(En arabe) du projet de réglementation linguistique au Maroc
عودة الحديث عن تقنين لغة الكلام والكتابة والتكوين والبحث العلمي
(خلاصة تجربة شخصية)
22 ديسمبر 2017
التكوين والبحث ومسألة اللغة، بصفة عامة
أود أن أقول هنا كلمة مختصرة حول ما يروج من مشاريع قوانين تدعو إلى تقنين اللغة؛ وسأقتصر من ذلك على ما يتعلق بلغة العلوم (تكيونا وممارسة للبحث). أقول تلك الكلمة استنادا إلى نموذج حاضرٍ بقوة في المرجعية المغربية في هذا الباب، سواء على شكل تقليد مشوَّه له عند البعض، أم على شكل هاجس رفض مبدئي دوغمائي له عند البعض الآخر. إنه النموذج الفرنسي في التعامل مع لغة العلوم على صعيد التكوين الجامعي إنجاز البحث العلمي في الجامعة وفي مراكز البحث. مرجعي في ذلك هو تجربتي الشخصية في الحقل العلمي الذي اشتغلت فيه وأشتغل فيه (تكوينا ذاتيا، وتكوينا للغير، وممارسة للبحث)، حقل علم اللغة الحديث أو ما يسمى حديثا بـ"اللسانيات". إنها تجربة 35 سنة فيما يتعلق بالاحتكاك بالمؤسسات الأكاديمية الفرنسية (مرحلة التكوين في الدوكتروراه من درجتين ابتداء من 1983، ومرحلة إنجاز البحث ونشره من 1985 إلى اليوم).
علمت من خلال تلك التجربة أن أفراد الجيل الذي أدخل اللسانيات الحديثة إلى فرنسا (Nicola Ruwet, Jean-Claude Milner, Pierre Encrevé, François Dell, Jean Roger Vergneau, Alain Rouveret, Georges Bohas, Jean Lowenstamm, etc.)، كانوا جميعا ذوي تكوين مزدوج فرانكوفوني-أنكًلوفوني؛ وكثير منهم يضيف لغات أخرى (ألمانية، صينية، عربية، عبرية، آرامية، الخ.).
.
وكان أول ما يقوم به أولئك مع أي طالب يودّ تحضير شهادة بتأطير من أحدهم في إحدى الجامعات الفرنسية (بدءا بشهادة الدروس المعمقة القديمة) هو اختبار مدى امتلاكه لناصية اللغة الإنجليزية (كما حصل لي شخصيا مع نيكولا روفيت، ومع بيير انكروفي، وأخيرا مع فرانسوا ديل). وكانت جميع المادة القرائية (كتب، دوريات، مصورات) التي كان يتمّ توجيه الطلبة إلى العودة إليها من أجل الاقتدار على مواكبة حلقات التكوين ومواصلة مراحل إعداد الشهادة العليا مادّةً أنـكــًلوفونية اللغة (أمريكية في معظمها).
لكن، كانت تفـــــيـــض، في نفس الوقت، عن مزاولة مهامّ التكوين وممارسة البحث العلمي من طرف ذلك الجيل أعمال تيـــــــسيريــــة باللغة الفرنسية، إما تأليفا وإما ترجمة عن الإنجليزية، من أجل تقديم بعض الأطر النظرية الكبرى التي يتعرّف من خلالها الطالب الفرانكوفوني المبتدئ، في المراحل الجامعية الأولى من التكوين في الأقسام المفتوحة (إنسانيات)، على المفاهيم الرُكنية الأساسية في علم اللسانيات، وهو ما يساعده على توجيه وإعداد نفسه لاختيار علم اللسانيات إن هو أراد ذلك وأنس من نفسه القدرة والاستعداد، وذلك من خلال ما يلاحظه في مراجع تلك المؤلفات من الهيمنة المطلقة للأعمال الأنكًلوفونية. يحصل كلّ ذلك التراكم الموازي ، ليس بمقتضى تقـنـينات، ولكن بمجرد منطق سوسيولوجيا البحث والتكوين في إطار سوق لغوية وطنية/عالمية معطاة في فترة من الفترات.
وأتذكر بهذا الصدد الأخير (تطور السوق اللغوية)، خلال مواكبة حضوري في حلقات تكوين بجامعات فرنسية مختلفة في بداية الثمانينات، أنه في الوقت الذي اكتسحت فيه الإنجليزية مبكّرا بعض الجامعات والمدارس الفرنسية الرائدة في باب اللسانيات (باريس الثامنة، باريس السابعة، المدرسة العليا ENS)، كانت جامعات ومعاهد أخرى أكثر محافَظةً (الإينالكو، المدرسة التطبيقية للدراسات العليا EPHE بالسوربون) ما يزال جيل الأساتذة من اللغويين المستعربين والمستمزغين والمستفرقين فيها يستشهد بعبارات ومصطلحات ومراجع ألمانية كبقايا أثر الفترة التي كانت فيها الألمانية قبل الحرب الثانية لغة علوم اللغة (كتاب تروبيتزكوي باللغة الألمانية هو مؤسس فرع الفونولوجيا الحديثة من فروع اللسانيات؛ وبقي هوّ المرجع إلى أن ظهر مؤلف تشومسكي وهالي سنة 1968 المشهور بــ SPE).
.
وأخيرا، وبناء على نفس التجربة الشخصية في باب ممارسة البحث، أشير إلى أني مارست ذلك البحث مهنيا وبشكل مندمج في المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) الفرنسي بباريس في شراكة مع أحد اللغويين المذكورين (فرانسوا ديل) وبتمويل من ذلك من ذلك المركز (تعويضات السفر والإقامة والعيش لمدد تتراوح كل مرة ما بين شهر وستة أشهر) منذ 1986 إلى اليوم (آخر عمل نشر لنا سنة 2017)؛ وهو ما أسفر عن كتابين وحوالي عشرين مقالا منشورا في دوريات لسانية مختلفة أو في أعمال ملتقيات لسانية دولية. جميع تلك الأعمال المـــــــمـــــولـــــة من طرف المعهد الوطني للبحث العلمي منشور باللغة الإنجليزية ما عدا مقالين اثنين.
بطبيعة الحال، كلمّا انتهينا من إنجاز مهمّة بحث مـــمــوّل، نبعث بتقرير عن تلك المهمة إلى مختبر المؤسسة الممولة يبيّن أسفر عنه العمل من حصيلة ملموسة. وحينما نتقدّم بمشروع بحث جديد، يتمّ في ذلك المشروع التنصيص على ما تمّ إنجازه (في علاقة المشروع الجديد بذلك) مع بيان عناوين المقالات و/أو الكتب المنشورة وتوثيق بيبليوغرافي لها. ولم يمنع قط واقع النشر بالإنجليزية لأعمال مولتها مؤسسة فرنسية من قبول مشروع من مشاريع البحث التي تقدمنا بها تباعا خلال المدة الطويلة المذكورة؛ وهذا هوّ المغزى الموضوعي لإيراد هذه التفاصيل ذات البعد الشخصي.
.
سألت ذات يوم زميلي عن الأمر فقال: يوجد الآن في فرنسا اتجاهان في هذا الباب، على مستوى تدبير شأن التكوين والبحث العلمي، اتجاهٌ يرى أن ذلك التدبير يتعين أن يكون على هدي قصر الدعم على ما يتمّ باللغة الفرنسية، واتجاه يرى أن يكون ذلك التدبير قائما على هدي غائية التحكم في المعرفة وتحسين التموقع في طليعتها، وأن ذلك لن يكون ذلك في النهاية سوى لصالح اللغة الفرنسية في الأمد البعيد عن طريق اقتدار الأجيال على الترجمة، وما يواكب ذلك الاقتدار ويوازيه من التأليف في تيسير للمعارف المتحكم فيها، وهو الاتجاه السائد اليوم. إن كان كلّ هذا قد صحّ بالتجربة في حقل اللسانيات فما بالك بحقول العلوم الرياضية وعلوم الطبيعة؛ ومن يمارسون في تلك الحقول سيكونون، ولا شك قد وقفوا على نظيره فيها بشكل أكثر قوّة.
.
القصة القصيرة للسانيات بالمغرب كما عاينتها
وبالعودة إلى حقل اللسانيات بالضبط في الجامعة المغربية وفي معاهد ومراكز البحث المغربية هذه المرة، يعرف الجميع اليوم، بالمعاينة لما حصل في ظرف توالي جيلين أكاديميين، كيف أن شيئا ذا بال لم يعد هناك اليوم من ذلك العلم بجميع فروعه، وذلك بعد أن كان جيل من الرواد العصاميين قد أدخلوا هذا العلم إلى الجامعة المغربية مع بداية السبعينات الماضية، بناء على تمكّنهم من اللغات الأجنبية حسَبَ مساراتٍ مختلفة ملتوية خاصة بكل فرد (عبد القادر الفاسي الفهري، أحمد المتوكل، مولاي أحمد العلوي، الجيلالي الصايب، أحمد بوكوس، عبد الرحيم بنحلام، عبد الرحيم اليوسي، محمد الشامي، ليلى المسعودي، محمد الحنّاش، عبد العزيز حليلي، محمد الشادّ، وآخرون وأخريات لاحقون ولاحقات أمثال علي سبيعة، محمد شطاطو، قاضي قدّور، الحسين المجاهد، موحا الناجي، فاطمة الصادقي، يامينة القيراط، وغيرهم من البـــــعـــــــــض القليـل من الجموع التي أطـّرها كل هؤلاء).
فإضافة إلى سوسيولوجيا تدافع الوسط الأكاديمي التي اضطر بمقتضاها هؤلاء إلى الانخراط في تكتّلات من أجل ضمان موقع الفرد بعلمه الجديد غيرِ المرغوب فيه في الوسط المحافظ العامّ، مما أسفر في النهاية مع منتصف الثمانيات عن تشكيل جمعيتين للسانيات كجمعيات عالمة (sociétés savantes) ما فتئتا أن تحوّلتا إلى ما يشبه تكتلات فئوية مصلحية تسعى كلّ واحدة منها إلى أن تجعل من نفسها "الطرف المحاور" في بعض الرهانات المشوارية-الإدارية وما له برِبحِها علاقة، على شكل اصطفافات أيديولوجية، وبما ترتّب عن هذا التوجه في النهاية من فتح باب "لقب/بطاقة اللساني" أمام كلّ من تشـيّــع عبر مجموعات شُعَب الكليات بحثا عن مكان ومظلـّـة في خضمّ التدافع، فإضافة إلى كلّ ذلك تمّ تدشين تحوّل جديد أفضى بهذا المنطق إلى نهايته:
1- إذ كان قد وازى كلّ ذلك خلال الثمانينات وجهٌ من أوجه التــقـــنيـــن بالضبط على مستوى تدبير التكوين الأكاديمي، تقــنيــن اتخذ تلك المرّة شكل تحــــفيـــز، وليس شكل زجـــــر. إذ تقرر قَصرُ تخويل مـــــنحـــة استكمال الدراسات الجامعية للطلبة بالخارج في شعب الآداب على من يـــخــــــتار ما دة "اللسانيات". ونفس الشيء قد تمّ بالنسبة لطلبات ما كان يسمى بـ"الــتــــفـــرغ" من طرف الأساتذة من صفّ إطار "مساعد"، ممن كانو يرغبون في فترة للتفرغ قصد تحرير رسائلهم أو أطاريحهم.
حينئذ، وبمقتضى تلك "التحفيزات" تمّ اكتساح بعض الجامعات الفرنسية والمشرقية المحافظة دفعة واحدة من طرف الطلبة المغاربة في حقل الإنسانيات، حيث تخصّص بعض من فاتهم الركب هناك من أساتذة في استقبالهم جماعات لتعويض عزوف الطلبة في عين المكان (مادام فلانة، والدكتور فلان)، فأخذ أغلب أولئك الطلبة والطالبات يسجلون رسائل من قبيل "Le lexique de l’amour chez le poète X" أو "La sémantique de la chanson populaire" أو "مسألة المصطلح النحوي عند فلان" ... ثم يعودون بلقب دكتور في اللسانيات بعد ثلاث سنوات للعمل في غالب الأحيان بنفس الشعبة التي كانوا يدرُسون فيها، بدون مباراة ولا حتّى مجرد مقابلة شفهية (تتقدم الشعبة، بناء على سوابق علائقية إلى رئيس المؤسّسة بملتمس رفعِ طلبٍ منصب مالي أكثر لردم "الخصاص" في "مادة اللسانيات"، فتنطلق المسطرة الإدارية).
2- وفي منتصف التسعينات تمّ تغيير نظام التكوين في الدكتوراه لتخليصه، مبدئيا، من سيادة أحادية العلاقة بين الطالب والأستاذ المشرف، التي كانت تستحيل دائما، بمقتضى السوسيو-ثقافة الأكاديمية السائدة، إلى آلية لتشكيل البطانات المستقبلية الدائمة في الوسط المهني الأكاديمي.
هذا الإصلاح لم تكن تتوفر له الشروط اللوجيستيكية اللازمة لبلوغ مقاصده، على مستوى تقويم مشاريعِ اعتماد وفتحِ ما أصبح يسمّى بــ"وحدات التكوين والبحث" (نقص الأطر الوطنية في باب التقويم، وعدم استعانة هيئات الإحالة على التقويم بالخبرة الخارجية كما هو معمول به عالميا). وهو ما أفضى إلى تشكيل كثير من الوحدات بمحض ما اتفق وكيفما اتفق (لجوء أصحاب المشاريع إلى ما هو متوفر في المحيط المباشر من أصحاب الألقاب الأكاديمية المطلوبة، بقطع النظر عن الحقل العلمي المعنيّ، تكوينا وممارسة للبحث، بل وبإدراج أسماء مؤطرين وهميين في بعض الأحيان ...).
وأتذكر، على سبيل النكتة في هذا الباب الأخير، أن "اللجنة الوطنية للاعتماد والتقويم" كانت قد أحالت عليّ ملفَّ مشروع فتح "وحدة للتكوين والبحث" في باب حُسِب على "السانيات"؛ فاكتشفت من بين ما اكتشفت أن بالملف وثيقةً التزام بسلسلة محاضرات في الوحدة المنتظرة، وهي وثيقة مُمضاة من طرف أحد الأكاديميين الأجانب، وتحمل رأسية مؤسّسة انتمائه الأكاديمي؛ فانتابني الشك في أمرها وأخذت أمارس عليها ليس الخبرة الأكاديمية ولكن خبرة "الشرطة العلمية"، وذلك انطلاقا من معرفتي باستعدادات الأستاذ المعني وبما ساورني من شك في صحة التوقيع بسبب ما كان بيني وبين الأكاديمي المذكور من سابق مراسلات التبادل الكتابي على الورق. وبعد تردد، اتصلت به هاتفيا وعبرت له، بحذر ومراوغة وشيء من الخبث، عن مدى "سروري بآفاق اللقاءات القادمة بناء على ما بلغني من برنامج زياراتك القادمة للمغرب...". فلم يفهم الأستاذ شيئا من كلامي، ... وحينئذ صارحته، في إطار القيام بعملي كخبير أكاديمي، بأن أمامي وثيقةً باسمه وتوقيعه أسنَدتْ إليه ما ورد فيها من التزام بسلسة محاضرات في الوحدة الفلانية بالمدينة الفلانية؛ فأخذ يتعجب، ونفى نفيا قاطعا، حتى إنه اضطرب ونادى على زوجته خلال المكالمة ليحكي لها الأمر. حينئذ ضمّنت ذلك في تقريري حول الملف؛ وبلغني فيما بعد، بطرق غير مباشرة، أن اللجنة (التي ليست لها طبعا صلاحيات أخرى) اكتفت برفض الملف وتوجه توبيخ إلى صاحب مشروع الوحدة. أما جيل الرواد، فقليل من واصل منهم مشوراه كباحث لساني منتج، بقطع النظر عن آجال مشوار الوظيفة العمومية. فمنهم التقمته واستنزفت طاقاتِه في عزّ تلك الطاقات دواليبُ ما كان يشكّل رهان التكتلات السابق ذكرها، ومنهم من سبّب له ذلك بالضبط إحباطات وعزوفا فولـّى وجهه شطر اهتمامات أخرى من باب المختلفات، إما كخبرة في السوق الحرّة وإما كتنشيطات جماهيرية، إن لم ينزو بكل بساطة في خلوته. وبذلك استمرت اللسانيات في الفضاءات التي نشأت فيها ليس كموضة ولكن كإفضاء طبيعي لمنطق تطور المعارف الأكاديمية، ولم يبق في فضاءها من المغاربة سوى الذين اغتربوا منذ البداية سواء تقديريا أو جغرافيا مع توالي جيلين (جمال أوحالّا، العباس بنمامون، رشيد رضوان، محمد الهروشي، الخ).
.
تلك قصة اللسانيات في المغرب كما رأيتها وأرها شخصيا من الداخل. ولعلّ لها ما يناظرها في حقول أخرى. وقد تبيّـن من خلالها وجه من أوجه دور الإجراءات التــــــقـنيــــنية (زجرا كانت أم تحفيزا ماديا مجانيا) في إفساد منطق التكوين والبحث العلمي. وإذا أضفنا إلى ذلك روح المشروع الحالي للتقنينات الزجرية والتحفيزية بناء على خلفية بُعد اللغة (العربية في مقابل غير العربية)، فإننا سنتوقع أبشع من هذه القصة في حقول العلوم الأخرى، الطبيعية منها على الأخص في الجامعات المغربية، إذا ما عرفنا كذلك أن هناك مقدّمات تفعل فعلها في العمق وبشكل منهجي ومنظم منذ خمسة عشرة سنة في الجامعة المغربية تحت يافطة موضة "الإعجاز العلمي" (انظر هــــنـــــا بالفرنسية 2009).
.
وفي النهاية، وفي علاقة ببعض ما يشكل خلفيات عودة الحديث عن تقنين لغة الكلام والكتابة والتكوين والبحث العلمي، من المفيد التذكير بالنصين الآتيين:
.
1- تطوير اللغة العربية، وثقافة "إعلان المبادئ"
2- تأهيل اللغة العربية، والمقاربة المغربية؛ مقاربة عمـليـّة عقلانية وعلمية، لا شرقية ولا غربية
https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-qualification-de-la-langue-arabe-a-la-marocaine
----------------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres