(EN ARABE) Vers une levée de la confusion à propos des attitudes vis-à-vis des attentats de Paris-janv-2015
من أجل فرز أوجهِ ما تشابهَ واختلـط
في غمرة أوجه العدوان والشطــط
أمم ودول دستورية
تشترك أممٌ ودولٌ عديدة في كونها قد طورت قيما وآليات موصوفة واضحة لتدبير شؤون تداول الأمور الزمنية والمعنوية؛ وذلك عبرَ صيرورات تاريخية وتراكمات فكرية فلسفية مختلفة لكنها تشترك في أن تلك القيم والآليات تصاغ فيها على شكل وثائق دستورية تتفرع عنها قوانين صورية تُراجَع بآلأليات تحدّدها الدساتير نفسها في إطار مقاصد كل دستور، وذلك بحسب تغيّر معطيات الواقع المتحرك، تلك القوانين التي يسري مفعولها على كامل ترابية الدولة، لكنه - و بمقتضى القانون الدولي - لا يتعدى حدود تلك الترابية.
ومن بين القيم المشار إليها مثلا، والتي أصبحت مقاصد في دساتير كثير من الدول، هناك مبادئ "الحق في الحياة"، و"حرية التعبير" و"حرية الضمير"، "المساواة" وعدم التمييز على أسس اجتماعية، عرقية، أو هوياتية (نوع اجتماعي، سلالة، لون، لغة، عقيدة، الخ.)، تلك المبادئ التي صيغت في تلك الدول قوانينُ تتضمّن تُهَما جنائية موصوفة (من قبيل "التحريض على القتل"، " التحريض على الكراهية"، "تبجيل الإرهاب" الخ.) تضمن من خلالها السلطتان القضائية والتنفيذية احترام تلك القيم والقوانين في إطار النفوذ الترابي للدولة.
الشعوب التي لها دساتير من النوع المشار إليه أعلاه، بما يتفرع عنها من قوانين تنظيمية ودنيا، قد توصلت إلى بلورة تلك الدساتير وإرسائها عبر مسيرات تاريخية عسيرة، بعضُها كان على شكل ثورات دامية دامت سنوات أو عقودا، استخلص منها العقل الجمعي لتلك الشعوب أن أنجع السبل لتدبير الاختلاف (وكذلك أقلها كلفة) هو الاحتكام إلى رأي الأغلبية، وأن على الأقلية، بالتالي، أن تحترم القوانين القائمة، ولها أن تعمل سياسيا (لا حربيا) على إكساب الأغلبية لما تراه ضرورة تغيير ما لا تعتبره تلك الأقلية صوابا (أخلاقيا، أو سوسيو-اقتصاديا، أو سياسيا عاما). ولذلك فإن تعبُّـأ تلك الشعوب من أجل الحفاظ على ذلك النوع من النُـظـُـم كمكتسبات تاريخية، وذلك من خلال تحمّلها لأداء الضرائب من أجل تسيير الشأن العامّ، ومن خلال انخراطاتها السياسية التنظيمية، ومشاركاتها الدورية المنهجية في توجيه السياسة عبر الترشّح والترشيح والتصويت، تعبُّـؤٌ تاريخي-اجتماعي يجعلها في اللحظات المصيرية مستعدة للدفاع التاريخي المصيري والمستميت عن تلك المكتسبات في إطار ترابياتها الخاصة دائما على الأقل.
ما حصل مؤخرا في فرنسا من إقدام على إعدام جماعي لفريق كامل من طاقم المجلة الفرنسية الكاريكاتورية الساخرة "شارل-إيبدو" في مقر عمل الفريق، الذي كان قد سبق أن "أُهدِر دمُه" من طرف نظام فكري آخر من خارج ترابية دولته، وذلك بدعوى إساءة تلك المجلة إلى رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، أو ما أسماه البعض بـ"غزوة باريس المباركة"، وما تلا ذلك كرد فعل طيف كامل من الدول والأمم ("مسيرة الجمهورية" بباريس يوم 11 يناير 2015)، وما سبق كل ذلك وما تلاه في فرنساـ وألمانيا، من أدبيات أيديولوجية ( Michel Houellegbecq : La Soumission)، ومرافعات صحفية (Eric Zemmour)، ومن مسيرات سياسية (حركة Pegida في ألمانيا)، كل ذلك أمورٌ تترجم بالملموس وبقوة ("مسيرة الجمهورية" بباريس وتداعياتها) تعبئةَ تلك الشعوب من أجل الدفاع التاريخي والمصيري عن استمرارية تفعيل قيم دساتيرها المصوّت عليها في فضاء ترابياتها.
أمَـم ودول أخـرى ومفاهيم ديار السلم وديار الحرب
هناك طبعا أمم أخرى ودول أخرى (في الجهات الأربع، وبقطع النظر عن الأطر الأيديولوجية والهوياتية) لا تعني بالنسبة إليها تلك القيمُ الفلسفية الملهمة للدساتير وما يتفرع عنها من قوانين ترابية، أيّ شيء. وذلك من حق هذه الدول، باعتبارها دولا، إلى أن تستشعر شعوبها حاجة إلى ما يخالف ذلك. لكنّ تضايقَ المعمور بفعل توسّع الحركية والاتصال الكونيين، وحاجتَه الماسّة الجديدة بسبب ذلك إلى دستور وأوفاق أممية لتدبير تفاوتات واختلافات القيم بين الدُوَل، يجعل من مبدإ ترابية قوانين الدولة (أي النفوذ الترابي للقوانين)، الذي هو من أوليات القانون الدولي، أمرا جوهريا في تدبير الاختلاف خارج منطق الحرب المفتوحة بين ما قد يعتبره هذا الطرف أو ذاك "دار سلم" و"دار حرب".
وفي إطار نوع من التأرجح الفكري التاريخي على مستوى البلورة الفكرية للقيم أو الأخذِ بها، ترسم أممُ ودُولُ شعوبٍ أخرى ثالثة "خطوطا حمراء" تختلف دوائرُ نطاق مفعولها وتتفاوت في ما يتعلق بمبادئ من قبيل "الحق في الحياة"، "حرية التعبير" و"حرية الضمير"، و"عدم الميز" على أسس هوياتية (سلالة، لون، لغة، عقيدة، الخ.). وفي هذا الإطار الأخير يمكن فهم دلالات الموقف الرسمي لبلد مثل المغرب من "مسيرة الجمهورية" بباريس (11 يناير 2015) التي نُظمت من أجل الدفاع عن قيم "الحقّ في الحياة" و"حرية التعبير"، ذلك الموقف الذي اتخذ في ظل إكراهات العقل الجمعي الترابي المغربي. فأكيد أن العقل الرسمي المغربي لا يعتبر المسيرة الأممية في باريس مجرد طقس من طقوس التعزية في هلاك 17 شخصا، كما يحصل في حالات حوادث السير والكوارث الطبيعية (فيضانات، زلازل) أو في حوادث الإجرام السوسيولوجي الجانح على الطريقة الأمريكية (crimes crapuleux)، ولا يستطيع إقناع أي طرف بذلك القبيل من اعتبار الأشياء حتّى يُفلح في إضفاء التماسك الدلالي الديبلوماسي على صيغة اكتفاء بالتعزية في الهالكين، والامتناع عن التضامن المبدئي مع ما يرمز إليه الخط التحريري العامّ لمجلة شارلي-إيبدو ومثيلاتها في باب الحريات بقطع النظر عن الحالات العينيّة، أي الامتناع عن التضامن المبدئي مع حق الشعوب في أن تتعامل، في نطاق ترابياتها، حسب القيم الفلسفية والفنية التي ارتضتها لنفسها من خلال المؤسسات الدستورية لدولها.
إن استمزاجا واستعراضا منهجيا، ليس فقط للرأي العامّ الأغلبي الفعّال كما عبرت عنه الهيئات التنظيمية السياسية والمدنية بالمغرب ("لا يسعنا إلا أن ندين، ولكن ...")، بل كذلك للرأي الذي عبرت عنه المواقع الاجتماعية على الشبكة الإليكترونية المفتوحة (موقعا "هيسبريس" وقناة "الجزيرة" مثلا)، والذي أجمع هذه المرة على الأشادة والتنويه بـشكل منقطع النظير بـ"الموقف الذّكي" للمغرب الرسميّ الذي قاطع من خلاله هذا البلد "مسيرة باريس" الأممية المنظمة للتنديد المبدئي بممارسة القتل لمنع شعوب من تفعيل قيمها الخاصة داخل ترابياتها في ميادين الأخلاق والفلسفة والفن، إن من شأن ذلك الاستعراض أن يبيّن بالملموس أن ذلك الموقف المغربي الرسمي إنما يساير العقل الجمعي السائد؛ لا يتخـلـّـف عنه ولا يتعدّاه، عكس ما كانت تعتقده بعض الأصوات التي كانت تواخذ على صياغة الدستور المغربي الجديد تخلفها واضطرابها وعدم تماسكها بالقياس إلى وضوح الدساتير الديموقراطية في ما يتعلق بالانسجام مع مقاصد المبادئ الكونية في باب الحريات والمساواة. هذا في ما يتعلق بالجوهر. أما الاسلوب والسيناريو (شدّ الرحال إلى باريس للإعلان هناك عن مقاطعة المسيرة، بدل الاكتفاء ببرقية تعزية تترك الباب مفتوحا أمام التأويلات، والخروج من الإيليزي في نوع من التسلل والعزلة بينما يخرج الجميع مثنى وثلاث ورباع في نقاشات تنتهز مثل تلك الفرص)، فتلك مسألة أخرى تتعلق بأشكال الأداء. هل يتناسب تفويت فرصة لقاء أممي مثل ذاك مع أي رغبة في بعث رسالة قوية إلى فرنسا في عين المكان في تلك الظروف في ما يتعلق بمواقفها الأخيرة من المغرب بسبب سياسته في إفريقيا؟ ذلك سؤال آخر.
وفي أطار وجه الآخر لمنطق "نعم، ولكن"، هناك من يُعمِـل عينَ العقل والحكمة بحسن نيّة، فيرى في إلحاح العدد الأخير للمجلة الساخرة ("عدد الناجين") على التشبث برمزية القضية عن طريق وضع نفس القبيل من الكاريكاتور على غلافها، تماديا استفزازيا من قبيل "صب الزيت على النار" بدل الجنوح إلى "رصانة التهدئة ولو مؤقتا حتى تهدأ الأمور". عينٌ للعقل من هذا القبيل لا تنظر إلى الأمور إلا من خلال نظـّـارات القرب. أما نظـّارات البعد، التي هي نظارات المجلة والجمهور الذي اصطف أمام الأكشاك قبل افتتاحها في الصباح الباكر ليوم 14 يناير 2015 ليتماشق الدُفعات الأولى من الخمسة ملايين نسخة المُعدّة للتوزيع، فإنها، أي نظارات البعد، تدرك من بعيد ما لا يدركه من يقصُر عن إدراك جواهر الأمور التي تشكل الرهان، كل الرهان. فالمجلة، كما يريدها أصحابها وجمهور قرائها القدماء والجدد، ليست هي العنوان أو الأصل الصحفي والتجاري على شكل صدفة جوفاء. إنما هي الجوهر الذي تمثله في باب حرية الرأي والتعبير والفن عامة في تلك المجتمعات؛ فذلك ما يعنيه لديهم شعار "أنا شارلي" الذي رفعوه في مسيرتهم. إن أولئك قد أدركوا أن ما قد يعتبره بعض العقلاء "رصانة وتهدئة" يعني في الحقيقة بداية تحقيق ما أسماه نذيرهم بـ"الخضوع" (Soumission)، بدءا بمظاهر الرقابة الذاتية التي تتطور، مع الرسوخ في الوجدان والأذهان، إلى أن تصبح مقننة بشكل مؤسسي.
خــلاصــة
الشيء الأكيد في الباب كله كخلاصة، هو أنه إذا ما كان للحادي عشر من سبتمبر 2001 ما بعده على مستوى التاريخ الكوني، فأنه سيكون للمسيرة الأممية للحادي عشر من يناير 2015 ما بعدها كذلك، تلك المسيرة التي اتخذت طابعا أمميا بقطع النظر عن تفاصيل تسللات الظرفية للمتسللين، والتي اختير لها بعناية أن تنطلق من "ساحة الجمهورية" لتنتهي إلى "ساحة الأمة" مرورا بـ"شارع فولتير" الذي اشتهر بقوله "قد أختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك". فلأول مرة يرفع نواب الأمة نشيد المارسييز ("فـلنـرو ِأخاديد حِرَاث هذه الأرض بكل دمٍ هجين") تحت قبة الجمعية الوطنية الفرنسية منذ الحرب العالمية الأولى قبل قرن سنة 1918، هو ما تجاوب معه مجلسُ البوندستاكًـ الألماني على الضفة الأخرى لنهر الرين بالتزام دقيقة صمت، وذلك بقطع النظر عن الاستردادات السياسوية الداخلية في الحالتين التي هي قديمة قدم التاريخ.
فـيـبدو إذن أن هذه الأيام الأخيرة تشكل لحظة من لحظات تسارع التاريخ، ربما في اتجاه تحقق وجه غير متوقّع لنبوءة أندري مالرو حول القرن-21 بصفة عامة، وحول شروط قيام وحدة أوروبا على الخصوص (انظر هـنــا).
وفي هذا الصدد الأخير، وبما أن وقعة "شارل إيبدو" لم تكن الأولى من نوعها في باب حوادث كل ما يتعلق بفلسفة الفنون وحرية الضمير والرأي والتعبير في كل بقاع العالم (انظر هــنــا، وهــنــا، وهــنــا)، ومن الراجح أنها لن تكون الأخيرة نظرا لأن عِللها الفكرية ضاربة وموغلة في الأعماق الأنثروبو-ثقافية النشوئية (انظرهــنــا)، فإنه كان قد طـُـرح قبل عشر سنوات (2005)، في مقال بعنوان "من وحي الكاريكاتور الذي زعزع أركان أمة"، سؤالٌ غير مباشر عما إذا ما كانت الأمور تتجه نحو إجلاء ثان للمسلمين من أوروبا. ومن بين ما ورد في ذلك النص ما يلي:
[احتمال بإجلاء جديد لعشرات الملايين هذه المرة من أوروبا، وعلى طريقة إيزابيلا الكاثوليكية، تدشينا لعهد انحطاط آخر في الضفة الجنوبية والشرقية لبحر الروم، بما أنه لن يتم ترحيـل سوى الفئات غير المندمجة، عكسَ الأدمغة والأطر] (انظر النص الكامل هــنــا)
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres