OrBinah

(En arabe) Hommage à la diva de la Aïta de Jebala, Chama Zaz

كيف طرأتُ على حقل العيطة الجبلية؟

 

تكريما لروح الفنانة الراحلة، شامة الزاز

 

 

حصل أولُ اكتشاف لي لثقافة منطقة جبالة بمحض الصدفة. حصل ذلك في سبتمبر 2005 لما اتصل بي، عن طريق بريد الميل، الباحث الموسيقولوجي والمؤلف الموسيقي المجدد المتخصص في الموسيقى المغربية (من موسيقى شعبية وآلة وغرناطي ومن بيّوط يهودي) والعازف على الناي، إبي عيلام امزالّاكًـ (אבי עילם אמזלג)، المغربي مولدا ونشأة أولى بالدار البيضاء، والمقيم استقرارا بكاليفورنيا، بشكل لم أعد أتذكر معه كيف، وعن طريق من، حصل على عنوان بريدي.

قدّم لي أبي عيلام نفسه وأخبرني أنه بصدد تحرير مقال باللغة  العبرية بعنوان משקל ומקצב מוסיקלי בפיוט של יהודי מרוקו ("العروض والإيقاع الموسيقى في بيّوط يهود المغرب")، يركز فيه على مسألة الإيقاع في ترانيم البيوط اليهودي المغربي، وعلى الأخص منها ما يتعلق بالإيقاعات الوِترية التي يسميها البعض بـ"الميزان الأعرج" (إيقاعات خماسية أو سباعية أو تساعية، أو حتّى أحد-عشرية).

وقد صادف ذلك أني كنت حينئذ بصدد إنجاز كتاب حول نفس العلاقة بين الأوزان العروضية والإيقاعات الموسيقية مع زميلي اللساني الفرنسي، فرانسوا ديل، لكن في حقل الموسيقى الأمازيغية السوسية التي يتنشر فيها بدورها إيقاعُ خماسي (rythme quinaire) في أغاني أحواش والروايس (صدر الكتاب سنة 2008).

بعث إلي ذلك الباحث، بعد ذلك، بنسخة إليكترونية من الصياغة الأولى لبحثه المذكور فقرأتهه مرتين، ووافيت صاحبَه بورقة مختصرة من التعليقات باللغة الانجليزية (صفحة واحدة؛ انقر هـــــنـــــــا).

وقد طلب مني، بعد ذلك، ما إذا كان بإمكاني أن أبعث إليه بما أجده من أغاني العيطة الجبلية. توجهت إلى سوق "السويقة" بالرباط فاقتنيت مجموعة من الأقراص (محمد العروسي، شامة الزاز، حاجي السريفي ...)، نسختين من كل قرص؛ فبعث إليه عبر البريد العادي بنسخه مع توضيحات حول الأغاني التي تعكس الإيقاعات الجبلية الأصيلة في تلك الألبومات لتمييزها عن تلك التي أخذت تستجيب لميولات السوق الاحتفالية الحديثة، واحتفظت بنُسخي لمزيد من الإنصات قصد التعرّف أكثر على الخصائص البنائية للإيقاعات الجبلية. وكان ذلك مناسبة لي كي أعود إلى ما كان قد كتبه الباحث الموسيقولوجي، أحمد عيدون (1992) حول الأنواع الموسيقية المغربية، ومنها العيطة الجبلية (ص: 111-116)، لكي أتأكد من صحة إدراكي لإيقاعات هذه الأخيرة، فاتضح لي صواب ذلك الإدراك؛ وأيقنت بعدها أن تلك الإيقاعات الوترية/"العرجاء" هي من بين الخصائص الأساسية المميزة التي تخوّل للأنواع الموسيقية المغربية، مقارنة مع غيرها، هويّة فنية خاصة؛ إذ تشترك في استعمالها أنواع شتّى، من أحواش/الروايس، إلى أحيدوس، إلى العيطات الجبلية والسهلية، إلى سرابات الملحون، وإلى الدقة المراكشية والكًدرة الصحراوية (إيقاع ثلاثي/valse بالنسبة لهذه الأخيرة). ثم إنه قد استمر التبادل المعرفي بيننا إلى اليوم في هذا الميدان، خصوصا وأن أبي عيلام متمكن من الثقافة العربية ومن موسيقاها على الخصوص بما في ذلك مقامات ترتيل القران، إلى جانب معرفته العميقة بمقامات وإيقاعات البيوط المغربي اليهودي.

 

ثم إنه حصل بعد ذلك في ربيع 2013 أن دعاني زميلي الأنثروبولوجي الفرانكو-مغربي جوهر/جاك  زونز (Jacques Vignet Zunz) للمشاركة في الملتقى الدولي الثالث حول ثقافة جبالة الذي انعقد بمدينة تاونات بعد ملتقيي مدينة شفشاون (24-25 أبريل 2013) في موضوع "تراث جبالة في خدمة التنمية"، والذي شاركتْ فيه ثلة من الباحثين الأنثوبولوجيين واللغويين واللهجاتيين ومؤرخي هجرات المجموعات البشرية في شمال إفريقيا ومؤرخي ثقافة الزراعة والمعمار ...

وإذ كان المنظمون، وعلى رأسهم السيد جوهر/جاك زونز، قد أشاروا إلى أن ستكون هناك فقرات تنشيطٍ فني على هامش الملتقى، وإذ كان شيخ العيطة المرحوم محمد العروسي حينئذ على فراش مرضه الأخير (توفي رحمه الله بعد أقل من سنة من ذلك في فبراير 2014)، فقد راسلت المنظمين مقترحا عليهم ضرورة دعوة ابنة تاونات وديفا العيطة الجبلية، السيدة شامة الزاز ليكتسف المشاركون من خلالها أداءاتها وجها من أوجه أصالة الموسيقى المغربية. لكن مفاجئة المشاركين، الذين شدّوا الرحال إلى جبالة من بعيد قادمين من الداخل ومن الخارج في رحلات تنتهي بطريق متهالك وعر المسالك وجدّ متعب حينئذ بين منعرجات فاس-تاوانات، تمثلت في أن الذي دعي للتنشيط الفني في ملتقى عقد حول "تراث جبالة في خدمة التنمية" كان أحد الفتيان "المُكسطر" على طراز "اللوك" الجديد، لوك الساعة، الذي أخذ يقلد أمام المشاركين مواويل موشحات الفنان السوري صباح فخري، فبُهت الجميع في مفارقة سوريالية (انظر نصّا لي حول الواقعة هــــنـــــــا). لكن لحسن الحظ، قد تمّ تدارك الخطإ في الملتقى المقبل وتمت دعوة الفنانة شامة الزاز التي أتحفت الجمهور بمنوعات من العيطة والعيوع، وفرحت شخصيا بلقائها لأول مرة فكان كما لو كنت أعرفها منذ زمان وأخذت لنا صور تذكارية جميلة بحلتها الجبلية البديعة.

رحم الله الفنانة الشعبية شامة الزاز التي عاشت فنها في عفاف وكفاف.

 

 

بعض المراجع المشار إليها:

Aydoun, Ahmed (1992). Musiques du Maroc. Editions EDDIF. Casablanca. Maroc.

-            Dell, François and Mohamed Elmedlaoui (2008) Poetic meter and musical form in Tashlhiyt Berber songs. Rüdiger Köppe Verlag. Cologne.

------------------------------

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



30/09/2020
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres