(En arabe) Un fragment de grammaire de l'arabe marocain
من شذرات أجرومية العربية الدارجة
"راب/يروب" أم "راب/يريب" ؟
رجعو لينا دابا لحديث البغل، "لهلا يروّب لينا دماغ ولا يرّيب علينا حيط".
1- لما نشرت أمس تدوينة "مشيتي فيها يا النحو ديال الداريجة" على صفحتي بالفايسبوك، كان ذلك منّي من باب سخرية الترويح بنوع من الجد بما يشبه الهزل؛ ولم أكن أتوقع أنّ وجه الجدّ سيغلب عند أصدقاء وصديقات تلك الصفحة على وجه الهزل. فإذ كانت التدوينة تندرج في إطار هزليات مقاطعة السوائل الشريبة وغير الشريبة، فقد أبان الاهتمام المنقطع النظير، بمقاييس الصفحة، عن القـــــطـــــع مع ما كان قبل سنوات من مقــــاطعـــة مبدئية للعربية المغربية الدارجة بعد أن قال فيها المفكّر بالنيابة عن الجماعة قوله الفصل قبل بضع سنوات باعتبارها مجرد هجانة ورطانة وتسيّب كلامي لا نحو له ولا قواعد. سيتبيّن ذلك من خلال ما يلي:
.
2- لقد أصبح الجميع يدقّق اليوم، من خلال التعليقات المشار إليها على التدوينة، في أمر التمييز المعجمي والصرفي بين راب/يروب (بتفخيم الراء) و راب/يريب (بدون تفخيم) في الدارجة المغربية. الأول يقال فيها عن حالة الحليب، والثاني عن حالة حائط ومبنى بصفة عامة.
الخلاف اللغوي الذي ظهر عند البعض حول هذه النقطة، يذكّر بنوعية ذلك الاختلاف الذي كان يواجه نحاة العربية الأولين بين لهجات العربية في المعجم (الصقر/السقر/الزقر مثلا) وفي الصرف (الذين/الذون مثلا) وفي التركيب (ما الحجازية مثلا)، ويتمثل في مدى "صواب" القول فيالدارجة بــ"كا يريب الحليب" (بالتفخيم دائما) بدل "كا يروب".
فما القول في هذا الاختلاف/الخلاف؟ هذا ما ستتناوله الفقرات الآتية:
.
3- تنقسم الأفعال المعتلة الوسط (الفعل الأجوف) في العربية المغربية، باعتبار انقلاب مصير حرف علتها ما بين صيغتي الماضي والمضارع، إلى فئات ثلاث سماعيّة؛ هي نفس الفئات المقابلة لها في معجم وصرف العربية الفصحى:.
.
أ- فئة فعلية ينقلب ألفها الأوسط لصيغة الماضي إلى واو في صيغة المضارعة؛ مثل قال/يقول، زار/يزور، فات/يفوت، الخ. وتصريف أفعال معمجم الداريجة مقيس في هذا الباب، بشكل مُـــــطّــــرد وبـــــــدون استثناء، على ما يناظره من أفعال مواد معجم الفصحى؛ ومن ذلك قولنا في الفصحى "رابَ اللبنُ/الحليبُ، يَروبُ، فهو رَائبٌ" أو "روّبَ اللبنَ/الحليبَ"؛
.
ب- فئة فعلية ينقلب ألفها الأوسط لصيغة الماضي إلى يـــــــاء في صيغة المضارعة؛ مثل: عاش/يعيش، باع/يبيع، زاد/يزيد، سار/يسير، صار/يصير، الخ. وتصريف أفعال معمجم الداريجة مقيس في هذا الباب، بشكل مطـرد مع استثناءات جدّ قليلة، على ما يناظره من أفعال مواد معجم الفصحى؛ ومن تلك الاستثناءات القليلة القول في الدارجة مثلا: بان/يبان "ظهر"؛
.
ج- فئة فعلية يبقى ألفها الأوسط لصيغة الماضي على حاله في صيغة المضارعة؛ وهذه الفئة قليلة نسبيا في الفصحى (نال/ينال، غار/يغار، حارَ/يحارُ، عاف/يعَاف ويعيف)، ويكثر في الدارجة تغليب قلب ألف الماضي ياء في المضارع في هذه الفئة القليلة؛ كما في قول الدارجة: غار/يغير، حار/يحير.
فما الذي حصل عند جيل بعض الناطقين بالداريجة حتّى أصبحوا يقولون عن حليب صانطرال مثلا في هذه الأيام في إطار حملة المقاطعة: "خلـّـيه يريـب" (بتفخيم الراء) بدل "خلــيه يروب" (راجع الفقرة-أ أعلاه)؟
.
4- المسألة مسألة سوسيو-لغوية لجيل من الأجيال، في أطار الصيرورة الدياكرونية المعروفة بـ"إعادة التحليل النحوي" (réanalyse grammaticale). تلك الصيرورة التي تحصل لدى أجيال الناطقين في كل الأوساط اللغوية، والتي تكون متسارعة من جيل إلى جيل عندما تكون اللغة المعيّنة خارج أيّ عناية مؤسّسية. إنها الصيرورة التي تؤدى إلى تغيّر بنية اللغة (نطقا، وصرفا وتركيبا) مع توالي الأجيال وتبدّل معطيات المحيط التواصلي.
في الماضي القريب كان المجتمع المغربي مجتمعا رعويا زراعيا حتى في فضاءاته الحضرية. فكان من بين تجليات ذلك أن مادة الحليب مثلا كانت حاضرة في الحياة كمادة معاشية غيــــــــر تبــــادليـــة ماعدا في وجه من أوجه مشتقاتها، وبشكل هامشي (السمن مثلا). كانت تلك المادة موضوع تحضيرات مختلفة، من بينها ما يعرف بـ"الترويب" قصد اإعدادها للمخض. فكانت الصيغُ الفـــــــعليـــــة "واش راب الحليب؟" "راهو قريب يــــــروب"، "خصو شوي د-تافغا ولّا شوي د-حليب الكرم باش يـــــــروب دغيا"، ... هي الغالبة في الاستعمل اليومي للناطقين؛ أما الصيغة الاسمية "الرايــــــــب" (صيغة اسم الفاعل)، فاستعملها كان هامشيا لأن مرجعها لم يكن مادة داخلا بشكل منتظم في نيظام الاستهلاك، عكس "الحليب" "اللبن"، "الزبدة"، "السمن"، الخ.
.
5- بعد أن دخل الحليب ومختلف مشتقاته إلى سوق التصنيع والتسويق، وبعد أن أصبح "الرايب" من أوسع تلك المشتقات تسويقا على المستوى الشعبي (محلبات الأكلات الخفيفة، كوسكوس يوم الجمعة، الخ.)، وبعد أن استقل هذا المستحضر كبضاعة، أصبحت تلك الصيغة الاسمية (اسم الفاعل "الرايب"، بالتفخيم) هي الغالبة في الاستعمال لدى الجيل، واختفت بالمقابل الصيغُ الفعلية (راب/يريب/روّب) من محيط تداول الجيل الجديد من الناطقين نظرا لأن ذلك النشاط التحضيري لم يعد موجودا كنشاط منزلي.
وهنا أخذ البعض يستعمل أسلوب أفعَـلة الإسم dénominalisation كوسيلة لاشتقاق الفعل حينما يحصل أن يحتاج عَرَضا لاستعمال فعل لم يعد رائجا في وسط جيله. وتتمثل أفعَـلةُ الإسم في توليد صيغة فعلية من أصل اسمي (مشتقا كان الإسم في الأصل أم جامدا). من ذلك مثلا في الفصحى قولهم: /طيّن/ "طلى بالطيّن"، ومنه بالدارجة /جيّر/، /كًبّص/، /عسّل/ "طلى بالجير"، "كسا بالجصّ"، "صيّر الشيء كا العسل" على الترتيب.
فبهاذ الأسلوب ولّد الجيل الجيل الجديد من الناطقين بالعربية الدارجة الصيغة الفعلية الجديدة /يريب/ (بالتفخيم، كصيغة مضارع) انطلاقا من اسم صيغة الفاعل /الرايب/ (بالتفخيم)، فقال الموقاطعون لحليب صانطرال مثلا: "خلــيه يريب" (بدل "خليه يروب")، وقال آخرون من قبلهم من نفس الجيل /ريّــب الحليب/ عِوض "روّب الحليب".
هاذ الأسلوب يذكر بما حصل في الفصحى الحالية من قول بعضهم /التقييم/ توليدا مباشرا من الصيغة الإسمية /قيمة/ (وتقديرها الصرفي /قِوْمَةٌ/ بقلب الواو لسكونها وكسر ما قبلها)، بدل /التقويم/ الذي كان هو الصواب في الفصحى القديمة لأن علـّة قلب الواو ليست قائمة فيه.
-----------------
لا علاقة لكل ما سبق بحملة مقاطعة السوائل، من مشروبات ومحروقات. هذه المعلومات إنما هيّ مقتبسة من كتاب هو قيد التصفيف في طريق نشره، ألا وهو: "العربية المغربية الدارجة: قواعد الأصوات والصرف والنحو والإملاء". انظر الرابط الآتي:
https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-grammaire-orthtographe-du-darija-presentation-d-un-ms
------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-grammaire-orthtographe-du-darija-presentation-d-un-ms
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres