(En arabe). L’événement littéraire de lecture-signature d’un roman de Hassan Aourid, est-il l’indice de l’amorce d’une rupture intellectuelle au Maroc?
لقاء تقديم وتوقيع رواية "الموتشو" لحسن أوريد
أهو من مؤشرات "القطيعة" التي كان قد تحدّث عنها عبد الله العروي؟
1- تمّ مساء أمس (15. فب. 2023) لقاء توقيع العمل الروائي الجديد للكاتب حسن أوريد، "الموتشو"، بالباحة الداخلية لمكتبة "الألفية" بالرباط. قدّم للقاء الأستاذ يوسف توفيق، ثم أعطى الكلمة للكاتب الذي قال كلمة موجزة حول عمله ثم فتح باب تدخلات الحضور (الصوَر) بتسيير من نفس الأستاذ. وإذ سبق لي أن نشرت نصّا حول ذلك الإصدار قبل أيام فقط (11 فب. 2023) بعنوان "كلّنا ذلك الموتشو" (انقر هــنــــــــــــا)، فقد حضرت أمس ذلك اللقاء، وفي ما يلي بعض ما احتفظت به من انطباعات عليه:
.
2- زيادة على كثير من العناصر التي شكلت فحوى حديث المؤلف عن عمله وملابسات تألفيه، وعن طبيعة المعمار البنيوي لذلك العمل، ودلالات الزمن والمكان والشخصيات، وكذا خلفيات اختيار كل تلك العناصر والأبعاد انطلاقا من مفهوم الكاتب لـ"وظيفة" المثـــــــــقّــف (التي أحال في شأنها الكاتب على مفهوم سارتر خاصة)، تميزت كلمة المؤلف، سواء في بداية حديثه عن عمله أم خلال التعقيب على تدخلات الحاضرين، بكونه ليس من ذلك النوع من الأدباء والمفكرين الذين يأنفون، في علياءَ يصطنعونها لأنفسهم و/أو تُصطنع لهم فيصدّقون ذلك، من الردّ على ما يكون قد وُجّه إلى أولئك من نقد أو انتقاد، له ما يبرّره أو ليس له شيء من ذلك.
فقد عبّر الكاتب منذ البداية وكذلك في ختام اللقاء بلهجة لا تخلو من علامات اغتياض عن "خيبــــــة ظنه" استيائه ممن وقفوا، من عمله، عند مجرّد جملة واحدة وردت على لسان بعض شخصيات العمل الروائي في شأن كاتب ومفكر مغربي آخر طلع وسطع نجمه منذ عقود، فروّجوها ترويجا معتبرين إيرادها دسّـــــا متطاولا تجاوز الخطوط الحمراء؛ وكان ذلك جُماع فهمهم للعمل الروائي، فانطلقت مناهج "نقــــــــــد النوايا" متسائلة في استفهام تقريري عن مدى وجود علاقات مشبـــــــــــوهة و"ارتباطات خطيرة" بين الكاتب وبعض شخصياته التي يُجري على لسانها ما يريد أن يُسربه على أنه مجرّد كلام بعض "يا أيها الناس" من شخصيات روايته.
لقد شبّه الكاتب ذلك البعض في كلمتيه، البدئية والختامية، بجمهور ثقافة/فكر "كلمة التحكيم السماوي"، أي الأوراكل/l’oracle عند جمهور الإغريق (ما يقابل "بات-إيل"/בת אל في الفترة الربية للفكر اليهودي): ينزل حُكمُ/تحكيمُ العلم اللدني من عَلُ، فيحفظه الحفظة من أهل الوفاء، و"العلمُ قد ذهب به الحفاظ" كما يقول آخرون.
.
3- بيّن الكاتب، بالمقابل - جوابا على بعض تدخلات الحاضرين حول الحضور القويّ (لأول مرة) للبعد اليهودي، وللحديث عن إسرائيل، وكذلك لدلالات إدراج مسالك "بالعربية الدارجة" أو لما اعتبره البعض جعلا متواترا للبعد الأمازيغي في المجتمع المغربي يلعب دور "الضحيّة"، أن كل تلك الأبعاد أبعاد قائمة في واقع المجتمع المغربي، وأنه من المفارقة أن تبلغ الرواية المغربية ما بلغت منذ عقود، مع استمرار الكتّاب، عن وعي أو بسبب مجرد نسيان ذهن جمعيّ تمّت فَرمَطتُه، على تغييب تلك الأبعاد في نسيج أعمالهم الروائية راسمين بذلك لوحات مزيّفة عن المجتمع المغربي للفترات التي تتناولها أعمالهم. وقد وضّح أن جميع ما ورد حول تلك الأبعاد من شخصيات مؤثّـثة أو من تبادل للخطاب عناصر صادرة عن تجربة واحتكاك وإن كان قد تمّ صقل تصويرها صقلا فنيا بدل مجرد وصف أثنوغرافي أو انثروبولوجي ميدانيين، ثم أعطى من حين لآخر أمثلة بخصوص كل بعد من تلك الأبعاد.
.
4- ويرى الكاتب بهذا الصدد بالضبط، صَددِ أبعادِ الهويّات في علاقتها بما أسماه بثقافة تحكيم "كلمة السماء" أو "الأوراكل"، أن ولوج الفكر إلى دائرة الحداثة وخوض غمارها إنما يتمّ بفضل مزية تجاوز الفكر لنفسه بشكل مستمر على شكل جدلية الأطروحة ثم النقيض ثم التـأليف الذي يشكل إطروحة جديدة، وهكذا دواليك. يرى من بين رأى أن الاقتدار على النظر إلى الذات من خلال مرآة الغير، القريب والبعيد، هو المدخل نحو تجاوز الهويات القاتلة والمعرقلة لانبثاق عقل جمعي قائم على الأهداف المشتركة للأمة (العقلانية، الحقيقة، الحرية، العدل، الحقوق...) بدل عقلية تسطير وحدانيات بعد الانتماء (العرق، اللغة، الملة/المذهب، والقوم/الجنس) في ديباجات النصوص المؤسسة وفي برامج التربية، أو حتى "الانفتاح" على تعدّدية أبعاد الانتماء وتعدادها مرصوفة في النصوص المؤسسة بمجرد مراكمتها مربوطة بواو العطف مع ما يقتضيه ذلك ضرورة من تقديم وتـأخير يكرّسان نفس الوحدانيات بالتضمين المغلف بدل التصريح. وأشير بهذا الصدد الأخير، وفي مسألة بعد اللغة بالضبط في أمة من الأمم، إلى ما كان قد بيّنه إرنيست رينان في محاضرة له سنة 1882 بعنوان "Qu’est ce que une nation?" من أن تسييد/تسويد وحدانية هوياتية معينة في جيل من الأجيال هو بالضبط ما يولّد هوّيات أخرى مضادة بعد أجيال.[i]
.
5- أما على مستوى الشكل، فقد كان اللقاء أشبه ما يكون بعرس على الطريقة المغربية في بيت مغربي تقليدي: فضاء غاصّ بالحاضرين من جميع الأعمار (شبابا وشيوخا)، جلوسا ووقوفا، في أرضية الفضاء ومن على الشرفات الثلاث للطابق العلوي لفضاء اللقاء (الصوَر المرفقة). بتفحص الأوجه، حضورا وغيابا، عاد إلى ذهني تساؤل طالما استبدّ بي، ألا وهو ما إذا كانت هناك اليوم قطيــــــــعة في صفوف ودوائر نخبة الأدب والفكر بالمغرب بين دائرتين انقطعت بينهما أمراس/أسلاك التواصل؟ وعلى أي مستوى من المستويات تم انقطاع أسلاك التواصل في الدوائر السوسيوثفافية الأدبية والفكرية؟ أهي مسألة مدارس أدبية؟ أم هي مجرد مسألة أجيال في علاقتها بمستجدات وسائط الاتصال الحديثة؟
إن كون اللقاء قد تمّ في فضاء فيزيقي كما تعودت على ذلك الأجيال التي كانت تحجّ أفواجا إلى مثل تلك المناسبات، زيادة على تراوح الحاضرين ما بين الشيوخ السبعينيين والشباب وحتى بعض الأطفال (كانت طفلة أقل من سنّ العشر العشر سنوات آخر متدخلة، وقد أجابها الكاتب بالعربية الدارجة) يرجّح أن ليس للأمر علاقة ببعد الأجيال ولا بـ"المدارس الأدبية" التي ما كانت أبعادُ ما كان يسمّى بـ"التجديد" و"المحافظة" بمانعة للمنتمين إليها من أن تجمعهم مثل هذه المناسبات وحتّى بعض المنظمات العالمة (كاتحاد كتاب المغرب مثلا).
لقد بدا لي إذن أنه قد تأكد بالملموس أن الأمر يتعلق باحتباس/بلوكاج فكري لدى كلّ من لم يستطع هضم المعطيات السوسيو-ثقافية والسوسيو-سياسية المستجدة قطريا وجهويا وعالميا، فظلّ سجين خطاطة لم تعد تضمن له التفاعل مع المحيط. ولعل هذا الواقع كان أيضا كامنا وراء خيبة الظن التي قد عبر عنها الكاتب.
نقطة واحدة بقيت عالقة في ذهني على شكل تساؤل: لاحظ بعض المتدخلين أن الأستاذ يوسف توفيق في ورقته التقديمية، وكذلك كثير من المتدخلين قد أشاروا إلى كافة أعمال التجربة الروائية للكاتب حسن أوريد بعناوينها، باستثناء عنوان واحد لم يذكره أحد، ألا وهو "رواء مكة"، بالرغم من أن الأمر يتعلق بعمل من الأعمال الأخيرة للكاتب (2019) وأنه أسال من مداد النقاش أكثر مما أساله ما سبقه (انقر هــــــنــــــــا)، ومع ذلك لم يحظ ذلك التساؤل باهتمام ردٍّ لا من طرف الكاتب ولا من طرف صاحب التقديم.
----------------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
[i] Renan, Ernest (2009) "Qu’est ce qu’une nation ?". Pp 9-34 in Langue française et identité nationale. Textes d’Ernest Renan (1882), Michel Bréal (1891) et Antoine Meillet (1915). Lambert Lucas. Limoges.
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres