإحالة في الهوامش إلى من سبق أن تناول الموضوع، وذلك من باب المعلومات البيبليوغرافية اللازم الإشارة إليها؟ وما بالك بمسألة المقدمات "الطــلليّـة"، أي "إشكالية" كيفية الدخول في الموضوع: "من المعلوم منذ القدم أن ..."؟ أم "لا يختلف اثنان في كون كذا..."؟ أم "اثبت العلم الحديث بما لايدع مجالا للشكّ أن ..."، الخ.
--------------י---------
وأتذكر في هذا الباب الأخير، باب الحشو المشوّش، قصة تحريري سنة 1984 للقسم الرابع من الأقسام الخمسة المشكلة لرسالتي من أجل دكتوراه السلك الثالث، الذي كان موضوعه هو "الصحاح المشفّهة" في الأمازيغية (أي الصحاح المشْربة، في نطقها ،بـ"روم لضمّ"، مثل k°, g°, q°) والتي كان وصف وتفسير تقلّـباتها (اغـــيول/يغُـــيال "حمار/حُمُر"؛ اكًــدور/يكًـُـــدار "قُـلّة/قُلَــل") من معضلات الدراسات اللسانية الأمازيغية حينئذ. فمن خلال تقليب المعطيات المعجمية التي في حوزتي على شكل جذاذات، زيادة على معرفتي باللغة سليقة، خطرت على بالي عدة فرضيات، الواحدة تلو الأخرى، كنت أحرر صياغتها ثم أبيّن عدم صلاحيتها بالنظر إلى الوقوف على كلمة أو تقلّب من التقلبات الصوتية لا تتوقعه تلك الفرضية أو نظر لكونها تتوقع وتسمح قواعدها بوجود كلمات لا وجود لأمثالها في المعطيات التجريبية، أي ما يسمّى بـ"إفراط التوليد" overgeneration. لمّا انبثقت في ذهني الفرضية التي حازت الكفاية الوصفية والتفسيرية، لم أعمد إلى صياغتها وعرضها مباشرة في التحرير النهائي للقسم المذكور المزع عرضه على الأستاذ المشرف. لقد قمت بصياغة ما يشبه "قصة تفكير": أعرض الفرضية الأولى ثم أبين محدوديتها، ثم الثانية، ثم الثالثة، إلى أن أنتهي إلى الفرضية التي تحوز جميع الكفايات.
ولما راجع المشرف على رسالتي، اللساني الفرنسي، فرانسو ديل، ذلك القسم، هنّأني علي حلّ إشكالية الصحاح المشفّهة؛ ولكنه نبّهني على الفور إلى أن استعراض "قصة مراحل التفكير" مضيعة لوقت وجهد القارئ، وأنه يتعين عليّ أسقاط تلك "القصة" من صيغة التحرير لأن الغاية من النص العلمي ليست هي تغذية التشويق والترقب suspens لدى قارئ النص اللساني لحل الإشكال المعرفي المصوغة أوجهه، ولكن الغاية هي الحـــــــــــلّ ذاته ولا شيء غيره (وتبقى رحلة الباحث الفكرية من باب "البيوغرافيا التفكيرية" الخاصة به). تبرّمت في صمت من ذلك، لأن من شأنه أن يقلص لي من حجــــــــــــم الرسالة؛ ولكنّي فهمت الأمر من بعد، وتعلمت من ذلك التوجيه كثيرا في اللاحق من أعمالي.
------------------------
مما له علاقة بالموضوع:
1- "كيف تختار وتنجز بحثا أكاديميا؟"
https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-concevoir-et-rediger-un-memoire-ou-une-these
2- "الفرضية والتوقّعية في البحث العلمي عامّة، وفي البحث اللساني خاصّة"
3- Concis de la phonologie des consonnes labiales et des labialisées en Tashelhiyt
----------------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres