(EN ARABE) La guerre aux couteaux en passe d'avoir lieu: ce n'est pas une innovation des Palestiniens de notre temps
حرب الخناجر قد وقعت وقد تستعر
"اللي دّعى بالقوّة يموت بالضعف"
(مثلٌ مغربي)
للتاريخ منطق مستقل عن نمط ذكاء "اللي فراس الجمل واللي فراس الجمّال"
(صيغة موسعة بالفرنسية، هـــنــا)
أنجع أسلحة إسرائيل: تذويب وتعويم الجوهر الوطني للقضية الفلسطينية
ظنت إسرائيل في أعلى مستويات تصورها للتاريخ، مما لا يلعب فيه اليمين واليسار أي دور، أنها، بعملها منذ الربع الأخير من القرن العشرين على تحويل القضية الفلسطينية من قضية وطنية إلى قضية مِليّة رهانها هو المقدس وليس المعيش، ستهمش الفلسطينيين عن طريق تعويم قضيتهم الوطنية وتذويبها في خضم أوقيانوس العالم الإسلامي المضطرب والمتعاكس التيارات في خضمه الداخلي وفي علاقاته الصدامية التاريخية بغيره في "ديار الحرب"، وستحولهم بذلك إلى غُبار تذروه رياح اللجوء والهجرة في جميع الاتجاهات، وذلك ما دام لإسرائيل التفوق العسكري والعلمي والتكنولوجي والمؤسسي السياسي.
ربما أفلحت بذلك إسرائيل في تعويض الأطـــــار القديــــم للتذويــــب والتعويـــــم، ألا وهو الإطار القومي العروبي الذي كان قد اقتات حكّامه على تلك القضية والوطنية لعقود متخذين منها مبررا لحكمهم ومهمتهم التاريخية ("تحرير فلسطين، كل فلسطين" و"الرمي باليهود في البحر" من خلال اللاءات الثلاث لمؤتمر الخرطوم)، كما اقتاتت عليها الحركات المناهضة لأولئك الحكام متخذة منها شعارات محرجة بألوان مختلفة (خليط من نسيج ناصريات وبعثيات القومية العروبية بألوان شتى من ألوان الأممية الاشتراكية)، وذلك قصد اختبار القوة واستعراضها في كل مناسبة (المسيرات المليونية) مزايدةً منها على أولئك الحكام في ملعبهم، أي في موضوع مبرر وجود أولئك الحكام حينئذ.
ربما قد أفلحت إسرائيل في إجراء ذلك التعويض (إحلال الإطار الملي محلّ الأطار القومي)، وذلك بعد أن بدأت تلوح في الأفق بوادرُ تهاوي أعمدة الإطار القومي الوصائي على الفلسطينيين، ذلك الإطار الذي كان يمكّن إسرائيل، في نفس الوقت، من الظهور كدولة ديموقراطية صغيرة الحجم تتهددها عصبة من الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية المتخلفة المحيطة بها، وتظهر كنموذ لنجاح التكنولوجيا. غير أن للتاريخ منطقه المستقل الذي لا تكتشف دروبُه قبل تَحوُّله إلى واقع.
فبعد الحروب التيكنولوجية بالدبابات والطائرات الموروثة عن لحظة التعويم القومي للقضية، والتي ربحتها إسرائيل عالية الرأس، جاءت حــــــرب الحجـــــــارة ثم حــــــرب الخناجــــــر والدوس على الأرصفة، التي تعطلت معها نجاعة التيكنولوجيا المتطورة واستعمالها بـ"حزم سياسي" مما كان أساس شعور المواطن الإسرائيلي بالأمان ويشكل مصدر اعتزازه ويحفزه للتصويت الديموقراطي على اليمين واليسار على السواء، في اتجاه واحد: اتجاه ضمان الأمان والسلام عن طريق الهجوم.
حرب الخناجر لم يبتدعها فلسطينيو اليوم
لكن "حـــــرب الخنــاجـــــــر" في تلك الربوع ليست مع ذلك ابتداع فلسطينيي اليوم. إنها تجربة حربية تعود إلى عصر الاحتلال الروماني للمنطقة كلها؛ والمؤرخون اليهود يعرفون ذلك جيدا منذ المؤرخ اليهودي الهيليني الكبير، يوسف بن متّى الكوهن المعروف اليوم بــ Flavius Joseph (انظر هـــنـــا؛ وقد ذكره ابن حزم في رسائله)، وذلك في كتابه المحرر أصلا بالآرامية والذي ترجم إلى كثير من اللغات، من بينها الفرنسية بعنوان Les guerres des Juifs contre les Romains . فأمام الآلة العسكرية الرومانية المتطورة العاتية، التي لم تكن تحمل وراءها أي رسالة مقدسة بقدرما تسعى إلى بسط النفوذ لضمان رغد روما، والتي لم تكن تصمد أمامها عساكر القوى الإقليمية لذلك الوقت، وعلى رأسها جيش قرطاجنة وجيش مصر الكليوباترية، ظهرت في القرن الاول للميلاد بفلسطين أول حركة من المتشددين اليهود يصدق اليوم أن تصنف كــ"حركة إرهابية" بالمفهوم الحديث في العالم بعد الحرب الثانية بصفة عامة، وفي إسرائيل على الأخص إلى يومنا هذا.
وقد عُرفت تلك الحركة في تاريخ فلسطين بحركة הסיקרים (انظر هـــنـــا)، وبالفرنسية Les Sicaires (انظر هـــنـــا) أي "أصحاب الخناجر" (مثل "ابو سيّاف، أبو خنجر"). كانوا أول من سن سنة العمليات الانتحارية، وكان الفـــرد من أفراد تلك الحركة الإرهابية يتجول في أسواق وحانات وأزقة أورشليم مثل سائر "أيها الناس"؛ وفجأة، وكلما سنحت له فرصة في غفلة من الجميع، يستل خنجره من تحت ملابسه فيطعن من يجد حواليه من الرومان ومن المتعاونين معهم من اليهود أنفسهم بعد تنصيب الرومان لــ"عيروض" (Hérode) ملكا على أورشليم تحت وصايتهم وضدا على الكهنة والربيّين، ثم يفر الإرهابي "أبو سيّاف" أو "أبو خنجر" أو "أبو شفرة" في الحين عبر الدروب والأزقة ولا تجدي الآلة العسكرية الرومانية معه ومع أمثاله شيئا ولا تدري أن تتوسم وجودهم. بل إن حركة أصحاب الخناجر كثيرا ما تركز في عملياتها الإرهابية على بني جلدتها لحملهم على مناهضة الرومان بنفس أساليبها (انظر المرجعين أسفله).
وبالعودة إلى الطبعة الراهنة من "حرب الخناجر"، يبدو أن ليس لإسرائيل من منقذ سوى أصحاب "الحرّاقيات" (حرّاقيات عاشوراء) في ذلك القطاع أو تلك الضفة، الذين يتنافسون على وظيفة المخاطب المتفاوض. فيكفي أن تُطلق بعض الحراقيات من هنا أو هناك على إسرائيل حتى تخرج الآلة العسكرية من حالة التعطيل وتحوّل الأنظار من جديد إلى مستوى آخر وتتخذ وجها آخر يريح إسرائيل ويعيد لها إمكانيات الفعل وسيدخل مجلس الأمن على الخط للدعوة إلى استئناف تلك المفاوضات التي يتنافس عليها المتنافسون. وسيتحول المواطنون والمستوطنون الاسرائيليون مرة أخرى من أناس يستبد الرعب بأفئدتهم من جراء وابل الخناجر التي تمطرها السماء بلا سحاب وتنبُت من الأرض في الأرصفة والحافلات ... إلى جماعات تنظم سهرات ليلية على أعالي التلول لتتفرج عن قرب على عمليات قصف الآلة العسكرية الإسرائيلية التي لا تقهر لمصدر انطلاق "الحراقيّات".
----
مرجعان حول حركة "ذوي الخناجر" في فلسطين العصور القديمة
1- مرجع أساسي قديم
Josephus (Engl. Translation; 1981). The jewish war. Translated by G. A. Williamson. Pinguin Classics. Harmondsworth.
2- مرجع معاصر حديث، يربط التاريخ الجاري يالتاريخ القديم
Hadas-lebel, Mirielle (1995). Massada. Histoire et symbole. Présence du Judaïsme. Albin Michel. Paris
----
وأخير، هذا نص بالفرنسية يعود إلى يناير 2009 إبان حرب إسرائيل على غزة المسماة عملية "الرصاص المقوّى" (Plomb durci) يتناول التحويل المشار إليه للقضية من قضية وطنية إلى صراع مِلـّـي حول المقدس:
https://orbinah.blog4ever.com/isaie-d-actualite-comme-john-lennon-mais-c-est-de-la-litterature-en-face-de-l-histoire
-------------------------------------------------------------------------
محمد المدلاوي (المعهد الجامعي للبحث العلمي - الرباط)
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres