OrBinah

(En arabe) Haïm Zafrani, résurrecteur de "l'affluent hébraïque" de l'identité marocaine

أكاديمية المملكة المغربية 

ندوة دولية

"حاييم الزعفراني، العضو المراسل بأكاديمية المملكة المغربية"

الرباط 12-13 يونيو 2019

 

----

حاييم الزعفراني، باعث الوعي بالمكوّن اليهودي العبري للثقافة المغربية

محمد المدلاوي

جامعة محمد  الخامس

 (تلخيص خال لحد الساعة من المراجع)

 

 

 

 

حاييم الزعفراني وجه بارز من أوجه الفكر اليهودي المغربي خاصة، والثقافة المغربية بصفة عامة. نذر مشوار حياته العملية للتنقيب الأكاديمي عن الأوجه الكثيرة لذلك الفكر وتلك الثقافة في حقول أشكال طقوس الشعائر، والتصوف، والفوكلور والأسطورة، وفنون الآداب العالمة والعامية، والموسيقى والتربية التقليدية، والعادات وغير ذلك. تلك الأوجه التي تتميز جمعيا بطابع التداخل من حيث امتداداتها باعتبار المجموعات الإثنية المكونة للمجتمع المغربي عبر العصور.

منهج حاييم الزعفراني في التنقيب عن كل تلك الأوجه هو منهج العالم المحقق، الذي تقتصر تعليقاته على الشرح والتوثيق، والذي يمتنع عن التأويلات والاستخدامات. يحقق النصوص المخطوطة والشفهية المتعلقة بحقول مختلفة، والناطقة بمختلف اللغات وسجلات اللغات، العالمة والعامية، المنتشرة، في تداخلات وظيفية، في الفضاء الثقافي للغرب الإسلامي عامة، والمغرب والأندلس خاصة. قبل تدشينه لمشواره العلمي في باب هذه الثقافة من حيث هي إنتــــاج، تنقيبا وتحقيقا ونشرا وتكوينا لجيل من الطلبة، كانت تلك الأوجه قد اختفت منذ أجيال عديدة من حيز الوعي الجمعي، حتّى في صفوف أجيال من نخبة الجماعات اليهودية المغربية، ناهيك عن النخبة المسلمة التي كانت قد حالت اللغة (العبرية) وأحيانا كثيرة، مجرد استعمال الحرف العبراني، دون ولوجها إلى ذلك الحيز الفرعي من أحياز الفكر والثقافة المغربيين (كثير من النصوص كانت إما بالعربية الفصحى أو بالعربية الدارجة المهوّدة، لكنها مدوّنة بالحرف العبراني).

الأعمال الإجمالية لحاييم الزعرفراني، التي تتراوح كما ذُكر من العرفانيات الصوفية، إلى الآداب العالمة والتقاليد الشفهية وشبه الشفهية الشعبية، دون إهمال لبعض التفاصيل الإثنوغرافية والمناقبية وبعض النظرات الأنثروبولوجية، أعمال تتـــــكامــــل، توازيا في الزمن، مع أعمال عضو أخر من أعضاء أكاديمية المملكة المغربية، الذي غادرنا قبل أشهر، الفقيد محمد بنشريفة. فعلى سبيل مجرد تفصيل من التفاصيل التمثيلية الدالة على هذا التكامل والتوازي بين أعمال الفقيدين في باب الثقافة الشعبية المغربية، نشير إلى الزعفراني قد من الضياع صيغة أمازيغية من صيغ سيرة "هكًادة عيد الفصح" (הגדה של פסח)، وحققها ونشرها مع الراحلة بوليط كالان بيرني (Paulette Galand Pernet)، بينما قام محمد بنشريفة بتحقيق ونشر ملحمة أصيلة هي "ملعبة الكفيف الزرهوني". إنهما نصّان فريدان  من حيث كمّ ونوعية المعلومات اللغوية والأنثروبولوجية التي يتضمنانها. ومن المعروف كذلك، في هذا الباب دائما، أن الوجه البارز الرائد الذي أدخل الأدب الشعبي إلى الفضاء الأكاديمي الناطق بالعربية في المغرب هو عضو بارز آخر من أعضاء الاكاديمية، الأستاذ عباس الجراري، الذي دشن ذلك بكتابه/أطروحته "القصيـــــــدة" في باب فن الملـــــحون. هذا الفن، فن "القصيدة" الزجلية عامة، الذي أصبح في العقد الأخير خاصة، محط اهتمام أكاديمي من مستوى عال على الصعيد العالمي وعلى مستوى جميع زوايا المقاربات (المقاربات الإثنوموسيقية، والأدبية، والموسيقية، والعروضية)، والذي كان الزعفراني أول من أماط اللثام عن أوجه صيغه اليهودية بالعربية الدارجة المهوّدة (judéo-arabe). وتجدر الإشارة على سبيل المثال دائما، إلى أن الباحث جوناتان كًلاسر (Jonathan Glasser) يشتغل حاليا على مخطوط نموذج من "القصيدة"، نموذج "الفيµاشية"، فيه معلومات حول إيقاع ومقام أداء القصيدة في صيغتها اليهودية أو المهوّدة، يعود إلى القرن17م، بينما يشتغل جوزيف شتريت  (Joseph Chetrit) على آثار لذكر هذه القصيدة تعود إلى ما قبل ذلك بقرون. هذه كلها عناصر جديدة، يُشار هنا على سبيل الاستطراد إلى أنها تطرح مهمة العناية الأكاديمية المغربية بجمع وتدوين هذا الوجه الآخر من أوجه القصيدة الملحونية والزجلية عامة، الذي يشتمل بدوه على جميع أغراض الملحون، من مواضيع الذكر والموعظة (على غرار قصيدة "الدار"/"رجال مكناس") إلى مواضيع اللهو و"الزردة/السخينة"، أو قصائد المنافرة/"المْضارْبة" بين القديم والحديث ...

الإسهام الريادي الكامل لحاييم الزعفراني في التعريف بالثقافة السيفاردية المغاربية بالغرب الإسلامي عموما وبالمغرب والأندلس خاصة، لم يقتصر على نشاط البحث والتحقيق والنشر (حوالي 15 كتابا ومئات المقالات)؛ بل يبقى له كذلك أثر نوعي لا يمّحي في باب التكوين الجامعي في حقل البحث الذي اختاره لنفسه، وهو الذي كان قد أسندت إليه يوما، غداة استقلال المغرب – إلى جانب مواطنين من مواطنيه: عضو آخر من أعضاء الأكاديمية، الأستاذ محمد شفيق والمرحوم عبد السلام ياسين - مهمة إعداد أول تفكير حول حول منظومة التعليم في بلاده المغرب حيث كان يمارس التعليم ومهمة "التفتيش" التربوي. فبفضل حاييم الزعرفراني خاصة، بعد أن التحق بجامعة باريس الثامنة حيث أسس شعبة للغة العبري، توفر المغرب لأول مرة على جيل أول من الأكاديميين المتخصصين فاللغة والثقافة العبريتين، مما له تعلق بما أصبح  اليوم يعرف بـ"الرافد العبري" للثقافة المغربية، بكل ما يستدعيه ذلك التخصص من امتلاك لناصية اللغة العبرية وللعربية المهوّدة ولمختلف خطوط الحرف العبري (المربّع و"راشي" واليدوي) قصد الاقتدار على معالجة النصوص والوثائق. لقد كوّن هذا الجيل الأول بقسم اللغة العبرية بجامعة باريس-8 حيث كنت شخصيا مواظبا بانتظام على حضور سيميناره، كمستمع مسجل، لمّا كنت أعد حينئذ دكتورا السلك الثاث سنة 1983-1984 بقسم اللسانيات بنفس الجامعة. ولقد كان أول وجه من أوجه هذه المدرسة "الزعفرانية" حسب ما أعلم هو زميلي وصديقي، الأستاذ أحمد شحلان الموجود معنا اليوم في هذه المنصة بهاذ المحفل، والذي تخرّج على يده جزء كبير من الجيل الثاني من الأكاديميين المتخصصين في الباب.

وقد شرع اليوم جيل ثالث من الأكاديميين في مناقشة أطرايحه في الباب؛ وعلى سبيل المثال، فإن أحد طلبتي الجامعيين القدامى، ممن حضّرو السلك الثالث مع المرحوم الزعفراني في باريس ودكتورا الدولة معي في كلية وجدة، الأستاذ سعيد كافايتي، قد أفلح في غير قليل من الصعوبة في فتح ماستر/دكتورا بكلية فاس-سايس، وناقش أحد طلبته دكتوراه الوطنية قبل ثلاث سنوات حول المرأة في أعمال الكاتب الصفريوي الأصل ،جبرائيل بن سمحون، ترجمة وتحليل.

من خلال الأعمال الأكاديمية لأجيال هذه المدرسة "الزعفرانية" التي تواصلت طوال العقود الأخيرة، بالعربية هذه المرة، على شكل كتب (كتب الأستاذ شحلان خاصة)،  وأعمال ندوات، ومقالات صحفية، ومن خلال التكوين الأكاديمي بالجامعة المغربية، حصل تطوّر نوعي تدريجي على مستوى الوعي الجمعي في ما يتعلق باسترداد أبعاد كانت مغمورة من عناصر الهوية الثقافية المغربية الغنية والمتكاملة التي لا تقبل التجزيء والتي لم يعد اليوم الاهتمام ببعض عناصرها مقصورا، بسبب حاجز اللغة أو الحرف، على جماعة بعينها على سبيل الحصر. حاييم الزعفراني هو صاحب المبادرة في حصول هذا الانتقال النوعي على مستوى الوعي الجمعي العام.

غير أن الأمور تظل دائما في تطور، في اتجاهات مختلفة. ففي ختام ندوة " المكون العبري في الثقافة الأندلسية: الأندلس وحوار الحضارات" التي نظمها بقصر المؤتمرات بفاس (20-21 نوفمبر 2013) كل من جامعة سيدي محمد بن عبد الله، وكلية فاس-سايس، و"مختبر التواصل"، تطارح بعض المشاركين من أساتذة اللغة العبرية مسألة الوضعية الجديد للغة العبرية في الجامعة المغربية في النظام الجديد للمسالك والدكتوراه الذي يهدد باختفاء هذه اللغة-الأداة من الجامعة المغربية، فأصدروا التوصية الآتية؛ وهي توصوية تم البعث بها إلى اللجنة التي كلفت بإعداد مسوّدة مشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وتم التذكير بها خلال يوم جلسات الاستماع إلى مكونات المجتمع المدني الذي نظمته اللجنة المذكورة في شهر ديسمبر 2015 بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية (وهذا رابط نحو نص تلك التوصية: هـــــــنـــــــا).

.

 

أختم هذه الكلمة بشهادة شخصية في حق الأستاذ الزعفراني. إنها من قبيل النكت والتفاصيل، إلّا أنها ذات دلالة في موضوع الهويّة المغربية كما يسهر الزعفراني على أدقّ أبعادها. ففي إطار الزيارات الموصولة والمراسلات التبادلية في شؤون البحث التي جمعتني بالفقيد من الثمانينات من القرن-20، والتي أحتفظ منها على ملف كامل بخط يده، قمت بزيارته في بيته في آخر شهر سبتمبر 2003 (لستّة أشهر قبل رحيله). كان لكي أودعهما، هو وزوجته سيليا الزعفران، وأبارك لهما إيام عيد الغفران ورأس السنة العبرية. صحبت معي باقة خفيفة من بضعة وردات اقتنيتها في طريقي، وكنت قد أعددت لها في غرفتي بطاقة تقديم مكتوبا فيها بالعبرية وبخط اليد "إلى البروفيسور حاييم الزعفراني وحرمه سيليا، مع أجمل المتمنيات بمناسبة ...". كنت قد حرت في كيفية كتابة الاسم العائلي Zafrani بالعبرية، أعلى شكل זפרני أم זעפרני (/زفراني/  كما يدوّن في مؤلفاته الفرنسية أم  /زعــفراني/ كما يدوّن في المغرب بالحرف العربي)؟ اخترت الشكل الأول الذي هو مقلوب اسمه من الإملائية الفرنسية إلى الحرف العبري (أي بدون حرف العين). ما أن قدّمت الباقة إلى السيدة سيليا الزعفراني في باب المنزل حيث استقبلاني معا بناء على موعد بالهاتف، حتّى تناولها منها زوجها فأخذ يقرأ باهتمام ما في البطاقة. قال لي على الفور: "شكرا مرة أخرى بروفيسور المدلاوي؛ ولكن اسمي هو /زعــــفراني/ بحرف العين، وليس /زفراني/؛ لقد بترو لنا حتّى الاسم!" فتوجه مباشرة إلى جارور في الصالون، فأخرج منه قلما مصحّحا بالأبيض وطلب منّي إعادة كتابة الاسم كاملا بحرف العين؛ ولقد ذكّرني ذلك بالراحل شمعون ليفي الذي كان يقول: حينما تخاطبونني بالعربية قولوا "شمـعــون" وليس 'سيمون"

 

في نهاية هذه الزيارة، التقطت لنا الراحلة سيليا معا صورة جميلة في الصالون رغم ضعف بصرها، وأمامنا صينية شاي على الطريقة المغربية. وآخر أو من أواخر صور الفقيد الزعفراني، وأنا أحتفظ بها إلى اليوم ضمن ملف مراسلاته.

 

  بعد أن توفي الفقيد (31 مارس 2004)، نشرت ما يشبه مرثية نثرية بالفرنسية لتكريم ذكره في يومية وأسبوعية مغربيّتين (نصّها هــــنـــــا). صورتُ منها على ورق مقوّىً تلك التي وردت كاملة في صفحة واحدة تعلوها صورة للزعفراني وجعلت لها إطارا من خشب؛ وبعد أشهر كانت لي رحلة إقامة علمية بباريس، فقمت فور وصولي بزيارة لأرملة الزعفراني، السيدة سيليا، فسلمتها لها وقامت بوضعها بالصالون بالقرب من الحمّال الخشبي الذي يحمل الطبعة العملاقة المزيّنة الأنيقة  لكتاب ספר יצירה "كتاب الإبداع" (من الكتب العرفانية) التي هي من تحقيق الزعفراني نفسه المتشبع بالتصوّف.

 

 

--------------------

 

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



14/06/2019
3 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 347 autres membres