(En arabe) Etymologie du mot berbère 'sksu' ("couscous")
محاولة لتأصيل كلمة /ســكــسو/ ("Couscous")
1- كلمات اللغات المختلفة ماهيّات نطقية عابرة للزمان والمكان في تطوّرها ولها وجهان: اللفظ والمعنى. هذان الوجهان في تطوّر دائم عبر الأجيال والقرون. ويتمثل التأصيل العلمي (étymologie) في محاولة الكشف عن أقدم الحالات الممكنة للكلمة المعينة في اللغة/اللهجة المعينة لفظا ومعنى، اعتمادا ليس على الرجم بالتخمين، ولكن على ما هو متوفر لدى اللغويين من معارف مبنية على ما هو مطرد ومعلّل من التقابلات الصوتية/الدلالية بين اللهجات المتقاربة المختلفة في المجموعة اللغوية المعينة. التطور الصوتي ظاهرة تعتري نطق بعض الأصوات عبر تعاقب اجيال الناطقين (استحالة الكاف الانغلاقية إلى كاف احتكاكية ثم إلى شين، أو استحالة التاء إلى سين، مثلا). حينما يحصل هذا في جيل من الأجيال يكون مطردا بشكل مطلق أو بشكل محصور في موقع معين من الكلمة. أما التطور الدلالي، فيتم بواسطة مختلف أوجه الاستعارة والمجاز اللذين ينتهيان مع كثرة الاستعمال إلى معنى حقيـــقي في المعجم.
2- وبناء على (1)، فإن الأصل هو ألا تكون الكلمة المراد تأصيلها على نــــــفــــس لفظها ومعناها الراهنين ليبحث عن تأصيلها بناء التقريب بين ذلك اللفظ والمعنى وبين لفظ غيرها من الكلمات المعاصرة لها. خذ لك مثلا الكلمة الفرنسية ذات الاستعمال اليومي الملموس tête. حسب معجم لاروس، هذه الكلمة منحدرة لفظا ومعنى أصليا، من الأصل اللاتيني testa الذي يعني في أصل استعماله "قدح من فخار". استعملت أول الأمر في أجيال تفرّع اللهجة الفرنسية عن الجدع اللاتيني على شكل استعارة قدحية للدلالة على "رأس". فعلى المستوى الصوتي للأصل testa، يعرف اللغوي أن علامتي التذكير [o] والتأنيث [a] اللتين ما تزالان في أخوات الفرنسية من المجموعة اللاتينية (الإسبانية والإيطالية مثلا) في آخر الكلمة، قد تم اسقاطهما مع التطور في الفرنسية؛ ومن ذلك سقوط فتحة [test-a]. وأما السين [s] في آخر المقطع [tes-ta] التي تحتفظ بها كذلك أخوات الفرنسية في جميع الكلمات المشتركة بين اللغات اللاتينية (fête/festa مثلا) بما فيها فرنسيةُ الشاعر رونصار وحتى الفيلسوف ديكارت مثلا، فقد سقطت في الفرنسية المعاصرة سقوطا تامّا وعُوّض عنها بتمديدٍ للحركة السابقة الذي يشار إليه على المستوى الإملائي بإعجام بنبرة accent circonflexe (التي دعا المجلس الأعلى للغة الفرنسية إلى التخلي عنها قبل سنوات فقط). أما على مستوى المعنى، فما لبث هذا الاستعمال الاستعاري الأول في الفرنسية أن فقد دلالته القدحية فأصبح يفيد "رأس" كمعنى حقيقي. وأغلب الكلمات الدالة حاليا على "الرأس" دلالة حقيقة انحدرت عن نفس القبيل من الاستعارات، وأكثرها وضوحا هو تسمية /ازلّيف/ أو /ازدّجيف/ الذي كان يعني في الأصل "رأس الذبيحة المشوّط باللهب" ("الراس المشوّط" بالدارجة)، إذ الكلمة في الأصل مصدر فعل /زلف/ بمعنى "شوّط الشيئ باللهب".
3- وبناء على مثل هذه الاعتبارات اللغوية، فإن كلمتي "سكــسو" أو "وتــشــو" الأمازيغتان لا يصحّ أن يُبحَث لهما عن تأصيل بناء على لفظيهما ومعناهما الحاليين. هاتان الكلمتان تدلّان اليوم، على سبيل الحقيقية والتخصيص، على وجبة معينة تحضر بالشكل المعروف (ليس هنا مجال لتفصيل الوصفات). غير أن المقارنات المختلفة على أصعد مختلفة (صوتية ودلالية وانتقالية إلى لغات أخرى مثل الدارجة) تبين أن المعنى الأول لهتين الكلمتين هو "المأكل" أو "الطعام" الخامّ أوالمحضّر بصفة عامة. وبذلك المعنى سمّي "سكسو" بـ"الطعام" في الدارجة المغربية على سبيل الاقتراض بالمعني كما حصل لكثير من الكلمات السوسيو-اقتصادية (اكًادير/المخزن، تاوالا/النوبة "قطيع البقر"، امزوار/المقدّم، يمي ن-وكًادير / فم الحصن، تيغمرت/الزاوية، الخ.)
4- من خلال المقارنة بين أوجه الأمازيغية، تتمثل الفرضية التأصيلية الأرجح في افتراض أن الأصل الأقدم لفِعل "أكل" (الذي منه "المأكل" بمعنى "الطعام") في الأمازيغية هو */كــتـــا/. ومن المعلوم أن الكـــــــاف /ك/ كثيرا ما يتطور في الأمازيغيات إلى شيـــــــن /ش/ (بصفة مطلقة كما في أمازيغية قلعية، أو في كلمات متفرقة كما في غيرها). كما أن التــــاء /ت/ تتطور إلى سيـــــن /س/ بشكل مطلق كما في لهجة أنزي بسوس (توديت/سوزيس "زبدة") أو في كلمات متفرقة في غيرها.
5- هذه التطورات الصوتية، المطردة منها والمتفرقة، هي التي تفسر لنا أوجه الفعل الدال على "أكل" عبر الأمازيغيات؛ ومن ذلك ما يلي:
- تاشلحييت: كســـا/كسّا "أكل/يأكل" (بالنسبة للحيوان العاشب)؛ /اسكسو/ (بزيادة سين اشتقاق المكان)، وجمعه /يسكسا/ أو يسكساوان على "المرعى"، ويطلق كذلك /سكسو/ أو /تاسكسوت/ على وعاء تحضير الكسكُس (كما يطلق في الدارجة /المـــترد/ على "وعاء الثريد")... الخ.
- تاشلحييت: شّـــــا "أكل" (بانقلاب الكاف شينا وتجانس السين مع الشين واندغامهما على شكل تشديد) في مقابل صيغة اللا-تمام /شتّــــا/ "يأكل"، وفي مقابل صيغة /مــتشو/ "الأكل" بزيادة ميم الاشتقاق؛ وفي مقابل /اشــــتشي/ (بزيادة سين الاشتقاق مع إجراء مجانسة أصوات الصفير؛ التقدير هو /اســتشي/)؛ ومعنى هو /اشــــتشي/ هو "المأكل المسموم" (نقل المفهوم بالترجمة إلى الدارجة "التوكال"). وأحد أوجه تاشلحيت نفسها (لهجة يسكساوان) يقول ســـا/ســتّا "أك/ يأكل".
- أما في الريف، فيقال تشا/تـــتّ "أكل/يأكل" (تحول الكاف إلى شين وقلب كماني بين الشين الحاصلة والتاء الأصلية (*/كـــتا/). تطوّر الكاف إلى شين وحصول قلب مكاني يحوّل [شــتــ] إلى [تــشــ] نجده كذلك في فعل /تــشــور/ فالقبايلية الذي يقابل /كتور/ في تاشلحييت بمعنى "امتلأ" (أغنية يدير: "ندو آ-ييغي ارمين يتــشــور وبوقّال").
- وفي هذا الإطار، وفي مقابل /مــتشو/ في تاشلحييت بمعنى "المأكل" بصفة عامة، أُطلِق /وتشو/ في القبايلية على ما تسميه تاشلحيت وكثير من الأوجه الأخرى للأمازيغية بلفظ /سكسو/، أي الوجبة المحضّرة بالشكل المعروف والتي تشكل الطبق التاريخي الغالب منذ القدم على سكان إفريقيا، والذي أخذ يُطلق على مسمّاه من باب إطلاق الكُـــل (أي "الطعام") على الجــــزء (أي: الوجبة المعينة المعروفة الغالبة في شمال إفريقيا.
6- هناك تفاصيل أخرى وتفرعات أخرى على مستوى تطور لفظ */كــتــا/ وتطور معناه بمختلف أساليب الاستعارة والمجاز (/كسا/ مثلا بمعنى "رعى القطيع"، "راقب"، الخ.) ولكن ليس هنا محل الاستطراد فيها. يتعين فقط التنبيه إلى أن إعمال الرجم بالتخمين بشكل تسيّبي على سبيل ما يسمّيه فيردينان دي-صوسور بـالتأصيل الشعبيي "étymologie populaire"، فيه احتقار للغة وإساءة إليها عن طريق العبث والتشويش على المعرفة بها معرفة علمية، كما فعل قوم مع العربية، وكما أخذ آخرون من الهواة يحذون حذوهم فيه مع الأمازيغية اليومَ. ومن باب تخمينات الهواة، كمجرد عيّنة لأسلوب التخمين، الانطلاق مثلا من كلمة /سكسو/ بلفظها الحالي [sksu] ومعناها الحالي "الطبق المعروف اليوم" كما لو أن معجم اللغة قارٌّ لفظا ومعنى عبر آلاف السنين (راجع النقطة-3 وما قبلها) والبحث عن تقطيعات لفظية ممكنة للكلمة ولسيناريوهات خيالية مختلفة لأصل التسمية، فيقال مثلا (اعتمادا على لهجة حالية من اللهجات الأمازيغية) إن كلمة /سكسو/ كلمة مركبة من فعل /سكّ/ "مرّرَ" (الذي هو فعل مشتق بزيادة سين التعدية على فعل /كّا/ "مرّ") وفعل /سّو/ "بلـّل" (نفس أسلوب الاشتقاق بزيادة سين التعدية على /سوا/ "شرب") باعتبار أن "الكسكس يتم إعداده بتمرير الطحين بين اليدين أثناء الفتل مع تبليله بالماء" ...، إلى آخر القصة الشعبية.
ثم إنّ يتعين التمييز بين كلمة /سكسو/ أو بديله الصرفي/الصوتي الجهوي /وتشو/، كاسم عــامّ يدلّ على الطبق المعيشي الذي غلب تاريخيا على سكان شمال إفريقيا، وبين الأسماء الدالة على أنــــــواع هذا الطبق من حيث مادة وكيفية الإعداد؛ فهناك /سكسو/، وهناك /تومّيت/، وهناك /بوفّي/، وهناك /بادّاز/، وهناك /اباتّال/ وهناك /يبريّن/ ("الدشيش")، وهناك /بركوكس/ أو /بركوكش/. هذه التسميّات الفرعية النوعية الثلاث الأخيرة، تنطلق كلها من مختلف الصيرورات الصوتية اللهجية التي أفضى إليها فعلٌ أقدمُ في الأمازيغية يُفترض أنه */بــركًـ/ (الذي أعطى /بري/ "جرش"، "دشّ"، /ابرّوكًـ/، /ابرّوي/، /ابرّوش/، /ابركوكس/، /ابركوكش/ "حبة دشيش")، وهي التي انطلقت منها فرضيةُ التأصيل التي أوردها الباحث سالم شاكر لكلمة /سكسو/ (انظر هـــــنـــــا)، والتي يبدو جليّا أنها غير دقيقة وتنقصها مزيّة التفسير، خصوصا وأنها لا تفسر وجود وجه /وتشو/ كمرادفٍ لهجي لتسمية الكُسكس بمفهومه العام وليس باعتبار أنواعه حسب مادة وكيفية الإعداد.
وأخيرا هذان رابطان ذوا علاقة بالموضوع: رابط نحو نص ذي طابع عام حول الاطراد والتوقع في باب التطور الصوتي، ورابط نحو نموذج لإعمال المنهج المقارن المشار إلى بعض معالمه أعلاه في تأصيل اسمين من أسماء الأعلام "شفشاون" و"غمارة".
أ- "الفرضية والتوقّعية في البحث العلمي عامّة، وفي البحث اللساني خاصّة"
ب- Deux essais d’étymologie toponymique et onomastique
(Chefchaouen et Ghomara)
--------------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres