OrBinah

(En arabe) Du composant juif de la société marocaine: aperçu général

عن يهود الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المغاربة اليهود

حلقة قادمة من برنامج "يتفكرون" على قناة الغد

 

 

بدعوة من "قناة الغد" المصرية التي تبث برامجها من القاهرة، شاركتُ، إلى جانب الأستاذ محمد عفيفي رئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة، في تسجيل حلقة من حلقات برنامج "يتفكرون" لمنتجه ومنشطه الإعلامي الأستاذ خالد منتصر، وذلك مساء 24 ماي 2018 باستوديوهات القناة بالقاهرة؛ وهذا رابط نحو تسجيل الحلقة:

https://www.youtube.com/watch?v=GDXFMLf6sOg

ثم هذه عناصر مضمون مشاركتي إجابة عن أسئلة الأستاذ خالد منتصر. إنها عناصر مفصّلة هنا بما تسمح به الصيغة المكتوبة، على خلاف الصيغة الشفوية التي تمت في حدود ما يسمح به الوقت المخصص للحصة.

 

1-  التاريخ القديم لليهود بالمغرب

تحدث المؤرخ الشمال-إفريقي، اللاتيني الثقافة، تيرتوليان (150-220 ميلادية)، عن وجود مجموعات أمازيغية اللسان بشمال إفريقيا "يلتزمون بتشريعات الحلال والحرام من الأطعمة والأشربة ويحتفلون بالسبت". وقد تم اكتشاف رموز يهودية (شمعدان المينورا) في مدينة وليلي قرب مكناس بالمغرب (أسسها الفينيقيون في ق-3 قبل الميلاد، ثم أصبحت رومانية إلى أن تخلّى عنها الرومان في نهاية  ق-3 للميلاد).

 

2-  العصور الوسطى

تحدّث المؤرخون عن القائدة المسماة بـ"الكاهنة داهيا" التي تصدّت لجيوش الفتح الإسلامي وقال البعض، في شيء من الغموض، إن قبيلتها الجراوية كانت تدين بوجه من أوجه اليهودية. ومع بدايات تأسيس الدولة الإسلامية في المغرب، ذكر المؤرخون أنه كان من بين القبائل والجماعات التي قامت الدولة الإدريسية بمحاربتها من أجل بسط نفوذها على رقعة محصورة في شمال المغرب، جماعاتٌ مسيحية وأخرى يهودية. وفي بدايات قيام الدولة العلوية الحاليّة، كان من بين المراحل الأساسية التي تمكن من خلالها مؤسسها الفعلي، المولى رشيد، من بسط نفوذه من شرق المغرب نحو الغرب عبر مدينة تازة هو القضاء على ما يشبه إمارة في تلك الناحية كان على راسها يهودي هو المسمى ابن مشعل.

بعد ذلك انخرط اليهود المغاربة كغيرهم من الأفراد والجماعات في خضم تدافعات الدول المتعاقبة في المغرب، لكن في ظل خصوصيتين: (أ) خضوع اليهود أفرادا وجماعات لنظام الذمة المعروف بميثاق عمر (أداء الجزية الفردية والجماعية)، وذلك إلى فترة التغلغل الفرنسي في شمال إفريقيا (احتلال الجزائر) وعقد الحماية على المغرب؛ إذ لم يشمل المغربَ ما حصل من إلغاء الحكم العثماني لذلك النظام في النصف الأول من القرن-19 بما أن المغرب لم يكن خاضعا للعثمانيين؛ (ب) خصوصية تقاليد التجارة والمال والأعمال الحرة التي غلبت منذ القدم على الجماعات اليهودية منذ تخريب الهيكل الثاني (في مقابل الرعي والزاعة). وخلال ذلك التدافع وبفعل الخصوصية الثانية 'ب' تقلدت شخصيات يهودية مناصب رفيعة في الدولة في باب الوزارة والسفارة والجباية وسك العملة، خصوصا على عهد دولتي المرينيين والعلويين؛ لكن مع ما يترتب عن ذلك التوزيع القطاعي للعمل والوظائف من اصطدامات في فترات المصاعب الاقتصادية (مجاعات، ثقل الجبايات المخزنية) تسفر أحيانا عن استهداف الجماعات اليهودية التي ترتبط في أذهان العموم بحيازة المال وممارسة المضاربة والسلف بالربا؛ ويتخذ ذلك صفة صدام مِلـّي يكون أحيانا على شكل بوكًرومات وهجومات نهب جماعية على الأحياء اليهودية عرفت في المغرب بتسمية "التريتل").

 

3- العنصر اليهودي في المشهد الفكري والثقافي المغربي خلال العصور الوسطى

خلال كل مراحل العصر الوسيط، الذي امتدّ عمليا في المغرب قرونا بعد التاريخ المتعارف على لانتهائه كعصر تحقيبيي (القرن-15 مع سقوط القسطنطينية وانطلاق الاكتشافات الجغرافية)، كانت نخبة اليهود المغاربة أصلاً منهم ("البلديّين" المسمون كذلك بـ"الطوشافيم") أو اللاجئين إلى المغرب بعد الجلاء من الأندلس ("العجمّيين" المسمون كذلك بــ"المكًوراشيم") بارزة في ميادين العلم والثقافة والتصوّف والفنون الموسيقية والطرازية والرياشية والحُلي والخياطة العالية  والمطبخ الرفيع. فقد درّس ابن ميمون مثلا بجامعة القرويّين أيام الموحدين قبل أن يلتحق بالمشرق، وكان قبله كل من يهودا بن قريش وابن بارون ومدرستهما أول من وضع أسس علم اللغويات المقارنة ... الخ. وقد انتقل كثير من كل ذلك إلى حيز ما هو مشترك عامّ في الثقافة المغربية في عمومها، خصوصا في ميادين الموسيقى وفنون الطراز والرياش ومختلف الصناعات التقليدية.

 

4-  العصر الحديث

أخذت االأمور تتغير بالنسبة لوضعية المغاربة اليهود مع سن فرنسا في مستعمرتها الجزائرية لما عرف بمرسوم كريميو (Loi Crémieux 1870) الذي فتح الباب أمام اليهود الجزائريين للحصول على الجنسية الفرنسية. فقد بدأ كثير من اليهود المغاربة من التجار وأصحاب المال والأعمال يهاجرون قصد الإقامة بالجزائر مدة تمكّنهم من الحصول على الجنسية الفرنسية التي كانت هي السبيل الوحيد للخروج من وضعية الذمّي وممّا يترتب عنها من جزية فردية؛ وبذلك بدأت تتشكل فئة من اليهود المغاربة المحميين قبل انخراط نظرائهم المسلمين في التهافت بدورهم على الحماية الفردية من مختلف القنصليات لحماية أنفسهم من الشطط ومن مخاطر نكبات "التتريك" من طرف سلطات مخزن الوقت. وقد تقوّت تلك الطبقة وتوسعت وأصبحت لها نخبة متعلمة تعليما عصريا  في صفوف اليهود مع تأسيس مدارس "الرابطة اليهودية" (Alliance Israélite) الفرانكوفونية والفرانكوفيلية مع بداية ستينات القرن-19 بعد هزيمتي المغرب في حرب إيسلي ثم حرب تطوان وخراب خزينة المخزن وما ترتب عن ذلك الخراب من ثقل جبائي. تلك المدارس التي كانت توفر تعليما عصريا بمعايير وقيم المدرسة الفرنسية لذلك الوقت والتي كان قد تصدّى لها الربيّون المحافظون في غالبيتهم دون جدوى، بحيث إنه لما أبرم عقد الحماية الفرنسية على المغرب (1912)، قد وجدت سلطات الحماية لإدارتها جيلين من الأطر الأهليين الفرانكوفونيين في صفوف خرّيجي تلك المدارس. وقد أدّى تطور الأمور في ذلك الاتجاه طيلة فترة الحماية وقبلها إلى اكتمال قيام شرخ تاريخيّ جديد بين اليهود والمسلمين المغاربة يضاف إلى شرخ نظام الذمة ويغذّيه هذا الأخير.

 

5-  الحركة  الصهيونية، والحركة الوطنية المغربية، وفترة الاستقلال

كان اليهود المغاربة، على كثرتهم العددية (حوالي ربع مليون في الفترة التي كان فيها المغاربة عامة حوالي 10 ملايين)، آخر المجموعات اليهودية التي استجابت في النهاية لنداءات الحركة الصهيونية بعد تضافر عدة عوامل اقتصادية وسوسيو-سياسية وسيوسيو-ثقافية. فقد كان الفكر السائد في صفوف اليهود المغاربة، المغرقين في المحافظة، فكر صوفي يطبعه الحلم المهدوي الصوفي الذي يربط "العودة إلى أورشليم" بظهور المسيح في آخر أزمنة الحياة الدنيا. ولذلك كانت تتخذ دعوات الصهيونية المهدوية، التي تظهر من حين لآخر في الفترات المتأزمة داعية للاستعداد إلى الالتحاق بالقدس، شكلَ ادعاءِ بعضهم أنه المسيح المنتظر لآخر الزمان، كما فعل الربّي المسمّى "موشي الدرعي" أيام الاضطهاد العقدي الموحدي (انظر  Simon Levy 2001 pp 173-...) أو كما فعل "ساباطاي تصفي" في تركيا العثمانية في النصف الأول من ق-17 (انظر هـــنـــــا)، ثم ينتهي الأمر باكتشاف كذبة ادعاء النبوّة.

أما الصهيونية السياسية البراغماتية الحديثة، كما رسم معالمها ومارسها ثودور هرتزل ثم دوراتُ المؤمتر الصهيوني، فقد كانت دائما منذ نشأتها موضع تشكّك كبير في أوساط اليهود المغاربة، الذين لم يكونوا مطلعين في الواقع بما فيه الكفاية على وثائقها بسبب الحاجز الثقافي واللغوي الجرماني حتى بالنسبة للنخبة العصرية (استعمال اللغة الألمانية ثم الإنجزليزية) إذ اليهود المغاربة إنما كانوا يتبادلون، على المستوى الفكري، مع يهود المشرق.

لكن بعد أحداث المحرقة النازية ونهاية الحرب العالمية الثانية وحرب 1948 وإعلان دولة إسرائيل وتأسيس جامعة الدول العربية وظهور بوادر القومية العربية وتداخل خطاب الحركة الوطنية المغربية في مع عناصر ذلك الكوكطيل الجيوسياسي، بدأ طريق فعالية الدعوة يسلك في صفوف اليهود المغاربة أمام نشاط الحركة الصهيونية في وجهها الفرانكوفوني اللغة؛ إنه طريق الشرخ الثالث الذي أصبح ذا طابع أيديولوجي (بعد الشرخ السوسيو-ملـّي لوضعية الذمة، والشرخ الثقافي الذي تولد عن "السياسة اليهودية" الفرنسية في الجزائر خصوصا وعن مفعول مدرسة "الرابطة اليهودية").

ولقد زادت من تعبيد ذلك السبيل أمام نشاط الحركة الصهيونية منذ منتصف الأربعينات من القرن-20 (إضافة إلى كلّ أوجه الشروخ المشار إليها) مستجدّاتٌ سوسيو-اقتصادية أهمها تفكك بُنى نسيج الصناعات التقليدية وتجارة التجّار المتجولين (المهن التي كان اليهود الطبقات الدنيا متخصصين فيها) بعد تغلغل المصنّعات الحديثة في السوق المغربية وبداية ظهور شبكة وسائل النقل الحديثة. فقد أدى كل ذلك إلى إفقار يهود البادية وبداية التفكير في الهجرة كحل، تلك الهجرة التي بدأت أولا كنزوح نحو المدن، ثم كهجرة نحو الخارج.

ففي منطق هذا الجنوح السوسيولوجي العامّ (مسلمون ويهود) نحو النزوح والهجرة (نحو الحواضر، أو فرنسا، والأمريكيتين وليس دائما نحو إسرائيل بعد قيام الدولة بالنسبة لليهود)، وجدت الحركة الصهيونية تربة خصبة تختلط فيها العناصر المغدية: (أ) عنصر ثقافة حُلم الصهيونية الصوفية المهدوية الذي أخذ يُشبّه لليهود أنه قيد التحقق إلى درجة أن بعض الربّيين القرويين ممّن عاش في الأقاصي ما بين واحة "أقّـــــا" وقرية "ارازان" بضاحية تارودانت قد أنشأ قصيدة (بيّوط) مستبشرا بأصداء حرب 1948 (انظر هــــنــــــا)، (ب) عنصر تفكك الاقتصاد التقليدي الذي كانت تنخرط فيه الطبقات الدنيا من اليهود وانشار الهشاشة في صفوفها بسببه (ج) الإغراء بالحصول على سكن لائق وعمل قارّ محترم (انظر هـــــنـــــا  بخصوص ب-ج)، (د) خوف النخبة مما تحبل به الأيام بعد استقلال المغرب اعتبارا لانخراطات وخطاب الحركة الوطنية بعد حرب 1948 وإقامة دولة إسرائيل ثم حرب السويس سنة 1956 وحصول المغرب على استقلاله في خضمّ تلك الظروف.

 

6-  في الظرفية الراهنة

لكن كل ما سبق ذكره، وهو تعميمات اختزالية إلى حدّ ما تقتضيها ضرورةُ رسم المشهد العامّ في تغاضٍ عن بعض التفاصيل رغم أهميتها، لم يحل دون استمرارية تعدّدية الأصوات على جميع المستويات (مستوى مؤسسات الدولة والمستوى السياسي المدني) بقطع النظر عن أبعاد مختلف الخصوصيات في المغرب. فعلى مستوى مؤسسات دولة الاستقلال على عهد الملك محمد الخامس مثلا، أسنِدت أهمّ وزاراة من الوزارات الاستراتيجية في الوقت (البريد والتيليغراف والتيليفون) في أول حكومة بعد الاستقلال لشخصية يهودية (ابن زاقين)؛ ثم توالى إسناد المسؤوليات السياسية في جهاز الدولة مع الملك الحسن الثاني ومع الملك الحالي محمد السادس (وزراء، مستشارون، توشيحات رسمية دورية، الخ.)، دون أن ننسى تمثيل المكون اليهودي في كثير من المجالس الرسمية وشبه الرسمية القائمة اليوم ("المجلس الوطني لحقوق الإنسان" و"مجلس الجالية المغربية بالخارج" على سبيل المثال). كما أن شخصيات يهودية قد انخرطت منذ الأربعينات من القرن-20 في الحزبين النافذين في الوقت (حزب الاستقلال وحزب الشورى)؛ إضافة إلى الدور الذي لعبته نخبة من الشخصيات اليهودية في تأسيس الحزب الشيوعي المغربي كامتداد غير معلن للحزب الشيوعي الفرنسي في البداية، ثم كحزب مغربي مستقل لكن في إطار أممي بطبيعة الحال. بعض هذه النخبة اليهودية بهذا الحزب (عمران المالح، إبراهيم السرفاتي، شمعمون ليفي، سيون أسيدون، الخ.) هم من لعبوا دورا رياديا وأساسيا في تأسيس الحركة الماركسية اللينينة التي برزت في السبعينات الماضية. وقد نال من بعض تلك النخبة نصيبها ممّا نال تلك الحركة ككلّ في إطار التدافعات السياسية لذلك الوقت، إذ أمضى المرحوم إبراهام السرفاتي مثلا 16 عشر سنة فالسجن ثم نفي بعد خروجه من السجن إلى الخارج، ولم يعد إلا مع بداية عهد محمد السادس. بل إن قياديا يهوديا من ذلك الحزب، ألا وهو المرحوم شمعون ليفي، قد تزعّم في غضون العشرية الأولى من الالفية تأسيس تيار داخل ذلك الحزب هو تيار وثيقة "ما زلنا على الطريق" التي أصبحت شعار يتظاهر به أتباع ذلك التيار: "يا شمعون، يار رفيق، ما زلنا على الطريق". ثم إن شخصيات مغربية يهودية، مثل الأكاديمي، ألبير ساسون، الذي كان يعمل باسم المغرب باليونيسكو والذي كرّمه مؤخرا "المجلس الوطني لحقوق الإنسان" (فبراير 2018)، كانت من بين رواد إدخال وترسيخ مفهوم الدفاع عن حقوق الإنسان  (انظر بهذا الصدد الأخير ملفا في الشهرية المغربية  Zamane n° 90 /mai 2018 بعنوان: Marocains juifs révolutionnaires).

معنى كل هذا أن المجتمع المغربي، وبالرغم من كل أوجه التناقضات المشار إليها سابقا، ظل متعدد الأصوات بما يسمو على الملل والنحل والخصوصيات الهوياتية. ولقد تم تكريس هذا الواقع مؤسسيا قبل سنوات من خلال تنصيص ديباجة دستور 2011 على ما أسمته بـ"الرافد العبري" كأحد مقومات الهويّة المغربية الجامعة التي "لا تقبل التجزئء". وقد استرعى هذا الأمر الانتباه أثناء تسجيل حوار البرنامج المذكور ("يتفكّرون") فتم التساؤل مثلا عمّا إذا لم يكن البعد الجغرافي للمغرب عن بؤرة الصراع الحالي بشأن القضية الفلسطينة هو السر الكامن وراء هذه الخصوصية في التعامل مع المكوّن اليهودي للمجتمع المغربي في الزمن المعاصر، فكان تعقيبي هو أن ذلك التعليل غيرُ كافٍ، إذ كان الجيش المغربي قد حارب في سيناء والجولان في حرب أكتوبر 1973، مما جعل الحسن الثاني يقول ذات مرة "إن المغرب من دول المواجهة". كما أن القضية الفلسطينية حاضرة على الدوام في الشارع المغربي بشكل لا نظير له على الإطلاق في غير المغرب؛ وذلك بغض النظر عن مختلف الاعتبارات والحسابات وعن مختلف أبعاد وأوجه الاستخدامات والتوظيفات، التي لا تخلو منها ساحات وسياسيات دوَل نظرائه من البلدان المعنيّة في التعامل مع هذه القضية منذ بداية قيامها. بل إن ذلك الحضور الذي لا نظير له هو بالضبط نتيجة لذلك البعد الجغرافي والجيوسياسي بشكل ليس هنا محلّ تفصيله.

 

7- الواقع الجديد في إطار الدياسبورا المغربية بعد حركة الهجرة العامّة

من بين أوجه استمرارية حضور بُعد المكوّن اليهودي المغربي في اهتمامات الفكر المغربي، هناك الندوة الدولية الكبرى التي انعقدت سنة 2010 بمدينة الصويرة بتعاون تنظيمي بين "مركز جاك بيرك" و"مجلس الجالية المغربية بالخارج" و"المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان" والتي تناولت مختلف أوجه وجوانب وخلفيات ظاهرة الهجرة اليهودية بشمال إفريقيا عامّة وبالمغرب خاصة تحت عنوان "Migration, identité et modernisme au Maghreb" والتي صدرت أعمالها في ثلاثة أجزاء (انظر هــــنــــا حول انعقاد الندوة؛ وهذا رابط نحو أعمال الندوة: هــــنـــــا، ج-3). والدياسبورا المغربية في عمومها تمثل اليوم ما يناهز 10 % من أصل ما يربو عن 30 مليون نسمة من المغاربة، وتحتل فيها الدياسبورا اليهودية في مختلف أنحاء العالم (إسرائيل، فرنسا، والأمريكيتين) والتي لا تسقط جنسياتها الجديدة الجنسية المغربية بمقتضى القانون، مكانة جدّ مهمّة (ما يقارب المليون نسمة). وهذا المكوّن الأخير من مكونات الشتات المغربي العامّ منتظم في مختلف فيدراليات "اليهود المغاربة" عبر العالم وممَثّـل في هياكل "مجلس الجالية المغربية بالخارج"، وظل مرتبطا عضويا بلده الأصلي الحافل   بمزارت عشرات الصديقين والأولياء اليهود، والذي يتوفر على متحف التراث اليهودي الوحيد في بلدان شمال إفريقيا والمشرق ("متحف التراث اليهودي المغربي" بالدار البيضا، هـــنـــــا) الذي تشكلت بشأنه قبل سنوات أول جمعية ثقافية مغربية يتكون مكتبها من مسلمين ويهود مناصفة، ألا وهي "جمعية أصدقاء متحف التراث الثقافي اليهودي المغربي" (انظر هــــنـــــا). كما أن ذلك الارتباط ظل قائما من خلال مختلف الجمعيات الثقافية والفنية المروّجة للثقافة المغربية عبر العالم (أجواق ومجموعات موسيقية خاصة بموسيقى الآلة والطرب الغرناطي والشعبي المغربي؛ نموذج هـــــنـــــا وآخر هـــــنــــــا).

هذا الارتباط ظل كذلك قائما مستمرّا من خلال الأعمال العلمية والفكرية والإبداعات الأدبية للمغاربة اليهود في الداخل والخارج بلغات مختلفة (عربية، فرنسية، عبرية) في الزمن المعاصر. فإلى جانب الأعمال الإثنوغرافية لأمثال إيلي مالكا (بالعربية) والفلسفية لأمثال الربّي مخلوف أبطـّان (يوتوبياه التنبؤية في بداية الأربعينات مثلا: انظر هــــنــــا)، والأعمال التاريخية واللسانية (اللهجات العربية) لأمثال السياسي والأكاديمي شمعون ليفي السابق ذكره، والإبداعات الأدبية لأمثال الكاتب الراحل إدموند عمران المالح في الداخل خلال الخمسين سنة الأخيرة، قد ظهر في الدياسبورا اليهودية المغربية باحثون أكاديميون مرموقون انكبوا على مختلف أوجه ماضي وحاضر المجتمع المغربي (حاييم الزعفراني: تاريخ الأدب والتصوف اليهودي بالمغرب، موشي بار-أشير: فيلولوجيا وتربية، يوسف شتريت: فيلولوجيا وأنثروبولوجيا، أبي عيلام أمزالاكًـ: موسيقولوجيا، الخ.) وكذلك كتّابٌ تميزوا بكون فضاء المغرب (مُدناً وقرىً وشخصياتٍ وطبوعاً وعاداتٍ ومشاهدَ) هو الذي يشكل فضاء إبداعاتهم وفي مقدمة هؤلاء الروائي والمسرحي والباحث في السينيما، جبرائيل بن سمحون (انظر نماذج مترجمة من العبرية لبعض قصصه القصيرة هـــــنـــــا). وقد واكبت الجامعة المغربية هذه الأعمال بمختلف لغاتها وذلك من خلال وحدات اللغة اللغة العبرانية في أقسام اللغة العربية والفرنسية، تلك الوحدات التي كونت ثلاثة أجيال من المتخصصين في اللغة العبرانية القديمة والحديثة، وكان من آخر أوجه تلك المواكبة مناقشة أحد باحثي الجيل الثالث (العياشي العدراوي، تحت إشراف سعيد كفايتي) مؤخرا لأطروحة جامعية حول أعمال الكاتب جبرائيل بن سمحون بالضبط. وعلى هذا المستوى، كانت أطروحة محمد كنبيب، ودراسات شمعون ليفي ثم وروبيرت أصرّاف، رائدة في باب الدراسات التاريخية. أما في باب الدراسات اللغوية والأدبية، فقد كانت أعمال الراحل حاييم الزعفراني رائدة لِما تلاها من أعمال أمثال أحمد شحلان، وعبد العزيز شهبر، ومحمد المدلاوي وغيرهم، على مدى ثلاثة أجيال من الباحثين المغاربة في مختلف أوجه ما يتعلق بالمكون اليهودي المغربي. 

ولم تشذ السينما المغربية في هذا الباب. فقد كان موضوع هجرة اليهود المغاربة من المواضيع التي تناولتها عدة أفلام درامية ووثائقية لمخرجين مغاربة ("فين ماشي يا موشي؟"، "وداعا أمهات"، "تينغير جيروزاليم"، الخ.).

 

خـــلاصة

أمام هذا المشهد العام الذي توجد لبعض أوجهه بأشكال مختلفة وبدرجات متفاوتة نظائر في غير بلاد المغرب، قد أخذت أصوات تتحدث من منطلقات تدافعية مختلفة عن احتمالات أوجه عودة اليهود المشرق وشمال إفريقيا إلى بلدانهم الأصلية. والذي يبدو أن كل معطى جديد من معطيات تقلّـب التاريخ يصبح عنصرا وعاملا فاعلا في معادلةالحاضر الملموس والمستقبل. وفي هذا الصدد لا يمكن إعادة عقارب الساعة التاريخية بشكل إرادوي لإعادة تمثيل لحظة من لحظات التاريخ. فأوجه العودة مهما كانت أشكالها الممكنة لا يمكن أن تحصل دون أخذ المعطيات الجديدة بعين الاعتبار. فوضعية الذمة لم تعد ممكنة؛ والتطورات الدستورية السوسيو-سياسية والسوسيو-اقتصادية في البلدان الأصلية أمور جوهرية في هذا الباب.

--------------------------

محمد المدلاوي

ttps://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



31/05/2018
8 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres