(En arabe) ‘Al-Mucho’ (roman en arabe de Hassan Aourid) et certains milieux intellectuels au Maroc.
كُـلنا ذلك "الموتشو":
لكلّ مفكّر ما كسب وعليه اكتسب؛ فلتُطَّرَح ثقافة توثين الأفراد
1- هبّت بعض أصوات سديم المثقّفـين المغاربة في الأيّام الأخيرة (فبراير 2023) هبّةَ صوتِ ناقدٍ واحد لتقريع الكاتب حسن أوريد على إثر صدور عمله السردي الأخير بعنوان "الموتشو". لم يتناول "النقدُ" العملَ المذكور من زوايا نظرية معينة من نظريات البناء السردي، على غرار ما يعرضه، من حين لآخر بعضُ المتخصّصين في ذلك الحقل النظري، الذين يُمسكون مع ذلك عن مواكبة الأعمال الملموسة، المغربية منها خاصة. النقطة "النقدية" الوحيدة التي استأثرت باهتمام النقاد من "يا أيها الناس" في سردية "الموتشو" هي جملة وردت فيه على لسان إحدى الشخصيات بشأن الأستاذ المفكّر العربي عبد الله العروي، وذلك على سبيل ما يشبه شعار "إلّا عبد الله!" (على غرارلازمة "إلا رسول الله!").
2- ومن بين الأصوات القليلة التي حاولت، ولو بقفّاز من حرير، مساءلةَ هذه الهبّة النقدية على الأقل في منابر الفضاء الأثيري الذي أصبح يحلّ اليوم شيئا فشيئا، لكن أكثر فأكثر، محلّ منابر احتكاريات الزبونية التقليدية التي تنحث تماثيل الأبطال (وتلك التحوّل ظاهرة أخرى يتعين الانتباه إليها)، صوتُ للأستاذ محمد بهضوض، الخبير - تصوّاً وممارسةً تدبيرية - بالفكر والثقافة وشؤونهما في المغرب. إنه صوت يقول في تدوينة فايسبوكية على صفحة الأستاذ (10 فبراير 2023) ما يلي:
[[الموتشو.
بعد اصداره لعدد من الكتب الفكرية والروايات الأدبية، أصدر المثقف والأديب المغربي، حسن أوريد، أخيرا رواية جديدة تحت اسم "الموتشو"، عن منشورات المتوسط، في 432 ص.
وهي رواية تضعنا، حسب كلمة للناشر، "أمام مرافعة أدبية لما يعتري العالم العربي، وما يتوزَّعه، وعلاقته بالآخر، منذ الفترة المؤسِّسة، مع حُلْم الوحدة، وما رافقها من انكسار، إلى الربيع العربي، فالأصولية، حتَّى موجة التطبيع"
وعلى إثر التوزيع الأولي لهذه الرواية في المغرب، اختارت بعض الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي فقرات منها، للتعريف بها والتعليق عليها. وكانت الفقرة المثيرة هي التي تعلقت بالمفكر المغربي عبد الله العروي. و جاء فيها:
"كان مثقف مغربي قد كتب في السبعينات كتابا جيدا عن أزمة المثقفين العرب، والإيديولوجيا العربية المعاصرة، وكان بحق مثقفا جدّيا لا مكان عنده للمعرفة التقريبية، يتحلى بالصرامة العلمية، ولو أنه أضحى هو نفسه معبرا في خريف عمره، عن الأزمة، لأنه لم يعد يقول شيئا سوى أوان فارغة كما في تعبير الشاعر جبران خليل جبران".
وهي الفقرة التي أثارت انتباه العديد المعلقين (أكثر من الرواية نفسها). حيث، فيما اعتبرت أقلية منهم أن هذه المقولة جاءت على لسان أحد الشخصيات فحسب، ولا تعبّر عن رأي الكاتب بالضرورة، اعتبرت الأغلبية أن هذا الأخير قد أساء فيها، عن سبق إصرار وترصد، إلى هرم من أهراماتنا الفكرية المغربية.
وهذه قضية كان ومازال فيها خلاف في مجال الأدب؛ بمعنى: هل الآراء والمواقف التي يعبر عنها الكاتب في قصته أو روايته تعود إليه أم إلى شخصياته فحسب؟ تعددت الأجوبة، والأرجح في تقديري أن العمل الأدبي بقدر ما يعبر -نسبيا- عن رأي الكاتب من خلال شخصياته، يعبر عن رأي المتلقي -أكثر- من خلال التأويل المفتوح.
ما يفيد أن حسن أوريد عبر عن موقفه ازاء عبد الله العروي، من خلال شخصية في الرواية، كما عبر المتلقون لروايته عن آرائهم المتضاربة حولها. وهذا شيء جميل ومفيد في ذاته، إذ أن ما نحتاج إليه، في وسطنا الثقافي هو التعبير الواضح عن المواقف، أيا كانت، ومناقشتها بوضوح كذلك، بما فيه خدمة للمعرفة في بلادنا.
شخصيا لا أتذوق -عموما- روايات حسن أوريد. لكن أرى، على خلاف البعض، أنه كان منصفا إزاء المفكر عبد الله العروي. فبينما اعترف بعطائه بوصفه "مثقفا جديا.. يتسم بالصرامة العلمية" في بداياته، رأى أنه استكان فيما بعد إلى ما قدمه، ولم يعد عطاؤه منذ مدة طويلة بذات الجدية والصرامة التي بدأ بها. وهو رأي نسبي، أتقاسمه شخصيا مع الكاتب، إذ لاحظت بدوري أن مواقف عبد الله العروي اتسمت خلال الثلاثين سنة الأخيرة (منذ كتابه "مفهوم العقل"، في تقديري)، بنوع من الفتور والتذبذب وعدم الوضوح، بل وبالتراجع الغامض عن مواقفه (من خلال كتابه "السنة والاصلاح"). الى أي حد هذا صحيح؟
لا موجب، في مجال الفكر، لتقديس الأشخاص، ولا للتسرع في إصدار الحكم ضدهم. إنما المطلوب فحسب، للإجابة عن هذا السؤال، الاجتهاد في تناول هذا الموضوع بشكل أكاديمي دقيق، بما من شأنه تصحيح (تأييد أو تفنيذ ما ورد في الفقرة المذكورة وما عبرت عنه شخصيا بشأنها.
وإلى ذلك الحين، تحية اعتراف وتقدير للمفكر عبد الله العروي وللأديب حسن أوريد، ومتمنياتي لهما بمزيد من العطاء وطول العمر]]. انتهى كلام الأستاذ بهضوض.
3- أنا أضيف شخصيا، من دون أن أحمل ذلك على تأويل لكلام الأستاذ بهضوض، أنه قد آن الأوان لوضع كل كاتب في منزلته، بما كسب أو ما اكتسب، وللتخلص والانعتاق ثقافة توثين الأشخاص. الكُـتّاب والمفكرون متفاوتون في قدراتهم على مواكبة وإذرام وتمثّل تبدّلات روح العصر ومنطق جدلية "العقل التاريخي" لمجتمعاتهم. كما أنهم متفاوتون في مهارات التواصل بالكتابة من جهة، بما يطبع هذا القبيل من التواصل من إيقاع وفرص للتحرّي المرجعي، والتواصل بالخطابة الشفهية من جهة أخرى بما يستلزمه من الحذر من الانزلاقات نحو الرأي الأيديولوجي الفجّ المباشر الذي لا توفّر له طبيعته الارتجالية فرصَ إضفاء حدّ أدنى ممّا يشبه التماسك على مضامينه.
المفكر الراحل محمد عابد الجابري مثلا قد وقع في هذه الورطة الأخيرة لمّا عبّر شفـــــــــــــهيّـــا وبشكل مرتجل، في أحدى الانفتاحيّات الأولى للتلفزة المغربية على عالم "المفكرين" في نهاية الألفية الثانية (برنامج "في الواجهة" على القناة-2، 18 أكتوبر 2000)، حين عبّر المفكر الراحل شفاهيا في موضوع "المسألة اللغوية" في المغرب (الفرنسية والأمازيغية والدارجة) عن نفس ما كان قد صوّره كتــــابةً في مؤلفه "أضواء على مشكل التعليم بالمغرب" كأمور تحوز ما يشبه الإقناع والاقتناع بفضلِ مجرّد ما يحدثه منهج التواصل الكتابي، بأساليب كثرة الاستشهادات والإحالات والهوامش، من إبهار للقارئ وتعجيزٍ له عن الإلمام بجواهر الأمور من خلال تفاصيل إشكالاتها. وقد حصل لي أن التقطت في الحين ذلك الوجه من أوجه "تهافت المفكّرين" في مقال مطول كنت قد نشرته في يومية "الأحداث المغربية" (30 أكتوبر 2000؛ ص:9) تحت عنوان "فساد الحجة واختلال البرهان ما بين بؤس الفلسفة وخطاب البيان".
أما المفكر عبد الله العروي، فقد حصل له نفس الشيء سنة 2013، وفي نفس الموضوع، لمّا استدرجته التلفزة المغربية بدوره للحديث شفهيا عن مسألة سجلّ العربية المغربية الدارجة خاصة. لقد أسهب كثيرا وضاع في دروب إسهابه بسبب تغرير الهالة الإعلامية المكتوبة والناطقة التي مهّدت لذلك الحديث وشوّقت إليه الجمهور باعتبارها إياه سلفا "كلمةَ المعلِّم" من أجل الفصل في نازلة غير مريحة ومزعجة للجميع، ثم تولّت بعض الصحف المكتوبة نشر فحوى ذلك "الحديث الفصل" على صفحتين من صفحاتها، وارتاح الجميع. وقد حصل لي مرة أخرى أن التقطت ذلك الوجه من أوجه مفارقات المفكّرين الكبار في قضايا بعينها. لقد حررت بشأنه مقالا بعنوان "مرافعة الأستاذ العروي تضخّ دم التشبيب في فكر ما-قبل الحداثة" تهيّبت من نشره كل المنابر التي طرقتها، فاكتفيت بنشره في مدوّنتي OrBinah في صيغتين، عربية ثم فرنسية (الصيغة العربية هــــــنــــــــا 27 نوفمبر 2013).
4- الجامع بين المثالين الذين تم إيرادهما هو تصوّر خاصّ لدى بعض المفكرين المغاربة لوظيفتهم الفكرية: وظيفة تستحيل في أذهانهم (وفي أذهان الجمهور الذي يرتاح إلى أن يفكّروا بالنيابة عن الجميع) في ما يشبه الفتوى: الإفتاء بحلول للنوازل والإشكاليات، بدل أن يتمّ تصوّر مهمة المفكّر في العمل على إنضاج تصوّر الإشكاليات تصوّرا متعدد الأبعاد، أي طرح أسئلة إشكالية حول موضوع من المواضيع أكثر من تقديم وصفات لحل إشكالية من الإشكاليات المطروحة بنفس الشكل الذي يتصوّرها به جمهور "يا أيها الناس". الاقتدار على ذلك القبيل من إنضاج تصوّر الإشكالات، في حقل المسألة اللغوية بالضبط في العصر الحديث رهين بالتوفر أولا على فلسفة متماسكة حول مفهوم "الدولة الوطنية" وهو مفهوم تم تعويمه بل تغييبه في ركام خطابات بيانية حول كيانات سديمية غير واضحة أسس الشرعية التاريخية.
المسألة اللغوية كان قد تناولها مفكرون كبار في دولة وطنية من أشد الدول مركزية ويعقوبية، أعني فرنسا. لكنهم تناولوها بمنهج بعيد عن الخطابة والتشبيهات البيانية والشعارات المنشودة. تناولها بمنهج تعميق صياغة الإشكالات المتعددة الأبعاد وطرح الأسئلة. أقصد كمثال في هذا الباب ما كان قد كتبه أمثال الفيلسوف والفيلولوجي المحقق، إرنيست رينان، واللساني ميشال بريال، واللساني الفيلولوجي المحقق أنطوان ميّـي حول "اللغة الفرنسية، والهوية الوطنية"، وهو ما تم جمعه ونشره في الكتاب الآتي:
Lucas, Lambert (2009). Langue française et identité nationale. Textes d’Ernest Renan (1882), Michel Bréal (1891) et Antoine Meillet (1915). Lambert-Lucas. Limoge.
5- اليوم يعلم الجميع ما حصل على المستويين، السوسيو-لغوي والرسمي والمؤسساتي، في موضوع اللغة الأمازيغية بعد 23 سنة من حديث الراحل محمد عابد الجابري. واليوم أيضا، وبعد عشر سنوات فقط من مرافعة الأستاذ العروي ودقه ناقوس الخطر في موضوع العربية المغربية الدارجة، يلاحظ الجميع المكانة التي أصبحت لهذا السجلّ من سجلات العربية بما له من وظائف، في فضاء التواصل الثقافي والفكري والعلمي الوصفي بالمغرب. وآخر الأوجه الملموسة لهذا التطوّر، على مستوى التواصل الرسمي، هذا التواصل الوزاري الذي تمّ قبل ثلاثة أيام فقد (8 فبراير 2023):
[[طلب حجز رواق بالمعرض الدولي للنشر والكتاب متاح عبر الانترنت :
ابتداءً من هاد الأسبوع، يلا كنتي من ممثّـلي دور النشر أو الموزّعين أو المكتبات أو المؤسسات، غادي يصبح بإمكانك توضع طلب حجز رواق بالمعرض الدولي للنشر والكتاب على الأنترنت من مقر عملك أو منزلك فقط! من أجل المزيد من المعلومات، دخل للرابط التالي: https://services.minculture.gov.ma]]
من صفحة وزير الثقافة والشباب والتواصل، السيد المهدي بنسعيد:
https://www.facebook.com/photo/?fbid=722269312685850&set=a.417862679793183
6- خلاصة:
حينما تكون هناك هوّة بهذا الحجم بين روح العصر والتاريخ من جهة، في مسألة من المسائل مثل المسألة اللغوية، كما تعكس تلك الروح تطوراتُ المجتمع والدولة بالمغرب، وبين وفكر/خطاب المفكرين والفلاسفة من جهة ثانية، فإنه لأمر كارثي أن يستكثر البعض على مجرّد إحدى الشخصيّات التخييلية لرواية "الموتشو" ما جاء على لسانها ويستعديَ الرأي على المؤلف نفسه من باب تفتيش/محاكمة النيات في شأن أي علاقة ملتبسة مشتبهة له مع شخصيات عمله الإبداعي.
----------------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres