(EN ARABE) Quand un parlement se convertit en salon littéraire
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS/AUTRES, puis sur ARABE(Windows).
خطاب السادة النواب وثقافة الإنشاء
في منتصف شهر ديسمبر الماضي (2013)، الذي طبعته الضجة العابرة حول العامي والفصيح، اهتزت جدران الصحافة الإليكترونية والمواقع الاجتماعية تصفيقا وتنويها بفصاحة تدخل نائبة برلمانية مبدعة، كانت وجهت كلامها، في إطار المساءلة والمحاسبة، إلى أحد الوزراء، هذا نصه:
((باسم الله الرحمن الرحيم. كان يا ما كانْ؛ في هذا الحين والأوانْ؛ وتشهد قبة البرلمانْ؛ مهازلُ ومآسي [هكذا إعرابيا]؛ وكلنا نعلمُ، نتألمُ ونقاسي؛ السخافة عندنا ثقافه؛ والثقافة سخافه؛ إبداعاتنا غريبه؛ تحدياتنا رهيبه؛ الثقافة عندنا فرجة في حاويات لنقل السلعِ والبضائعْ؛ بدون لغةٍ ولا هويةٍ ولا عنوانْ؛ تماما كمصير [تلعثم وارتباك الإيقاع الخطابي] شبابنا الضائعْ. وأما التحدياتُ، سيدي الوزير، فتحدِّي، تعدِّي، تعرّي [هكذا إعرابيا]: مهرجان أول للرقص الشرقي. التحدي: مهرجان وطني للرقص الشرقي، في حكومة يقودها تيار روحاني [تصفيقات]. سيدي الوزير؛ أيها الصُبح المتثائب؛ أين إشراقاتكمْ؟ أين إبراقاتكمْ، أيا صبحُ، أين أنتم؟ أينهم؟ أين نحن؟ أين الإنجاز الراسخْ؟ أين الإبداع الشامخْ؟ أين أقلامنا، أينها الهممُ؟ أين أعلامنا أينها القممُ؟ سيدي الوزير، رجاءً أغيثونا؛ رجاء أفيدونا؛ أغيثوها الثقافة، أغيثوها، إنها تُحتضَرْ [هكذا]؛ ولكم، سيدي واسع النظرْ؛ وشكرا)). (انظر هــنـا لسماع إيقاع الإلقاء المربدي أو العكاظي).
ويبدو أن التنويهات التي لقيها هذا الأسلوب من أساليب المحاسبة السياسية في البرلمان قد خلق نوعا من المنافسة في باب التباري الإبداعي بين النواب، محولا بذلك البرلمان إلى ما يشبه ناديا أدبيا للهواة، يتم فيه التباري بين النواب لاكتشاف المواهب الشابة وغير الشابة في "النبوغ المغربي في الأدب العربي". فبعد بضعة أسابيع من إنجاز تلك البرلمانية الشاعرة الشابة (أي في 28 يناير 2014) تقدم نائب برلماني آخر في نفس الفضاء إلى السيد رئيس الحكومة بنفس القبيل من الخطاب الإبداعي، لكن هذه المرة ليس من نوع الشعر المنثور أو النثر المسجوع، ولكن من نوع السرديات، ربما قبل الانتقال لاحقا إلى فنّ المسرح. فلكي يحاسب رئيسَ الحكومة على مظاهر الفساد، اضطر السيد البرلماني إلى أن يُبدع قصة قصيرة استهلها بما يلي [السيد رئيس الحكومة؛ أنا اليوم سْمي حسن بن حمد؛ أنا صانيع تقليدي وعندي تلاتة د-الدراري. تابع هــنـا]، وتجري أطوارها في يوم واحد ما بين البيت والشارع ومجموعة من المرافق العمومية، وتهيكلها أحداث وشخصيات وبطل اسمه "حسن بن احمد"، صانع تقليدي حسب ما جاء في القصة؛ وتصور تلك الأحداث بشكل فني مُركز استشراء الفساد في دواليب الإدارة.
وبما أن البرلمان، قد أصبح هكذا مقهى أدبيا أو ناديا لهواة الإبداع، فقد جاء رد السيد رئيس الحكومة على شكل نقد أدبي من "مدرسة الواقعية". فبعد أن عبر عن اتفاقه التام مع التصوير الفني الذي قدمه البرماني المبدع، وعن كون مسؤولية محاربة الفساد الإداري لا تنحصر على عاتق الحكومة وإنما هي مسؤولية الجميع، ختم كلامه بصياغة طريفة وساخرة لموقفه إزاء هذا العمل الفني، كناقد أدبي منتم في هذا الباب إلى المدرسة الواقعية فقال: "هاد سيّ حسن [يعني بطل القصة] ما يمكـنــش يوقع ليه هاد شّي كـلـّـشي في نهار واحد".
لا شك أن تصور مثل هذه السيناريوهات التمثيلية بشخصياتها وأحداثها، وتدبيج مثل تلك العبارات المسجوعة المتوازية والمبطنة بالتوريات الساخرة إلى اسم الوزير المعني، أمور تقتضي من محررها وقتا وجهدا كبيرين. وإذا ما اقتصرنا على باب واحد، هو باب محاربة الفساد في شكله الرشوي بالضبط، أفليست هناك ملفات ملموسة ليبذل في ضبط توصيفها ذلك الجهد لتعدّ بشأنها مساءلات مضبوطة وعملية تترتب عنها مسؤوليات محصورة وقرارات حسب ما يقتضيه القانون، حتى يتم اللجوء إلى عالم القريحة والتخييل لتعويم المشكل بصفة تعميمية وفضفاضة، يكون الجواب بشأنها بدوره فضفاضا من قبيل "محاربة الرشوة مسؤولية الجميع"؟
هذا، والحال هي أن رواية البرلماني لقصته القصيرة جدا، كانت قد تمت غداة ارتباك في نشرة أخبار إحدى القنوات التلفزية ارتباكا لم يُـشهد له مثيل في تاريخ الإعلام المغربي حتى لما كان ملحقا بالداخلية، وذلك حينما شرع المذيع (مساء 27 يناير) في الحديث عن قضية "الكوبل" المسنّ الذي كان قد صنع الحدث أمام محكمة تيزنيت في ما له علاقة ملموسة وقابلة للوصف والتقصي واتخاذ القرارات العملية الملموسة في باب الارتشاء والتزوير والترامي بالضبط، مما تداعى عنه في النهاية حراك محلي ثم جهوي (الكلالشة بتارودانت) ما يزال يتمخض منذ أكثر من أسبوعين، فإذا بالمذيع يتلقى أشارة من المخرج فينتقل مرتبكا قبل إتمام الجملة إلى الحديث عن "كوبل" الفد وبوتازوط (انظر هــنــا).
فالجميع كان قد شاهد تمريغة تلك المرأة السبيعنية المتظلمة على رصيف المحكمة الابتدائية بتيزنيت (انظر هنــا)، ما عدا الإعلام الرسمي والأطراف الإدارية والقضائية المعنية؛ ويبدو أن من شاهد ذلك من نواب الأمة قد شغلته هموم الإنشاء والإبداع وتدبيج السجع والقافية ورسم شخصيات الأعمال السردية وصرفته عن استقصاء الأمور بشأن القضية. تلك القضية التي لا شكل أنه سيكون لها ما بعدها، وإن كان يُجهل كيف ومتى وفي أي اتجاه. ذلك لأن تلك الحادثة تؤشر إلى أن مبدأ "العدل أساس المُـلك" قد أخذ يتزعزع في نفوس فئة عريضة من أناس المغرب العميق، أولئك الذين لا يقرؤون الصحف ولا يحفلون لا بالسجع الفصيح ولا بالقصة القصيرة جدا، واقعية كانت أم غير ذلك، ولا يرتادون المواقع الإليكترونية؛ وإذا ما أصابهم ضيم قالوا "واكواك ا-عيباد الله؛ حنا بالله وبالشراع والمخزن".
فـتمرغ تلك العجوز كالطفل على الرصيف بعد عدة أيام من اعتصامها ناشرة وثائقها على الأرض أمام المارة بباب المحكمة، تصرّف لم تهيئه لا حركة منتصف يناير، ولا حركة عشرين فبراير، ولا أي ريح لا شرقية ولا غربية. وهي ليست حركة جيل يحركه عنفوان طموحات الشباب بمختلف أوجهها حسب العصر؛ فهي مجرد تعبير أرضي-أرضي لجيل مسنّ بالمغرب العميق، جيل يكافح فقط من أجل الاستمرار في الحياة من حيث هي كفاح يومي في ثقافته (انظر رواية صحفية من روايات التشعب الأخطبوطي للنازلة هـنـا، وشهادات حية هـنـا، وتوصيف النائب البرلماني محمد عصام (العدالة والتنمية) لأبعاد جوهر القضية هـنــا). وبالتالي فمهما حاول أي طرف أن يقزم الأمر أو أن يسترد هذا الحدث، فإنه سيبقى حدثا لا يمكن لأي محاولة من محاولات تقزيمه أو الركوب عليه أن تحجب وتطمس دلالاته العميقة عن عين وعقل كل من هو مسؤول يزن الأمور في جواهرها وليس من حيث ما علق بها في غمرة تطور تداعياتها الثانوية؛ فكل جنوح إلى الانشغال ليس بمعالجة جوهر الأمور ولكن بتلطيف التداعيات السياسية أو الانتخابوية أو الأمنية لهذا الإنذار جنوحٌ منذر بأن يجعل العجلة تفلت من أي أمكانية للتحكم بعد ذلك.
وأخيرا، ومما له دلالة عميقة في باب شكل الاحتجاج، أن هذا الأسلوب من أساليب الاحتجاج، أسلوب يقدس الحياة بما أن التشبث بها كما هي، هو المحرك له؛ فلا المرأة المسنة، ولا زوجها المسن، قد فكرا في موضة صب البنزين وزند عود ثقاب. فيتعين إذن أن يستخلص الجميع العبر من كل هذا لكي لا نصل إلى مرحلة تخسر فيها جميع الأطراف، فيحن القوم حينئذ جميعا إلى الماضي ويتمنون مجرد عودة مؤسسة الدولة بهيبتها مهما كانت بشاعة وجهها بالقياس إلى ما قبلها. فعلى نوابنا المحترمين إذن أن يهجروا الشعر والسجع والقصة القصيرة جدا قصد الاشتغال على ملفات موصوفة والقيام بمساءلات ملموسة ومحددة بشأنها.
إن ترسيخ مثل الأساليب الشعرية والروائية السبابقة الإشارة إلى نماذج منها، ومأسستها كنمط خطاب في باب تشخيص الوقائع وتحميل المسؤوليات، إن هي إلا أوجه أكثر تضليلا من نظرية التماسيح والعفاريت؛ وذلك من باب أنها أساليب تؤسطر الواقع وتذيب معالمه في زبد الخطابة وتطمسها في أعشاب السجع والبديع، مما يجعل من كل قضية فساد موصوفة "مشكلا ثقافيا عاما" ويرمي في النهاية بالمسؤوليات في القضايا العينية الملموسة على عاتق "الجميع" أي على عاتق "لا أحد ولا طرف بعينه". وذلك كله يلتقي في النهاية في مجرى التستر المتبادل على المفسدين العينيين في قضايا عينية (انظر هنـا).
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres