OrBinah

(En arabe) Concevoir et rédiger un mémoire ou une thèse

كيف تختار وتنجز بحثا أكاديميا

 

 

منهجية البحث عن موضوع للبحث فيه (بحث إجازة، راسالة/أطروحة أو دراسة للنشر) وأوفاق هيكلة تصوّر ذلك البحث وتحريره، من المسائل التي غاليا ما تُترك لحد الآن في الجامعة المغربية لمجرد التجريب الشخصي. في حين أن تلك المنهجية تشكل، في أماكن أخرى، موضوع عناية خاصة مواكبة للتكوين في الميدان المعين، تتداخل فيها الممارسة الفعلية في العلاقة بين الباحث الناشئ والمكون/المؤطر مع مع موادّ قرائية في المنهجية العامة للتمرّن على ممارسة البحث. وهذه بعض الأفكار العامة حول هذه المنهجية:

 

1-      موضوع البحث (وهو غالبا ما يكون عنوانا أوليّا يتم ضبطه بعد التقدم في البحث أو حتى بعد إنجازه) ليس شيئا ُيتوصل إليه بالتفكير التخميني الشخصي المرسل، ولا بالتماس اقتراحه من طرف الغير بما في ذلك الأستاذ المؤطـِّر ("أستاذ واش يمكن تقتارح علّيا شي موضوع؟). فمن خلال التجربة غالبا ما تندرج المواضيع التي يقترحها أستاذ مؤطر في باب السخرة العلمية والاستخدام. ومن دخل عالم البحث من ذلك الباب لن يذهب قط بعيدا. إن موضوع البحث تتحدّد معالمه تدريجيا عبر الملاحظة خلال القراءة المتـأنية والنقدية التي لا تتحمّس لكل ما يُقرأ. ذلك القبيل من القراءة الملاحِظة النقدية يرصُد الأسئلة الكبرى والصغري المطروحة في البال ويضيف إليها أسئلة غير مطرحة لكنها تفرض نفسها على الذهن في موضوع القراءة. يدوّن الباحث كل تلك الملاحظات الأولية كتابةً واضحة في جذاذات مرقمة تحمل توثيق العمل المقروء (كتاب أو مقال) بشكل يمكن من العودة إليه عند الحاجة. كلّ هذا يحصّن الباحث الناشئ من آفة تناسخ الأفكار التي يمحو لاحقها سابقها ولا يربط بينها خيط يمكّن من انبثــــاق ســـــؤال كبيـــــر أوســــع يكون هو عنوان تصور مؤقت للموضوع. وليكن الباحث على يقين من أنّ أي فكرة أو سؤال/تساؤل يرد على ذهنه في أي ظرف من الظروف سيُنسى أو يُنسخ بغيره ما لم يكتب؛ وهذا بشكل عام.

إنجاز هذا التصوّر الموقت للموضوع له مزية تتمثل في أنه يوجّه الباحث الناشئ إلى المظانّ التي عسى أن يجد فيها معالجات مختلفة لذلك الموضوع المؤقت، ويحصر بذلك نوعية مكتبته بدل أن يتيه في التهام كل شيء بشكل يجعله يحار ويضل في النهاية.

 

2-      انطلاقا من انبثاق ذلك السؤال الكبير المذكور، يصوغ الباحث مشروع بحثه في بضع صفحات تبين الموضوع في تصوره الأول، وتعلل اختياره من الناحية العلمية (إما أنه لم يطرق، وإما أنه عولج بشكل يطرح بشأنه إشكالات معينة)، وتبيّن المنحى الذي ستتمثل فيه الإضافة العلمية لصاحب المشروع، مع إرفاق مشروع البحث بلائحة للمراجع التي على أساس الاطلاع عليها تم تصور مشروع البحث.

 

3-      موازاة مع إعداد جذاذات المقروءات بالشكل المذكور، يشرع الباحث في تحرير فقرات وأوراق في ما يعنّ له من أفكار حول مسائل معينة، مع إحالة فيها إلى جذاذات معــنيّة بأرقامها أو حتى إلى المراجع بالضبط التي تحيل عليها الجذاذات والتي تكون قد عالجت المسألة بشكل أو بآخر. مزية هذا التحرير الجزئي، الموازي لتكوين الجذاذات المرجعية (والذي يراجع لاحقا بالطبع) هي أنه يجنب ما يعترض كثيرا من الباحثين الناشئين من البلوكاج المعطّـِّل المتمثل في سؤال "كيــــف ومتــــى أشرع في التحرير؟"، هذا البلوكاج الذي يرمي بالبعض في دوامة القراءة وتكوين الجذاذات إلى ما لانهاية.

 

4-      بعد تراكم كمّ ذي اعتبار من الجذاذات ومن الأوراق التحريرية الجزئية في مسائل متفرقة لكن يجمعها موضوعٌ عامٌّ أخذت معالمه تتضح وذو صلة وثيقة بالتصور المؤقت لموضوع البحث أو مطابقٍ له، يعمد الباحث إلى تدقيق عنوان البحث/الرسالة. هذا التدقيق سيساعده على عدم التيــــــــه في تناسل الأسئــــــــلة الفرعيّــــة الجديدة التي تعِنّ له والتي من شأنها - حتى وإن كانت ذات أهمية – أن تغرق العمل في استطرادات لانهائية. هذا القبيل من الأسئلة الفرعية يمكن أن يشار إلى قيامها (سواء في فقرة أو في هامش) كأسئلة معلقة، وإلى أنه تم تركها مفتوحة أمام أبحاث أخرى لا حقة؛ فيتم بذلك إعطاء موضوع البحث استقلاليته وحصريته.

 

5-      بعد تدقيق العنوان النهائي وإعداد تصور عام لهيكة تحرير العمل بين دفتين، تُحرّر الأبواب/الفصول على شكل مقالات شبه نهائية بهوامشها الاولية وبلائحة مراجعها الأولية المحال عليها بالصفحة/الصفحات في صلب النص، كما لو أن المقال معدّ للنشر، ويحال المجزوء المحرر على الأستاذ المؤطر لإبداء الملاحظات، وحتى على قرّاء خارجيين ممن يوثق بهم قصد إبداء الملاحظات كذلك في الشكل والمضمون.

 

6-      بعد إدخال مــــا يــــــــراه الباحـــــث لازما من ملاحظات القرّاء، وأولهم المؤطر، مع العلم أن الباحث هو المسؤول الوحيد عن بحثه، يعمد الباحث إلى ما يشبه البناء والخياطة. ويتمثل ذلك في إعداد هيـــــــــكليـــــة عملية لتوالي الأبواب والفصول وفروع كل منها بين دفتين، هيكلة يكون لها منطق معرفي (التدرج من الموصوف المعلل إلى ما سيوصف ويعلل لاحقا) وإحالات داخلية مضبوطة في ما بين الأبواب والفصول وفروعها بترقيماتها المضبوطة بشكل يجنّب الاستطرادات المشتِّـتة لانتباه القارئ ولتتبّعه للتعليلات، ويجنب المصادرة على المطلوب أو الإحالات الفضفاضة التي لا طائل من ورائها، والتي فيها تحايل على نباهة القارئ من حيث إنها تفتح الباب أمام تسريب مجرّد الـــــــــرأي ("كما قلنا سابقا"، "كما سنرى"، "ومن المعلوم"، ...).

 

7-      وبعد إنجاز المرحلة-6 الأخيرة، يعمد الباحث إلى تحرير مقدمة عمله، التي هي آخر مراحل إنجاز البحث. والمقدمة اسمها يدلّ عليها: (أ) تقديم المسألة الكبرى الجامعة التي عالجها الباحث وعرضُ أسئلتها الفرعية، مع إشارات مقتضبة إلى الأدبيات السابقة التي تم الانطلاق منها لمعالجة المسألة، (ب) تقديم الأطروحة المميِّـزة الخاصة بالباحث حول المسألة، أي ما يمثل إضافته العلمية المتميزة في الباب، (ج) تفصيل أماكن معالجة القضايا الفرعية من مجموع العمل باعتبار الأبواب والفصول (في الفصل الأول تم تناول كذا، وتم فيه التوصل إلى كذا؛ ...؛ الخ.). كل هذا في ما لا يتعدى صفحتين أو ثلاثة.

 

8-      مسائل الشكر، وحتى الإهداء لا مانع منها لمن أراد. أما ظروف ومصاعب اختيار الموضوع، والعثور على المراجع، والسهر، والتنقل، وسائر مسائل سوسيولوجيا البحث والسيرة الذاتية، فلا محلّ لها بين دفتي بحث/رسالة/أطروحة على الرغم مما لذلك من أهمية على المستوى الشخصي للباحث.

--------------------------

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques

 



09/01/2019
4 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres