(En ARABE) 3-L'Etat civil au Maroc: téléologie constitutionnelle et politique culturelle
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS/AUTRES, puis sur ARABE(Windows).
القسم الأول (ومنه رابط نحو الثاني) يمكن فتحه عبر الرابط الآتي
مفهوم الدولة المدنية وشروط قيامها
3- دور السياسة الثقافية في تنزيل المقاصد الدستورية
تمت الإشارة في الحلقة السابقة إلى أن االمغرب، بالقياس إلى كثير من الأقطار المنتمية إلى محيطه الثقافي، قد حقق وراكم تاريخيا، على درب إرساء أسس الدولة المدنية، إنجازات كبرى وقطع أشواطا مهمة يتعين الوعي بأهميتها، وذلك ليس فقط من حيث إن عناصر البعد الملي و/أو المذهبي (واليوم، حتى المهنة)، لا تشكل في هذا البلد جزءا من عناصر تحديد هوية المواطن في بطاقة تعريفه، على عكس ما هو قائم في بعض الأقطار المشار إليها، ولكن أيضا نظرا لانعدام أي إطار ترابي (جهة ترابية، حيّ حضري أو قروي) لأي انتماء مذهبي أو ملي في هذا البلد، منذ اختفاء أحياء "الملاحات" اليهودية، التي لم تكن، زيادة على ذلك، معممة في كل الحواضر والقرى، والتي كانت قد بدأت تختفي حتى قبل الهجرات اليهودية الكبرى ما بين الخمسينات والستينات من القرن العشرين بعد ظهور أحياء الطبقة المتوسطة المختلطة. كما تمت الإشارة إلى أن ذلك الواقع لا يعني أن هناك فقرا أو فراغا روحيين في المجتمع المغربي على مستوى التأطير الانتسابي لبعض القناعات الروحية مهما كانت الأسس الإثنو-ثقافية لتلك الانتسابات (ثقافة الأنساب والشجرات)؛ بل أن العكس هو الصحيح؛ إذ المجتمع المغربي مجتمع يتميز عن غيره بغنى منقطع النظير في باب التقدير الروحي لمختلف الانتسابات إلى مختلف أطر وبيوتات الشرف والولاية والكرامات، المنبثة زواياها ومزاراتها ورموز أقطابها عبر كافة بقع التراب الوطني، مخترقة للأبعاد الإثنية واللغوية. ويصدق هذا على المسلمين واليهود ("بلديين" / "طواشافيم"، و"عجميين" / "مكًوراشيم")، وبدون أن يترتب عن تلك الانتسابات، بشكل مؤسسي وبصريح القانون، لا امتيازٌ مدني بالنسبة للمنتسب أو المريد، ولا حرمان مدني بالنسبة لغيرهما. وقد استُـخلص من كل ذلك أن هناك اتجاها في المغرب نحو تطوّر في الوعي والبناء المؤسسي ينتقل من نمط تـأسيس البعد القناعي للفرد المدني على مفهوم هوية العشيرة، إلى نمط مأسسة ذلك البعد على مستوى ضمير ذلك الفرد المدني؛ مع الإشارة في الأخير إلى المغرب يتوفر، على صعيد التجريبي التاريخي، على ما يشكل معيار قياس مدى التطور الفكري العام في الاتجاه المذكور: إنه عنصر ما سماه التعديل الدستوري لسنة 2011 بـ"الرافد العبري" للهوية المغربية، الغنية بتنوع عناصرها الموحَّدة عبر مغربيتها. وهذا ما يجعل ذلك الرافد التاريخي - رغم تضاؤل بُعده الديموغرافي، ورغم اختلاط واشتباه تمثلاته في بعض الأذهان بمستجدات جيو-سياسية جهوية (قيام دولة إسرائيل) - يشكل مؤشرا هاما من مؤشرات اتجاه التطور الفكري والمؤسساتي في هذا البلد؛ .وهذا ما يعطي معنى حقوقيا خاصا لتنصيص الدستور المغربي على ذلك الرافد لأول مرة.
هنا، وبناء على ما تراكم في السنين الأخيرة من إنجازات عملية في باب إنعاش غنى التنوع الثقافي المغربي إنعاشا مؤسسيا كرس نص الدستور ذلك كقيم ضمن مقصدية جدارة الإنسان المغربي باعتباره مواطنا بما هو عليه، ونظرا لما سبقت الإشارة إليه بخصوص الرافد العبري، المكرس دستوريا، وباعتباره مؤشرا كما ذكر، فإن السياسة الثقافية الرسمية للدولة مدعوة إلى أن تكون لها رؤية واضحة في باب التعامل مع التراث الثقافي المادي وغير المادي لذلك الرافد، ليصبح - عمليا وليس مبدئيا فقط - تراثا يتملكه وعي كل المغاربة، الذين تداخل في نسج قطيفه طعمةُ وسدا عبقريتهم التاريخية، سلاليا وإثنيا وثقافيا وترابيا؛ أي أن يظل ذلك التراث تراثا لكل المغاربة ترعاه المؤسسات العمومية المغربية المعنية (الثقافة، التعليم، الإعلام، الأوقاف، السياحة، الخ.) في مستويات معينة، مع الاحتفاظ له بالأبعاد الفرعية التي تسمح باستمراره ممثلا للخصوصيات الروحية التي يمثـلها.
فإذ تعمل بعضُ مصالح الدولة على العناية المادية بكثير من المزارات والأضرحة دون أن تحل تدبيريا محل أهلها ومريديها مؤممة أياها تأميما، فكذلك يتعين أن لا تبقى مسؤولية العناية المعنوية والثقافية والمادية بكثير من المعالم والمزارات اليهودية المغربية في الحاضرة والبادية ملقاة على عاتق الطائفة اليهودية المغربية على سبيل الحصر؛ وذلك بما أنه من المفروض أن الجميع يساهم في المالية العمومية حسب نفس المقاييس. هذا من حيث المبدإ الحقوقي فقط، وبقطع النظر عن المردوديات السوسو-اقتصادية والسوسيو-ثقافية التي من شأنها أن تترتب على ذلك القبيل من العناية العمومية. وللمغرب في هذا الإطار كذلك تميّز، وإن لم يتم ذلك بمبادرة وبتحمل رسميين. فقد تميز المغرب في محيطه المشار إليه بكونه القطر الوحيد الذي يتوفر على متحف للتراث اليهودي، هو "المتحف اليهودي بالدار البيضاء" الذي كان من بين المواد الخمسة التي أسند إليّ تحرير نصوصها في موسوعة Encyclopedia of Jews in the Islamic World الصادرة سنة 2010 عن دار النشر Brill ((انظر هــنا).
ثم إن هناك بابا آخر أكثر أهمية في هذا الاتجاه. إنه باب التكوين والبحث العلمي لتوفير المعرفة اللازمة للتعامل مع ذلك التراث. إنه باب جمع وتحقيق وتحليل الوثائق والأدبيات المناقبية والتاريخية والإبداعية وتكوين المتاحف الجهوية وإغناء الخزانة المغربية بمزيد من الأبحاث في الميدان لمواصلة ما تميز به المغرب مرة أخرى من توفره على نخبة من المتخصصين راكمت في العقود الثلاثة الأخيرة، رغم قلتها العددية، رصيدا ذا بال واعتبار من الأبحاث الجامعية والكتب والمقالات حول أوجه كثيرة مما يتعلق بهذا الوجه من أوجه الثقافة المغربية.
[ومن المفاراقات الغريبة في هذا الباب الأخير، على المستوى الأكاديمي منذ عشر سنوات بعد اعتماد الإصلاح الجديد لبرامج مناهج التكوين الجامعي، أنه في الوقت الذي كرّس فيه دستور المملكة "الرافد العبري"، بشريا وثقافة وتاريخا وتراثا ماديا وغير مادي، كرافد من روافد الهوية الوطنية الغنية والموحدة، ينذر النظام الجديد للمناهج والبرامج في الجامعة المغربية إنذارا جدّيا بخلخلة وضعية اللغة العبرانية في نظام التكوين في تلك الجامعة، بشكل يهدد حظوظ استمرارية والتراكم المعرفي في الأبواب التي تعتبر فيها تلك اللغة الأداة الرئيسية أو الوحيدة للمعرفة بكثير من أوجه تاريخ المغرب وتراثه وثقافته الحية إلى اليوم].
الشاهد الأخير مقتطف ممما ورد في نص التوصية (انظر هـنـا) التي أصدرها المشاركون في ندوة "المكون العبري في الثقافة الأندلسية: الأندلس وحوار الحضارات" التي نظمتها جامعة سيدي محمد بن عبد الله وكلية الآداب-ظهر المهراس بقصر المؤتمرات بفاس يومي 20-21 نوفمبر 2013 تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة، الملك محمد السادس. هذا الاتجاه الأخير نحو إلغاء التكوين في اللغة العبرانية، ونحو إهدار رصيد النخبة القليلة المتخصصة فيها والتي كلف تكوينها تأطيرا تطلب ثلاثة عقود، يتمثل في محاولات تكليف تلك النخبة في الجامعة بمواد أخرى يُعدّ الدكاترة المعطون الذين حضروا فيها أطروحاتهم بالآلاف. أنه جنوح، لا مبالغة في وصفه بالأيديولوجي، بدأ في الأيام الأخيرة ينتقل إلى مرحلة التنزيل الفعلي على أرض الواقع في بعض الجامعات المغربية.
وأخيرا، يبدو أنه لا مبالغة في قول من ينبه إلى أن ما يبدو جيدا أنه يجري اليوم على المستوى الثقافي في باب اللغة العبرية باعتبارها أداة حصول المعرفة وتراكمها بالنسبة للتراث الثقافي المغربي والأندلسي، نظير لما كان قد تم قبل ثلاثة عقود على مستوى الجامعة في باب علوم الفلسفة وعلوم المجتمع، بما ترتب على ذلك على مستوى متوسط الفكر المغربي من عوائق معرفية إبيستيمولوجية يتأسف اليوم الجميع على حالتها.
-----------------------------
من أجل نصوص أخرى ذات علاقة بموضوع الرافد العبري على صفحات OrBinah، انظر هــنــا (بالفرنسية)؛ هـنـا (بالفرنسية)؛ هـنـا (بالعربية)؛ هـنـا (بالعربية)؛ الخ..
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres