(EN ARABE) La Constitution et le langage juridique
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)
صياغة القوانين وتأهيل اللغة
أو
لماذا يصلح النحو وعلم المعاني والمنطق
تنـبيــــه للقارئ
أنبه القارئ الكريم إلى أن هذا النص من النوع غير المريح في قراءته، على عكس ما تقتضيه خفة فسحة الصيف. وعلى كل حال، فصيف هذه السنة (2011) صيف امتحانات ومجاهدة؛ فهناك اختبارات الباكالوريا، واختبار الدستور، وبعد ذلك اختبار الشهر المطهّر في "حمارّة القيظ". ويتعلق موضوع النص بما حصل من أن بعض فاعلي الحركة الأمازيغية، بالرغم من رضاهم على ما تحقق للغة الأمازيغية في النص الدستوري، ومن انطلاقهم في حملة للتعامل الإيجابي مع هذا الدستور الذي وجد فيه كل قوم مشربهم ما عدا من لا يعنيهم المبدأ أصلا، فإن أولئك الفاعلين بقوا منزعجين من الصياغة اللغوية المربكة لما تحقق، لكن دون أن يحدد أحدٌ بالضبط المفاصل المزعجة في تلك الصياغة تحديدا صوريا. هذا ما سيقوم به هذا النص بالاعتماد على أدوات المنطق العام، عبر ترجمته الخاصة في منطق لغة طبيعية مثل في اللغة العربية من خلال نحوها ومعجمها وعلم المعاني في بلاغتها. ومن خلال ذلك سيكون النص قد أجاب عن سؤال العنوان.
فمن تجشم الأمر وواصل القراءة، فهو يساهم بذلك في "حماية اللغة العربية وتطويرها وتنمية استعمالها" كما نصّ على ذلك مشروع الدستور؛ ومن ساهم في ذلك الاتجاه، فإنه لا يترتب عن مساهمته تلك، لا منطقيا ولا دستوريا الآن، لا أن يكون مناهضا للأمازيغية، ولا أن يكون متخاذلا في العمل على ما ينص عليه نفس الدستور من "تفعيل الطابع الرسمي لها". وفوق كل هذا وذاك، فبعد عُسر النحو والبلاغة، يأتي في النص يُسرُ مُـستملحة من المُستملحات مما له تعلق بالأمر، ليُختم بها النص إراحة للقارئ من جهده. وسيدور هذا النص حول فقرتين من الدستور هما: ("تظل اللغة العربية الـلغة الــرسمية للدولة (...). تـُـعـدّ الأمازيغية أيضا لغةً رسمية للدولة.").
صميم الموضوع
لتحرير نصوص القوانين، والعقود، والالتزامات، معاييرُ خاصةٌ تقتضي استحضار المحرِّر، أثناء الصياغة، لكافة أوجه الخصائص المعجمية والتركيبية والبلاغية للغة التي يحرّر بها النص؛ لأن نفس الاستحضار هو الذي يحدّد مضامين النص أثناء التأويل التطبيقي للقانون المصوغ. وقد كانت الدراية بكل هذا، فيما يتعلق بالعربية، من بين فروع أصول الفقه في باب استنباط الأحكام وصياغتها من المبادئ المستفادة من نصوص أصول التشريع وكذا في تطبيق تلك الأحكام . فلذلك كنتَ ترى الفقيه يستهل كلامه، في استنباط الحكم من نص معين (آية، حديث)، بشأن مسألة من المسائل أو نازلة من النوازل، باستطرادات مطولة في أبواب النحو، والمعجم، والبلاغة، ومعاني الحروف، مما له تعلـّق بالنص المعتمد. ففي ما يتعلق بالمعجم مثلا، يتعين الإلمام بالترادف، وبالعام والخاص (مثلا: "الليث" = "الأسد"؛ وهو أخصّ من "السبع")، وبالاشتراك ("العين" للعين المبصرة، وللعين الجارية، وللذهب والفضة)، وبالالتباس الصرفي أو التركيبي (مثلا: "المُختار" لمن اختار، ولما تم اختياره؛ ونفس الالتباس قائم في العربية في كل ما هو على ذلك الوزن مما هو مشتق من فعل أجوفِ متعدٍّ، مثل "المُغتال" و"المُقتاد" و"المُعتاد"، الخ.)؛ ويتعين اعتبار كل ذلك وغيره في الصياغة تحسّبا للتأويلات الممكنة.
وفي باب التركيب وعلم المعاني من فروع البلاغة، يتعين الإلمام بمعاني الحروف واعتبار ذلك بدوره في صياغة القوانين، كأحرف الجر، وأحرف العطف، وغيرها. إذ يقال مثلا بالنسبة لمعاني أحرف العطف في باب علم المعاني من البلاغة: "الواو" لمطلق الجمع ("طعام وشراب" = "شراب وطعام")؛ و"أو" للفصل والتخيير ("طعام أوشراب" = "شراب أو طعام"؛ وهو غير "طعام وشراب")؛ و"ثم" للترتيب والتراخي ("طعام ثم شراب"؛ وهو غير "شراب ثم طعام")؛ و"الفاء" للترتيب والتعقيب ("طعام فـــشراب" هو غيرُ "شراب فــطعام"؛ كما أنه غير الأمثلة السابقة بأحرف العطف الأخرى).
فإذا قيل مثلا في نص دستوري أو قانوني، أو في قرار من القرارات الإدارية، أو في قانون داخلي: (يُـنتخب/يُعين أعضاء اللجنة الفلانية من 'ألف' و 'باء' أو 'جيم' و 'دال')، فإن الأمر يلتبس من وجهين: إما أن اللجنة تتكون من عنصرين هما: ('ألف' و 'باء') أو من ('جيم' و 'دال')، وإما أنها تتكون من ثلاثة عناصر: ['ألف' و ('باء' أو 'جيم') و 'دال']. وإذْ استعمالُ التقويسات خاصٌّ بلغة المنطق الرياضي، فإن للغة الطبيعية وسائلها الخاصة بها لرفع أوجه اللبس إذا ما أراد المشرع ذلك وكان صاحب الصياغة ملما بخصائص اللغة المعنية وبكيفيات ترجمة نحوها لمقولات وعلاقات المنطق الطبيعي. فإذا ما أريدت لجنةٌ من عنصرين في المثال السابق، فيمكن في العربية أن يقال مثلا: (تتكون الجنة الفلانية إما من 'ألف و'باء'، وإما من 'جيم' و'دال')؛ وإذا ما أريد أن تكون من ثلاثة عناصر، يقال: (تتكون اللجنة من 'ألف' و'دال'، و واحد من كلٍّ من 'باء' و 'جيم').
كما يتعين الإلمام بـقواعد الإسناد، وبـدور الإعراب، أو الأدوات، أو الرتبة، في تحديد المعمولات من فاعل ومفعول (مثلا: "أكلَ الكُمثرى موسى"؛ "ضربَ عيسى موسى")، وفي تحديد المبتدإ والخبر، والمحصور والمحصور فيه ("إنما النفيسُ الذهبُ"، أي "الشيء النفيس الوحيد هو الذهب"؛ وذلك في مقابل: "إنما الذهب معدنٌ"، أي "الذهب لا يزيد عن كونه معدنا"). وللدراية بأوجه بمعاني النواسخ ("إن" وأخواتها، و"كان" وأخواتها)، وبأوجه ومعاني التنكير والتعريف، دورٌ أساسي في باب الإخبار المرسل أو الحصري. فإذ من بين أوجه التعريف في العربية، يوجد التعريفٌ بـ"ألـ"، والتعريف بالإضافة، والتعريف بالنعت، فإن التعريف بـ"ألـ" قد يفيد استغراق جنس الاسم المعرَّف ("الــذهب أنفسُ من الـــفضة"، أي "جنس ذاك المعدن أنفس من جنس هذا"، ولا ينحصر الأمر في قطعة بعينها من الذهب أو الفضة)؛ كما أن التعريف بـ"الـ" قد يفيد المرجعية العائدية ("... فعصى فرعونُ الـــرسولَ"، أي الرسول السابق ذكره)، وقد يفيد الحصرَ والقصرَ ("أنا الـحَـكمُ"، ومفهومه: "أنا الحكـَم على سبيل الحصر"؛ خلافا لقولك: "أنا حَـكمٌ"، ومفهومه "من بين الحكام").
هذا المثال الأخير، هو الذي يفضي بنا إلى تحديد العناصر التي تعطي معنى، بمقتضى قواعد اللغة العربية، لما ورد في الفصل الخامس من مشروع الدستور، الذي يقول: ("تظل اللغة العربية الـلغة الــرسمية للدولة (...). تـُـعـدّ الأمازيغية أيضا لغةً رسمية للدولة.").
فالعناصر اللغوية التي تحدد دلالات هاتين الجملتين، وتتضافر فيما بينها لتأكيد تلك الدلالات المتكاملة، هي ما يلي:
1- التقابل القائم بين الناسخ "تظل" من جهة، وهو ناسخ من أخوات "كان"، ويفيد دوامَ كونِ معموله الأول (أي "اللغة العربية" في المثال) كونا موضوعيا على ما تمّ الإخبار به عنه (أي "الــلغةَ الرسميةَ" في نفس المثال)، وبين فعل مبني للمجهول هو "تُـعـدّ" من جهة ثانية؛ وهذا الفعل الأخير هو فعل من أفعال القلوب والحُسبان والافتراض؛ وهو مسندٌ إلى ذات مجهولة، ويفيد أساسا مجرد اعتبار ذاتٍ معينة لمعموله الأول ("الأمازيغية" في نفس المثال) اسما حائزا للصفة المخبَـر بها عنه ("لغةً رسميةً" في نفس المثال) على سبيل الافتراض الذاتي وليس على سبيل تقرير ما هو قائم موضوعيا. فأفعال القلوب، التي تتعدى إلى مفعولين أصلـُهما مبتدأ وخبر هي: (رأى، علم، درى، وَجدَ، ألفى، تعلَـّم، ظنَّ، خالَ، حسِبَ، جعل، حَجا، عدَّ، زَعمَ، وهَب)؛ وقد سُمّيت بـ"أفعال القلوب" لأنها تجعل الحُكم المخبَرَ به عن ما تدخل عليه حُكما افتراضيا، لا حُكما موضوعيا. ولذلك، فإذا كان مقتضى المنطق هو القول مثلا: "الكلُّ أكبر من الجزء"، فإنه من العبث والاستخفاف بالمنطق القولُ مثلا: "يُـعـدّ الكلُّ أكبرَ من الجزء"، إذ في ذلك تشكيك لامعقول في الحقيقة الموضوعية للقضية.
2- تحديد الوضعية الجوهرية للماهية التصورية لـ"العربية" بماهية: "اللغة"، بالمعنى السوسيو-لغوي والسياسي للكلمة، والإحالة على اللغة الأمازيغية بمجرد صفة نسبتها، أي بلفظ "الأمازيغية"، بدل "اللغة الأمازيغية"؛
3- تحليـّةُ خبر الناسخ، "تظل"، بأداة التعريف "ألـ" ("تظل اللغة العربيةُ الــلغةَ الرسميةَ للدولة")، بينما جُعل محمول الجملة، في حالة ما يتعلق بالأمازيغية، في حالة تنكير بالتنوين ("تعد الأمازيغية أيضا لغةً رسمية للدولة"). ويضاف إلى ذلك الميز، ويؤكده، كونُ أداة التعريف "الـ"، في السياق التركيبي لما يتعلق برسمية العربية، أداة تفيد الحصر والقصر، كما تفيده في المثال الأسبق :("أنا الـحكـَم")، بينما تنوين التنكير الذي لحق المحمول في حالة ما يتعلق برسمية الأمازيغية، لا ينفي اشتراكَ غيرِ الأمازيغية مع هذه اللغة في حُكم الترسيم، كما هو شأن الحكم في المثال الأسبق ("أنا حكـَمٌ"). وفي كل ذلك تمييز واضح بين رسمية اللغتين، ينطوي على تناقض منطقي داخلي واضح ما بين الحصر والاشتراك في نفس الوقت بالنسبة لنفس الصفة (صفة الرسمية) في حملها على موضوعين مختلفين (العربية من جهة، والأمازيغية من جهة ثانية).
4- الزيادة في ترسيخ الطابع الافتراضي المحض للحكم الذي تسنِـد به ذاتٌ مجهولة صفةَ "الرسمية" إلى الامازيغية ("تـُـعــدّ الأمازيغية أيضا ...")، وذلك عن طريق تخصيص الأمازيغية بالمخصص "أيضا"، الذي هو مخصِّص (adverbe modificateur) يضفي على الاسم المُحلـّى به طابع ما هو فضلةٌ وغيرُ عُمدة ("دعا زيدٌ كافة أقاربه إلى الوليمة، ودعا بعض الجيران أيضا")، وهو في مثل هذا السياق كلمة تظل، بمقتضى معناها المخصص، غير مناسبة كأداة من أدوات الصياغات الصورية.
تلك نماذج عن ما يترتب عن معاني مكونات اللغة المعينة (المعجم، والصرف، والتركيب) من انعكاسات في على مستوى صياغة القوانين وتأويلها في التطبيق. وهي أمور تتعلق بمدى معيرة منطق اللغة المعينة معيرة صورية في علاقته بالمنطق العامّ (منطق الكلـّيات ومنطق القضايا) وبمدى حضور هذا البُعد في مسار إعداد وهيكلة ذهن الناشئ في خطة التكوين النظامي للناطقين باللغة المعنيّة، مُعربة كانت (مثل العربية) أم غير مُعربة (مثل الإنجليزية أو الفرنسية)، بما يقتضي كل ذلك من خطط بيداغوجية تنشيئية سليمة ومن برامج تكوينية ملائمة (انظر هــنــا). وفي علاقة وطيدة بكل هذا، هناك جانب معيرة اللغة المعنية في حد ذاتها من خلال نوعية متون تلقينها النظامي، ما بين تقاليد متون الخطابة والمحفوظات (انظر هــنــا و هــنــا)، ومناهج إكساب الصرامة الصورية في الوصف والتحليل والتواصل. فلغةٌ تغلبُ على متون تلقينها النظامي أساليب الاستعارة والتشبيه والبديع والإطناب الترادفي، تظل غير مؤهلة للاضطلاع بوظائف الصياغات المنطقية الصورية مهما كانت تلك اللغة مُعرَبة، ترفع مثلا "الفاعل" والمبتدأ" و"اسم كان وأخواتها"، وتجرّ "المضاف إليه" و"معمولات أحرف الجرّ"، وتنصب "المفعول" و"اسم إن وأخواتها، ناصبةً "جمع المؤنث السالم" بـ"الكسرة النائبة عن الفتحة"، وجارّة "الممنوع من الصرف" بــ"الفتحة النائبة عن الكسرة". فهي تظل حينئذ غير مؤهلة، سواء تعلق الأمر بالوصف والتحليل والتفسير العلمي أم تعلق بصياغة القوانين من مختلف المستويات، من النص الدستوري إلى القرار الإداري. وفي هذا الصدد الأخير، وتمهيدا للملحة الموعودة، هذا مقتطف من نص رسالة جواب إداري وزاري على طلب للـتفرغ كان قد تقدم به أستاذ جامعي سنة 1983 قصد التفرغ لمدة سنة لإعداد أطروحته خارج الوطن. يقول الجواب الإداري بعد الإشارة إلى مرجع رسالة الطلب وفي حرص تامّ على سلامة الإعراب: "بِنَاءً عَلَى رِسَالـَـتِكُمْ المُشَارِ إلَيْهَا، فِإنِّي لا أَرَى ماَنِعاً فِي تَفَرّغِكُمْ لإعْدَادِ رِسَالَتِكُمْ مَعَ الاسْتِمْرَارِ فِي أَدَاءِ مَهَامِّكُم" [؟؟ !!]. وليس هنا مكانُ الحديث عن ما ترتّب في باب التواصل المهني عن هذا الجواب الإداري السليم الإعراب باتفاق الجميع من المحيط إلى الخليج.
طرائف ذات دلالة في علاقة بالموضوع
وعلى ذكر كلمة "أيضا" السابقة الذكر، التي أزعجت كثيرا نشطاء الحركة الأمازيغية من حيث سياق استعمالها في باب المراتب والمنازل (العُمدة والفـَضلة)، إلى درجة أن أحد الزملاء قد هاتفني بمجرد تسرب مسودة الدستور عبر القنوات الحزبية، ليثير معي ما ورد في معاجم العربية حول "آضَ / يئـيـضُ أيضاً"؛ أقول: على ذكر هذه الكلمة المزعجة، التي اكسبها الدستور الجديد النجومية، سنختم هذا النص، غير المريح من حيث صرامة مفاهيمه النحوية والبلاغية (علم المعاني)، بشيء من الطرائف التي لا تخلو من دلالات أنثروبو-ثقافية.
فـقد دأب أدباء الجيل التقليدي في نواحي سوس على تقاليد تأليف مستملحات من الشعر العربي، مرصعة بجواهر من اللغة الأمازيغية. ومن أشهر تلك المطروزات القصيدة المعروفة بأرجوزة الرسموكي (القرن 11 هجري)، وهي من 288 بيت، ويقول الناظم في مستهلها:
باســم الإله في الـــكلام إيـزوار * وهو علـى عـون العبيـــد إيـزضــار
وهو الذي له جميع تولغيـتيــن * وهو المجيــر عبدَه مـن تـومريـتيـن
قومٌ عجافٌ سكنوا بـ"تاكَـُـنيت" * خافوا الضيافَ، كسبـوا يات تايديت
(إيزوا: "أسبقُ"؛ إيزضار "قادر"؛ تولغيتين "آيات الشكر"؛ تومريتين "الكـُرَب"؛ تاكَُـنيت "اسم مكان"؛ يات تايديت "كلبة")
وتحكي الرواية، التي نبه المختار السوسي إلى طابعها الأسطورية، وهو ما يرفع في الحقيقة من قوة دلالاتها الأنثروبو-ثقافية، أن واضع القصيدة كان يدرس في حاضرة فاس مع زمرة من بني جهته الأمازيغيي اللسان؛ وإذ كان الطلبة وما يزالون ميالين من الناحية الاجتماعية كبقية الفئات إلى العيش في مجموعات حسب الأبعاد اللغوية والثقافية والجهوية، فقد كان خلاف دائم قائما بين مجموعة صاحب الأرجوزة وبين زملائهم من الطلبة الأفاقين العربيي اللسان حول من يسكن في الطابق العلوي، الذي لا يتعرض ساكنوه لرمي مياه غسل الأواني، وقشور الخضر، وغير ذلك من أسباب المضايقة وإقلاق الراحة. وإذ كانت قد جرت العادة التربوية حينئذ بالتنافس بين الأفراد و بين المجموعات في امتلاك ناصية النحو واللغة (أي المعجم) العربيين، باعتبارهما صلب علوم الآلة، التي بها تحصّل علوم الغاية (علوم الفقه، في ذلك الوقت)، وإذ كان الطلبة الأمازيغيو اللسان معتـدّيـن كثيرا بحفظهم لمتون الأجرومية وشروحها، و"الألفية" وشروحها في النحو ، و"لامية الأفعال" وشروحها في الصرف، و"الشمَـقـْـمـَقية" وشروحها في الأمثال، وهي جميعا من مؤلفات فضائهم الثقافي والعلمي إن أصالة وإن تقليدا حسب ما كانوا يرون، وبحفظهم لكل ما في بطون المعاجم العربية من مألوف متداول، وآبد شارد، وحوشي غريب ، وبامتلاكهم ناصية العربية في نهاية الأمر اكتسابا، وقرض الشعر فيها إلى جانب ارتجالهم له بالأمازيغية في ساحات "أسايس"، فإنهم قد اقترحوا على زملائهم "الاحتكام إلى الكفاءة والعلم" لفض ذلك الخلاف، قائلين حسب الرواية: "إما أن ينظم أحدكم قصيدة فيحشوها بكل ما في جعبته من غريب اللغة وشواردها، ثم نقوم نحن بإعرابها كلمةً كلمة وبشرحها، وإما أن يفعل ذلك أحدنا ثم تقومون أنتم بالإعراب والشرح؛ ويكون خاسر الرهان هو الطرف العاجز إما عن النظم وإما عن الإعراب والشرح". وإذ اختار زملاؤهم أن يسندوا إليهم نظم القصيدة على أساس أن يتولوا هم أنفسهم إعراب كلماتها وشرحها، فقد قبل أصحاب المقترح ذلك الاختيار فأنشأوا القصيدة. لكن الناظم ضمّن في نهاية كل شطر من القصيدة كلمة من المعجم الأمازيغي. وبذلك كسب أصحاب القصيدة الرهان في النهاية، نظرا لعجز زملائهم عن الإعراب وعن الشرح بسبب كونهم لا يفقهون ولا يفهمون إلا جزءا واحدا من المعطيات اللغوية للقصيدة المغربية المطروزة النسيج. وفي ذلك حكمة رمزية مغربية بليغة بالنسبة لبعض المفاهيم الجديدة مثل مفهوم "التشظي الهوياتي" عند "حزب الموحدين" في باب الثوابت أو مفهوم "التلوث اللغوي" عند "حزب الخُضر" في باب اللسانيات.
كما أن من أوجه ذلك الفن لديهم، تندّرهم باصطياد التداخلات الجناسية بين ألفاظ العربية والأمازيغية (homonymie translinguistique) واستغلالهم لكثير من ذلك القبيل من الجناس في استعمال ألفاظ من هذه اللغة في سياق يعطيها معناها في اللغة الأخرى لغاية التندر بسخرية اللغات وبسخافة الاعتقاد بكونية ألفاظ هذه اللغة أو تلك. وبهذا نصل إلى قصة قديمة للأمازيغ مع كلمة "أيضاً". إنها قصة قديمة قِدم أرجوزة الرسموكي، معروفة لقرون قبل ولوجها المثير للجدل إلى نص الدستور في صيف 2011. إذ تحكي المُـلح الطريفة أن أحد المتفـيْــهـقين من متـفَـيْـقـهي الوسط الأمازيغي السوسي ممن يتشدقون ببعض الألفاظ يبهرون بها الجمهور التماسا للسلطة، قد مرّ يوما برحبة كان بها نفرٌ من الجلوس على يمينه، ونفر ثان على شماله، فالتفت يمينا وقال: "سّـالامو عالايكوم اوي" ("السلام عليكم يا هؤلاء")، فرد عليه القوم التحية بأحسن منها؛ ثم التفت شمالا فقال: "سّـالامو عالايكوم أيضان" (يريد: "السلام عليكم، أنتم أيضا")، فانقض عليه الجميع وأخذوا بتلابيبه لتأديبه على بذاءة لسانه. لقد فهموا اللفظ الجناسي "أيضا" بمؤدى معناه في الأمازيغية، التي هي لغة مقتضى الحال والمقام كما يقول البلاغيون، والتي يفيد فيها ذلك اللفظ معنى: "يا كلاب" (أ-يضان).
أفـلهذا الالتباس الجناسي إذن، علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتضايق نشطاء الأمازيغية من إقحام كلمة "أيضا" في قول الدستور: ("تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية")؟ هذا مستبعد كثيرا؛ وحتى إن حصل ذلك للبعض بالسماع، بناء على خلفية تلك الطريفة من الطرائف الأدبية التي تذكر بطرائف "البيان والتبيين" للجاحظ، فإن قراءة النص لا تسمح بذلك الفهم؛ والنصوص القانونية تُـقرأ أساسا، لأن للنقط والفواصل دورا جوهريا فيها. فالنص لم يضع كلمة "أيضا" بين فاصلتين، فيكتبَ مثلا: (تعدُّ الأمازيغية، أيضاً، لغة رسمية). إن الأمر مستبعد، خصوصا وأن باللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور فاعلين من الحركة الأمازيغية ومن قدماء معهد "الإركام" بالضبط، منهم من ألف في "أسرار" نحو الأمازيغية كتبا رفع من خلالها نسب تلك اللغة إلى أُرومة لغة المعلم الأول، واضع المنطق،أي إلى اللغة الأغريقية؛ وهو واقع يفترض أن لا تخفى على أمثال أولئك أي لطيفة من لطائف المعاني وظلالها في كل من اللغتين، المرسمتين معا، لكن مع فوارق "أيضا"، والتعريف والتنكير، والحصر والإشراك. فالانزعاج المذكور لا يمكن أن يكون مصدره إلا المعطيات التركيبية والبلاغية الجدية والجوهرية الأربعة المسطرة أعلاه، وليس هذا النوع الأخير من الجناس الطريف.
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres