(En Arabe) L'ambiguïté syntaxique: un aspect de la Grammaire Universelle (texte de vulgarisation)
طبيعة الملكة المعرفية اللغوية
(على هامش الأسئلة حول أيّ اللغاتِ أسهلُ و/أو اضبطُ)
1- ملكة اللغة مكوّن من مكوّينات الملكة المعرفية العامة التي جُهّز بها وتَميّز بها ذهنُ الانسان (الحيوان الناطق؛ أي الذي ينطق وله منطق). والباحث اللساني، كباحث في طبيعة وكيفية تجليات واشتغال أحد مكوينات الملكة المعرفية الذي هو اللغة (كظاهرة عامة أو كلغة خاصة من اللغات)، ليس له من المعرفة، بحكم التكوين والاختصاص، ما يؤهله للبحث في المكان وفي الكيفية التي بُرمج بها مكوّن ملكة اللغة في الدماغ برمجةً عصبيّة؛ إذ ذلك من اختصاص فرع من فروع النورولوجيا.
فما يقوم به اللساني الباحث في اللسانيات العامة هو تقديم فرضيات تمثيلية تجريدية يصوغها صياغة صورية كما صاغ نيوتن قانون الجاذبية وصاغ كًليلي قوانين ميكانيكا الأجرام السماوية دون أن ينفذ لا الأول ولا الثاني إلى كنه اللا-مُنتهي الصغر ولا اللا-مُنتهي الكبر، ولكن فقط اعتمادا على ملاحظــة بعض المعطيــات وتجريب فرضيات وصفية تفسيرية بشأنها، فرضيات تنطلق من المعطيات الملاحَظة وتعود إليها وإلى ما استجدّ منها من أجل التحقّق من صواب الوصف والتفسير المقدّم. تلك الصياغة الصورية، في باب ملكة اللغة، هي ما يسمّى في الاصطلاح العربي في الباب بــ"النحــــو"، أي تـــمــثيـــل النحو والمنحى الذي ينحوه متكلمو لغة من اللغات في إنتاج جُمل كلامهم وفهمِها. والنحو بهذا المفهوم شامل لكل قواعد اللغة بمختلف مكوناتها: الصوتية، والصرفية، والتركيبية، والمعجمية والدلالية.
وعلى مستوى الاستعمال الاصطلاحي، يطلق اليوم مصطلح "النحو" على مفهومين متمايزين هما:
(أ) فهناك "النــحــو" باعتباره محيلا على تلك العدّة المعرفية الفرعية التي هي ملكة اللغة التي يُفترض أن ذهن الإنسان مجهّز بها كبرنامج اشتغال معرفي فرعي، على غرار ملكات الحساب والرياضيات والمنطق الصوري وغيرها من الملكات المعرفية التي يشترك الناس في التوفر عليها مبدئيا وإن كانوا عمليا يختلفون ويتفاوتون في مهارات تشغيلها. فلو لم يكن ذلك الاشتراك حاصلا لما أمكن، مثلا، تبيـيــنُ الخطإ الرياضي أو المنطقي أو اللغوي، لمن أخطأ، وإقناعُه بــ"عدم صحّة الخطإ" المعيّن في الحقل المعرفي المعيّن، ولما أمكن إقناع الغير بصواب ما هو صحيح.
(ب) وهناك "الــنــحــو" باعتباره محيلا على ديوان من الأعمال الوصفية و/أو التفسيرية المصوغة بلغة من اللغات حول قواعد لغة خاصة من اللغات (النحو الخاص؛ "كتاب" سيبويه مثلا) أو حول قواعد اللغة البشرية بصفة كلـّـية (النحو الكلّي Universal Grammar؛ مؤلفات تشومسكي مثلا). فبهاذا المفهوم الثاني رقم-ب، هناك إذن نحو خاصّ وهناك نحو كلي، بالمفهوم الواسع المذكور أعلاه لمصطلح "نحــو" (أصوات، صرف، تركيب، معجم، دلالة).
2- مفهوم "النحو الخاص"، أي النحو كديوان قواعد لغة خاصة مصوغة صياغة صورية بلغة معينة حول لغة معيّنة باستعمال جهاز مناسب من المصطلحات (حرف، حركة، متحرك، ساكن؛ فعل، فاعل، مفعول، مبتدأ، خبر ...) مفهومٌ واضح إلى حدود معينة متفاوتة في أذهان جميع المتمدرسين. أما مفهوم "النحو الكلـّـي" فليس كذلك، وإن كان المصطلح قد دخل حيّز التداول العام منذ عقود.
لكي نقرّب طبيعة البحث في "النحو الكلـّي" من أدهان غير المتخصصين، سنورد تدوينة أحد السادة في أحد المواقع الاجتماعية، وما دار حولها من نقاش عمومي. تقول التدوينة:
[[لمن قال إن العربية سهلة: "ضرب الأب ابنَه لأنّه كان مخمورا". من المخمور؟؟؟]].
.
الواقع أن ظاهرة الالتباس التي تومئ إليها التدوينة، وكذا كثيرا من أمثالها مما يتعلق بــ"العــــــائــدية" (anaphore)، أي مرجعية فصيلة كاملة من المقولات، كالضمائر وأسماء الموصول، ظاهرةٌ غير مقصورة على لغة بعينها. إنها مُعطى من معطيات "النحو الكلي" التي يقوم اليوم البحثُ اللساني بحصرها ووصفها آلية اشتغالها باعتبارها معطىً من معطيات ملكة اللغة البشرية كما يُفترض أنها مبرمجة في الذهن بشكل أو بآخر ليس من اختصاص اللساني كلساني أن يبحث فيه.
3- فمن الناحية التركيبية المحض، أمثال تراكيب الجملة الواردة في التدوينة ملتبسة التأويل الدلالي في ما يتعلق بمرجع الضمير، وذلك في جميع اللغات ما لم تكن هناك قرائن مطابقة الضمير (الجنس والعدد، حينما يكونان مُعلـَّمَين بالمطابقة في اللغة المعيّنة المعنيّة). وقد تناول نوام تشومسكي بتفصيل هذه الظاهرة منذ الستينات في إطار صياغته لجوانب مهمة من جوانب النحو الكلّي.
4- فبالرغم من أن هذا القبيل من الالتباس قد طرح إشكالات بالنسبة لعلوم التأويل (تفاسير القرآن واستنباط الأحكام، تأويل النصوص القانونية) فاصطلح بعض اصحاب العربية مثلا على قاعدة "الأصلُ عودُ الضمير على اقرب مذكور"، فإن هذا القبيل من الاصطلاح لا يغيّر من طبيعة الالتباس شيئا، وإنما يحاول الحدّ من إشكالاته على مستوى التداول (مثال: "وَاخْتُلِفَ فِي ضمير {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنّـــَهُ رِجْسٌ}[ الْأَنْعَام: 145]؛ فَمِنْهُمْ مَنْ أَعَادَهُ عَلَى الْمُضَافِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَعَادَهُ إِلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ.).
فنفس القبيل من الالتباس التركيبي قائم كذلك الجمل الآتية بالرغم من تباعدها الكبير من حيث الأسر اللغوية والمنظومات الإثنو-ثقافية:
- أعطى عمروٌ زيداً نصيبَه (عربية فصحى)
- عطى عومار لبوزيد حقّو (عربية دارجة)
- يفكا حماد ي-محند اكًطوم نس (أمازيغية)
- Pierre donna à jean sa part. (فرنسية)
- John gave Tom his share (إنجليزية)
- דוד נתן למשה את המניה שלו (عبرية)
- José dio a Juan su parte (اسبانية)
- Johans gab Ulrich seinen Anteil (ألمانية)
الخ.
الأمثلة أعلاه تبيّن أن التباس مرجع الضمير في مثل هذه التراكيب يتمّ في اللغات الممثل بها هنا بنفس الكيفية. إنه معطى من معطيات النحو الكلـي في مثل هذه الأحوال التركيبية؛ وهو عبارة عن نموذج لعيّنة من الظواهر التي أحصتها اللسانيات التوليدية الحديثة في إطار العمل على تمثيل وصياغة جهاز النحو الكلي صياغة صورية، وذلك اعتمادا على معطيات الأنحاء الخاصة باللغات المختلفة، تلك الأنحاء الخاصة التي تكون بدورها قد تمت صياغتها بناء على معطيات كل لغة بعينها. ومن نفس الباب قواعد عودة الضمير على ما هو بعدَه باعتبار اللفظ فقط لا لفظا ورتبة في بنية الجملة.
5- إن افتراض وجود مثل هذه الظواهر (مسألة العائد بصفة عامة، عائد الضمير، وهادئ اسم الموصول) كـكُـليات، أي فتراض وجود مبادئ عامة تسمى "النحو الكلـّي" مبرمجة بشكل آو بآخر في ذهن الكائن البشري كجزء من ملكاته المعرفية الموجودة بالقوّة، هو ما يفسّر تمكّن أيّ طفل، مهما كانت أصوله الجينية أو الإثنو-ثقافية، من استنتاج نحوِ وقواعد أيّ لغة خاصة من لغات العالم، القائمة أو المنقرضة، بمجرد أن يحتك، ما بين 2 و 5 من سنواته الأولى، بشذرات منها غالبا ما تكون متقطعة غير منتظمة وغير تامة التركيب في الحياة اليومية الفعلية، أي أنه يستنتج قواعد تلك اللغة ويـنحو نحــوها.
وتتمثل مهمة اللسانيات الحديثة في البحث من أجل صياغة تلك المبادئ الكلية، أي وضع أسس النحو الكلي Universal Grammar.
6- الالتباس اللغوي والمفارقات الرياضية والمنطقية
ليست الملكة اللغوية (Compétence linguistique) وحدها من بين الملكات المعرفية (Compétence cognitives) هي ما تعتريه المحدوديةُ بسبب نوعية بنية برمجته في الذهن. فحتى ملكات الرياضيات والمنطق الصوري والفيزياء تعرف ما يسمّى بـ"المفارقات" (Paradoxes؛ ابحث عن نماذج منها في الشبكة). ومن أشهر تلك المفارقات التي تم أحصاء الكثير منها عبر تاريخ الفكر "مفارقةُ أشيل والسلحفاة" و"مفارقة السهم". هَبْ مثلا أنك استجمعتَ قواك الذهنية، فقال لك قائل: إني فكّرت جيّدا وقمت بعمليات حسابية فوجدت أنني إذا ما أطلقت بكل قوّاي هذا السهمَ مصوَّبا إلى صدرك على بعد عشرة أمتار، لن يصل السهم إلى صدرك أبدا فيصيبَك. وهذا هوّا حسابي:
إذا ما أطلقنا سهما، فمن الطبيعي حسابيا أنه يقطع نصفَ المسافة التي تفصله عن الهدف (أليس الأمر كذلك؟)؛ ثم بعد ذلك يقطع نصفَ النصفِ المتبقّي (أليس كذلك.)؛ ثم نصفَ نصفِ النصفِ، وإلى ما لا نهاية؛ وهكذا لن يصل هذا السهم صدرك أبدا إذا ما قبلتَ أن نقوم بتجربة. وإذا لم تقتنع، فأثبت لي عكس ما قلتُ بناء على حساب.
مثل هذه الظواهر تبين بعض أوجه الطبيعة المحدودة لبنية كل ملكة من الملكات المعرفية، بما فيها ملكة اللغة. كما يبيّن غيرها من الظواهر الأخرى قدرة تضافر الملكات المعرفية فيما بينها لتجاوز ذلك القبيل من المحدودية. وهكذا فبإمكان ممتلك اللغة المعيّنة أن يدرك بفضل ذلك التضافر أوجه الالتباس التي هي معطى من معطيات بعض تراكيب اللغة لا دخل له في قيامه على مستوى النيات، فيبادرُ ذلك الممتلك للغة إلى "الاحتيال" لتجنب ذلك الالتباس الذي يحبِل النحو كما هو قائم في ذهنه، وذلك باستعمال نفس ما توفره اللغة من إمكانيات أخرى. فعلى سبيل المثال، وبالعودة إلى الجملة التي شكلت منطلق هذه التوضيحات، يمكن لممتلك اللغة العربية مثلا أن يقول، إذا ما كان يقصد أن الابن هو الذي كان مخمورا ما يلي أو ما هو على غراره:
[["ضربَ الأبُ ابنَه، لأنّ هذا الأخيرَ كان مخمورا"]] أو [["ضربَ الأبُ ابنَه، لأنّ الابنَ كان مخمورا"]].
كما أن هناك قبيلا من الالتباسات الصرفية أو التركيبية ما ليس مردّه إلى النحو الكلي، وإنما يعود إلى الحالة التي استقر عليها تفرّع نحوِ خاصّ للغة معيّنة من ذلك النحو الكلـي، وتداخل بعض قواعد ذلك النحو الخاص فيما بينها. من ذلك مثلا ما تسفر عنه قواعد الإعلال على مستوى الصرف في اللغة العربية من التباس صيغتي اسم الفاعل واسم المفعول بالنسبة لصيغة /افتَعل/ في كل الأفعال الجوفاء (اختار/المختار: الذي اختار/اختير؟ المغتال: الذي اغتال/اغتيل؟) وبالنسبة لصيغ فعلية أخرى يتم فيهااعلال و/أو إدغام المثلين (المُحاجّ: المحاجِج أم المحاجَج؟)
كل القبُـل المذكورة من المعرفة الذهنية المتضافرة (لغوية، منطقية، براغماتية) يتمّ استحضارها من حيث المبدإ وجوبا أثناء صياغة النصوص العلمية والقانونية والإدارية. وهذا مقال قديم في هذا الباب الأخير:
"صياغة القوانين وتأهيل اللغة؛ أو لماذا يصلح النحو وعلم المعاني؟" (يونيو 2011)
https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-la-constitution-et-le-langage-juridique
------------------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres