OrBinah

(En arabe) De l’état de la linguistique comparée en Afrique du Nord et au Moyen Orient d’aujourd’hui.

تخلُّف شمال-إفريقيا والمشرق-العربي بما تقديره قرنان ونصف في باب اللسانيات المقارنة الحديثة،

بعد انقطاع سند العلم بريادة شمال إفريقيا في هذ العلم في القرنين-10-11 الميلاديين.

 

 

 

 

1- منذ اكتشاف الفيلولوجي الإنجليزي المقارِن، السير ويليام جونس Sir William Jones (أوّل ما سمعت به كان من خلال محاضرات أستاذ اللسانيات، أحمد العلوي، وأنا طالب بجامعة فاس)، في منتصف القرن-18 للعلاقات البنيــــــــــــــــوية المطّردة (صوتيا، وصرفيا وتركيبيا) بين اللغة الهندية-السانسكريتية، واللغة الفارسية الفهلوية، وأغلبية اللغات الأوروبية، اطّرحت الدراسات اللسانية الحديثة، الناشئة حينئد، اطّراحا تدريجيا موضوع "اللغة الأصــــــــــــل"، معتبرة إياه مسألة غير علمية لا تختلف في طبيعتها عن مسألة البحث في عينيّة الآدمي الأول الذي انحدرت منه البشرية انحدارا سلاليا حسب معتقدات أدبيات "سفر التكوين" التوراتية والأدبيات المتفرعة عنها. واتجه علم اللغة المقارن إلى رصد ذلك القبيل من العلاقات البنيوية المطردة كأساس لتصنيف اللغات كمجموعات كبرى (المجموعتان: الهند-أروبية، والأفرو-أسيوية مثلا) وتفريع هذه إلى مجموعات فرعية أكثر قرابة بنيوية داخل كل مجموعة كبرى (المجموعات الإغريقو-لاتينية، والجرمانية، السلافية/الصقلبية، والسكاندينافية، الأنجلو-ساكسونية مثلا داخل المجموعة الهند-أوروبية).

 

2- وكنتيجة لذلك، ومع مَنهجَة علم اللغة المقارن الحديث (علم كان قد تأسّس في الواقع ما بين مدينتي فاس وتاهرت: ابن قريش، ابن بارون،  في القرني-10-11 ثم انقطع عنه سند العلم) على يد مدرسة "النحاة الجدد" (Néogrammairiens) الألمانية في منتصف القرن-19، قرّرت جمعيىة اللسانيات بباريس سنة 1866 (Société de Linguistique de Paris) في البند-2 من قانونها الأساسي ما يلي:

Article-2: La Société n’admet aucune communication concernant, soit l’origine du langage, soit la création d’une langue universelle. (https://www.slp-paris.com/statuts1866.html).

 

 

3- المنهج المقارن في باب مقارنة اللغات أصبح بذلك منهجا صِـنافيّـــا/typologique ولم يعد سُـلاليّــا/génétique (اللغة "الأم/الأصل"، اللغة "البنت"، اللغة "الأخت"...). وقد انطلق من ملاحظة تجريبية استقرائية تتمثل في أن التطور اللغوي، على مستويات الأصوات والصرف والتركيب، يكون دائما تطوّرا منهجيا/systématique،  ومطردا/régulier، وليس مجرد تغيرات اعتباطية شتّى وعشوائيةchangements sporadique/ تصيب هذه الكلمة أو تلك في اتجاهات مختلفة لا ناظم بينها (سقوط صوت معين في هذه الكلمة، وتغيره إلى صوت آخر في كلمة أخرى، أو زيادته في أخرى...).

فعلى هذا المستوى، مستوى التطور الصوتي للغة من اللغات، إذا ما لحق تغييرٌ صوتا معينا من أصوات تلك اللغة (بالسقوط أو التغير أو الزيادة) في مرحلة من المراحل، وفي سياق من السياقات باعتبار ما يحيط به من الأصوات، وباعتبار السياق الصرفي، يكون ذلك التطور شاملا مطردا. وبذلك أمكن للمقارنين اللغويين الأولين صياغة ما يسمّى بـ"قواعد المقابلات الصوتية"/lois de correspondances phonétique بين اللغات المنتمية إلى نفس المجموعات الصنافية. وهذا ما كان قام به مثلا كل من ابن قريش وابن بارون المشار إليهما في النقطة-2 أعلاه، في ما يتعلق بالمقارنة بين العربية والعبرانية والآرامية/الكلدانية على سبيل المثال: صوت الغين /غ/ في العربية يقابله صوت العين /ע/ باطراد في العبرية؛ وصوت الخاء /خ/ يقابله صوت الحاء /ח/، وصوتا السين /س/ والثاء /ث/ يقابلهما صوت الشين /ש/؛ وأصوات الضاد والصاد والظاء يقابلها في العبرية صوت الصاد /צ/ باطراد؛ وألف المدّ /ـا/ يقابله واو المدّ /ו/؛ والنون الساكنة تدغم باطراد في ما بعدها في العبرية، وهكذا (انظر أمثلة ملموسة أكثر تفصيلا في "الدرس الأول" بالنقرهــــنــــــا).

ونفس هذا القبيل من قواعد المقابلات الصوتية المطّردة قد صيغ ابتداء من القرن التاسع عشر بالنسبة لمجموعات اللغات الأوروبية. فاللام الساكنة المفتوحُ ما قبلها في الاسبانية /al/ مثلا تقابلها باطراد مجردُ ضمّة مفخمة في الفرنسية /au/ (sauce = salsa; sauvage = salvage)، والكاف /c/ تقابلها الشين /ch/؛ وعلامة الصيغة المصدرية/infinitif للفعل المنصرف من المجموعة الفعلية الأولى فالإسبانية /-ar/ يقابلها في الفرنسية /-er/؛ والسين /s/ الساكنة المتحرك ما قبلها يقابلها في الفرنسية باطراد مجرد تمديد/نبـــر للحركة السابقــــــة (bête = best-ia ; pêcher = pescar)، الخ. 

نفس القبيل من المقابلات الصوتية المطردة قد تم تدقيقه منذ بدايات القرن العشرين بالنسبة لمجموعة اللغات السامية (بمجموعاتها الفرعية من شرقية، وشمالية-غربية، ووسطى، وجنوبية) ضمن المجموعة الكبرى الأفرو-أسيوية. وتم نفس الشيء بالنسبة للمجموعة الأمازيغية (من جنوبية صحراوية-طوارقية، وشمالية-ساحلية) ضمن نفس المجموعة الكبرى الأفرو-أسيوية منذ الأعمال الرائيد لكارل براس Karl Prasse حول المجموعة الفرعية الطوارقية.

 

4- وإذ الخوض الحديث في اللغويات، في فضاء شمال إفريقيا والمشرق العربي، قد تقـــهقـــر إلى ما قبل الطفرة اللسانية المقارنة التي كانت قد ازدهرت في شمال إفريقيا في القرنين-10-11 الميلاديين، مما سبقت الإشارة إليه في الفقرة-3 (مدرسة ابن قريش وابن بارون)، وتخلّــف معرفيا بحوالي قرنين ونصف عن منطلقات وأسس علم اللغة المقارن الحديث الذي انطلق ابتداء من منتصف القرن-،18 المشار إليها كذلك في الفقرة-1، فقد ظل البحث عن "أمّ اللغات" الشغل الشاغل لذلك الخوض.

وإذا كانت خلفيات ثقافة القناعات التوراتية اليهودية-المسيحية هي الكامنة وراء شطحات محاولات تصنيف اللغات حسب جينيالوجيا أبناء آدم وذريته كما وردت في الرواية التوراتية، ومحاولات إثبات أن اللغة العبرانية، لغة الكتاب المقدّس، هي "أمّ اللغات"، فإن نظير ذلك قائم اليوم في فضاء شمال إفريقيا والمشرق العربي، من منطلقات قومية/عقائدية أو هويّاتية. يتم الانطلاق من قناعة مسلّمة سلفا حول "أمومة/أُمًـمية" اللغة العربية بالدرجة الأولى وبشكل أوسع (أو الأمازيغية بالنسبة لبعض الهواة)، فيتم بعد ذلك البحث بشكل انتقائي انتقاء اعتباطيا عن ركام لا ناظم ينْظمه من المفردات في لغات شتّى، مفردات متقاربة لفظيا مع كلمات عربية مثلا (بعد إسقاط اعتباطي أو زيادة أو تغيير لصوت من الأصوات، حسب الحاجة) للتدليل على أن اللغة الفلانية تنـــــــــــحــــــدر بدورها من اللغة العربية.

 

5- وفي إطار هذا القبيل من الخوض السجالي في مسائل "أمومة" لغة من اللغات، وعلى إثر ضجة كانت قد قامت بشأن زيارة كان قد قام بها أحد الباحثين في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لبلاد اليمن، فأُسند إليه خلالها ما أسند من قول حول علاقة العربيات الجنوبية/ sudarabique - اللغة المهرية منها بالضبط في منطقة ظُفار ما بين اليمن وعمان - باللغة الأمازيغية، كنتُ قد نشرت بمدوّنتي نصّا مفصلا طويلا حول المسألة، ثم ضمّنته في كتاب (محمد المدلاوي-2019: مساءلة البداهات... ص:145-185) تحت عنوان "النص-15: الشاهد اللغوي، وقصة معهد الإركام مع بلاد اليمن". فصلت فيه الكلام عن اللغة المهــــــــــــرية وخصائصها وعن الدراسات اللسانية لها من طرف اللسانيين الميدانيين المتخصصين، وكذلك عن شطحات الهواة الحشويين المساجلين في باب ربط هذه اللغة بتلك.

ومن آواخر أوجه تحريك أسطورة الأصل العربي الحميـــــري المزعوم للأمازيغية (البعض يدافع عن الأصل العدناني: فهمي خشيم وعبد الله الدريدي، والبعض الآخر يدافع عن الأصل الشامي الفينيقي-الكنعاني: محمد بهجت قبيسي، حسب الهوى أو الولاء؛ انقر هـــــــــنـــــــــا)، تقاسم اللساني الأستاذ أحمد العلوي، المذكور في بداية هذا النص، على جدار صفحته بالفايسبوك يوم 22 أبريل 2022 صورة عنونها بـ"أسماء أماكن في ظفار بسلطنة عمان. منقول" (نقـــر هــــنـــــــا)، وبدون أيّ تعليق منه على مضمون الصورة.

الصورة صورة لائحة من الأسماء في اللغة المهرية بظفار، سيقت رصفا دون جامع بينها سوى كون أغلبها يبتدئ بصوت الهمزة  /أ-.../، و/أو ينتهي بـتاء /...-ت/؛ وذلك من أجل التأكيد إيحائيا لدعوى انحدار الأمازيغية من أصل حميري (أغلبية الأسماء المذكّرة في الأمازيغية يبتدئ بـ/a-xxx/: اكًادير، اركًاز، اركًان أو بــ/i-xxx/ أو بــ/u-xxx/)؛ وهو أيحاء انعكس بنجاح  على تعليقات المعلقين المتحمّسين. غير أن ما لم يشر إليه أحد، و/أو لم يعرفه أحد من الخائضين في الأمر، هو أن أداة التعريف /الـ-/ في العربية الشمالية المسماة بـ"العدنانية" التي هي أداة تقابلها الهاء /ה-/ في العبرية، تقابلها همزة قطع /أ-/ في المهرية (انظر الفقرة 1.3.b  من الدراسة الآتية

https://halshs.archives-ouvertes.fr/halshs-00907743/document).

 

 

وأخيرا، ولتكوين فكرة عن اللغة المهرية بشكل ملموس، هاتان فقرتان من "حكاية أبو نواس" (/كوثة دي با نوّاس/) بهذه اللغة، كما أورد نص تلك القصة مع ترجمة بالإنجليزية أحد المتخصصين الميدانيين في تلك اللغة وفي غيرها من الساميات والأمازيغيات، زميلي هاري شترومر Hary Stroomer من جامعة ليدن بهولاندا:

1  كوثــة ذي-با نواس: نهور طايت ذي-سيُور، و-شيه دِيــجيريت  طايت

قصة أبي نواس كان ذات يوم سيّارا، ومعه [حبة] لوبيا واحدة".

 2  تــي كـُـوسا غيجينـَـاوتين  ك-أمحيلـُـوب و-تهيجلـُـولن دِيـجير، أمُور هِيسن: "حُوم إيل-خيلـِـيط بِـيكن أدجيرايتي". أمُور أغيجُّوتين: "أدجيريتك إيل تينوفا لا؛ ويلاكين سخاوّل و-تِيه شِين".

"لمّا صادف فتيات مع أبكارهن (= صغار الإبل) [وهن] يطبخن اللوبيا، قال لهنّ: أحبّ أن أخلط معكنّ حبة لوبياي. قالت البنات: لوبياك لا تنفع [في] شيء؛ ولكن، اجلس وتناول طعاما".

 https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-1-c-est-quoi-l-arabe-marocain-1-lexique

 

-------------------------------------------

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



23/04/2022
1 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 347 autres membres