OrBinah

(En arabe) Enjeux idéologiques de la récitation coranique dite "tahezzabt" au Maroc

الرهان في النقاش حول أسلوب "تاحزّابت" في قراءة القرآن رهان أيديولوجي

(تابع لنص سابق؛ انقر هـــــنـــــا)

 

 

 

 

عـــــــقــــوق جيـــل

 

 

من مظاهر العـــــقـــــــوق و"الحكًرة" المتغطرسة ما يواجِه به بعضُ الجيل الجديد جيلَ آبائه وأمهاته وأسلافه عامة، من منطلق وصايةٍ مقلوبة الأساس (مهما كانت أسس مشروعية الوصاية مبدئيا) من جنوح جامح إلى القمع الثقافي في حق أولئك الآباء والأمهات.

 

موضوع هذه المعاينة العامة ومناسبتها هو بعضُ ما واجه به بعضُ هذا الجيل، ممّن غيّروا مشربهم فشُبِّهَ لهم أن قد جددوا معارفهم وهذبوا أذواقهم، شريطا من أشرطة الفيديو لحصّة من حصص قراءة القرآن جماعيا على طريقة المعروفة في بعض المناطق بـتسميّة "تاحـــزّابـــــت". قال أحدهم الذي تقاسم ذلك الشريط لأول مرة في شبكة الفايسبوك على سبيل التشنيع والتشهير بتاحزّابت كبدعة من البدع ما يلي:

 

 

1- [لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم؛ جريمة في حق القرآن الكريم . حاولت ان افهم ما يٌقرأ لم افهم إلا نباح الكلاب ((انالله وانا اليه راجعون ))].

 

2- ثم قال آخر معلقا: [كلابٌ نابحة. من برّأها فقد أساء إلى القرآن الكريم. هذا لغو، لا تلاوة.].

 

3- ثم قال ثالث معلقا: [لم أكتشف هذا المــــــنـــــــكر إلا بعد أن سكنت بالرباط]. ثم أضاف في مكان آخر [أطلـُبْ من أصدقاء صفحتك أن يحدّدوا الآيات التي يقرأها الأخوان في الفيديو الذي نشرته..شخصيّا لم أستطع إمساك رأس الخيط إلا بعد مرور 30 ثانية.. أكرر: المسألة فقهية صرفة، القرآن نزل بلسان عربي مبين، وأُمر المسلمون بترتيله .. ولا أظن أن تحزابت لها علاقة بالترتيل].

 

4- وقال "وطـــــــنـــــــيّ" متحمّس، متشبع هذه المرّة بـ"الوطنية" كما يُعبّر عنها في مباريات كرة القدم: [هادو هوما اللي خصّني نطلقهوم على الجارة ،،،،]؛ يقصد جنس الكلاب دائما.

 

5- وعقّب آخرون: [ههههه؛ هوما هادو بالذات اللي كنت قلت ليك طلقهوم عليها]؛ [ههههه واقيلا كلاو المعجون فأتاي، هاد الطـّـلبة]؛ [تجِبُ محاسبةُ هؤلاء على هذا. لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم].

 

.

 

إن أساليب قراءة القرآن قد خلّفت كمّا هائلا من الأدبيات على المستوى المؤسّـــــسي،  منذ أن تمّت عملية جمع المصحف وتوقيفه، ثم تفرعِ القراءات وتأسيس فنّ التجويد. ثم انضافت إلى كل ذلك، على المستوى التــــــــــداولي الواقعي، عناصرُ ســــــوسيو-ثقافيّــــــة من فنون القول والسماع والإسماع تعكس اختلافَ عادات المكان والزمان. وقراءة "تاحزّابـــت" الجماعية المغربية (بمختلف إيقاعاتها وطبوعها ومقاماتها ( من جبلية، وأندلسية-فاسية، وسوسية، وفيلالية ملحونية، ودرعية، وعيطاوية ...) ليست سوى وجه فرعي عامّ مغربي من بين تلك الأوجه الكبرى الأخرى، التي منها الحجازي، والخليجي، واليمني، والعراقي، والشامي، والنيلي، والنوبي ...).

 

  

 

وظيفة تاحزّابت كأسلوب في القراءة في علاقة ذلك بالشكل

 

 

كانت قراءة تاحزّابت الجماعية، كإيقاع وطبوع صوتية وكطقوس، من بين الأساليب الشكلية التي اقتضتها مقاصد تقاليد تلاوة الحزبين الرتيبين اليوميين (صباحا ومساء) على سبيل فرض كفاية جماعي في كتاتيب المداشر والقرى ومساجد الحواضر ببلاد المغرب. وكانت بذلك من بين الطرق البيداغوجية المتّبعة لترويج سماع المتن القرآني ولضمان جمعيّ لاستمرارية حفظ ذلك المتن في الصدور عن طريق الترديد والسماع المستمرين. وتلك أمور لا يمكن ضمانها بالقراءة الفردية (وذلك بقطع النظر عن جانب التأمل؛ لأن ذلك مسألة أخرى، ولا تتنافي ظروفه مع الغايات المذكورة).

 

وقد تأسّست على أساس من تلك الغايات طقوس أخرى شكليّة مصاحِبة عند انتقال تلك الطريقة إلى أطـُـر أخرى احـــتفـــــالية، أي إلى ما يعرف بـ"السلكة/الصدقة" بجميع أنواع مناسباتها (ختم القرآن، عقيقة، وفاة، مجرد إكراميات وإحسانيات وترويح صوفي وتفريغ لهموم رتابة الحياة اليومية؛ انظر هــــنــــــا). هذا الإطار الأخير، قد ربط تاحزّابت بمختلف طــــقوس الاحتــفــــــال (مأكل ومشرب وبخور ...)، بما يترتب عن ذلك من مظاهرالوجــد والتـواجـد والحـضـرة الصوفية، المعبّر عنها بالصــــوت والمَـيْـــد، حسب التقاليد الثقافية للجماعة في باب الصــوتيات والحــــركيّــــات في وظيفتهما التفريغية (fonction expressive).

 

 

 

ما بين مفهومي "الثـــــورة الدائمة" و"الفــــتـــح الدائم"

 

 

بعد هذا كله، الذي بفضله تميّز المغاربة عبر العصور بكونهم من أكبـــــــر الحفـــــظة،عددا وتمكّنا، والذي بفضله تميّزت بعض جهات القطر المغربي (سوس والريف وجبالة خاصة) بكونها قد شكلت عبر تاريخ الأجيال مناجم وخزّانات لتصدير المشارطين من معلّمي القرآن للأطفال إلى سائر جهات القُطر منذ حركة عبد الله بن ياسين ومدرسة وكًّاكًـ بن زلـّـو وغيرهما على مرّ الأجيال، يأتي جيل جديد مـــمّـــن أُنسُوا التاريخَ وغيّـــــروا مشـــــربـَـهم فأُشرِبوا في قلوبهم عِجلاً جديدا من عجول الآفاق، ليصدر أحكامَه على تقاليد أسلافه مستشهدا بهذا الرأي أو تلك الفتوى المنتقيَيــــن انتقاءً من رُكام كمّ هائل من الأدبيات التي تجدُ فيها الرأيَ ونقيضه في نفس الفرع من فروع المذهب المعيّن.

 

إن جوهر الظاهرة يرتد في النهاية إلى نظرية ضمنية غير مصرّح بلفظ مصطلحها، ألا وهي ما يمكن تسميته بنظرية "الفتح الدائم" التي عرفها التاريخ عملا وتطبيقا، تارة باسم محــــاربة الــــــردّة الجمـــــاعيّـــة، وتارة باسم محــــــاربــة البــــــدع الجمـــــاعية؛ وذلك على غرار المفهوم التروتسكي الحديث الـذي وضع له مصطلح صريح، هو "الثـــــورة الـــدائــــــمة".

 

 

 

تغيير منابع ومشارب الإكرام والإحسان

 

 

إن الذي حصل ويحصل اليوم بالملموس هو الشروع في محـــاربة أوجــــه الاحتفـــــال بقـــــــراءة القــــرآن بالطرق التي بها اخترق ذلك الكتابُ العصور والأزمنة محفوظا في الصدور في بلاد المغرب، محاربةً ليس حرصا على القرآن، ولكن انشغالاً بمِـلكيّة مصير،ٍ وبمصيرِ ملكية. يتم ذلك، من بين ما يتم به، عن طريق اختراق فضاءات الوجه المناسباتي الإكرامي "السلكَـوي" لتاحزّابت بجميع إيقاعاتها وطبوعها في المغرب، وتحويل فضاءات ذلك الوجه إلى حـــلقــــات سمـــــاعِ إطــــــــرابــاتِ أصواتٍ نجومية، على مقامات ألحان آفاقية، تتلوها محاضرات وحصص دروس توجيهية في العموم وبدون ترخيص قانوني، وينضبط فيها ولها الحاضرون انضباطا كانضباط جنودٍ أثناء قراءة الأمر اليومي.

 

والذي حصل بالملموس، في العمق في هذا الباب الأخير، إنما هو من التســـــلّـــل و"الكورسيركويطاج" السوسيولوجي في أوساط القُـراء بالمغرب تمّ على يد منتحلي القراءة المناسباتية مزاولة واحترافا، أو على شكل "اجتهاد" بالرأي في "أسس القراءة".

 

فإذ كانت فئة القرّاء التقليديين يعتمدون، في إحياء السلكات، على إكــــراميّـــــــات جماعتهم ككل، أو إحسانيّــــات أفراد جماعتهم كأفراد، فإن الفئة الثانية الناشئة اليوم ممّن غيّروا مشربهم تعتمد (في الغالب من حيث لا تشعر) على إكــــراميــــات غيــــــــر مبــــــــاشـــــرة من مشارب أخرى لا علم للجماعة بها.

 

وأخيرا، وإذ يسوق هؤلاء الذين يبدّعون تاحزّبت ويستنكرونها كأحد المنكَرات، خليطا من المستندات، من بينها مقياس القدرة على تميّز المسموع، فقال أحدهم تعليقا على سماع الفيديو المذكور مثلا: [حاولتُ أن افهم ما يٌقرأ لم أفهم إلا نباح الكلاب]؛ وقال آخر: [شخصيا لم أستطع إمساك رأس الخيط إلا بعد مرور 30 ثانية]، فكم من ثانية تلزم السامعَ ليتبيّن "رأس الخيط"، وذلك حينما ينصت إلى طـــــــــــرَب أحد المطـــربيــــن من ذوي الحناجر الفضية في أداءه الفردي (وأداء الفرد أوضح من أداء الكورال)، ذلك الذي يغنّي القرآن على طريقة ســــــــهــــرات سيدة الطرب العربي الراحلة أم كلتوم، فيرد عليه مؤتادو "السهرة" بصياحات ما يقابل "يا ليل، يا عين"؟:

https://www.youtube.com/watch?v=2oA7hJxIq68

 

 

 

خــــلاصــــة

 


بلاد المغرب كارفور وملتقى القارات والبحار والأجناس المختلفة من حيث الثقافاتِ والأيديولوديات ومن حيث مدى النفوذ و/أو الجنوح إلى التوسع. حصيلة تفاعل تلك العناصر الغنية بتنوعاتها هي ما شكّل، عبر التاريخ، عُجنة الخصوصية المغربية (والخصوصية مراتب من حيث درجة ترسخها ومدى عمقها التاريخي). لكنّ تلك الوضعية نفسها، وبما حصل عنها تاريخيا من خصوصية مغربية، تشكّل في نفس الوقت إطارا لاستهداف دائم يتربص بالمغرب لاختراقه على مرّ العصور وتبدّل الحقب توالي القوى الفاعلة في كل حقبة؛ بما في ذلك الحقبة الراهنة.

 

-  وإذ هياكل المؤسسات ذات التنظيم الإداري الحديث، ذي الولوج المسطريّ الصوريّ في جميع قطاعات وخطط الدولة الحديثة، وعلى الأخص منها قطاع التربية والتكوين والثقافة، هياكلُ سهلة الاختراق (بالنسبة لقطاع التربية والتكوين، انظر هـــــنـــــا بالعربية، وهـــــنـــــا بالفرنسية)؛

 

-  فإنه لم يبق من حصونٍ للخصوصية المغربية سوى التقاليد  ذات الأسس الانثروبوثقافية. إنها ما يمكن تسميته بـ"موروث الحصون الناعمة" (soft bastions heritage)، حصون مصفّحة ومدرّعة ومحصنة ليس بالحجارة والخرسان، ولا بترسانات القوانين الإدارية، ولكن بمجرد قوّة التقاليد السوسيو-ثقافية المرعية اجتماعيا. من ذلك، في باب فنون القول والسماع والحركة ومقامات الصوت وإيقاعاته، فنونٌ كثيرة من قبيل الملحون، وأحواش، وأحيدوس، والعيطات، والكدرة، والهون، والعلاوي، وتاسكيوين، الخ. وقد تمت الإشارة أعلاه إلى ما لِمقامات وإيقاعات تـــاحـــزّابــــت في جانب من جوانبها الشكلية، ومن حيث بعض وظائفها المتعددة (زيادة على وظيفة تحفيظ القرآن واستدامة ترديده) من وثيق الصلة بتلك الفنون.

 

-  وإذ تمّ اليومَ الشروع في اختراق فضاءات تــاحزّابــت من الداخل في أوجهها المناسباتية من خلال حصان طروادة المتمثل في فئة مَن غيروا مشربَهم بفضل سابق اختراق فضاءات التربية والتكوين منذ أكثر من ثلاثة عقود (روابط الإحالات السابقة)، فإن تاحزّابت لم تبق سوى في إطار تقاليد الحزب الرتيب حيثما لا تزال قائمة. وفي الوقت الذي يكتمل فيه نسفها من الداخل بفضل الدروس المكثفة في أوجهها المناسباتية، فإن الدور سيكون دورَ الفنون السابقة المشار إليها والتي قيل إنها تمثل "موروث الحصون الناعمة" بفضل عمل نفس "حصان طروادة".

 فالرهان إذن، رهان أيديولوجي وجيو-ستراتيجي؛ وليس مسألة معرفية في باب فقيهات القراءات والترتيل والتجويد، ولا حتى مجرد اختلاف في الأذواق الفنية الذاتية.

------------

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



17/03/2018
2 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 347 autres membres