(En arabe) Bouleversements socio-économiques et culturels vertigineux à Tigouga-Imdlawn (Maroc) et aux environs
بلدتا تيــــكًوكًــــا/يمدلاون بعين من لم يزرهما منذ 55 سنة
نموذج لتحولات مجالية وبيئية وسوسيو-اقتصادية وثقافية تسبّب الدَوار.
.
بلدة تيكوكا بلدة في سبه منبسط في قلب الأطلس الكبير الغربي (عمالة تارودانت) يتراوح سطح منخفضاته ومرتفاعته ما بين 1700 و 1800م فوق سطح البحر تقع شرق قبيلة يمدلاون، في ما بين السفح العلوي الشرقي لجبل "مولاي علي" (3163م) وعقبة "تيفيغلت" المفضية من عرف قمتها إلى منبسط "تيشكا" المفضي بدوره إلى "سكساوة" عبر منحدر "اسديم".
جعل منها طابعها الجغرافي شبه المنبسط على ارتفاع 1800م بين قبائل "مدلاوة" وما و"اكًـُـنسانّ" و"تافيلالت الغربية" (سدي عبد الله وسعايد) لجهة الغرب والجنوب الغربي من جهة، و"يدا ومساطّوكًـ" و"يدا وكايس" من جهة ثانية لجهة والجنوب، وسكساوة لجهة الشمال الغربي عبر تيشكا، ملتقى لإقامة سوق الإثنين، السوق الأسبوعي الوحيد الذي تتبادل في كافة تلك القبائل على طول السنة ما عدا في حالات تراكم الثلوج التي يحصل أن يتعطل فيها السوق.
إلى حدود بدايات الستينات، التي زرت فيها تلك المناطق وأنا طفل، لم تكن هناك طرق قابلة لسير العربات أو الدراجات، ولم يكن بالإمكان التقاط البث الإذاعي، ولم يكن هناك أي مستوصف أو مصلحة إدارية في كافة تلك القبائل، مما عدا "مدرسة" واحدة، من قسم أو قسمين، في بلدة مدلاوة. فجميع المرافق الإدارية والاجتماعية كانت تستلزم شد الرجال إلى تارودانت في سهل سوس أو إلى تافينكولت (مسافة يوم مشيا قبل إمكانية تنقل عبر عربة متحركة) فكانت الأرجل و/أو الدواب هي مقربة المسافات وجالبة الخيرات (أقرب مستشفى كان هو مستشفى تارودانت؛ وأقرب مستوصف كان هو مستوصف "ثلاثاء إيكودار" بالمنابهة في سهل سوس).
كان السكان يتمعشون بنظام تكاملٍ بين زراعة معاشيّـــة (استهلاكية غير تبادلية) في المدرجات (/يغوزيون/)، وتربية المواشي (تربية استكثار الأغنام للأبهة الاجتماعية ومحدودة التبادل، غالبا ما تأتي عليها جوائح الأوبئة أو عواصف الثلج)، وجني ثمار اللوز والجوز (ما لم تجح بسبب الصقيع)، والسعي الموسمي للعمل في سهلي سوس أو الحوز في فصلي الحصاد وجني الزيتون. الحياة السوسيو-اقتصادية كانت تضبطها على المستوى الزمني سلطة "الشيخ"/"امغار" الذي يحتكر القوة القهرية والذي أصبح ممثلا للسلطة الإدارية بعد امتداد سلطة الحماية الفرنسية إلى تلك الربوع. أما على المستويين، الروحي والثقافي، فكان قوام الوجود، حياة ومماتا، قائما على أساس إيمان إسلامي بسيط يتداخل معه إيمان ببركة الأولياء وببرّ الوالدين، ويتوزع مكانيا بين أقطاب مسجد المدشر وإمامه الذي يؤم الصلاة اليومية وصلاة الأعياد ويعلم والأطفال ويحفظهم القران (ولم تكن هناك صلاة جمعة حسب علمي)، وأضرحة بعض الأولياء الكبار ("سيدي عبد الله وسعايد" بما يطلقون عليه "تافيلات"، "سيدي الحسن وتيقّي" و "لالة عزيزة" بسكساوة)، ومزارات بسيطة لبعض الأشياخ الصغار ("بابا حقّي")، أولياء وأشياخ يُحج إلى مواسمهم قصد التبادلات الاقتصادية الكبرى (منسوجات صوفية، حُلي، دواب الحمل ...)، وتُفرد لهم الذبائح ("تيغرسي") ويتم الحلِف باسمائهم في فض النزاعات اليومية الخفيفة... كما تقوم الحياة الثقافية على أساس من الأحاجي والشعر المرتجل وغناء الروايس المتجولين وعلى رصيد الحكايات والأحاجي؛ ويضبطها إيقاعُ مواسم الأولياء والمساجد الكبرى (موسم "تيمزكيدا ن-نّليف" بمدلاوة، وحفلات ختم القرآن بمدرسة تامسولت العتيقة بتيكًوكًا نفسها) وولائم الأعراس ورقصات تاسكيوين وأحواش. ...
كان الإنسان هناك يعيش في كبد على كبد، لكن في توازن تامّ مع بيئة طبيعية متسمة بندرة الموارد الترابية (المساحة المهيئة القابلة للزراعة المعاشية) وبندرة المخزون المائي المتوقف على مدى تساقط الثلوج أو عدمه. توازن ضمن للمنطقة حياتها الطبيعية الجميلة والصحية من خلال جبالها وجداولها وأوديتها، التي تكسوها في تدرج أشجار البلوط واللوز والجوز وسائر المثمرات البرية والمغروسة، من تين أعناب ورمان وبرقوق أعشاب طبية عطرية من نعناع برّي ("المانتا") و"فليّو" و"مرددّوش" و"تيميجّا" ...، والتي تنبت مدرجاتها مختلف الخضر والحبوب من شعير وقمح أسود ("يشنتي" seigle) وخضر مختلفة
كذلك عرفت بلدة تيكًوكَا وما جاورها، قبل أزيد من نصف قرن وأنا حينئذ في سن الطفولة. علمت اليوم من خلال الشبكة أن الطريق قد شقت إليها من أولاد برحيل عبر تالكجونت، ومن تارودانت عبر يدا كًـُّايلال / ايت تامنت / اكًنسان / ثم مدلاوة، فامتدّت إليها وسائل المواصلات والاتصالات الحديثة بما تحمله معها على المستويين السوسيو-اقتصادي والسويو-ثقافي. وبذلك ترسخ موقعها كملتقى طرق في محيطها الجغرافي البشري. وقد خلفت المباني الإسمنتية مباني الحجارة المرصوصة؛ وبدأ الشروع في حفر الآبار العميقة بالحفّارات الآلية لامتصاص الفرشة المائية اللازمة لنمط الاستهلاك العصري، الذي أخذ يحل محل أسلوب سقي المزارع بصرف ماء الجداول السطحية إليها مباشرة، وجلب الماء للمنازل بالقُـلل من نفس الجدول، واستعماله باقتصاد شديد للشرب والطهي وتنظيف الأواني وللوضوء الذي كان يستعاض عنه غالبا بالتيمم.
في هذا الباب خاصة، لست من العارفين في قضايا الفُرش المائية، الجبلية منها ولا السهلية، المتجددة منها ولا الجيولوجية. غير أن نمط الاستهلاك العصري المتسارع بشكل جنوني قد جعلني قلقا في السنوات الأخيرة وموزعا ما بين الاقتناع بضرورة فك العزلة عن سكان الجبال عامة وإحقاق حقّهم في الاستفادة من المرافق والخدمات العمومية وإدماجهم في التنمية من جهة، وبين التوجس من انعكاسات هذه "المشاريع التنموية" مع ما تدفع نحوه من أنماط استهلاك على التوازنات الطبيعية والبيئية للمنطقة من جهة ثانية، فكنت أتخيل من بعيد عدة سيناريوهات جهنميّة. ولقد جاء اليوم ما يبرر لدي ذلك التخوف. فقبل أيام، تقاسم الأستاذ عبد الله الزاهدي في صفحته مجموعة من الصور لبعض تلك الجداول التي كان يترقرق ماؤها بين الأعشاب العطرية، وقد أصبحت أنهارا من ركام قمامة نفايات بلاستيكيات المشروبات الغازية والمأكولات المعلبة والمستحضرات البيترولية لمختلف الاستعمالات الحديثة، بشكل يبعث على الفزع مما ستصبح عليه أمور مجاري المياه الطبيعية إذا ما تبقت في المستقبل القريب، وبما سيصبح عليه الغلاف النباتي على ضفاف الجداول ونهر تيكَوكَا الذي يغذّي في نهر تالكًجونت وسدّ "يمي ن-لخنكًـ". لقد أثارت تلك الصور في ذهني فور مشاهدتها مشهدا رسخ في ذهني أيام الطفولة في نهاية الخمسينات ولم أكن أدري لماذا رسخ. إنه مشهد وهدة من الوِهاد بمدشر "أنكًيم" (أو "فيّس") بمدلاوة كان بها ركامٌ ممّا كان يرمى بها من قرون الوعل العملاقة. وإذا كان الوعل قد انقرض اليوم فإن تلك المادة القرنية ستكون قد تحللت اليوم وأصبحت على الأقل مادة عضوية مغذيّة للتربة المخصّبة النادرة. لكن هل ستتحلل يوما المواد البلاستيكية؟
وإذ لا أعلم ما موقع/حالة سائر المرافق والخدمات الاجتماعية والصحية والتبربوية (مستوصفات، إعداديات، داخليات ...) في برامج التنمية في تلك الربوع، فقد علمت، في باب قبيل معين من التنشيط الفني والثقافي، أن الأشغال جارية على قدم وساق بالجرّافات لإعداد ملاعب كرة القدم؛ إذ أن بلدة تيكًوكًة تتوفر اليوم على ما يناهز 20 فرقة لكرة القدم (أتليتيك مكًدورت، أولمبيك أمندار، ترجّي إيميركًن، حسنيّة إفرحاش ...) تُغطَّى أنشطتُها عبر شبكة الأنطيرنيت. كما علمت أن "مدرسة تامسولت" أصبحت تستقطب زيارات مسؤولين قادمين إليها من بعيد في حفلات رسمية تغطيها القنوات الوطنية، كما تحظى باهتمام اطراف خارجية تبعث بطلبة مرشدين من بعض دول شرق آسيا في إطار التبادل الثقافي والروحي. وإذا كانت هذه المدرسة ما تزال محتفظة، في تلاوة القرآن، على القراءة الجماعية بأسلوب تاحزّابت بمقاماتها السوسية، شأنها شأن مقامات الأذكار (انظر الرابط حول هذا الأسلوب)، فإن بعض المساجد أصبحت تبث ترتيلات قرّاء يقرؤون فرديا على المقامات المشرقية، وتبث بعض خطب الجمعة بنبرة مشرقية كذلك. أما على مستويات ثقافية أخرى (اللغة، والزي النسوي على الخصوص)، فلا أكاد اليوم أتعرف على معالم تيكًوكًا وأهلها كما احتفظت بها ذاكرة بداية الستينات.
====================
ملحقات
1- "الرهان في النقاش حول أسلوب /تاحزّابت/ في قراءة القرآن رهان أيديولوجي"
.
2- ملامح من الحياة بالمنطقة المذكورة في بداية الأربعينات ونهاية الخمسينات الماضية:
- "طْـلوعْ الحاكْم" (نص بالعربية المغربية من ثلاث حلقات)
https://orbinah.blog4ever.com/arabe-marocain-la-montee-du-contoleur-civil
.
- "طلوعْ العْجلة"
https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-marocain-la-montee-de-la-genisse-une-nouvelle
-------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres