(EN ARABE) Un "Printemps Arabe" fané; pourquoi?
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS, puis sur ARABE(Windows).
{فَانطَـلَـقُـوا وَهُمْ يَتَخـَافَـتُـونَ}
{أَن لَّا يَدْخُـلَنَّـهَا الْيَوْمَ عَلَيْـكُـم مِّسْكِيـنٌ}ق.ك.
في ربيع 2011 تصورت أذهان جيل مَن صاح منهم أحدهم حينئذ عبر الشاشة وهو يتلمس ما تبقى من نتف شيب رأسه قائلا "هرمنا، هرمنا"، أن جنة الخلاص الديموقراطي التي أخفق في الولوج إليها ذلك الجيل قد اقتحم أبوابها في نهاية الأمر جيل ثوري ممن صاح منهم بدورهم أحدهم وهو يترنّح وحيدا في الشارع ليلا وهو يردد في نشوة وجذل: "بنْ عْـلي هرْب، بن علي هرْب". ثم توالت بعد ذلك في كل مكان شعارات "ارحل، ديكاج؛ الشعب يريد إسقاط كذا". ومن النماذج الرمزية في باب تحليل الخطاب، والدالة هنا في المغرب على نوعية تصور الأذهان لطبيعة تلك المرحلة "الحراكية" في بداياتها وبانعكاساتها في المغرب مع ظهور حركة 20-فبراير، أنه قد وردت كلمة "ثورة" عشر مرات في نص ما يشبه "بيانا" لزعيم حزب سياسي عتيد من جيل "هرمنا" بذلك الحزب، نصٍّ ورد بالصفحة الأولى لجريدة ذلك الحزب موازيا ومناظرا في الصفحة لنصّ الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 حول مراجعة الدستور.
تعاقبت فصول قليلة بعد ربيع "الحراك" نحو اقتحام أبواب جنة الخلاص الديموقراطي، فإذا به يصدُق على الجميع اليوم ما جاء في سورة القلم: {إنَّا بَـلَوْنَـاهُـمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُـوا لَيَصْرِمُـنَّـهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْـتَـثـْـنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِـفٌ مِّن رَّبّـِكَ وَهُمْ نَائِـمُونَ (19) فَأَصْبَحَـتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَـتَـنَادَوا مُصْبِحِينَ (21) أَن اغْدُوا عَلَى حَرْثِـكُمْ إِن كُنـتُـمْ صَارِمِينَ (22) فَانطَـلَـقُـوا وَهُمْ يَتَخـَافَـتُـونَ (23) أَن لَّا يَدْخُـلَنَّـهَا الْيَوْمَ عَلَيْـكُـم مِّسْكِيـنٌ (24) وَغَـدَوْا عَلَى حَـرْدٍ قَادِرِينَ (25) فـَلَمَّـا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)}.ق.ك.
كان صوت هذا الركن، ركن "مسائلة البداهة"، من الأصوات النادرة التي لم تنسق حينئذ، في عنفوان المفاجأة، مع الخطاب الحماسي الجذل الذي أطلقت له العنان أحداثُ ربيع 2011 المبشر بالخلاص الديموقراطي عبر ترديد "ارحل، ديكاج" باسم "الشعب" في الشوارع والساحات والميادين، وذلك من خلال مقالين تصويريين حول "العلاقة بين الثور والثورة"،(1) وحول العلاقة بين ما سمي بـ"الحراك" وما عرف في الثقافة المغربية بـ"لحركة"(2). وخلاصة ذينك المقالين أن التحول التاريخي النوعي يكون فكريا أولا، من خلال مراكمة أدبيات مقاصدية في فلسفة الحقوق والقيم والأخلاق بالمدينة، تشكل إطارا لبلورة مشاريع دستورية وسياسية وحقوقية وسوسيو-اقتصادية تجعل جوهر الهياكل والآليات البديلة لما يتم تجاوزه تاريخيا، المرحلية منها والبعيدة، بدائلَ واضحة المعالم من حيث القناعة الجمعية المبدئية، فلا يبقى رهينا بالتدافعات السياسية إلا وصفاتُ التسويات والإجراءات العملية لتنزيلها على أرض الواقع. أما في غياب أي إنجاز فكري نوعي وكمي في باب ذلك التراكم، فإن أي تحول تاريخي نوعي يبقى غير ممكن مهما كان حجم الأحداث والقلاقل على المستوى الحدثاني المحض. وفي هذا الصدد ورد في المقال الأول المشار إليه أعلاه بخصوص التصور الفلسفي العقلاني لمفهوم "الثورة" ما يلي:
[[معنى هذا أن هذا المفهوم الأخير لحركية التاريخ إفضاءٌ عقلاني لتطور الطور في المدينة تطورا ماديا وفكريا، وليس مجرد انفكاك وانفلات بركاني للأهواء الغضبية الجمعية. هذا ما تقصده بعض الأدبيات الثورية بقولها: "لا ثورة بدون فكر ثوري". وسواءٌ أصادف فكرُ التغيير من أوجه الواقع التاريخي الملموس القائم ما يجعل التمكن من تنزيله على أرض الواقع لا يتم إلا بقطيعة رجةٍ اجتماعية، أم صادف من الواقع ما يجعل منه مجرد تطوير استمراري لنفسه وجوهره، في انسجام مع مستجدات ذلك الواقع، فليس المقصود بــ"الفكر" هنا كلَّ ما يفيض في الجَنان من فقاقيع الهذيان، فيتحرك له القلم واللسان بالخطابة والبيان. إن المقصود به هو مثل ما أنتجه أمثال موسى مانديلسون، ومونتيسكيو، وفولتير، وجوته، ونيتشه وتولستوي، وغيرهم، من فكـر حول القيم والأخلاق (المدينة، الدين والدولة، مصادر الشرعية، تدبير السلط، مكانة الفرد، الحرية، المواطنة) باعتبارها قيما موجَـبة منطلقة من مبادئ عقلية تأسيسية تنبثق من استبطان الإنسان لروح الكونية.
وبناء على هذا المفهوم العقلي لـ"لثورة"، في علاقتها بالـفكر الموجب، فإنه، إذا ما كان قد حدثنا التاريخ عن ما لا يُحصى عددا من قلاقل وفتن الانتفاضات والهبّات والقومات في هذه الساحة أو تلك حسب هبوب رياح الانتمائيات الإقصائية، بدءا بـقَـومات عُشّاق الموت والحشيش والأفيون، من إسماعيلية فارس والشام، أو مدمني "القاط" من قرامطة أطراف الجزيرة، وليس انتهاء بمختلف أوجه "السايـبة" في تاريخ المغرب، من دون أن يشكل أي من كل ذلك تحولا تاريحيا، فإن التاريخ لم يسجل، مع ذلك، إلا عددا محصورا من أشكال الثورة بمفهومها العقلاني (Révolution) باعتبارها حركة فكرية اجتماعية موجَبة في اتجاه تطوير المدينة، مما يضطر فيه تنزيل ذلك الفكر على أرض الواقع إلى اتخاذ طابع الرجات العنيفة بسبب معطيات تعطيلية خاصة وليس بمقتضى حتمية طبيعية لكل تغيير تاريخي. من ذلك الثورتان الكونيتان العنيفتان، الأمريكية والفرنسية، اللتان اكتملتا، وما يزال لهما رصيد خلاق من موارد التطور بقدر ما أدركتاه من أبعاد الفكر والقيم الكونية، ومن ذلك ايضا ثورات لم تكتمل بعد كالثورتين الروسية والصينية. أما الإنجليز، فقد أنجزوا تحولهم الاجتماعي السياسي النوعي في استمرارية سلسة تطورية للمشروعية، وذلك بناء على ما راكمه أمثال طوماس هوبز وجون لوك من فكر عقلاني موجب، تم تنزيله على أرض الواقع بأسلوب استمراري سلس بفضل التطور المطرد لنظامهم السوسيو-اقتصادي الرائد والخلاق الذي كان قد قطع مبكرا مع تقاليد امتيازات الريع بكل اشكاله، وتأسس على إنتاج القيم المضافة على مستوى الخيرات والخدمات والوظائف. فلم تمر إذن أعرق ديموقراطية في العالم، عبر مشوار التغيير، لا مما يشبه ساحة "الباستيل"، ولا من "ميدان التحرير"، ولا من "ساحة التغيير"، ولا من "مولاي بوعزة"؛ ولم يحتج الإنجليز حتى إلى تحرير وثيقة مكتوبة للدستور، لأن الفكر الذي أنتجوه فأُشرِبوه إشرابا قد جعل قيمَ أخلاقِ المدينة محصّلةً في الصدور لديهم بفضل مجهود الذات في اكتساب حرية التفكير والضمير قبل المطالبة الميدانية بـالحق في التعبير وفق قيم تلك الأخلاق والمعايير.]]
فما وجه الغرابة إذن في ما آلت إليه أمور "الربيع العربي" حتى أضحى الجميعُ اليومَ وقد أسبح لسانُ حاله يردد مرثية:
"سْبحان الله صيفنا ولـّـى شْـتـوة ؛؛؛ وْرْجْعْ فْصلْ رّْبيع فـْـلـبْـدان خْريفْ"؟
فعلى قدر توفر نصيب معين من نوعية التراكم الفكري المشار إليه أعلاه أو انعدام ذلك، في هذا البلد أو ذاك من الرقعة المتحركة اليوم، تتفاوت حظوظ إزهارِ "الربيع" فيه أو ذبولِه. وبمقدار ما راكم هذا البلد أو ذاك من ثقافة وتقاليد مؤسسية ومن وتجارب إما توافقية-تداولية وإما إقصائية صدامية، القديم منها والحديث، في باب تصريف التدافعات السوسيو-سياسية والسوسيو-اقتصادية والسوسيو-الثقافية، يتم تطور الأمور في ذلك البلد إما بسلاسة طبيعية، وإما بعمليات قيصرية دراماتيكية في هذا الاتجاه أو ذلك. وفي هذا الباب، باب ثقافة التوافق، أو ثقافة الاقصاء، يكون معنى آخر للمثل الذي سيق في سورة "القلــم" عن قوم بلاهم الله واختبرهم بجنة يانعة ملؤها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فانطلقوا يتخافتون ألا يدخلـنّها عليهم غيرُهم، فطاف عليها طائف من ربك وهو نائمون، فذوت وذبُـلت وأصبحت كالصريــم.3)
------------------------
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres