(EN ARABE) De la tradition "sadaqa" au colloque "scientifique" au Maroc
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS/AUTRES, puis sur ARABE(Windows).
من تقاليد "السلكة" إلى بدعة الندوة "العلمية"
نشر الزميل سعيد يقطين مؤخرا (24 يونيو 2014) مقالا بيومية "القدس العربي تحت عنوان "الندوات الثقافية". وهو مقال يسائل من خلاله الكاتب جدوى وفعالية هذا الشكل أو "الفورما" من "فورمَهات" الفعل الفكري:
[[فاللقاءات الثقافية والتجمعات السياسية لا تثير اهتمام الجمهور الثقافي. ولا تُبذل مجهودات على المستويين النظري والعملي لفهم تلك الظاهرة وتفسيرها من أجل تغييرها ... فقد صار تنظيم النشاط الثقافي جزءا من روتين العمل. فالجامعة والوزارة والجمعية حين تنظم فعاليات ترصد لها مبالغ مهمة؛ ومطلوب منها تنظيم مثل هذه اللقاءات بصفة دورية للحصول على الدعم، وإثبات الحضور... فيبدأ الاستعجال في التنظيم، واستدعاء الممكن؛ وتكون الندوة كسابقاتها. وفي اختتام الندوة تقدَّم توصيات يتم نسيانها أو عدم اعتبارها. لذلك يعتبر بعضُ الحضور من الخارج، وحتى من الداخل، أن أحسن ما في مثل هذه اللقاءات هو "التعارف" الشخصي بين المثقفين الذين لا يلتقون أو لا يعرف بعضهم بعضا. لكن حتى هذا التعارف ينتهي بانتهاء اللقاء. فكثيرا ما يتبادل المنتدون بطائق الزيارة، ولكنها تظل معطلة وجامدة. ولا يحصل التواصل بعد التنائي إلا لغايات محدودة، أو لتبادل الدعوات والمصالح: دعَوتني اليوم إلى لقاء في بلدك، سأرد عليك بدعوة إلى بلدي… ولا تهم نوعية المشاركة أو قيمة المداخلة]].
الواقع أنه، مع فجر الثمانينات من القرن العشرين، برز هذا الشكل أو "الفورما" الجديد من "فورمَـهات" الفعل الثقافي والفكري (ندوة، مؤتمر، نشاط ثقافي) في الأوساط الأكاديمية، ليخلف بسرعة فعلَ القراءة والدرس والمحاضرة والنشر، ولمّا تُعمّر هذه الوظائفُ والأشكالُ أكثر من جيل منذ بداية التوسع النسبي للثقافة الكتابية بعد أجيال متعاقبة من غلبة الثقافة الشفهية. إن الأمر عبارة عن مظهر من مظاهر الاحتفالية في ثوبها الجديد، أي العودة من جديد إلى التقاليد الشفهية شكلا ومضمونا بشكل مقـنـّـع، تلك العودة التي بلغت اليوم أوجها مع وسائل الاتصال الأثيري والإليكتروني (التلفزة، الهاتف المحمول، الميل، الشبكة) التي أعفت هذا الجيل حتى من كتابة الرسائل العادية.
وتتعين هنا الإشارة إلى أن ربط مزية ووظيفة القراءة والكتابة بالطابع الاحتفالي شكلا ومضمونا ، كان ظاهرة تقليدية في المجتمع المغربي التقليدي؛ وكان ذلك يعرف فيه بـ"السـلـكـة" أو "الصدْقة" حسب المناطق. الفرق الوحيد بين تلك التقاليد الاحتفالية الشعبية السابقة والتقاليد "الأكاديمية" التي ترسخت اليوم على شكل ما يسمى بـ"الندوة" أو "المؤتمر" أو "النشاط الثقافي"، هي أن الأشكال القديمة كانت تؤخذ على ما هي عليه؛ أي باعتبارها مناسابات لتلبية وإشباع وظائف سوسيولوجية من خلال إكرامٌ، وإنفاقٌ، وإخوانيات، وطقوس، يتم ربطها بفصول ومواسم طبيعية (مواسم الشتاء والصيف وما بينهما) أو بمناسبات اجتماعية (ميلاد، وفاة، زواج، ختم القرآن، عودة من الحج، خروج من السجن، الخ.). ففي كل هذه المناسبات، كان يدعى "مثقفو" الوقت حينئذ (كانوا يعرفون بـ"الطْـلـْبة" أو "الفْـقـْهة")، أي أولئك الذين يكون لهم نصيب من ثقافة القراءة والكتابة وحفظ بعض المتون وتداول بعض المصطلحات التعجيزية بقطع النظر عن إدراك مفاهيمها، فيرتّـلون ما تيسّر لهم أن يرتّـلوا، في جو يطبعه الإنفاق والإكرام والتعارف والطقوس؛ ويكون ذلك الفضاء الاحتفالي بحكم طبيعته ووظيفته مناسبة لتأكيد ما هو قائم من التراتبيات الاجتماعية للقوم عامة بكل أبعادها، بما في ذلك التراتبيات والحلقيات والتكتلات القائمة في صفوف "مثقفي" الوقت في باب النجومية ومَن يُدعى إلى المأدبة ومن لا يُدعى، الخ. وظيفة التأكيد الرمزي لقيم التراتبيات الاجتماعية في مناسبات المواسم التقليدية (= المهرجانات والندوات اليوم) هي ما كان قد جعل سلطات الحماية الفرنسية مثلا تضع نظام مواسم الأولياء والصالحين في مقدمة اهتماماتها. وأتذكر في هذا الصدد مظهرا ما يزال قائما في بعض المناطق المغربية في باب الندوات والمهرجانات. فقد كانت الندوة تنظم من طرف مؤسسة أكاديمية؛ وكان الحاضرون ينتظرون ساعات صبيحة الافتتاح، في انتظار وصول الوفد الرسمي من وزراء وعمّال وقوّاد عسكريين ونواب برلمانيين وباشاوات ومسؤولي الأمن، الخ. يحتلون المقاعد المحتجزة لهم في الصفوف الأمامية بعد وصولهم، ويتعين على المنظمين أن يشكروا حضورهم بذكر صفة كل مسؤؤل حسب التراتبية العرفية.
وبما أن ذلك الشكل القديم من "النشاط الثقافي" كان يؤخذ على ما هو عليه، باعتبار وظيفته السوسيولوجية، فإنه ما كان يطرح فيه قط مشكل تكرار نفس الشيء (قراءة "طه" و"ياسين" أو أخماس "التفريق"، ومتني "البردة" "الهمزية" ونختلف الأدعية التي كانت بمثابة "توصيات" الوقت). أما الأشكال الجديدة اليوم، فقد انطوت على تناقض داخلي من حيث إنها تتم تحت قناع "معرفي أكاديمي" بينما جوهرها لا يختلف عن احتفاليات "السلكة". فذلك، في اعتقادي، ما يفسر كل المظاهر التي استعرضها الأستاذ سعيد يقطين بتفصيل ودقة.
الندوة العلمية في جوهرها الحديث، كما تم تطويرها حيث تم تطويرها، إطار من أطر البحث العلمي الأكاديمي وشكل من أشكال تمامه، يتميز عن الدرس والمحاضرة الأكاديمين وعن عمل المختبر، بكونه إطارا دوريا يهدف إلى جمع متخصصين في مجال معرفي معين قصد مقارعة آخر ما توصل إليه المشاركون في ما يتعلق بتطور البحث العلمي حول موضوع معين من مواضيع المجال المعرفي المعني من بين مجالات العلوم الياضية، أو الطبيعة، أو اللسانية، أو الأدبية، أو علوم النفس والمجتمع. وبما أن الاستفادة من الدرس ومن المحاضرة الأكاديميين أمر جدي يؤدي عنه من يريد الاستفادة منه، فإن الاستفادة من المشاركة في ندوة علمية قصد الاطلاع على آخر المعارف في الموضوع المعين في الميدان المعرفي المعني استفادة يؤدى عنها كذلك، على شكل ما يعرف بـ"رسوم التسجيل" (Registration fees)، إضافة إلى تكفل المشارك بنفقات التنقل والإقامة والتغذية. وفي البلدان التي تتوفر على نسيج مندمج، عمومي أو خصوصي، للبحث العلمي، تتوفر هناك مؤسسات (مؤسسات الانتماء أو مؤسسات دعم البحث العلمي) وآليات للتكفل لصالح المشارك الذي تقبل مساهمته بعد الفحص بمجموع تلك النفقات، جملة أو موزعة. أما أن يكون الملتقى المعين مناسبة للإكرامات والغدائية والترويحية في الفنادق المصنفة، وأن تكون مستحقات المموّن "الطريتور" من بين الأبواب القارة في ميزانيات المؤسسات الأكاديمية، فذلك وحده كاف كمؤشر لإعطاء دلالة حيقيقة لما تعلن عنه اللافتات العريضة والمطويات الملونة الصقيلة.
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres