(En arabe) La petite histoire diachronique du phonème "Gym" ? de l’arabe.
القصة القصيرة لصوت "حرف الجيم" في العربية الفصحى
ما بين ثبات الرسم الكتابي، والتطـوّر الدياكروني للنطق الفعلي عبر الأجيال
مثلُه في ذلك مثلُ كثير من أصوات العربية (كـالضاد والطاء والقاف)، لم يعد الصوت المسمّى في مصطلحات الألفباية العربية بـ"حرف الجيم" والذي يُرسم بشكل /جـ/ج/ يُنطق اليوم بنفس الكيفية التي كان عليها نطق العربية في أجيال ما بين اللغويَـين سيبوية (ت: 180هـ) وابن جنّي (القرن الرابع الهجري)، ما عدا في نطق لهجة القاهرة (اللهجة التي تنطق القاف همزة) وإحدى لهجتي اليمن (اللهجة التي تنطق القاف قافا، وليس كًافا).
كما هو نطقُ مقابلِ ذلك الحرف في ألفاظ كلمات سائر اللغات السامية المقابلة لكلمات العربية، كان نطق ذلك الحرف، الذي يرسم اليوم على شكلي جـ/ج (أي ما يقابل حرف ג في الحرف العبراني المربع) يتراوح، حسب الجهات – خلال فترة ما بين جيلي كل من سيبويه وابن جيني - ما بين نُطقِ إخراجٍ خلفي طبقي انغلاقي مجهور [كًـ/g] (أي ما يقابله الكاف في حالة الهمس) ونطق إخراج مزحزح إلى الأمام نحو الغار من سقف الفم، ومركّبٍ بين انغلاق واحتكاك (affriquée) بلفظ [كًج].
بتلك الكيفية، ورد وصفُ أوجهِ إخراج صوت ذلك الحرف في "الكتاب" لسيبوية وفي "سرّ صناعة الإأعراب" لابن جنّي (مع إشارتهما معا إلى الختلافات الجهوية التي كانت قد بدأت تظهر في النطق)؛ ثم استمر من جاءوا بعدهما (ابن يعيش، الاستراباذي، ابن عصفور) يرددون نفس الوصف لأصوات العربيية، بينما تطوّر نطق كثير من تلك الأصوات.
بمقارنة وصف كل من سيبوية وابن جني (من جاء بعدهما لم يعُد يقوم ببحث وصفي بناء على الملاحظة الميدانية، وإنما يردد ما في المصادر السابقة على سبيل الرواية واعتماد أشكال الرسم في انفصام عن واقع للغة كما تنظق في الجيل)، وبالمقارنة مع اللغات السامية، وبملاحظة كيفيبات نطق العربية حاضرا ما بين المغرب والمشرق، يتضح أن نطق حرف الجيم في النظام الصوتي للعربية الأولى كان (كما هو شأنه في قريباتها السامية) ذا إخراج خلفي طبقي (vélaire)، أي إخراج بمؤخر ظهر اللسان مطبَقا على الطبق الرخو (voil du palais mou)، وأن ذلك الحرف قد عرف عبر أجيال، تزحزحا إخراجيا نحو الأمام؛ نحو الغار الصلب أولا (palais dur) بلفظ صوت مركّب [كًج] (كما لا يزال ذلك قائما في نطق بعض الجهات الخليجية)، ثم نحو مخرج حرف الشين، الذي لم يعد يميزه عن ذلك "الجيم" سوى صفة الهمس في الشين، مقابل صفة الجهر في الجيم.
هاذا النطق المستجدّ [j] هو ما أفضى إليه نطق ذلك الحرف المسمى "جيم" في لهجات شمال غرب أفريقيا، وفي كيفية نطقهم بالعربية الفصحى، بما في ذلك قراءة النص القرآني الذي وضع له مع ذلك وصف دقيق للمخارج وصفات الحروف من خلال علم التجويد الذي أضحى علم رواية بدل علم دراية بواقع.
هناك مؤشرات موضوعية ثلاثة تدعم هذه الفرضية الدياكرونية التي سُقتها، بشكل عرضي أو رئيسي، في كثير من أبحاتي اللسانية السابقة، التي تتناول مواضيع تتقاطع جزئيا مع حقيقة صوت الجيم في العربية، ألا وهي:
1- مؤشر من قواعد التجويذ
علم التجويد علم توجيهي معياري توجيهي هدفه الحفاظ على نطق المتن القرآني حسب نطق العربية الفصحى في الأزمنة التي بدأ فيها وصف مخارج وصفات أصواتها (أي ما بين جيلي سيبوية وابن جنّي)، وذلك بتلقين ذلك الوصف، وكذا قواعد ما يلحق تلك الأصوات في الكلام من إبدال وإدغــــــــــــــــام وغنّة وإمالة وتفخيم، حسب سياق الأصوات في ما بينها في الكلمة أو عبر الكلمات. كما وضع ذلك العلم قواعد توجيهية من أجل حُسن إخراج الأصوات من مخارجها وإظــــــــــــهارها بصفاتها دون انبهام سمعي.
من ذلك أن المجوّدين انتبهوا، في باب "الإظــــــــهار"، إلى أن الأصوات الانغلاقية (les occlusives) التي ينحبس النَـفس عند الاعتماد لإخراجها، لا يُسمع جرسُها المميّز لها بشكل مفروز واضح إلا بعد عملية تفجيــــــــــــــر الاعتماد الإخراجي (explosion de l’implosion articulatoire). هذا التفجير للصوت الصحيح الانغلاقي يكون آليــــــــــــــــا لدى الناطق في حالة ما إذا كان الحرف الصحيح متحرّكا، أي تليه حركة في النطق. أما إذا ما كان الصحيح الانغلاقي ساكنا (أي غير متلوّ بحركة من فتح أو ضم أو كسر) فإن جَرْسه لا يُدرك جيّدا في السمع، وإنّما يتوقعه السامع بفضل سياق الأصوات الأخرى في الكلمة.
لذلك عمد المجوّدون إلى فئة الصحاح الانغلاقية (obstruentes occlusives) في العربية، فأوجبوا (في أطار منهجهم التوجيهي المعياري) أن تتمّ قلقلتها إذا ما كانت ساكنة في الكلمة. والقلقلة في اللغة هي الإقلاق والزعزعة الخفيفة، أي أن المقصود هنا بقلقلة الحرف الصحيح الســاكــــــــــن هو تفجير انغلاقه بحركة مختلسة خاطفة (désengagement/release) لا قيمة صرفية لها، وذلك لكي يَظهر جرسُه؛ فتّـنطق كلمة /يُـقْـبِـلُ/ مثلا بلفظ [yuqəbilu] بدل [yuqbilu].
ويُجمل التجويديون فئة الصحاح التي تتعين قلقلتها في حالة التسكين في مجموعة /ق، ط، ب، ج، د/ (/قُطبُ جدٍّ/ على طريقة حمارية الحفظ). ونلاحظ أن حرف الجيم لا يمكن أن يندرج في هذه الفصيلة من الأصوات إلا باعتبار أنه كان مشابها للكاف مخرجا ومن خيث صفة الانغلاق، أي أن نطقه المحال عليه في تلك القواعد هو نطق [g] القديم (وليس نطق [j] اللاحق) كما لا يزال ينطق في بعض اللهجات العربية.
2- مؤشر من قواعد الإدغام في العربية
من قواعد اللغة العربية كما تمّ وصفها قديما، وكما لا تزال هذه اللغة أن لام التعريف فيها تـــــــــــدغــــــــــم في فصيلة الصحاح الأســــــــــــليــــــة (أي التي يتمّ إخراجها باعتماد أسلة اللسان، أي رأسه على اللثة أو الأسنان العليا)، وهي ما كانوا يسمّونه "الحروف الشمسية" (ت، د، ن، ل، ر، ط، ض، ص، س، ش)؛ وذلك في مقابل بقية المخارج من شفهية (ب، ف، م) وطبقية (ك، g) ولهوية (ق، خ، غ) وبلعومية (ح، ع) وحنجرية (ء، هـ).
والملاحظ، بخصوص هذا المقياس (مقياس اقتصار إدغام لام التعريف في ما بعدها على الصحاح الأسلية المخرج)، أن تلك اللام ما تزال لا تدغم اليوم في الجيم في نطق الفصحى، باعتبار أصل مخرج الجيم الطبقي القديم مثل الكاف، وذلك بالرغم من أن الجيم ينطق اليوم فعليا بإخراج أسلي أي بلفظ /j/. فلا يقال مثلا [ajjamaal] /الجَـمال/، كما يقال [aššamaal] /الشَمال/. هذا تصديق موضوعي لفرضية كون الجيم، في نطقه الأصلي في العربية إبان إنجاز وصفها الفونيتيكي الأول من طرف سيبوية، لم يكن ذا مخرج أسلي مثل الشين، بل كان من مخرج طبـــقي مثل الكاف، أي بلفظ [g]. وبذلك التطور، من إخراج خلفي طبقي إلى إخراج أمامي أسلي مكتسب، شكّل حرف الجيم الحديث العهد بالإخراج الاسلي، استثناء ظاهريا بالنسبة لقاعدة إدغام لام التعريف في الأصوات الأسلية في العربية.
معجم اللغة الأمازيغية الذي اقترض منذ قرون كثيرا من الأسماء من العربية (كألفاظ منقطعة عن سياق القواعد الصوتية والصرفية للغة الأصل، كما هي طبيعة المقترضات في جميع اللغات) قد احتفظ بشواهد من هذا الاستثناء عبر رصيده من تلك المقترضات؛ إذ نجد فيه مثلا: /لـْجْــنـّـت/ "الجَنّة" على غرار /لـْـغْــلـّـت/ ""الغِلّة"، (وليس *"جّْــنّــت" على غرار /سّـونّـت/ "السُـنّة").
أما العربية الدارجة، التي تشكلت كــنــسق من القواعد الصوتية والصرفية والتركيبة وظلّت حية في الاستعمال، فما لبثت، بعد اكتمال تحول الجيم من نطق خلفي إلى نطق أمامي أسلي مثل نطق الشين، أن أضفـت الاطراد على قاعدة إدغام لام التعريف فقالت [جّْــنَّة] "الجَـنّة" وليس *[لْجْـنّـة]، وقالت [جّْـمْـل] "الجَمَل" وليس [لـْـجْـمـل].
3- مؤشر من الدراسات الفونولوجية المقارنة الحديثة
يتراوح لفظ تحقّـق حرف جيم كلمات العربية الفصحى الكتابية، في ما يقابلها من كلمات العربية المغربية الدارجة ما بين لفظ [g] (كًـلس/جَلَسَ/، كًـــنس/جِنسٌ/)؛ ولفظ [j] (جْـــمل/jamal، جــنّة/jannah، تّـجـــوّج/تزَوَّجَ)؛ ولفظ [ز] (تّـزوّز/تَزوّجَ، عــزوز/عَـجـوز)؛ ولفظ [د] (داز/جاز، عدوز/عَـجـوزٌ)؛ الخ. وليس هناك من سبيل منهجي لرفع ما قد يبدو من طابع الاعتباطية على هذه المعطيات التقابلية التي يعاينها الجميع، ولتعليل كلّ ذلك وإضفاء الاطراد التفسيري عليه، سوى فرضية اعتبار أن ما ترسمه الكتابة العربية بشكل /ج/ كان نطقة في العربية الأولى بلفظ [g].
وهذه – أسفله - إحدى تلك الدراسات الدياكرونية التفسيرية المفصلة حول هذه المسألة، كنت قد وضعت مرارا رابطا نحو نصّها في مدونتي الشخصية OrBinah؛ لكن الناشر صاحب الدورية (Etudes et Document Berbères / Paris) يعمد باستمرار - بفضل أوطوماتيّات "الكوبيرايت" - إلى إزالة الرابط (بينما يقترح موقع الدورية نص البحث للبيع الأليكتروني بـ 15 أورو)؛ وذلك في غياب مواقع وطنية لتعميم البحث العلمي محصنة ضدّ هذا القبيل من الاحتكار لأعمال الباحثين على غرار موقع مختبر بمركز بباريس الذي كنت قد تقاسمت مجموعة من الروابط التي احتضنها نحو أعمال الثنائي، فرنسوا ديل ومحمد المدلاوي بالرغم من كوبيرايت دوريات أكبر شأنا باعتبار التصنيف العالمي للدوريات (انظر هـــــــنـــــــا).
الدراسة المشار إليها:
Elmedlaoui, Mohamed (2011)-a “Système, typologie et changement diachronique: le cas *g et *q dans les études chamito-sémitiques”. Etudes et Documents Berbères. 29-30 (2010-2011). Pp. 133-153. (مقتطفات من هذا البحث في موقع الدورية (هـــــنــــــــــــــــا)
------------------------------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres