OrBinah

(EN ARABE) Le Pays du Nil et le complexe vis-àvis du Pays de l'Atlas

ما مشكل بلاد النيل مع  بلاد الأطلس ؟

 

 

أصبحت للمصريين في عصرنا الحديث (قادةً وعامةً) عقدةٌ مزمنة تاريخية ضد بلاد المغرب. عقدة لا يضاهيها رسوخا وقوة إلا عقدةُ "التمصرُن" عند أجيالِ ما بعد خمسينات القرن العشرين من المغاربة إعجاباً استلابيا بثقافة بلاد النيل (انظر النقطة-2 أسفله).

عُقدة مصر الحديثة انطلقت مع إطاحة مؤسسة العسكر بالملك فاروق بمصر، وعملِ تلك المؤسسة بعد ذلك على تزعم مهمة "الاستئصال التاريخي لعهد للملكيات"، المتأصلة منها والطارئة، من رقعة الفضاء القريب والبعيد (الحجاز واليمن والعراق والشام وغرب شمال إفريقيا؛ انظر النقطة-1 أسفله بالنسبة لحظ المغرب من ذلك).

تطورت تلك العقدة، بعد ذلك، حسب تقلبات ساعة الأجيال ولعبة الأمم خلال الستين سنة الأخيرة؛ فاتخذت في فترة من الفترات طابع صراع ديبلوماسي حفيّ حاد حول زعامة الديبلوماسية الرفيعة التي أفضت إلى ما أفضت إليه في شأن القضية الفلسطينية التي كانت من بين الفرسان الأمامية لعربة أحفاد الفرعون، الواحد منهم تلو الآخر، إلى حدود توقيع اتفاقية أوسلو مرورا بمفاوضات كامب دافيد، وذلك كيفما كانت الشعارات والرايات (من القومية، إلى الاشتراكية، إلى الانفتاح، إلى حرب التوريث عن طريق الآلية الحزبية الانتخابية، وما ترتب عنها).

وبعد ذبول رايات "القومية"، و"الاشتراكية، والانفتاح"، وانكماش سوق البضاعة الفنّية والثقافية المصرية (كتاب، أغنية، سينيما) من جهة، وتألق راية حركات "الإسلامية السياسية" في المحيط، ثم في عقر الدار من جهة ثانية، تراوحت تلك العقدة ما بين التضايق من مؤسسة إمارة المؤمنين، التي تأسست في المغرب منذ أواخر عهد المرابطين مع بدايات الحروب الصليبية، واستمرت غير منقطعة إلى اليوم، وكذا التضايق مِن كل ما يشير إلى أن الأزهر ليس بـالفاتيكان، أو إلى أن للفكر الإسلامي منارات أخرى مشعّة في المغرب والمشرق، أعرقَ تاريخيا وأكثر إشعاعا علميا على المستوى الكوني؛ كما شمل ذلك التضايق أيضا تكريسَ الدستور المغربي صراحةً، وفي محيط جهوي من الأحاديات، للواقع التعددي التاريخي الفعلي للهوية والثقافة المغربيتين.

وفي فترة البراغماتية التموقعية التجريبية الجديدة التي تلت ذبول كل الرايات وبِـلى كل الشعارات في مصر الحديثة، أضحت السوق الإفريقية والمنّ الخليجي هو ما أخذ يستقطب جُماع تلك العقدة. وفي ما يتعلق ببعض لحظات تفجر أعراض تلك العقدة على السطح، هذه عينة للتمثيل والتذكير فقط، لا للاستقصاء والحصر:

 

1- مشاركة الجيش المصري للجيش الجزائري في الهجوم على المغرب في ما عرف بـ"حرب الرمال" سنة 1963 (انظر التفاصيل هــنــا)، حرب كان قد أسر فيها مواطنو المناطق الشرقية بالمغرب ضابطا مصريا أصبح بعد ذلك رئيسا لبلاد الفراعنة، قبل أن يطاح به خلال الإطاحة ما قبل-الأخيرة من مسلسل إطاحات الستين عاما الأخيرة في بلاد النيل، وسلموه إلى الجيش النظامي المغربي. وقد قال خالد الجامعي يوما في هذا الباب مخاطبا الرئيس المصري في رسالة مفتوحة (الجريدة الأولى 288، 25 أبريل 2009) ما يلي:

["السيد الرئيس؛ أنا متيقن بـأنك لن تنسى تاريخا سيظل راسخا في ذاكرتك إلى الأبد. إنه تاريخ 20 أكتوبر 1963 حيث ألقي عليك القبض في جنوب المغرب وأنت لابس بذلة الميدان العسكرية، وعلى كتفيك رتبة عقيد مصري، وبصحبتك ضباط مصريون سامون بنفس رتبتك. (...). وهذه النازلة، كما تعلم وقعت خلال الحرب التي نشبت بين المغرب والجزائر عقب مهاجمة هذه الأخيرة لثكنة مغربية تابعة للقوات الاحتياطية المتحركة، وكنت أنت ضمن الألف جندي الذين أرسلهم رئيس بلادك لمؤازرة الجزائر ضد المغرب (...) ولخوض حرب على بلد لم يكن بين وطنك وبينه أي خلاف، زيادة على أنه كان يبعد عنه بعد المشرقين، أي بآلاف الكيلوميترات (...)"].

أما ردّ الفعل المغربي الفوري على ذلك الموقف الأخوي للشقيقة  مصر العربية، فقد انحصر في أمر المرحوم الحسن الثاني بمقاطعة بث الأغنية المصرية بالإذاعة المغربية لحوالي ثلاث سنوات كانت كفيلة بانطلاق سريع لصناعة الأغنية المغربية العصرية (كلمات فلان، تلحين فلان، غناء فلان) وتفتق عبقريتها عبر أحسن ما أنتجت خلال القرن العشرين. وأما الرد التاريخي للجيش المغربي على ذلك الموقف الأخوي التاريخي للجيش المصري - وبقطع النظر عن السياسية العالية التي لا تخلو منها سياسة في التاريخ - فقد تمثل على أرض الواقع لعشر سنوات بالضبط (شهر أكتوبر دائما) على ذلك الموقف الأخوي في بذل الجيش المغربي لدم أبنائه وأرواحهم في صحراء سيناء لاستردادها لمصر من إسرائيل في حرب أكتوبر 1973.

2- مقاطعة مثقفي مصر ملتقى "الرباط عاصمة الثقافة العربية" سنة 2003 بدعوى "محاربة التطبيع مع إسرائيل" في المغرب (انظر هـنــا)، وذلك في نفس الحين الذي استمر فيه العلم الإسرائيلي يرفرف في سماء القاهرة (وما يزال)، معتبرين بذلك الكُتّابَ المغاربة عبارة عن "عرب مستعربة" وظيفتهم السخرة والتصفيق والتصويت؛ ولا يحق، ولا يُتصور لأحدهم يوما أن يصبح مثلا أمينا عاما لاتحاد الكتاب العرب (كما لا يحق لأي مسئول مغربي أن يحتل يوما منصب الأمين العام لمنظمة الدول العربية)، ولا يحق لعاصمة بلد من البلاد المستعربة، مثل الرباط، أن يعترف بها العرب العاربة، ولو للمدة أسبوع، كعاصمة لثقافتهم؛ تلك الثقافة لا يتصور طيفٌ واسع من المستضيفين المغاربة، مع ذلك، وجها آخر للثقافة المغربية غير ذلك الوجه العروبي؛ وذلك بدليل أن نفس ذلك الطيف قد قاطع بدوره عمليا وبالاستقراء، وإن لم يصدر بلاغا، حدثين ثقافيين نوعيين حصلا لأسابيع فقط بعد مقاطعة وتسفيه المصريين لعرس الرباط المنغّص. ذانك الحدثان هما أول ندوة من نوعها تنظم على المستوى الوطني بالمغرب، وبنفس المكان الذي احتضن العرس المنغص (كلية الآداب-الرباط 23-24 أكتوبر 2003)، وكانت بعنوان "الأدب الأمازيغي: الشفاهة والكتابة، الخصوصيات والآفاق"؛ ثم ملتقى لتقديم أول ترجمة للمصحف الكريم إلى اللغة الأمازيغية (بنادي الصحافة بالرباط) بعد أسبوعين.

3- اسكثار المصريين على المغاربة ترشيح الأستاذة عزيزة بناني لمنصب إدارة اليونيسكو (انظر هـنــا أو هـنــا)، معتبرين ذلك تطاولا على فاروق حسني وزير الثقافة المصري المعتدّ بعلاقات رئيسه العالمية كعربون كفاءة كما صرح بذلك، ومعتبرين ذلك الترشيح تفتيتا للصف العربي من الجانب المغربي فقط في تلك المناسبة.

4- الحملات العامية الأخيرة للصحفيين والصحفيات المصريين والمصريات على معنويات المغاربة (حكاية "نسبة اليهود" والمسلمين بالمغرب في إطار محاولة لتصدير تُربَة حسن البناء إلى خارج أرض بل إلى أصول ديانة أخرى غير الإسلام؛ حكاية "اقتصاد الدعارة"؛ حكاية "الممارسات السحرية"، الخ.)

5- تسخير منهجي للكتّاب والصحفيين المصريين مؤخرا ضد الوحدة الترابية للمملكة، ومغازلة الجزائر من خلال ذلك في أطار أهداف استراتيجية قديمة تتعلق بنظام الحكم (راجع النقطة-1 أعلاه) واستدرارا في نفس الوقت لبعض الفوائد الآنية.

6- وأخيرا، نكتفي بالإشارة إلى ذلك الموقف المرَضي الذي عبر عنه الجمهور المصري نفسه (وليس فقط القادة والنخبة) خلال "سهرة" خطاب الرئيس الأمريكي، باراك حسين أوباما، بجامعة القاهرة فور انتخابه لولايته الأولى سنة 2008. لقد صفق الجمهور بجنون وهيستيريا السهراتِ المصرية الستينية والسبعينية على كل جملة من جُمل المجاملات التي دغدغ بها أوباما مشاعر عزة  أمجاد الشرق (فتوحات الطب، الملاحة، الموسيقى، الكاليغرافيا، الشعر، الخ). لكن لما وقف للحديث عن بعض محطات التاريخ الملموس، مما اعتقد بأنه سيلهب مرة أخرى الجمهور، فبيّن أن بلاده، في حربها من أجل الاستقلال، مدينةٌ لبلد مسلم، هو المغرب، الذي كان أول من اعترف بالولايات المتحدة وأبرم معها اتفاقية تعاون أيام جيفيرسون؛ حينئذ نزل على القوم "دوش صقيعي" فذهلوا ولبثو كأن على رؤوسهم الطير (انظر نص الخطاب هـنــا؛ والفقرة المعنيّة مع بدء الدقيقة 08).

 

 

 رد الفعل المغربي الأخير

من الثوابت التاريخية للفكر المغربي أنه لا ينتج أيديولوجيا تعمل الدولة على تصديرها عكس ما هو عليه الشأن في دول المشرق. ومن ثوابت الثقافة المغربية كذلك أنها ضعيفة في باب الخطابيات. وفي هذين البابين، لم يتوفر المغرب الحديث يوما على نخبة وطنية من حملة الأقلام والكاميرات الأكفاء (رغم وجود غابة من العناوين الصحفية والمراكز الفلانية للدراسات الفلانية)، سواء أكانوا من ذوي الخدمات وحتى السخرة "الرسمية" المؤدى عنها كما يتم ذلك في جميع البلدان، أم كانوا مجرد ذوي قناعات يسوقونها بكفاءة. وهذا الواقع يحرم الأمة المغربية مما يسمى بالديبلوماسية الموازية التي ترقى بالديبلوماسية العامة إلى المستوى العالي، مستوى إرسال الإشارات ونفخ الحرّ والبرد ("يـ'ـكْـوي ويبُــخّ"، كما تقول العبارة المغربية). فقد بإمكان مثل تلك المنابر الموازية أو المستقلة أن تنجز دراسات حول مختلف القضايا السوسيو-سياسية والسوسيو-ثقافية في المحيط الجهوي، من الباسك بإسبانيا إلى بلدان تواجد الطوارق، وإلى بلاد سيوة بمصر، وأن تنظم بشأن تلك القضيا ملتقيات وتعطيَ الكلمة لأصحابها في حريّة تؤطرها التعددية المغربية. هذا الأسلوب الأخير، أصبحت مصر تتقنه كما اتضح ذلك من الحملات الأخيرة، وخصوصا منها الحملة الإعلامية للمتاجرة بالموقف إزاء مسألة الوحدة الترابية للمملكة المغربية. فمصر لم تلجأ إلى قنواتها الإعلامية العمومية للترويج لكتاب يسوّق موقفا معيّنا من مسألة النزاع حول الصحراء. أما المغرب الذي لا يتوفر على تلك الإمكانيات، فقد اضطر إلى النكوص نحو الخطابيات الرسمية للسبعينات (مصطفى العلوي من الرباط، وأحمد حسن علي عبد الله من طنجة).

الذي اضطر المغرب إلى هذا النكوص الديبلوماسي والإعلامي  التواصلي هو اكون فضاء أقلامه وصحافته "غير الحزبية" (يوميات، أسبوعيات، دوريات، مراكز فلانية للدراسات الفلانية) فضاء قد احتله منذ نشأته، ليس أقلام مهنيّة مستقلة، وإنما "صحافةُ افتتاحياتٍ" (انظر هـنــا) متمصّرة المرجعية الثقافية، ممن واستعاروا من من مصر بالضبط  مؤخرا تمييزَا جديد بين "الدولة السطحية" و"الدولة العميقة"، ونصّبوا أنفسهم كمعارضة سياسية للوجه الأخير، خلفا للصحافة الحزبية المتمصرة الستينية. ففي هذا الإطار وليس في غيره، يمكن إعطاء المعنى الحقيقي لافتتاحية صحيفة "أخبار اليوم" (8 يناير 2015) التي تقول تحت عنوان [الانقلاب على الانقلاب] ما يلي، تعليقا على الرد المغربي الأخير على المواقف المصرية الأخيرة: "استعار التلفزيون المغربي لغة قناة الجزيرة وخطاب الإخوان المسلمين، وقال للمشير عبد الفتاح السيسي الحقيقة عارية".

الذي حال دون ظهور مثل تلك الأقلام والمنابر المهنية المستقلة فعلا، خصوصا إزاء فضاءات المشرق عامة بإيديولوجياته وخطابياته، هو ما أشير إليه في الفقرة الأولى وفي النقطة-2 من هذا المقال. ولعل بداية الوعي بهذا الواقع هو ما دفع الكاتب والصحفي عبد الرحيم أريري إلى أن يوقول في افتتاحية أسبوعية "الوطن الآن"  (8 يناير 2015) تحت عنوان [في الحاجة إلى تجفيف "مصرنة" المغرب وإلى بروفيل جديد لسفير الرباط بمصر] ما يلي بخصوص التوتر الأخير بين مصر والمغرب: "علينا التركيز على أوليتين. الأولي تخص تجفيف منابع مصرنة المغرب في المناهج الدراسية وفي الإذاعة والتلفزة وفي الشوارع، عبر حذف كل ما يعلي من صورة المصريين في المتخيل المغربي. فمن العار أن تدجن المغربي منذ طفولته على تأليه مصر بحفظ كتّابها وشعرائها وسياسييها وممثليها؛ ونطلي كتبنا التعليمية وواجهات مؤسساتنا وشوارعنا باسماء مثقفي النخبة المصرية، بينما نحتقر النخب المغربية التي قدمت عطاءات في السياسة وفي الاقتصاد وفي الفكر وفي الأدب وفي الغناء وفي العلوم وفي الرياضة وفي الجيش، ولا نتغنى بأمجادهم في كتبنا المدرسية وفي أغانينا وأسماء شوارعنا وواجهات مرافقنا".

إذا ما ستحضرنا المفعول الإيجابي الذي كان، في باب إنعاش الأغنية المغربية، للخطوة غير المقصودة في وجهها الثقافي في حينها والتي كان قد اتخذها المرحوم الحسن الثاني في وجه مصرنة الفن المغربي، واستحضرنا أيضا ما يحكى من رد فعله إزاء فنانة مغربية خاطبت يوما جمهورها المغربي من على المنصة باللهجة القاهرية (في الوقت الذي تسللت فيه اليومَ تلك اللهجة إلى عقر بعض الإذاعات المغربية كأداة تواصل في برامج تفاعلية، انظر هــنــا)، أيقنّا أن المهمة التاريخية لوضع حد لمصرنة الثقافة والفكر المغربيين، أبعدُ من أن تكون مجرد خبطة مزاج كردّ فعل ديبلوماسي عابر على حادث عابر.

 



08/01/2015
8 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 347 autres membres