(EN ARABE) Dialogues régionaux sur l'éducation, la formation et la recherche au Maroc
الطبعة الثانية للملتقيات الجهوية للمجلس الأعلى للتربية ...
بعض الملاحظات حول بعض الجزئيات
انطلقت يوم 2 نوفمبر 2015 بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية الطبعة الثانية من الملتقيات الجهوية التي ينظمها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. وقد خصصت هذه الدورة لـ"الرؤية الاستراتيجية للأصلاح وسبل التفعيل" (إصلاح منظومات التربية والتكوين والبحث العلمي) التي أعدّها المجلس (بالنسبة للدورة الأولى، انظر هـــنـــا).
من الناحية الليجيستيكية، يتّسم نص الرؤية، كما هو مصوغ في الكراسة التي تم توزيعها على المشاركين في الدورة، نصا منسجما تمام الانسجام سواء مع دعامات الميثاق الوطني للتربية والتكوين أم مع المواد الدستورية المعنية بموضوعه والتي أدرجت كملحق في الكراسة التي تم توزيعها (ص:78-81)؛ وهو ما يؤهل مضامين ذلك النص لأن تترجَـم إلى قانون-إطار، مُلـزِم بقوة القانون، وهو ما تنص عليه نقطة من بين نقط نص الرؤية نفسها كضامانة من بين ضمانات تفعيل واستمرارية الخطة الاستراتيجية.
ملاحظات حول الشكل وبعض المضامين
اتسمت، مع ذلك، بعض العروض التي قُدّمت أمام المشاركين كتلخيصات بيانية حول رؤية المجلس باشتمال بعض ثناياها على كثير من التعابير الفضفاضة الفارغة من أيّ مضامين ملموسة، إجرائية أو مفهومية قابلة للتحديد أو التكميم ("تملـّك روح التغيير" مثلا، أو "قدرات تدبيرية ومؤهلات عالية"، الخ.). ولقد أدّى الإكثار من استعمال مثل هذه اللفظيات الإنشائية في ثنايا بعض العروض إلى الحيلولة دون إمكانية استيعاب أكثرية المشاركين لمجمل الرؤية وإدراك الطابع العالي الوضوح الذي تتسم به مفاهيم وصياغات النص الكامل لتلك الرؤية كما هو موثق في الكراسة المزدوجة اللغة التي تم توزيعها على المشاركين في الدورة.
فإضافة إلى مفعول بعض الاستعدادات الثقافية المتمكنة سلفا في الأذهان لدى طيف واسع من بين الحاضرين، كما تجلـّى ذلك من خلال النقاش، ساعد الإكثار من استعمال الألفاظ والتعابير غير الصورية والفارغة من المضامين خلال العروض، على سوء استيعاب طيف واسع من جمهور المشاركين لروح الرؤية ولمضامينها في تكاملها، بل وعلى سوء فهم موضوع الملتقى والغاية منه. وقد أدّى تضافر كل ذلك في النهاية إلى تحريف الجزء الأكبر من النقاش الذي أعقب العروض عن موضوع اللقاء (مضمون الخطة المستقبلية) والغاية منه (النقاش التشاركي لمضامين تلك الخطة). وبذلك أصبحت تلك العروض بالنسبة لكثير من المتدخلين في النقاش، الذين فاق عددهم الخمسين، عبارة عن ذريعة لفتح باب الخطاب التقليدي للشكوى والتبرّم مما هو قائم كأوضاع في القطاع التربوي. ولقد عانى المسيرون أشد العناء في محاولتهم لتذكير المشاركين وإقناعهم بأن موضوع اللقاء هو عرض الخطة المستقبلية للإصلاح وإجراء نقاش تشاركي موسع حولها وليس استعراض الحالات القائمة الخاصة لمشاكل القطاع. وقد بلغ الأمر أن إحدى المتدخلات، التي قدّمت نفسها كممثلة لنقابة بارزة من النقابات، قادمة من مدينة أخرى خارج الجهة، قد انتهزت الفرصة لتقرأ متهجّـيّة، انطلاقا من جهاز هاتفها الآيفون، نصّ مرافعة حادّة من صنف "كل شيء فاسد" قالت إنها تلقته على التوّ من زملائها في النقابة قصد قراءته على المشاركين في الملتقى.
وبالمقابل، فإن بعض مفاصل العروض، التي اتسمت بطابع الملموسية في مفاهيمها، وبالصورية في التعبير عنها، والتي تمثل كذلك مواطن تقليدية لاتخاذ مواقف مسبقة دوغمائية، قد انصبّ فيها النقاش بالفعل على موضوع الملتقى والغاية منه. كان ذلك بالضبط حال النقطة المتعلقة بـ"هندسة اللغات المُدرّسة ولغات التدريس" كما قدمها أحدُ العروض بشكل جد واضح لا ضبابية فيه. إلا أن النقاش، وبسبب تلك المواقف التقليدية، قد جرى في هذه الحالة في اتّجاه واحد، الاتجاه الموروث.
فقد ردد عدد كثير من المشاركين والمشاركات، مرة أخرى، نفس التعميمات الخطابية المغالِطة المتداولة في محافل الرأي والتي تزعم أن الدول المتقدمة (ومن بينها سويسرا بالضبط الثلاثية اللغات) والدول ذات الاقتصاد المتنامي (ومنها كوريا الجنوبية، والتايلاند، ونيجيريا، حيث تسود الإنجليزية) إنما بلغت ما بلغت بفضل استعمالها الحصري للغة الوطنية في كافة فروع ومراحل منظومات التربية والتكوين والبحث العلمي.
وفي سياق ردّ أصحاب العروض على تدخلات المشاركين، عقب الأستاذ عز الدين الميداوي، رئيس جامعة ابن طفيل وعضو المجلس، على تلك التعميمات "بكل صراحة" على حد تعبيره، باعتبار تلك التعميمات الجزافية مغالطة منافية للواقع، لافتا الانتباه في نفس الوقت إلى المفارقة السوسيو-ثقافية والسوسيو-سياسية القائمة على الصعيد الواقعي والتي ينطوي عليها الخطابُ المروِّج لمثل تلك المغالطات؛ حيث نبّه الأستاذ إلى الاختيارات الفعلية التي يقوم بها طيف واسع من الطبقات والفئات السوسيو-ثقافية التي تنتج خطابا خطابيا حول مسألة اللغات بالمغرب. إنها الاختيارات التي يعكسها تسابق وتزاحم هذه الفئات على ضمان مقعد لذرّيتها في التعليم الخاص، بما لذلك من دلالة في ما يتعلق باختيار هذه اللغة أو تلك، والتي يعكسها كذلك التسابقُ، بشكل أكثر اتساعا وحسب مختلف مستويات الدخل، تسابقا على "دروس الدعم والتقوية " (في السوق السوداء) في مواد اللغات الأجنبية، وعلى الأخص منها اللغة الفرنسية.
هذا التوضيح الصريح يـذكّـر، بشكل غير مباشر، ولكن بوضوحٍ مستفادٍ، بأن كل شيء يتم اليومَ على هذا المستوى - كما كان ذلك بالأمس ومنذ فجر الاستقلال - كما لو أن هذه الفئات التي تنتج خاطابا حول اللغات، تقوم باختيارين مزدوجين: (أ) خيار براغماتي فعلي في الحياة خاص بذريتها، ثم (ب) خيار دوغمائي للاستهلاك العمومي مخصّص لبقية الشعب في العالم القروي بالسهول والجبال وأحزمة المدن وأحيائها الفقيرة، حيث لا تسمح الظروف السوسيو-اقتصادية والسوسيو-ثقافية لأهلها لا بإنتاج خطاب حول اللغات ولا بالقيام باختيارات في ما توفره السوق التعليمية، بما أن أقصى ما تطمح إليه هته الشرائح الأخيرة من الشعب، في أحسن الأحوال، هو ضمان تكوين لذريتها يمكنها من الاندماج بحد أدنى من الكرامة في المجتمع، أي التأهل للحصول على عمل.
غير أن الاختلاف ما بين الأمس واليوم يتمثل في أن قيمة جديدة من قيم المواطنة قد كرّسها الدستور اليوم بعد أن دعا إليها نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين (المرتكز-12 من "المبادئ الأساسية")، وإن بدا جليّا أن تلك القيمة لم تجد بعدُ في الذهنية الثقافية الجمعية تصورات ملموسة لتَـبــبُّـنِ سُـبُـل تحقيقها. إنها قيمة "الإنصاف وتكافؤ الفرص" التي لم يكن معبَّرا عنها سابقا تعبيرا صوريا في النصوص المؤسِّسة قبل الميثاق والدستور الجديد، والتي تشكل واحدا من الأركان الأساسية الثلاثة ("الإنصاف وتكافؤ الفرص" + "الجودة للجميع" + "الارتقاء بالفرد والمجتمع") التي أعلنها نص الرؤية الاستراتيجة للمجلس كأساس لإصلاح منظومات التربية والتكوين والبحث العلمي (الكراسة؛ ص:11)، والتي تشكل واحدة من بطاربة الكلمات-المفاتيح السبعة عشرة لنص الرؤية (الكراسة؛ ص:92).
وتدقق الفقرة الأولى من فقرات تحديد مفهوم الكلمة-المفتاح لهذه القيمة الجديدة تحديدا صوريا بالصيغة الآتية: "يعني الإنصاف في المجال التربوي: - الولوج المعمم للتربية، عبر توفير مقعد بيداغوجي للجميع بنفس مواصفات الجودة والنجاعة، دون تمييز قائم على الانتماء الجغرافي أو الاجتماعي، أو النوع أو الإعاقة أو اللون أو اللغة أو المعتقد" (الكراسة؛ ص:83).
وهكذا يتضح، ومهما كان الأمر عند أهله عن وعي أو عن غير وعي، أن كل الذين يتخذون موقف ازدواجية الاختيار في ما يتعلق بلغات نظام التربية والتكوين بالشكل الذي سبق أن وُضّحت به تلك الازدواجية أعلاه، يوافقون مبدئيا على الشق الأول من تحديد وتعريف مفهوم "الإنصاف وتكافؤ الفرص" (أي شق تعميم الحق في المقعد الدراسي)، ولكنهم يعارضون عمليا الشق الثاني عمليا الشق الثاني من ذلك التعريف (أي شق تعميم الحق في الجودة)، وذلك تحت مظلة خطاب إعلان المبادي حول المسألة اللغوية.
وهكذا يتضح أن مضامين وثيقة الرؤية الاستراتيجية للمجلس قد أحدثت اليوم في هذا الباب بالضبط، باب هندسة اللغات في قطاع التربية، قطيعة فكرية تاريخية مع خطاب بهتان النخبة المثقفة، وذلك عن طريق اعتماد قيمة الصدق مع الشعب المغربي لأول مرة في ذلك الباب.
وأخيرا، وفي ما يتعلق بهذا الباب دائما وبالتحديد، فقد كانت وثيقة الرؤية الاستراتيجية ستنال أكثر من قوة الإقناع وتغيير الذهنيات، بالرغم من أن أمر الذهنية ليست مجرد مسألة منطق العقل المحض، وذلك لو أن تلك الوثيقة قد اشتملت في بدايتها على قسم تشخيصي واضح ومدعّم بأرقام إحصائية سوسيولوجية ميدانية، يشخّص الواقعَ القائمَ في ما يتعلق بكل المسائل الكبرى التي كانت قد شكلت موضوع توصيف عام خلال الدورة الأولى (2014) للملتقيات الجهوية للمجلس (انظر تقريرا مقتضبا هـــنـــا). فتشخيص إحصائي سوسيولوجي مدعم بالأرقام من ذلك القبيل لما هو قائم على أرض الواقع في باب اختيارات الأسر والمتعلمين المغاربة، في حدود الإمكانات المادية والسوسيو-ثقافية لكل فئة، في ما يتعلق باللغات بقطاع التربية والتكوين، كان بإمكانه أن يشكل عنصرا إقناعيا حاسما بالنسبة لما تدعو إليه الرؤية الاستراتيجية. إن دراسة سوسيولوجية من ذلك القبيل سهلة الإنجاز انطلاقا من استجماع معطيات المندوبية السامية للتخطيط ومعطيات القطاعات الوزارية المعنية، ومعطيات أي أبحاث ميدانية خاصة يتم استنجازها في قطاع التعليم الخاص من كل ما يتعلق بالانتماءات الجغرافية والاجتماعية للمتمدرسين وكذا عينيّة اللغات التي يكثر فيها الطلبُ على حصص الدعم والتقوية.
صحيح، من الناحية النظرية، أن "النخبة" هي التي تتقدم الشعب وترسم اختياراته وليس العكس. ولكن حينما يحصل، لسبب من أسباب تطور الأفكار والأيديولوجيات، أن يكون لأيّ فئة من الفئات المحسوبة على النخبة، باطراد وعلى مدى أجيال، اختياران وخطتان: خُطة عملية (أ) مخصصة لها ولذريتها، وخطة شعارية بديلة (ب) مخصصة لبقية الشعب، فإن تلك الماهية السوسيو-ثقافية لا تبقى نخبة بالمفهوم التقدّمي للتاريخ؛ إنها تصبح عبارة عن تكتل فئوي غير متجانس اجتماعيا يجمع بينه جامعُ الرغبة في احتكار مصعد الارتقاء الاجتماعي.
وبالمقابل، وعلى كل حال، فإن الذين تصوروا الرؤية الإستراتيجية وتوافقوا على صياغة نصها لا يمكن نفيُ صفة النخبة عنهم. أما في ما يتعلق على الخصوص بما استأثر بالنقاش مما انصب منه فعلا على فحوى تلك الورقة، فلا يبدو، من خلال هندسة اللغات في منظومات التربية والتكوين والبحث العلمي التي اعتمدتها الرؤية الاستراتيجية، أن مهامّ تهيئة وترقية اللغتين العربية والأمازيغية، انطلاقا من الحالة الذاتية لمتن كل منهما ومن وضعيته السوسيو-لسانية القائمة وفي الآفاق القريبة والبعيدة للوضعية المتوخاة لهما في الآماد المتوسطة والبعيدة، كانت أمورا غائبة عن محرّري تلك الوثيقة التوافقية. فقد كانت تلك المهام حاضرة في الوثيقة (انظر ص:45 من الكراسة) مصوغة على هدي "البرنامج الطموح" الذي كان قد خطه الميثاق الوطني للتربية والتكوين بالنسبة للعربية على الخصوص في حينه (انظر هـــنــا)، وليس باعتماد تكريس وتسريع وتوسيع التجريب على أجيال متتالية من فئات اجتماعية معينة على سبيل الحصر بحكم منطق السوق، بما أسفر عنه ذلك التجريب المغامر لمدة عقود مما يعاينه الجميعُ اليومَ من شرخ سوسيو-ثقافي وسوسيو-اقتصادي يتسع باستمر
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres