(En arabe) Entités et identités - De la représentation des Amazighes (Berbères) dans certaines oeuvres hébraïques
تَمثُّـل الماهيات والهويّات وقيَمُها، ومسألة الكتابة والترجمة.
مثال تسمية الأمازيغ في بعض المكتوبات العبرية،
ما بين لفظ "الفلسطينيين" قديما، ولفظ "العرب" حديثا
تقديــــــم تمهيدي
عرضت لي هذه المسألة أول ما عرضت وأنا أعد دراستين حول ترجمة القرآن الكريم، يفصل بينهما فاصل خمس عشرة سنة (1998، و2004)، ألا وهما ترجمة يوسف ريفلين العبرية، ثم ترجمة الحسين جهادي إلى الأمازيغية على الترتيب. وقد تمحورت هاتان الدراستان حول كيفية "ترجمة" اسم الجلال "الله" في النص العربي، إلى لغة الترجمة. فإذْ للترجمة إلى لغة معينة جمهورٌ رئيسئ معين عامّ ذو ثقافة ومرجعيات معينة غالبة، فإن اختيار ترجمة لفظ اسم الجلال "الله" بــ"Dieu" أو "Dios" أو "God" أو "אלהים" ("إلوهيم") أو "ربّي" (أمازيغية حالية) أو "خداي" (فارسية) أو "Allah" (تركية حالية) الخ، تثير في ذهن متلقّي نصِّ الترجمة نفسَ الماهية المرجعية المشتركة في باب الإيمان التوحيدي للديانات الإبراهيمية الثلاث، بقطع النظر عن الاختلافات الكلامية حول الصفات وعن اختلافات فقه العبادات ما بين اليهودية والمسيحية والإسلام.
أما إذا ما احتفظ بنفس اللفظ [allah]، في الترجمة إلى كثير من اللغات، فيقال مثلا في ترجمة /باسم الله/: In the Name of Allah""، أو “Au Non d’Allah”، أو “En el nombre de Allah”، أو ما يناظر ذلك (كما هو شأن الترجمات القرآن الصادرة عن "مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف")، فإن لفظ [allah]، كلفظ غريب في قاموس اللغة المترجم إليها، لن يثير في ذهن المتلقي لنص الترجمة سوى ماهية غريبة (entité exotique) هي أقرب إلى ماهيةِ ألوهيةٍ إثنو-جهوية مرتبطة بثقافة وحضارة خاصتين، على غرار الآلهة "راع" المصري، أو "زيوس" الإغريقي، أو "جوبيتير" الروماني، أو "ياكوش" أو "انزار" الأمازيغيين مثلا، مع كل ما يقترن بتلك الماهيات من ظلال وإيحاءات إثنو-حضارية خاصة بأهلها وليس من شأنه أن يحيل على ماهية توحيدية كونية. فالترجمة إذن لا تتم في المطلق. إنها تتم باعتبار الخلفية الفكرية والثقافية الغالبة على أذهان جمهور اللغة المترجم إليها.
صميم ما يتعلق بموضوع العنوان
الذي دعاني إلى العودة إلى هذا الجانب من جوانب السيميولوجيات الخلفية لقاموس الكتابة والترجمة هو ما أثاره الزميل الباحث الليبي مادغيس مادي (Madghis M. Madi) مؤخرا على صفحته في موقع الفايسبوك مما لاحظه من تعميم لإطلاق تسمية "العرب" على أمازيغ منطقة أوفران في تخوم الصحراء المغربية في ترجمة رواية התינוק מאופראן ("رضيع من أوفران"؛ انظر هــــــنـــــا) لصاحبها الكاتب الإسرائيلي، المغربي الأصل والمولد، אשר כנפו ("أشير كنافو"). هذه الترجمة من العبرية إلى العربية قد قام بها الأستاذ الباحث عبد الرحيم حيماد (كلية الآداب، أكادير) وقدم لها الاستاذ الباحث أحمد شحلان (كلية الآداب، الرباط)، وصدرت ضمن منشورات جامعة ابن زهر بأكادير. وإذ من المعروف أن أهل واحة أوفران، مسلمين ويهودا، أمازيغيو اللسان والثقافة، فقد تساءل الباحث مادغيس عما إذا كان تعميم إطلاق اسم "العرب" على أهل تلك المنطقة من غير اليهود بشكل منهجي في غضون تلك الرواية يعود إلى تصرف المترجم.
وقد أثار ذلك التساؤل موجة من التعاليق تتراوح ما بين الدراية ونُطقٍ عن الهوي، أبرز أوجهه إعلان أحد النشطاء المتحمّسين عن أنه غير معنيّ البتة بقراءة "ما يكتبه العربُ، فما بلك بما يقومون بترجمته"، خاتما تعليقه بالشتم واللعن مشايعة منه ونصرة للقضية الأمازيغية. بقية هذا النص تهدف إلى تحليل هذا القبيل من الالتباسات.
ظاهرة تعميم إطلاق اسم ערבים ("العرب") اليوم على غير اليهود من سكان المشرق وشمال إفريقيا من طرف الكتاب والصحفيين وحتى السينمائيي الإسرائيليين المعاصرين ظاهرة أيديو-ثقافية ناتجة عن صيرورة إعادة بناء مفهوم الهوية لدى المواطن الإسرائيلي بعد الهجرة وتحت تأثير الإعلام والتربية الأيديولوجية لعدة أجيال. فإذ كانت مضامين تلك التربية الأيديولوجية للجماعات اليهودية المغربية في الماضي تتمثل، في كثير من مكتوباتها، الجيرانَ من أمازيغ المغرب كـ"فلسطينيين" بينما تتمثل العرب من أولئك الجيران كــ"آراميين"، وذلك انطلاقا من خُطاطات مرويات الكتاب المقدس حول أقوام الأزمنة والأمكنة التوراتية، فإن المعطيات الزمانية والمكانية والأحداث التاريخية المعاصرة التي أنشئت في خضمها دولة إسرائيل (الحروب العربية الإسرائيلية على خلفية الأيديولوجية الصهيونية من جهة وأيديولوجية القومية العربية التي تم تبنيها من جهة ثانية من الخليج إلى المحيط بقطع النظر عن اللغات والثقافات) وما واكب كل ذلك من خطاب أيديولوجي تقوم التربية والإعلام بتصريفه في الأذهان وشحنها به، قد جعل الذهنية الإسرائيلية العامة تتمثّــل الآخــر، في كل هذا الفضاء، كــ"عرب"، لأنه باسم تلك الماهية المرجعية تمت المواجهات والحروب وما تزال.
في ظل هذا المناخ الأيديو-هوياتي الجديد، يجد الكاتب أو الإعلامي أو السينمائي الإسرائيلي نفسه مرغما على استعمال الألفاظ المُحيلة على الماهيات المرجعية التي تفرض نفسها على أذهان القراء باللغة العبرية، وذلك حينما يود أن يبلـّـغ رسالة معينة من خلال عمله الأدبي اوالفنّي، خيرا كان مضمون تلك الرسالة أم شرا، في حق هذا الطرف أو ذلك. أي الألفاظ التي تحت يافطتها وباسم الهويات التي تحيل عليها انخرط الأفراد والجماعات المعنية في تدافعات تاريخ الجيل، وذلك مهما كانت الخصوصيات التي لم يكن لها مفعول تاريخي في ذلك الجيل. فمع الخلفية الأيديو-هوياتية الجيدية المشار إليها، لا معنى للحديث في عمل فني إلى القارئ الإسرائيلي عن "الأمازيغ" مثلا أو عن "الأكراد" أو عن "الآراميين" المعاصرين رغم أن كل تلك الماهيات الإثنو-ثقافية والإثنو-لغوية قائمة تاريخيا وراهنا.
لقد واجهتني مثل هذه المسائل بشكل عملي وأنا أترجم بعض قصص كاتب إسرائيلي آخر هو الكاتب الصفريوي المولد والنشأة جبرائيل بين سمحون (גבריאל בן שמחון)، ومنها على الخصوص القصة القصيرة עליתה של סועדה השמימה التي يصور من خلالها هذا الكاتب هجرة جماعة يهود ايت بوكًماز بجبال الأطلس إلى إسرائيل في منتصف القرن العشرين، وما نتج عن ذلك الحدث على مستوى التوازنات والتماسكات السوسيو-وجودية والنفسية والثقافية والاقتصادية لتلك الجماعات بعد حلولها بإسرائيل. لقد عمدت في نص ترجمتي على تعويض اسم البطلة في تلك القصة باسم مناسب بالنسبة لتصور القارئ المغربي لفضاء أيت بوكَماز، ألا وهو الاسم الأمازيغي "تودة" بدل اسم "سُـعْدى" الوارد في الاصل العبري والذي لا يتناسب كاسم امرأة مع وسط ايت بوكماز في تلك الفترة، فكانت ترجمتي للعنوان هي "صعود تودة إلى السماء" بدل "صعود سُعدَى إلى السماء". كما عمدت، في المسلك الذي تصور فيه القصة اصطفاف الجيران على الطريق يكفكفون دموع الوداع صبيحة رحيل مجاوريهم من اليهود، إلى تعويض تسمية أولئك الجيران بــ"المسلمين" بدل ما ورد في الأصل العبري، أي ערבים ("العرب"). ذلك أن المترجم، مثله في ذلك مثل الكاتب، أسيرٌ، في عملية وتقنية نقل ما يريد نقله وتبليغ ما يريد تبليغه، للمرجعيات الماهياتية الفعلية لألفاظ القاموس في أذهان جمهور قارئيه كما يتمثلهم في جيله على الأقل (انظر نص ترجمة القصة إلى العربية هــــنــــا).
ولقد لاحظت بعد ذلك مؤخرا نفس المنحى في الإحالة على جيران اليهود المغاربة من المغاربة المسلمين في مناطق الأطلس (منطقة كًرّامة مثلا)، بالإحالة عليهم بتسمية "العرب"، وذلك من خلال بعض ما عُرض من أشرطة في "أسبوع الفيلم المغربي-اليهودي" الذي انعقد في برلين (8-12 ماي 2016)، فكان ذلك حافزا على تحرير نص قصير بصيغتين (أنجليزية وعربية) بعنوان "من مفارقات تمثـُّـل الهوية والغيرية؛ مثال بعض جماعات اليهود المغاربة". وقد تم في ذلك النص تفصيل كل ما تقدم هنا بخصوص تسمية الأمازيغ في الأعمال الأدبية والفنية الإسرائيلية؛ وهذا رابط مباشر نحو الصيغة العربية وبداخلها رابط داخلي نحو الصيغة الإنجليزية (انقر هــــنــــــا).
خـــلاصــــة
يتضح من كل ما سبق أن الألفاظ والتسميات، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالماهيات الهوياتية، ليست لها مضامين قارة ومطلقة في المعاجم العامة ولا في معاجم الأعلام. ولذلك فإن استعمالها والتعامل معها ليس من باب الاستعمال المعجمي العادي، وذلك سواء بالنسبة للكاتب الذي يضطر إلى أن يأخذ خلفيات جمهور لغة الكتابة بعين الاعتبار، أم بالنسبة للمترجم الذي يتعين عليه، بعد استحضاره لتلك الخلفيات، أن يأخذ كذلك خلفيات جمهور لغة الترجمة بعين الاعتبار حتى يتوفق في نقل "رسالة" الكاتب إلى جمهور قارئي الترجمة. بل إن مسألة أخذ أبعاد الخلفيات الثقافية التي يولد فيها النص/الوثيقة بعين الاعتبار تطرح حتى بالنسبة للمؤرخ في تعامله مع الوثائق. فلنتصور مثلا مؤرخا يستعمل، بعد بضعة قرون من الآن، نصوصا تصور هجرة اليهود المغاربة، وذلك من قبيل نصيّ جبرائيل ابن سمحون أو أشير كنافو المشار إليهما أعلاه، بما يتخلل ذلك التصوير من تحديد للماهيات الهوياتية البشرية (يهود، عرب، الخ.).
--------------------------
الأعمال المشار إليها أعلاه
Elmedlaoui, M. (1999). "La traduction du Coran en Hébreu par Joseph Rivelin (remarques sur la forme et le contenu)"; pp. 31-
Elmedlaoui, Mohamed (2006)-d. "Traduire le nom de Dieu dans le Coran : le cas du berbère". Pp. 105-115 in Dymitr Ibriszimow / Rainer Vossen / Harry Stroomer eds. Etudes Berbères III. Le nom, le prénom et autres articles. Berber Studies. Volume 14 (2006). Rüdiger Köppe Verlag. Cöln.
المدلاوي، محمد (2004) "اسم الجلال في'ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الأمازيغية"؛ ص 100-112 من كتاب: الترجمة بين الهواية والمهنية. وقائع ندوة. إعداد عز الدين الكتاني الإدريسي و ابراهيم الخطابي وعبد اللطيف زكي. جامعة محمد الخامس – السويسي و المعهد الجامعي للبحث العلمي- الرباط.
أعيد نشر المقال موسّعا بعنوان "ترجمة معاني القرآن إلى الأمازيغية، ما بين وظيفة النقل وهموم النقاء المعجمي". في كتاب: المدلاوي محمد (2012) الموثق أسفله؛ ص: 173-223.
المدلاوي، محمد (2012) رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون. منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي- الرباط.
-----------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres