(EN ARABE) Islamisme politique au pouvoir entre légalité et légitimité
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS, puis sur ARABE(Windows).
هل يمكن اختزال المشروعية في مجرد مطابقة القانون؟
- الحالة المصرية -
احتدمت الأمور وتسارعت في مصر بوتيرة أكثر سرعة مما كان يتوقعه أيّ متـتـبّع لتقلبات التحولات التي تعرفها المنطقة. فقد لعب الجيش المصري مرة أخرى، ما بين الشارع من جهة، ومؤسسة الرئاسة من جهة ثانية، نفس الدور الذي كان قد لعبه في تسريع عملية الإطاحة بالرئيس الأسبق، حسني مبارك في يناير 2011، وذلك بعد أن طالب الشارع قاطبة برحيل هذا الأخير، وبعد أن سحب نظام ذلك الرئيس بوليسه وسخر ما عُرف بـ"البلطجية" (حملة الخيل والإبل)، مراهنا من خلال ذلك على خيار "أنا أو الطوفان".
كان ذلك كذلك مرة أخرى مع فارق كون من يصطف إلى جانب الرئيس في هذه المرة، باسم المشروعية، ليس سديما من المنتـفعين وأصحاب المصالح المنضوين تحت يافطة "الحزب الوطني الديموقراطي" الذي "فاز" بــ"الأغلبية الساحقة" في مجلس الشعب في سنوات 2000 و2005 و2010، وإنما هي شريحة فكرية وسوسيو-ثقافية مهيكلة ومترسخة في المجتمع المصري (أي حركة الإخوان المسلمين المتجذرة اجتماعيا منذ أجيال)؛ وهذا ما يعقد محاولة الجيش هذه المرة في الظهور كمجرد دِرع أمني انتقالي مهمته حماية مقرات المؤسسات التي تكاد تكون ممتلكات عقارية له، والوقوف درعا ضد إراقة الدماء.
ومع ذلك فإن أهم ما احتفظ به الإعلام من مجمل ما ترتب عن حركة "تمرّد" الشارع المصري في وجه الرئيس محمد مرسي الذي انتخبه نفس ذلك الشارع على إيقاع تداعيات تموجات حركة "الميدان" وانقلاب ذلك الشارع قبل غيره على تجربة حكم مُرسي، القصيرة زمانا والحافلة دستوريا وسياسيا بما سمح به الرئيس لنفسه اعتدادا بأغلبيته، وذلك منذ البدايات الأولى لإعدادات تلك الحركة وإلى غاية محطة دخول الجيش مرة أخرى على الخط، أقول أهم ما احتفظ به الإعلام من كل ذلك ينحصر في الحكم على هذه المحطة الأخيرة بالذات بمقياس مجرد عن كل سياق ملموس يعطي للأمور دلالتها. ذلك المقياس يعبّر عنه ذلك الإعلام بـمصطلح "الشرعية"، وذلك في إشارة إلى الإفادة الحسابية المطلقة لأرقام عملية الاقتراع الذي تم مع ذلك في ظروف تحولات سوسيو-سياسية تاريخية تتخذ فيها تلك الأرقام عادة كمجرد مؤشرات عمل تساعد المجتمع المتقلب في انتقاليته على إجراء التفاوضات اللازمة مع نفسه.
معاجم بعض اللغات التي بلورت ثقافاتها مفاهيم حقوقية واضحة، تميز بسهولة وبداهة ما بين "الشرعية" أو "المشروعية" من جهة (légitimité أو legitimacy)، و"مطابقة القانون" (légalité أو legality) من جهة ثانية. وتتمثل فضيلة "مطابقة القانون" (أي قانون مهما كانت درجته) على مستوى عمل هياكل الدولة، في مجرد اتباع تفعيل السُـلط وممارستها (التشريعية والتنفيذية والقضائية) مهما كانت نوعية ودرجة الفصل بينها، لمنظومة من القواعد والمساطر الموصوفة سلفا، وذلك بما ينزه الفعل السياسي وفعل ممارسة الحكم عن نقيصة التحكم والمزاجية (arbitraire)، بقطع النظر عن تصنيفات نظـُـم الحكم وعن أسس مشروعياتها، من مشروعية الحق الإلهي، إلى المشروعية الدستورية، إلى مشروعية الاستفتاء الشعبي، وعبر كل أوجه المشروعيات الثورية، الانتقالية منها (كثورة القرنفل البرتغالية) والمستدامة (كثورة المليون شهيد الجزائرية).
وفي هذا الباب، يمكن أن يقال مثلا إن الملك لويس الرابع عشر نموذج للحكم المطلق (pouvoir absolu) بما أنه ملك يشرّع وينفذ؛ إلا أنه لا يمكن اعتبار ذلك الحاكم حاكما طاغية (despote) مثل القذافي أو بوكاسا مثلا، اللذين كانا يحكمان بمقتضى مجرد المزاجية، وذلك من حيث إن "الملك-الشمس"، الذي كان يقول "أنا الدولة"، كان يلتزم بما يكون قد شرّعه من قوانين ولو انقلبت، مع تقلب الأحوال، إلى ما ليس في صالحه.
في الفترات التاريخية العادية، التي تتسم بالاستقرار السوسيو-سياسي على مستوى الاختيارات الكبرى لنظام الحكم، سواء صيغت تلك الاختيارات كتابة كوثيقة دستورية (فرنسا، الولايات المتحدة)، أم بقيت مجرد تقاليد متوافق بشأنها (بريطانيا، نيوزيلاندا، إسرائيل)، يكاد يكون هناك تطابق مفهومي ما بين فضيلتي "المشروعية" و"مطابقة القانون". إذ بما أن التوافق يكون حاصلا، في مثل تلك الفترات على مستوى مصدَرِ القوانين بمختلف منازلها، وعلى مستوى مساطر تشريعها وتفعيلها، فإن مشروعية الحكم تحصل حينئذ بمجرد الانضباط لما هو قائم كمنظومة قانونية، بما في ذلك قوانين الوصول إلى ممارسة الحكم (قوانين الأحزاب والانتخابات وتشكيل الحكومة، الخ.)، وذلك إلى أن يتم نسخ قانون معين حسب المسطرة التي تحددها نفس المنظومة القانونية.
أما في اللحظات التاريخية الانتقالية التأسيسية، التي يصبح فيها جوهر نظام الحكم ذاته، أو وجهٌ من أوجهه، موضوع مساءلة آنية،وموضوعَ رهانِ مشروعٍ مستقبلي، بما في ذلك منظومة القوانين نفسها، العليا منها (الدستور) والمتوسطة (القوانين التنظيمية) والدنيا، فإن حيازة مزية "مطابقة القانون" في الوصول إلى الحكم وفي ممارسته، لا تكفي وحدها لإضفاء المشروعية بصفة مطلقة على تلك الممارسة؛ إذ لا بد كذلك حينئذ من أخذ التعاقدات والتوافقات الضمنية الانتقالية ،التي تطبع مثل تلك اللحظات التأسيسية، بعين الاعتبار في كل خطوة من خطوات تلك الممارسة؛ وذلك إلى أن تعود ثقة مختلف الأطراف في المؤسسات، فتستوي على سكة التعاقدات الجديدة؛ وإذ ذاك يمكن مثلا أن يحصل مرشح لرئاسة أول قوة عظمى في العالم على المشروعية، المسيّجة مع ذلك بمؤسسات أخرى قوية، بمجرد حصوله على فارق 5 أصوات من أصوات الناخبين الكبار حتى وإن كان رصيده من الأصوات العادية أقل بنصف مليون عن أصوات منافسه كما حصل مع رئاسة جورج دابليو بوش سنة 2000.
وتصدق كل هذه المقارنات والاعتبارات التنسيبية بصفة عامة وبدرجات متفاوتة على كل الظرفيات المتشابهة التي وصلت فيها حركات الإسلام السياسي إلى سُدة الحكم بطرق مختلفة ليس في مصر وحدها على وجه التحديد، وإن كان الحديث هنا قد انطلق من تجربة مصر على وجه الخصوص.
فإلى أي حدّ تعاملت الحركة الإسلامية في مصر، وفي غير مصر، مع هذا المفهوم النسبي للمشروعية، اعتبارا لمجمل المراحل والكيفيات التي تطورت بها الأمور منذ انطلاق حركة "كفاية" قبل الإطاحة بالرئيس مبارك، وإلى غاية الخطاب المسهب الأخير للرئيس محمد مرسي قبيل عودة حركة "تمرّد" إلى نزع الشرعية من المؤسسات لتضعها من جديد في يد الشارع في صيغة ما يعرف في مثل تلك اللحظات بـ"الشرعية الثورية"، تلك الشرعية التي تلغي سائر أوجه الشرعية وليس فقط وجها واحدا من أوجهها الذي هو مطابقة القوانين القائمة، بما فيها قوانين هيكلة السُلـَـط وسبُـل توليها؟
إن استحضار مثل هذه الاعتبارات لضروري من أجل إعطاء مضمون نسبي ملموس، وغير ملتبس ولا حَـلـَـقي سفسطائي، لمفهوم "الشرعية" او "المشروعية"، مضمون يستمد طابعه الملموس من ربطه بطبيعة الظرفية السوسيو-سياسية التاريخية؛ وذلك بدل اعتبار "الشرعية" مجرد مواصفات قانونية شكلية يترتب عن اجتماعها صدور صكّ ذي قوة إبرائية مطلقة يكفي الحصولُ عليه لإلغاء سائر القوى الأخرى الفاعلة في المجتمع والتاريخ.
هذا أمر فهِـمه واستحضره الجنرال ديكول مثلا ذات مرة، وهو رئيس منتخب للجمهورية الخامسة، وذلك على إثر أحداث 1968 المتعلقة بجوهر النموذج المجتمعي، وذلك لما بادر ذلك الرئيس المنتخب على إثر تلك الأحداث إلى إعادة طرح مسالة تجديد الثقة في سياسته من خلال اقتراح استفتاء شعبي حول الجهوية وتعديل مجلس الشيوخ، وذلك بالرغم من هالة "شرعيته التاريخية" كـ"محرر الأمة الفرنسة" (Libérateur de la Nation) زيادة على قانونية وصوله إلى السلطة بمقتضى حكم صناديق الاقتراع للمرة الثانية سنة 1965؛ ولما تمّ رفضُ مشروعه بأغلبية 52 في المائة من نتائج الاستفتاء، تنحى عن السلطة في منتصف ولايته وهو الرئيس المنتخب بالاقتراع العام.
ولكي لا نذهب بعيدا، يبدو أن حزب العدالة والتنمية التركي، في شخص الرئيس أردوكان، قد استحضر مثل هذه الاعتبارات إلى حد معين ولو بمجرد حس براغماتي غير مبني على قاناعات مبدئية، وذلك حينما أدرك أن اعتراض الشارع القوي في الأيام الأخيرة على إجراء روتيني في الظاهر من الإجراءات التدبيرية العادية يتعلق شكليا بمجرد تهيئة مجال حضرى، هو في الحقيقة إشارة اعتراض على أسلوب في الحكم وعلى اختيارات عامة معيّنة على مستوى القيم والحريات، أي أنه اعتراض يضع مشروعية الحكم برمته موضعَ للتساؤل بالرغم من قانونية الوصول إلى ذلك الحكم وبالرغم مما تحقق عمليا على الصعيد الاقتصادي في إطار ذلك الحكم. ولذلك فقد تم إرجاء البت في أمر تلك النازلة الروتينية إلى حين، عن طريق إحالة المسألة على القضاء؛ وذلك بدل التشبث بصك نتائج صناديق الاقتراع وإشهار ذلك الصك في وجه تحرك يُـنذر بأن يتحول إلى مشروعية ثورية في الشارع. إنها طريقة للإشعار بأن رسالة الشارع قد وصلت، وأن هناك استعدادا لأخذها بعين الاعتبار على الأقل إلى أن تتطور الأمور بسلاسة في هذا الاتجاه أو ذاك من اتجاهات الانتقال الديموقراطي للبلاد.
---------------------
انظر مقالا بالفرنسية ذا علاقة بهذا النص عبر الرابط الآتي
http://www.cjb.ma/123-edito/egypte-maroc-a-chacun-sa-specificite-2348.html
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres