OrBinah

(EN ARABE) Politiques publiques et déséquilibres régionaux. A l'occasion des événements de Hoeceima

السياسة العمومية والاختلالات الجهوية بالمغرب

محمد المدلاوي المنبهي

 

مقال صحفي نشر قبل عشر سنوات بالموقع الآتي بتاريخ 28 اكتوبر 2007

 

الحوار المتمدن (2007):

http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=113508&r=0

 

 

تقديم إطار وظرفية المقال

هذا مقال دعتني إلى العودة إليه وإعادة قراءته الأحداثُ الأخيرة (ماي 2017) التي عاشتها وتعيشها مدينة الحسيمة،  بما أصبح لها من أصداء وانعكاسات عبر الوطن، وعلى أعلى مستويات سياسية الدولة المغربية. ولقد فاجأني، بل صدمني ما كان يحبل به ويحفل به هذا المقال من رؤى وبيانات وتحاليل وتوقعات مبنية على تشخيصات ملموسة ما عُدت أتصور - بعد مضي عشر سنوات - أنه كان من الوضوح والصفاء في الذهن على ما هو عليه.

لذلك قررت إعادة نشر هذا النص هنا في مدونة OrBinah، التي كنت قد خصصتها فور فتحها سنة 2006 لمجرد مواضيع محض ثقافية وفنية.

 

أولا؛ النص الأصلي للمقال

(ثم يليه استدراك أضيف سنة 2008)

 

1. إعلان عن سياسة عمومية للتنافسية الجهوية

غداة تقديم الوزير الأول المغربي، السيد عباس الفاسي، للتصريح الحكومي أمام هيئة البرلمان مساء يوم الأربعاء 24 أكتوبر 2007، أدلى وزير المالية، السيد صلاح الدين مزوار، بتصريح للصحافة أحتفظ منه بما قاله عن مسألة الجـــهة كــكـيان اقــتــصادي تنموي وعن التــــــوازنـــات فيما بين الجهات عبر الوطن.

فقد قال السيد الوزير بأن هيئة "الجـــهـــة" مدعوة الآن إلى الاضطلاع بدور هام باعتبارها قــطبــا تنــافسيــا مستقبليا في إطار رؤية تنموية جهوية مندمجة، مضيفا أن الخطة تتمثل اليوم في أن تقـلـب الآيـة، أي أن تبادر الجهة بالتقدم بمشـــاريع تنـــافسيـــة، تـتــنـــافـــس من خلالها مع غيرها من الجهات، بل ومع السوق العالمية، وذلك بدل أن تتخذ القرارات التخطيطية بشأنها على المستوى المركزي.

وبالرغم من أن معلوماتي في ميدان الاقتصاد والمالية تكاد تكون اليوم  منعدمة، بما أن زادي من تلك المعرفة يعود إلى سنوات الدراسة الجامعية من خلال بعض المؤلفات التي كنت أمحو من خلالها الأمية، والتي تقادمت اليوم كالمؤلفات  المدرسية لأمثال  Robert Mossé أو Raymond Barre المتوفى أخيرا (24 غشت 2007) بالإضافة إلى كثير من الأدبيات الماركسية لدى أمثال Ernest Mendel، فإني أشعر، كمواطن، بنوع من عدم الارتياح لسماع تصريح السيد الوزير، مرده إلى أني لا أدري، مع هذه الخطة المعلن عنها، ما إذا كنت أنا من لم أعد أفهم - لطول انقطاعي عن أدبيات الميدان - حتى أبجديات الخطاب السياسي (وليس التقني)  المتعلق بشؤون الاقتصادية والمالية، أم أن الأمر يعود  إلى أنني فهمت الخطة المعلن عنها فعلا، وأن الخطة في حد ذاتها هي التي تولّـد موضوعيا عدمَ الارتياح لدى المتلقي بسبب تناقضيتها التصورية.

ذلك أن المفهوم الذي لدي عن اخــتـــلال التــــوازنــات الجـــهويــة هو أن تؤدي سياسة مركزية معينة تطبَّـق بشكل تـــــدخّـــــلي من خلال إجراءات مالية وضريبية وتجهيزات عمومية تحتية (طرق، مواصلات، سدود)،  واجتماعية (تعليم، صحة، شبيبة، ثقافة)، وإعدادات مجالية وعمرانية مديرية، إلى رفع حظوة جهة أو إقليم معينين، بالقياس إلى جهات وأقاليم أخرى، بشكل يجعل الجهات غير ذات الحظوة تحــوِّل عمـــليـــــا وباسمرار جزءا من طاقاتها البشرية ومن فائض قيمتها إلى الجهات والأقاليم المحظوظة، مما يفقر تلك الجهات باستمرار ويحد من قدراتها التنافسية باعتبارها هامشا، بالقياس إلى المركز المحظوظ، وذلك كلما طال الزمن. وقد تؤدي تلك السياسة المركزية  إلى مثل ذلك التمييز وتلك الاختلالات بسبب مجرد موقف "حــــيـــــاد" سلبي للسياسة الحكومية إزاء قانون سوقٍ هي في الأساس لصالح جهة معينة كنتيجة لمعطيات موارد الاقتصاد في مرحلة تطورية معينة (زراعة، رعي، صيد، استخراج، هجرة) في تداخلها مع سياسات مركزية سابقة، كسياسة سلطات الحماية في مغرب ما قبل الاستقلال مثلا.

 

2. مظاهر سياسة فعلية تعمّق الاختلالات الجهوية

أنا لست، بحكم مجال تخصصي، ممن يتوفر على إحصائيات حول ما تساهم به مختلف جهات المغرب، كما هو تقطيعها اليوم، في الناتج القومي الخام، مع العلم أن التقطيع الجهوي في حد ذاته تدخّـلٌ عمومي جوهري وأساسي حاسم من حيث مضامينه على مستوى توزيع الخيرات الطبيعية والإمكانات المجالية العامة، وعلى صعيد توزيع السلطة الفعلية والرمزية في علاقتها بالمعطيات الديموغرافية السوسيو-ثقافية. فلا أتوفر مثلا على إحصائيات حول ما تساهم به، على سبيل المثال فقط، جهةٌ كجهة سوس-ماسة-درعة في الناتج القومي، مقيسا إلى عدد سكان هذه الجهة وإلى ما يقابل ذلك من مجمل التجهيزات الأساسية بها (عدد كيلومتيرات الطرق الوطنية والسيارة والسكك، شبكة المدارس والجامعات والمستشفيات، الخ بالقياس إلى مساحة الجهة، وعدد سكانها والخيرات المتحرّكة من وإلى باقي جهات الوطن). كما لا أتوفر على إحصائيات عن كمية الخيرات (حليب، خضر، فواكه، أسماك، الخ) التي تنتجها هذه الجهة والتي تعبُـر يوميا ما أصبح يعرف بــ"مضيق الموت" الممتد ما بين بلدة امسكروض ودوار العسكر بمدخل مراكش لتوزّع بجميع جهات الوطن، وخارج الوطن بالنسبة لما يسوق منها بالشحنات برا، إضافة إلى ما يوزع بحرا فيساهم بنسب لا أعرفها في إغناء خزينة الدولة وتوفير العملة الصعبة.

إلا أنني أكاد أجزم حدسيا فقط بأن تلك الكمية من الخيرات أكثر بكثير وكثير من الخيرات التي تعبر الطرق ما بين مدينتي الرباط وفاس مثلا، مما لا ينطلق أصلا من جهة سوس ماسة درعة نفسها، متجها بعيدا نحو وجدة والناضور شرقا وشمالا. ومع ذلك، فأن مسافة المائتي كيلوميتر الرابطة ما بين "العاصمتين" المذكورتين، المتنافستين في تكاملهما، والمتكاملتين في تنافسهما، أي الرباط وفاس، تتوفر، على سبيل المثال، على طريق وطنية، وعلى طريق سيار، وعلى خط مزدوج للسكة الحديدية في الاتجاهين؛ بينما بقي "طريق الموت" طريقا إلزاميا وحيدا (passage obligé) شبيها بالسراط بين امسكرود ومراكش للربط بين ثلث المغرب الشمالي المتمحور حول الرباط وفاس من جهة وثلثيه الممتدين من مراكش إلى الكويرة من جهة ثانية. إنه سراط غير مستقيم يحصد القتلى بالعشرات بسبب تنازع يومي وليلي فيه لشاحنات السمك، وشاحنات الخضر، وشاحنات الحليب، وشاحنات الفواكه، وشاحنات الوقود، بالإضافة إلى سيارات وحافلات ركاب العيون، وتيزنيت، وتارودانت، وأكادير، وحافلات سواح كل المناطق الجنوبية، على شريط طريق متهالك ومتآكل، من مخرج مراكش وإلى حدود مدخل نفوذ جهة سوس-ماسة-درعة على مقربة من امسكروض. زد على ذلك كون محور فاس الرباط  ومحيطهما يستأثر بجماع التجهيزات الأساسية في ميادين التربية والتعليم والتكوين والصحة إضافة إلى المرافق الإدارية المركزية.

بناء على هذا الفهم، لا أتصور كيف يمكن أن يوجـَّه خطابُ خطةٍ حكومية إلى مناطق وجهات تـَـمّ إفقارُها على مرّ عدة عقود لصالح إغناء جهات أخرى، فيقال لها : أنت الآن حرة في أن تتقدمي بمشاريعك في حرية تامة وفي استقلال تام عن السلطات المركزية، وأن تتنافسي تنافسا حرا مع غيرك من الجهات، بل ومع السوق العالمية.

 

3. نحو سياسة إرادية لإعادة التوازنات الجهوية

أتصور أن مبرر وجود أي سياسة عمومية فعلية، في مثل الأحوال المشار إليها، إنما يتمثل، من بين ما يمكن أن يتمثل فيه، في إعادة تقطيع للجهات وإقامة تراتبية ثلاثية أو رباعية لها يصنف بعضَها من خلالها كمناطق ذات أولويات إنمائية متفاوتة حسب درجات النموّ القائمة الآن، وذلك قصد سن قوانين وتطبيق سياسة مالية وضريبية تفاضلية، تمكّـن من إعادة توجيه مجهودات التجهيزات العمومية (طرق، ماء، كهرباء، مدارس، جامعات، معاهد، مستشفيات) نحو الجهات المتضررة بدرجات متفاوتة، وتمكـّن من تحويل تدفق الاستثمارات نحوها، ومن تحفيز موظفي الدولة من الشباب خصوصا على طلبها، بدل أن تتخذها الإدارات المركزية، عُرفيا وعمليا، كمجرد مناطق نفي لتأديب "غير المنضبطين" من أطرها (التنقيل إلى وارزازات، إلى كلميم، إلى الزاك، إلى بوعرفة، إلى خنيفرة، إلى الحسيمة، الخ). بل يمكن تصور سياسية مالية وجبائية "للتضامن الجهوي" تردّ من خلالها الجهاتُ المستفيدة من سياسة العقود الأخيرة نصيبا من القيمة المستفادة على الجهات المستنزفة بشريا وطبيعيا خلال تلك العقود.

وليست الدواعي السياسية لمثل هذه الخطة التدبيرية على الصعيد المركزي هي ما ينقص المشهد السياسي المغربي الحالي. وإلا فما هي الأجوبة السياسية عن المعطيات السياسية الجديدة التي بدأت تتراكم بعد أن لم تكن قط هناك خطة فعلية لإزالة الاختلالات الجهوية الصارخة، وبعد أن فشلت حتى معظم الأحزاب السياسية في إنتاج نخبة متوازنة التمثيل الجهوي ضمن أجهزتها القيادية المقررة، حتى إن ممارسة السياسة أصبحت مقصورة من حيث أطرها القيادية على مجال جغرافي ضيّق يتطابق إلى حد كبير مع المحور المحظوظ المذكور، اللهم إلا في بعض فترات قيام "رجل قوي".

فبعد عقود من هذا الواقع، لم يجد جيلٌ جديد، من تعبير سياسي عن وعيه بأمر الاختلال إلا استلهام "السوابق التاريخية"، القريبة والبعيدة كما يتصورها المخيال، وذلك للمطالبة بــ"الحكم الذاتي" للريف أولا، قبل أن يدخل سوسُ على الخط في نفس الاتجاه (انظر هــــنــــــا  وهـــــنـــــا). إنها مطالبُ لا يدري أحد أين ستنتهي إذا ما ترك الأمر لمنطق "المنافسة الحرة" بين الجهات بعد أن حَسمت السياسات العمومية السابقة أمرَ ميزان القوى عبر عقود من الاختلالات المنهجية لصالح جهات معينة.

زد على كل هذا أن مسألة "صناعة النُخب" المستأثرة بصياغة السياسات العمومية وبتطبيقها، في ارتباط تلك "الصناعة التقليدية للنخب"، على مستوي الرمزيات والإثنيات، بنفس المحيط الضيق للجهات التي تم "علفها وتسمينها" خلال العقود الأخيرة، قد أخذت تمتد لتُطرح بشكل صريح وجدّي على مستوى الإعلام اليومي؛(1) وذلك بعد أن تم تدشين ذلك الطرح على المستوى الأكاديمي (انظر كتاب أمينة المسعودي "الوزراء في النظام السياسي المغربي: 1955-1992"). إنه ما يمهّد لانتقال طرح مسألة "صناعة النخبة" سوسيولوجيا بل سياسيا إلى مستوى مطارحة سياسية صريحة (توزيع كليات العلوم القانونية والاقتصادية والسياسية مثلا خلال عقود) قد تنفتح على المجهول إذا ما تم الاستمرار في التعامل مع الأمر بمجرد التجاهل.

وكما أنه يبدو من خلال الخطاب السياسي بأن المسؤولين السياسيين عامة لا يأخذون هذه الأمور مأخذ الجد، وأنهم يعتبرون تعبيراتها التفريغية في الشارع مجرد رايْ، رَبْربة، وهَـبْـهـبـةٍ صاخبة وشغب خطابي لجيل "أفقدته العولمة اتجاه القبلة وجهة الشمال"، فكذلك يبدو أن الخطة الحكومية للخمس سنوات الحاسمة المقبلة، كما تم التصريح بها فيما يتعلق بتصور سبل استدراك التوازنات الجهوية بالضبط،  تسير بدورها في نفس اتجاه عدم الاكتراث؛ وهو أمر لا يبعث على التفاؤل.

وعلى كل حال، فقد كانت الأغنية المغربية الستينية قد صاحت، منبهة من يهمهم الأمر، في نوع من الإنذار الفني الذي يذكّـر بمراثي أراميا، وذلك عبر حنجرة المطرب محمد الإدريسي قائلة ما يلي بالدارجة المغربية الفصحى على لسان شخصية "المراكشي" (رمز الجنوب وباقي الهوامش القديمة والجيدة). لقد صاح ممثل تلك الهوامش قائلا، بعد نقائض ومنافسات ومنافرات "أولاد الأصول" في كل من الرباط وسلا على ضفتي أبي رقراق، وتبادلهما عبارات الفخر والاعتداد بالأصول قائلا "عندكوم اوا تنساو الجانوب:

حـبـس  ا-عـزّنـا  ورتـ'ــح،  بـلاّتـي؛

اجي اوا  نكًــول  ليـك  حديـتي :

عندكوم،  اوا،  تنساو  لجانوب !

حـتـّـى حنا عندنا  ماشاريع؛

من  كَوليميم  لــمّورّابيـع

باش  نخدمو  شّــعب  لمحبوب.

https://www.youtube.com/watch?v=7Lv6sYHLyGY

------------------------------------------------------------------

 

ثاينا؛ استدراك (غشت 2008) على النص أعلاه،

بعد حوالي سنة من نشره

 

أما اليوم، فقد ولـّى الراي والرابّ وأخذ يتوارى كلغة، وانصرف بعض الشباب في الشمال إلى التغني إما بأغاني كسيرة انكسارية الطبوع الغرناطية تارةً، وإما بأغاني حماسيّة جهوية أو إثنية-مضادّة، هي أقرب إلى الأناشيد القومية (hymnes nationaux) وذلك على أمواج الإذاعة الجهوية لكن بكلمات لا تفقهها نخبة أهل الرباط وسلا وما جاورهما وما شابههما، ولم تحاول قط فهمها؛ وذلك من قبيل:

 

-  آريف تامورت ينو؛ لالاّس ن-تيمورا.  ("الريف يا وطني، يا سيد الأوطان").

https://www.youtube.com/watch?v=4YyNI-YJ2gk

 

 أو من  قبيل:

يمازغن، يمازيغن! ياريازن يحوريـّـن.  ("يا أمازيغ، يا أمازيغ؛ أيها الرجال الأحرار").

 

إنها أمور تدعو إلى التأمل والاعتبار. فملف الاختلالات الجهوية أصبح ملفا ساخنا. ومن الغريب أن تتعامل معه السياسة العموميو للحكومة بشعارات ليبيرالية زائفة تخفي ورائها سياسة فعلية تساهم في تعميق أزماته. ففي "الملف السياسي" لعدد 3431 (30 يونيو 2008) نقرأ في الصفحة 4 من يومية الأحداث المغربية تحت عنون "المغرب غير النافع يتحرك" ما يلي:

[[انتقلت الحركات الاحتجاحية من المدن الكبرى إلى مناطق المغرب المنسي (...). فقبل سيدي افني اجتاح إعصار الاحتجاجات الشعبية بني تادجيت في إقليم فيكَـيكَـ، والراشدية، وكَرسيف، وصفرو، وخنيفرة، وميسور؛ والأمر هنا يتعلق بجغرافية المغرب المنسي الذي بدأ يتحرك للاحتجاج على وضعية الهشاشة الناتجة عن سياسة التهميش لفائدة المركز (...). ويتعلق الأمر بحركات شعبية اجتماعية تختلف عن الحركات التي تؤطرها النقابات. وهي مطالب ترتبط بالحياة اليومية التي أصبحت صعبة بسبب الفقر والتوزيع السيء للثروة واتساع الهوة بين المغرب النافع والمغرب غير النافع]].

 

بعد حوالي سنة من عُمر خطة التنافس الجهوي النزيه التي أعلن عنها وزير المالية مما أشير إليه في مستهل النص أعلاه، نقرأ التصريحات الآتية لمسؤولين في جهة سوس - ماسة - درعة حول سياسة مؤسسة عمومية هي شركة الخطوط الجوية الملكية تجاه تلك الجهة، التي تشكل السياحة الخارجية والداخلية، بالإضافة إلى ملتقيات الأعمال على المستوى الوطني والعالمي، أحد أهم أعمدة اقتصادها الحالي في غياب شبه تام لمواصلات برية سلسة. كانت هذه التصريحات على إثر الدورة الخامسة لمهرجان تيميتار (1-6 يوليوز 2008) في شأن شركة عمومية لا شك أن لها دورا وسياسة عمومية فيما يتعلق بالنقطة التي هي موضوع الكلام هنا، أي التوازنات الجهوية. وتجدر الإشارة هنا، على سبيل تحصيل الحاصل، بأن أصحاب هذه التصريحات ليسوا لا من مفرطي الحماس الانتقادي ولا من محترفي السباقات السياسوية الانتخابوية، وإنما هم أناس ممارسة ميدانية فيما يتعلق بشؤون الجهة.

يقول السيد عبد الله غلام، رئيس "جمعية تيميتار" ما يلي:

 

[[وفيما يتعلق بالخطوط الملكية الجوية، أعتقد أن المشكل ليس مع تيميتار، بل مع الجهة بصفة عامة. ويجب أن نقولها بصراحة؛ فمسؤولو هذه الشركة يجب عليهم أن يعرفوا بحق هذه المنطقة. فسوس لا تطلب أكثر من حقها. فالجميع يعلم أن مردودية هذه المنطقة بالنسبة للخطوط الملكية هي مردودية عالية" (الأفق الجديد؛ ع.46؛ 09 غشت – 08 سبتمبر 2008)]].

 

وتقول السيدة لطيفة اليعقوبي، عضو نفس "جمعية تيميتار" والكاتبة العامة للمجلس الجهوي لسوس-ماسة-درعة ما يلي:

 

[[أما فيما يتعلق بالخطوط الجوية فهي مشكل عويص، لا يتعلق بمهرجان تيميتار لوحده، بل يرتبط بالجهة كلها، بما في ذلك عدم تجاوب المسؤولين المعنيين مع النشاط الاقتصادي والسياحي بالجهة؛ أي أن الخطوط الملكية لا تواكب الوتيرة التي تسير عليها الجهة؛ وبالتالي فأن الوتيرة البطيئة التي تسير عليها الخطوط تجاه سوس لديها نتائج سلبية على هذه الجهة. وتعامل هذه الشركة مع مهرجان تيميتار لم يخرج عن نمط تعاملها بصفة عامة مع الجهة. وفعلا تضررنا كثيرا من هذا التعامل حيث لم يمنح المهرجان الذي استطاع أن يستقطب على مستوى الفنانين فقط أكثر من 800 فنان إلا 20 تذكرة في الوقت الذي تم فيه منح مهرجان فاس 200 تذكرة، والصويرة 120 تذكرة أو غالبا طائرة خاصة بالمهرجان.]] (نفس المصدر).

 

ذلك وجه جزئي لكنه ملموس من أوجه السياسة العمومية، فيما يتعلق بمسألة رفع الاختلالات الجهوية لفتح الباب في المستقبل - بعد تمام التأهيل والتأهل واستدراك ما تم تفويته - أمام ذلك القبيل من التنافسية الجهوية التي أعلن عنها وزير المالية في السنة الماضية (2007).

وكما هو معلوم، فإن أي سياسة عمومية لتحقيق ذلك الاستدراك لا يتم طبعا بشكل جدّي عن طريق نفس سياسة الريع التي نهجتها الدولة المركزية طيلة حوالي نصف قرن، والتي أدت بالضبط إلى تحويل الخيرات عموديا على المستوى الاجتماعي وأفقيا على مستوى الجهات، متمثلة هذه المرة في خلق مناطق أخرى للتشجيع التفضيلي على الاستهلاك السهل، أو التشغيل المزيف، أو التوظيف الشبحي السهل، في مناطق على حساب مناطق أخرى طبعا. هذا النوع من الترقيع الذي يكتفي بخدير الجسم العليل لأجل مَا بدل أن يعمل على علاجه، هو ما يتعين التنبّه إلى خطورة اعتماده كإجرائات، حينما تتوفر بالفعل إرادة مواجهة مشكل الاختلالات الجهوية.

وفي انتظار توفر تلك الإرادة، الجذير بالذكر أن كثيرا من الميولات التي أصبحت تلوح ببدائل راديكالية من منطلقات إثنية جهوية من قبيل ما تعبر عنه الأناشيد الحماسية التي أشرنا إلى عينات منها أعلاه، يربطها أصحابُها عن وعي بنفس القبيل من أوجه السياسات العمومية في مجال التوازنات الجهوية مما تشكل سياسة النقل الجوي والبري مجرد مثال عليه.

ففي شهرية توزيا (ع: 131؛ مارس 2008؛ ص:19)، نقرأ عنوانا يقول "الخطوط الملكية المغربية تستفز الأمازيغ مرة أخرى، وتدعوهم للتفكير في البدائل". ويفصل المقال الأمور بعد ذلك قائلا:

 

[[نظم جمهور من الأمازيغ المغاربة المنحدرين من منطقة الحسيمة يوم السبت 26 يناير 2008 مظاهرة أمام مقر السفارة المغربية بمدينة دينهاخ (لاهاي) الهولندية احتجاجا على اعتزام الخطوط الملكية الجوية المغربية إلغاء الخط الجوي المنتظم بين أمستردام والحسيمة (...)، ثم قاموا بتسليم رسالة مطلبية رسمية لمسؤولين في السفارة، الذين وعدوا بإيصالها إلى الجهات المعنية بالمغرب]].

 

 ثم يفصل المقال شارحا بما يلي:

 

[[ومن المعروف أن مسألة إلغاء الربط بين امستردام والحسيمة، والتخوف من إلغاء مطار الحسيمة مستقبلا ليست إلا حلقة في مسلسل ممنهج تتبعه اللوبيات الاقتصادية والسياسية بالمغرب لإفراع الريف من أية قيمة اقتصادية (= سياسية) مضافة، ولإجبار الأمازيغ الريفيين على شراء البضائع والخدمات من مناطق المغرب المحيطي: طمجة / تطوان، والمرور منها، والإنفاق فيها من أجل توفير مناصب الشغل هناك (...) مقابل إفقار الريف وتحويله إلى مجرد قناة لإدخال ملايير اليورو إلى اقتصاد الدار البيضاء – فاس – الرباط – طنجة (...)]].

 -----------------------------------------

 

(1)  انظر الملف المعلن عنه في الصفحة الأولى من "الوطن الآن" (عدد 264. 27 أكتوبر 2007) بشأن "صناعة النخبة" تحت عنوان مستفزّ يقول "بعد إقصاء العروبية والشلوح وصحراوة، إلى متى سيبقى المغاربة رهائن بيد الفاسيين".

---------------------- 

 

وأخيرا هذا نص حديث حول نفس المسالة في راهنيتها عبر وجه من انعكاساتها اليوم في الميدان من خلال أحداث الحسيمية (ماي 2017)

https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-politiques-publiques-et-desequilibres-regionaux-a-l-occasion-des-evenements-de-hoeceima

----------------------

 

محمد المدلاوي (المعهد الجامعي للبحث العلمي)

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



29/05/2017
1 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 347 autres membres