(EN ARABE) 2-Innocence des Musulmans: un choc de civilisations?-2
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis surARABE(Windows)
"صدام حضارات"، أم صدام أوجه الجهل؟
2- العلاقة بين الجهل والجاهلية
القسم الأول عبر الرابط الآتي
تعليقا على ردود الفعل التي ردت بها جموع من الناس، من باكستان إلى تونس، مرورا بمصر وليبيا، على الشريط الرديء التافه المسمى "براءة المسلمين"، بعد أن اختار البعض منهم ذكرى 11 سبتمبر بالضبط ليعممه على الشبكة مترجما إلى العربية، انتهى النص السابق، بعد تحليله لمفهوم "حضارة" إلى أن ذلك المفهوم - بمقتضى مضمونه - لا يسمح منطقيا بأن يكون هناك صدام بين النماذج الحضارية (ما سمي بـ"صدام الحضارات")، وأن الصدام إنما يقوم بين أوجه الجهل والجاهلية، وذلك بحكم الطبيعة الصدامية لهاتين الحالتين من أحوال الأقوام والجماعات وحتى الأفراد. فهل هناك فرق بين مفهومي كل من الجهل والجاهلية في معجم اللغة العربية؟
بقطع النظر عن التطورات المعجمية التي أدت، عبر مختلف اساليب المجاز، إلى استقلال معنى أحد اللفظين عن معنى الآخر، مع بقاء اشتراكهما في اللفظ وتقاطع معنييهما، فإن كلمة "الجهل" (من فِعلِ جهِل-1 جهلا، المتعدّي إلى مفعول: "جهِل فلان الشيءَ) قد استقرت على إفادة مفهوم متعلق بوجه من وجهي حالة المعرفة، أي وجه "عدم حصول العِلم بالموضوع أو بالقضية المعينة": فالحقل الدلالي للكلمة إذن هو الحقل المعرفي. أما كلمتا "الجهالة" و"الجاهلية" (من فِعل جهل-2 الذي يتعدّى بحرف جرّ "جهل فلان علـــــى فلان)، فقد استقرت على إفادة مفهوم مدني، أي إفادة حالة من حالات السلوك التعاملي الفردي أو الجماعي. وبهذا المفهوم الأخير استعملت كلمة "الجاهلية" كمصطلح في أدبيات النصوص الإسلامية المؤسِّسة الأولى. فمصطلح "الجاهلية" لا يحمل في تلك النصوص لا مفهوما معرفيّا (مدى وجود أو عدم وجود علم) ولا مفهوما فنّيا (مدى وجود أو عدم وجود فنون وآداب)، ولا مفهوما عقائديّا مثل مصطلحات "الإيمان"، و"الكفر"، و"الشرك"، و"الملة" مثلا. والمعاني الفرعية، السلوكية والتعاملية، التي يغطيها مفهوم "الجاهليّة" في تلك النصوص، وفي المعجم العربي عامة بعد ذلك، تتراوح كلها بين "الغلظة"، و"الفظاطة" و"الخشونة" و"الجفاوة"، و"العجرفة"، و"سرعة الغضب"، و"العصبية"، و"التعصب" و"الحَميّة" التي اقترنت دائما في الاستعمال بنسبتها إلى حالة الجاهلية ("الحميّة الجاهليّة"). ومن الأبيات التي ما يزال يطرب لها كثير من الناس في هذا الباب لما لا تزال تعكسه لديهم من طبيعة سيكو-اجتماعية قول عمر بن كلتوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل، في أدبيات حرب البسوس بين قبيلتي بكر وتغلب ما يلي:
ألا، لا يجهلنْ أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
أما المصطلح المقابل لكلمة "جاهلية" في نفس الأدبيات، فهو مصطلح "الإسلام"، وهو مصدر من فِعل "أسلم يُسلم"، أي جنحَ إلى السلم، في مقابل عنف صدام غضب الجاهلية. فمصطلح "الإسلام" بدوره ذو مفهوم مدني، بحكم اشتقاقه، وبحكم السياق التاريخي لظهوره، أي سياق الدعوة والعمل على الانتقال بالناس، في تدبير الشأن المدني، من التعامل بعصبية الصدام العشائري وحميته عن طريق الغزو والثأر الدائبين، إلى نظام تدبير مؤسسي يسمو على عصبيات العشائر ويلغيها، ويقوم على تشريعات تسمو على اعتباطية اندفاع الأهواء. فـ"الإسلام" مقابلٌ لـ"الجاهلية"؛ بينما "الإيمان" هو ما يقابل "الكفر". فنوعية العقيدة يحال عليها في العربية الأولى بمصطلح "الملة" ("ملة إبراهيم")؛ أما نوعية نمط التداين في المدينة، أي التعامل (ومنه "الدين المعاملة")، فهو ما يحال عليه في الأدبيات المذكورة بـ"الإسلام" {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}ق,ك.
والجدير بالذكر، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، أن كلمة "دين" بدورها لم تكن في اصل اللغة العربية واللغات السامية عموما ذات حمولة دلالية عقائدية أو شعائرية تعبدية؛ إذ هذا الحمولات الأخيرة كانت تعبر عنها كلمات أخرى مثل "الملة" في كل من العربية والعبرانية (מלה) أو [دات] في العبرانية وحدها (דת). فـكلمة "دين" (بقطع النظر عن اختلاف حركة الدال)، إنما تحيل على التعامل والمعاملة ("الدينُ المعاملة"؛ "كما يدين المرء يُدان"، أي: كما يعامِـل يعامَـل). واللغة العبرانية ما تزال تحتفظ لكل مشتقات هذه الكلمة فيها بذلك المعنى المعاملاتي. فـعبارة בית דין [بيت دين] تعنى في تلك اللغة "دار القضاء، أي المحكمة"؛ وكلمة דין [دايّان] تعني "القاضي"؛ وكلمة מדינה [مدينة] تعني "دولة" إلى يومنا هذا (باعتبار أن صيغة "مدينة" صيغة اسم مكان /مَفعِل/ من فعل /دان/، أي أنها تعني "فضاء تدبير المعاملات")؛ ونفس الحقل المعجمي الاشتقاقي قائم كذلك بكل صيغه وبنفس المعاني في اللغة الآارمية؛ وقد كان هذا الاستعمال الأخير لكلمة [مدينة] قائما في العربية نفسها؛ وذلك لما تم تحويل تسمية حاضرة "يثرب" بعد الهجرة، فسميت "مدينة"، وذلك لما كان من تحولها إلى نواة دولة تدبّر الشأن العام (أي ما يعرف في علم التاريخ بـ"دولة المدينة" مثل أثينا، وسبرطة، وصور، وصيدون، وقرطاجنة) على اساس من الجنوح إلى الإسلام في التعامل واطراح نمط الأهواء ودعوى الجاهلية.
وبناء على هذا التحليل لمفهومي مصطلحي "الإسلام" و"الجاهلية"، يمكن فهم خاصية جوهرية من خصائص "خطبة الوداع" إذا ما أخضعت لتحليل الخطاب. فهي خطبة ذات دلالة جوهرية في هذا الباب من حيث إنها لم تتناول لا أسس الملة والعقيدة، ولا شعائر العبادة، ولا تشريعات الأطعمة والأشربة، ولا أي وجه من أوجه الهندام مما أصبح اليوم جوهر الرهان. إذ الهمّ الأول والوحيد الذي استأثر بتلك الخطبة هو الخوف والتحذير من أن تتلفع العقلية الجاهلية برداءَ الملة، فتلتبس من خلال ذلك التلفع بالإسلام الذي هو، كما رأينا، نقيض للجاهلية كنهج في "الدين" أي في "التعامل والمعاملة"؛ وذلك تفصيلا في تلك الخطبة للحديثين القائلين: {ليس منا من يدعو بدعوى الجاهلية}؛ {ليس منّا من دعا إلى عصبية، أو من قاتل من أجل عصبية، أو من مات من أجل عصبية}.
فجميع القضايا التي طرحت في "خطبة الوداع" إنما تتعلق بالتعامل؛ ولم يرد فيها إلا قضية واحدة من باب المناسك التعبدية نظرا لأنها مما له علاقة برمزيات الجمع بين ما تفرق من القبائل، ألا وهي مسألة مناسك الحج. فهاهي � على شكل مقتطفات - القضايا التي تناولتها خطبة الوداع الموجة للناس جميعا ("أيها الناس")، وليس فقط للمؤمنين أو المسلمين:
["أيها الناس، إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم "؛ "فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها"؛ وإن ربا الجاهلية موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون"؛ "وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب؛ وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية"؛ "أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر"؛ "أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق"؛ " أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه"؛ "فلا ترجعنّ بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"؛ "أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد؛ كلكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله اتقاكم؛ وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى"؛ "أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث"].
إنها بالضبط الأمور والقضايا التي يتم تدبيرها بسلوكات العصبية والتعاضد الجاهليين في غياب ثقافة وتربية متشبعة بالانضباط الفردي والجماعي لتشريع يسمو على أهواء الحس العشائري البدائي والأهواء الجاهلية التي تعتمد على قوة العدد وتصعيد الغضب الجماعي وذوبان وفناء عقل الفرد المفكر بطبعه في سيكلوجية القطيع الذي هو ماهية جمعية غير عاقلة وغير مسؤولة.
فإلى أي حد لم يحصل بالفعل، بعد ذلك، تلـفّـع الثقافة الجاهلية برداءَ الملة، والتباسُ تلك الثقافة من خلال ذلك التلفع، بـ"الإسلام" الذي هو نقيضها في "الدين" أي في "المعاملة"؟ ما هي الأسس التي تمت عليها بعد ذلك وبمقتضاها "الفتنة الكبرى" التي سفكت دم ثلاثة خلفاء من بين أربعة كان الناجي منهم لم يعمر في الخلافة إلا عامين؟ وكذا ما تم إثر ذلك من توالي عصبيات الغالب والمغلوب كمنطق للتاريخ؟ أهي أسس الملة كعقيدة والإسلام كنظام معاملة، أم أسس جاهلية تلفعت برداء تلك الملة واستعملت خطابَها ليقوم مقام الشعر الجاهلي؟
ومما له دلالة بخصوص الشق الأخير من السؤال، هو أن البيت الشعري الجاهلي السابق إيراده أعلاه، والذي هو من أدبيات حرب البسوس بين بكر وتغلب، قد ورد مؤخرا (26 سبتمبر 2012) في الشبكة الإليكترونية مقترنا بموضوع ["براءة المسلمين"] 1910 مرة، كما يمكن لأي واحد أن يتأكد من ذلك بالبحث انطلاقا من نافذة الكشاف "كوكل". معنى ذلك أنه عوض أن يدفع بالقوم ما أقبل عليه سفيهٌ من لغوٍ بلغو "براءة المسلمين"، وما أقبل عليه متعطشون منهم إلى الفتنة من بث ذلك اللغو على قناتهم وتعميمه على الشبكة، عوض أن يدفع كل ذلك بالقوم إلى استحضار قول التنزيل {( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا، وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)؛ (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)}ق.ك، هبّ القوم، بالعكس من ذلك، يتمثلون بذلك البيت الشعري الجاهلي للتعبير عن "نصرتهم" لمآثر رموز الإسلام ومرجعياته كما يدعون في تلبيساتهم؛ وهم في واقع أمرهم إنما يستعملون رموز وخطاب الملة كمجرد حامل وقناة لتصريف انفكاك وجموح الأهواء والتعصب، تماما كما كانت عليه ثقافة التعصب لمآثر الجاهلية؛ فلم تعد دماؤهم ولا دماء غيرهم من بني آدم حراما عليهم؛ واستمر بعضهم يضرب أعناق بعض، ويتخذ من الخطابة بمقولات ومصطلحات الملة (إيمان/كفر، دار الإسلام ودار الحرب، نصرة رموز الملة، السنية/المروق) نظيرا بديلا يقوم بوظائف الهجاء والفخر والمنفارات التي كان الشعر الجاهلي يتولى تصريفها وتفجير شحنات الأهواء الغضبية بها على أرضية وخلفية مرجعيات المجتمع الجاهلي (العشيرة وعدوها، الحمى وديار الغزو، صيانة الشرف والأخذ بالثأر). ولا غرابة أنه بينما كان قوم الجاهلية الأولى بمفهومها التاريخي الضيق (ما قبل الإسلام)، يتسمون بكل الطوطميات الحيوانية والنباتية والجامدة التي توحي بالبأس الشديد والغلظة وتبث الرعب من قبيل: (أسد، نمر، كلب، ثور، بَـكر، صقر، ، طلحة، حنظلة، علقمة، قتادة، مُرّة، سيف، حرب، صخر، حجَر، أبو لهب) ويستنفرون للثأر الجماعي بعبارات من قبيل (يا لتغتلب، يا لبكر، يا لكليب)، أخذ قوم الجاهلية المتلفعة يتلقبون اليوم بألقاب من قبيل "أبو قتادة"، "أبو سياف"، و"سيف الإسلام" ويستنفرون للانتقام الجماعي باسترداد تحريفي وتسخيري لعبارات من خطاب الملة من قبيل "وا إسلاماه" (واردة بتاريخه في الشبكة 750.000 مرة) "، "وا نبيّاه" ( 8.060 في الشبكة)، "إلا رسولَ الله" ( 750.000 في الشبكة)
يتعين إذن إعادة قراءة "في الشعر الجاهلي" لطه حسين، إذا ما كان قد سبقت قراءته فعلا، وهو مشرف اليوم على الذكرى المئوية لصدوره.
القسم الثالث عبر الرابط الآتي
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres