(EN ARABE) Concepts et terminologie en littérature marocaine
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS/AUTRES, puis sur ARABE(Windows).
هل سيدي قدّور العلـَـمي وسيدي حمّو الطالب شاعران؟
وهل قصيدة "يفرخان ن-ايت وماركًـ" ملحمة؟
كان كتاب "رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون" (505 ص؛ جائزة المغرب-2012) موضوع قراءات تقديمية وتقويمية في فضاء المكتبة الوطنية يوم 21 مارس 2014 تفضل بها الأساتذة سعيد يقطين، أحمد عصيد، الختير افولاي، وإدريس عبيزة. وإضافة إلى مختلف أوجه التقديم الوصفي والتقويم الأكاديمي لمسائل أدبية ولسانية وعروضية مختلفة مما يضمه الكتاب، تبلورت من خلال كل ذلك بعض الأسئلة النظرية المتعلقة ببعض مفاهيم الدراسات الأدبية في أفق تدقيق مفاهيم تلك الدراسات وتجديد قضاياها (انظر هنــا).
وسأقصر مساهمتي هنا في ذلك النقاش على مفهومين اثنين مما تمت أثارته؛ ألا وهما مفهوم "الشاعر"، ومفهوم "الملحمة". وذلك كمحاولة للإجابة عن سؤالي عنوان هذا المقال. وستتم تلك الإجابة بشكل غير مباشر من خلال محاولة أعمّ لـ"فصل المقال" في العلاقة المعرفية ما بين الأسس المبدئية للوصف العلمي من جهة، والخلفيات الإثنوغرافية لثقافة الدارس الواصف من جهة ثانية، في باب تصور مفاهيم العلوم الإنسانية وصياغة مصطلحاتها واستعمالها في محلها.
كل من اطلع على نصيب من الأدبيات الإثنوغرافية وحتى اللسانية الفرنسية مثلا، مما يتعلق منها بالفضاء المغربي، يمكنه أن يقف على ما تنطوي عليه تلك الأدبيات، في مجملها، من تقنين ضمني لاستعمال بعض المصطلحات العامة، بشكل يجعل تلك المصطلحات مقصورة على فضاء سوسيو-ثقافي معين دون آخر، وذلك ليس بناء على اجتماع أو عدم اجتماع عناصر ومقومات المفهوم المعني، ولكن فقط بناء على خلفيات اثنو-ثقافية ثاوية غير واعية لدى الدارس. من ذلك مثلا مصطلحا "حق/قانون" (droit/loi)؛ فمهما كانت درجتهما من التجدر والرسوخ، ومهما كانت مضامينهما مكتوبة ("الألواح" أو "تيعقيدين" الأمازيغية مثلا) أو كانت مجرد تواضع موروث عن سابقة من سوابق تشريع حاكم أو هيئة جماعية في جيل من الأجيال (دستور بيرطانيا وإسرائيل مثلا غير مكتوب)، فإن تلك الأدبيات "العلمية" لا تطلق على ذينك المفهومين مصطلحي droit/loi بصيغة مرسلة حينما يشكل المجتمع المغربي لذلك الوقت موضوع الدراسة. إنها تميز المصطلح في هذه الحالة وتقيده لمنعه من الانتماء إلى المفهوم الكوني العام للحق والقانون، فتقول: droit coutumier "قواعد عرفية".
ومن الحالات الملموسة التي يمكن الإشارة إليها كمثال فقط، هناك سلسلة التحقيقات الفيلولوجية التي انصبت منذ سبعين سنة وإلى اليوم على فك النقش الكتابي المزدوج اللغة والحرف (أمازيغية/بونيقية) والذي نقش على ضريح الملك النوميدي ماسينيسا (محفوظ حاليا بمتحف باردو بتونس). فمن بين الذين اشتغلوا على فك كتابة شقه الأمازيغي المدون بالحرف الليبي (المرحلة الأولى لحرف تيفيناغ) فكّا على طريقة فك شامبوليون للكتابة الهيروغليفية اعتمادا على النقوش المزدوجة (هيروغليفية/إغريقية)، هناك مثلا دراسة اللغوي المستمزغ والمحقق الفرنسي ليونيل كالان، الذي عُرف بما عرف به من صرامة أكاديمية لا نظير لها في جيله. غير أن هذا المحقق، وبفعل الخلفيات الإثنو-ثقافية لتكوينه، لمّا وصل إلى الكلمة الأمازيغية المدونة بالصوامت فقط، بما يناظر /g.l.d/ في الحرف الليبي، والمقابلة في النص البونيقي لما يناظر /m.l.k/ في الحرف البونيقي (الكتابات السامية والأمازيغية الليبية لا تدون الحركات) والتي وردت في النصين معا خمس مرات كلقب سوسيو-سياسي لماسينيسا ولأسلافه، قام ذلك المحقق بترجمتها إلى الفرنسة بلقب seigneur ("سيّـد") بدل roi "مَلك"؛ وذلك بالرغم من أن كلمة a-gllid ما تزال تفيد إلى اليوم، وبدون التباس أو استعارة، معنى "ملك" في جميع الأوجه الحالية للأمازيغية، وبالرغم من أنه ليس هناك التباس، بحُكم السياق، في ما عسى أن تعنيه الكلمة المقابلة، أي /m.l.k/ في النص البونيقي. وانطلاقا من نفس القبيل من الخلفيات الإثنو-ثقافية، لكن بما ليس فيه مجال للمقارنة في باب الكفاءة المعرفية والصرامة الأكاديمية مع ليونيل كالان، عمد مؤخرا أحد السوريين، من الحشوية في باب العلم، خلال محاضرة له بكلية الآداب بالرباط حول نفس ذلك النقش، إلى تهريب مضمونه تهريبا عروبيا في إطار "نظرية" عروبة الأمازيغ. فكلمة /m.s.n.s.n/، التي هي تدوين اسم الملك ماسينيسا في ذلك النقش، قد أصبح تخريجها لدى ذلك المحاضر الزائر تخريجا عربيا، لفظا ومعنى، على صيغة "مسنُّ سِنّـهم". أما كلمة /g.l.d/ في النص الليبي، فقد أرجعها المحاضر المستعين بـالحاسوب و"الداتاشاو" إلى عالم الجلود، حيث أخذ يتحدث في هذيان هموم أيديولوجية عن "كتب مجلدة بجلود الجمال الصغيرة". أما كلمة /m.l.k/ المقابلة لها في النص البونيقي ("الآرامي" حسب تعبيره، حملا له على بلاده سوريا حيث ما تزال الآرامية حية)، فقد أولها المحاضر بـكلمة "ملكة" سماها "الملكة بنت حنى بعل"؛ ليخلص في النهاية من كل ذلك إلى إثبات مقولة "التآخي الكنعاني/الأمازيغي بأرقى صوره" في إطار نظرية "عروبة الأمازيغ" (انظر التفاصيل هنــا).
وإذا ما اطرحنا جانبا مثل هذا الهذيان الأخير، وعدنا إلى الدراسات الإثنوغرافية والفيلولوجية، وحتى اللسانية الفرنسية، التي لا ينكر عاقل قيمتها الوصفية التوثيقية حينما يتم التغاضي عن الجانب الذي أشرنا إليه أعلاه، فقد كُنت قد عددت، في أحد أبحاثي المنشورة، حوالي عشرة مفاهيم تترجِم المصطلحات التمييزية المخصصة لها في تلك الدراسات الخلفياتِ الإثنو-ثقافية لأصحابها،(1) ولا يسمح الحيز هنا باستعراضها.
هنا أعود فأقول: إذا كانت النظرية الأدبية في أوساطنا الأكاديمية لا تتردد لحظة في اعتبار ذي الرمة أو الراعي النميري مثلا شاعرين، باعتبار تصور معين لمفهوم الشعر، فهل تعتبر سيدي قدور العلمي وسيدي حمو الطالب شاعرين؟ وإذا لم يكونا كذلك (كأن يكون الأول مجرد "شيخ" أو "زجّال" أو "مجدوب"، والثاني مجرد "رايس" أو "نظـّام")، فما هي المقاييس والمسوغات؟ وإذا كانت تلك النظرية تطلق مصطلح "النقائض" على ما قيل إنه كان يتم من تبادل شعري بالفخر أو بالهجاء الجدي أو الفُرجوي ما بين الفرزدق وجرير مثلا في سوق المربد، فهل يصدق نفس المصطلح على ما يناظر ذلك ويُعرَف في الأمازيعية بـ"انعيبار" بين الحسين اجمّاع وعثمان ازوليض مثلا، أو بين أحمد عصيد وابراهيم لشكًـر في فضاءات "اسايس" في جبال الأطلس؟ أم إن هذا الغرض الأخير عبارة عن "أهازيج" و"منافرات"؟ وليس من فن النقائض، وحينئذ يتعين كذلك توضيح المقاييس والمسوغات.
ونفس التساؤل يُطرح بالنسبة لمصطلح "الملحمة". فهناك مثلا قصيدة لا هي إغريقية ولا هي بابلية، ألا وهي قصيدة "يفرخان ن-ايت وماركًـ" الأمازيغية ("فتية أهل الهوى"؛ أكثر من 300 بيت) تتوفر - إلى جانب نظمها على بحر عروضي معلوم للسرد هو البحر المعروف بـ"بوسالم" - على عنصر حكي محبوك ذي تطور وعقدة، وعلى شخصيات ثلاثة موصوفة القسمات والنفسيات فضاءاتها القصور ومجالس الدرس والرأي في أعلى المستويات، وعلى وصف لأوجه الحياة والمال والبين والعلم والموسيقى ومجالسها بحضور مغنين وأميرات، وعلى أحداث ومغامرات الحب والغرام بين أميرة وبطلين، وعلى عناصر رمزيات ميثية ونفسية غريبة، وعلى عناصر الخدعة وسوء التفاهم بين ملكين في شأن زواج أمير من أميرة فر بها البطل، وانتهى الأمر بمعركة التحم فيها جيشان بعد تم التفاوض بشأنها بين أهل الحل والعقد واستنفذت المساعي "الديبلوماسية" بين الملكين، وقد تم وصف رحى الحرب في الميدان وصفا؛ ثم فكت العقدة بشكل مفاجئ لما تجلى أصل سوء التفاهم ببروز البطلة بين الجمعين في قلب المعركة. فهل تعتبر تلك القصيدة ملحمة، أم هي مجرد "سيرة" أو "أزلية"؟
هذه القصيدة تتوفر اليوم ترجمتها كاملة بالفرنسية (وهي غير منشورة). وقد سبق أن كانت موضوع دراسة عروضية وموسيقية دقيقة (2). كما ضُمّن كثير من أبياتها، مع ترجمة لتلك الأبيات إلى العربية، في الكتاب المشار إليه أعلاه. ثم إني قد فاتحت في شأنها بعض المشتغلين في ميدان السينيما، وفي مقدمتهم صديقي، رائد السينيما المغربية الأستاذ حميد بناني (انظر هنــا) لعل أن يظهر من ينقلها إلى الشاشة.
-------------------
(1) Voir p. 71 dans :
Elmedlaoui, Mohamed (2013) "Les judéo-berborophones revisités à la lumière du lexique et de la philologie berbère". Etudes et Documents Berbères. N° 32 (2013): 165-192. Paris.
(2) Dell, F. & M Elmedlaoui (2007) "Mot, vers et domaine de syllabation dans la chanson chleuhe". Pp. 269-
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres