OrBinah

(En arabe) Du toponyme 'Mogador' (Maroc)

عودة إلى مناهج الحشويّة والمُهرّبة في صفوف الأكاديميين

(من تأصيل أُكلة "صايكوك" إلى طوبونيمية "موكًادور")

-----

.

 

عن منهج الحشوية بصفة عامة

1-   سبق أن خصصت لمنهج الحشوية في البحث العلمي أحد المقالات القصيرة منذ عدة سنوات (الرابط أسفله)؛ ثم عدت مؤخرا إلى مسألة ما هو بمثابة 'ثورة كوبيرنيكية" أحدثتها الشبكة العالمية في باب الولوج الديموقراطي المباشر إلى مصادر المعلومات (نصوص مقدسة، نصوص أدبية أصلية، نصوص علمية) بشكل ألغى وظيفة الوســــطـــــاء التقليديين، الحُفّاظ وأصحاب "قرأنا لكم"، وسطاء الرواية الانتقائية و/أو اللغات (هناك اليوم الترجمة الآلية التي ما فتئت تتحسن). وأعود اليوم إلى هذه المسألة بمناسبة ما دار حول مسألتين:

(أ) تدوينة عادات إلى الظهور على صفحات بعض المواقع الاجتماعية، تُقدّم للجمهور العربي نشيد التيقفا (התקווה "الأمل") الذي وضع كلماته البولوني، نافتالين هيرتس أمبير، في أواخر القرن-19 والذي اتخذ بشكل غير رسمي نشيدا وطنيا في إسرائيل سنة 1948 قبل اعتماده نشيدا رسميا سنة 2004؛ وكان ذلك التقديم مصحوبا بــ"ترجمة" عربية، زيد فيها ضِعفُ عدد الأشطر بمضامين تهييجيّة هي غايةٌ في الغباء والاستغباء (دعوات حماسية باسم "شعب الله المختار" إلى سفك دماء غير اليهود ...)؛

(ب) تخريجات "لغوية تاريخية" قدّمها أحد الأكاديميين المؤرخين كـ"تأصيل لغوي" لكلمة "صايكوك" في الدارجة المغربية قائلا أن أصلها فرنسي ("Ça aux coqs" بناء على حكاية شعبية، مع أن الكلمة واردة في المصادر القديمة وأصلها /ازايكوك/ بتفخيم الزاي؛ انظر معجم محمد شفيق في مادة "كس/كسكس")، وما تفرّع عن ذلك التخريج استطرادا من طرف المعلقين، في باب الحديث عن ثقافة المؤرخ في موضوع تحقيق وتأصيل أسماء الأعلام والمصطلحات السوسيو-ثقافية بصفة عامة، حول تأصيل الاسم الطوبونيمي "موكًادور" (التسمية الأخرى لمدينة الصويرة/السويرة). وسأقتصر في هذا النص على إعطاء بعض العناصر اللازمة لتأصيل التسمية الأخيرة، موكًادور.

.

تسمية موكًدور/الصويرة

2-   مدينة الصويرة/السويرة مرتبطة، من حيث لفظ ومعنى تسميتها هذه بــ"السور" ("الصور" بنطق الدارجة). وتتميز من حيث الموقع (الصويرة القديمة والصوير الجديدة وبينهما حوالي 20 كلم)

بمجاورتها لضريح ولي يسمّى سيدي "مكـــــــًدول" أو سيدي "مكًــــدور". وكل من الاسمين على صيغة اسم مفعول بزيادة الميم في أوجه العربية (الدارجة والفصحى) وفي ما انتقل من ذلك إلى صرف الأمازيغية (/امحروق/، /امعضور/، /امحزون/، /امركًول/). فما هي دلالة كل من جذري /كًـدر/ و /كًدل/؟.

.

 

3-   في اللغات، التاريخية منها والحالية، التي تداخلت سوسيو-لغوياً و/أو تعاقبت في المغرب (الأمازيغية، الفينيقية، العبرية، العربية)، يدل الجذر /كًـدر/ (أمازيغية)، /جدر/ (فصحى) /גדר/ (عبرية) ومشتقاته، وكذلك بديله اللفظي بإبدال ما بين اللام والراء /كًــدل/ على ما يلي:

=  ما هو مقتبس من باب مادتي גדל/גדר (كًـدل/גדר) ومشتقاتمها في معجم William Gesenius المفهرس للألفاظ الواردة في كتاب "العهد القديم":

-  عبريــــة: מגדל (ميكدال) "برج "/"برج مراقبة"؛ ميكًدول "مدينة محصنة (غيزينيوس)

-  عبريــــة: מגדל (ميكًدول) "مدينة محصنة في شمال شرق مصر القديمة" (غيزينيوس)

-  عبــــرية وعربية وآرامية גדיר (كًادير) "سور"؛ أرامية  גדרא /كًديرا/ "سور"؛ عربية /جِدار/ "سور" (غيزينيوس).

.

=  ما هو مستعمل إلى اليوم في معجم الأمازيغية، إمّا كاسم عام أو كاسم عَلم مكاني:

-  /اكًـــادير/ "جـــدار" (يتراوح اســم "الجــدار" عامة في أمازيغية تاشلحيت مثلا ما بين /يــغيــر/ و/تابيــة/ و/اكًادير/؛ ومن هذا الاسم الأخير كان /اكًـّو ن-وكًادير/ "دخان جدار المطبخ")؛

-  /اكًـــادير/ "حِصن محوط بسور"؛ ومنه الحصون/المخازن المعروفة بـ/اكًادير/، ويجمع على /يكًودار/ و/يكًيدار/. وهذه الصيغ الصرفية الأربع (اكًادير/يكًودار/يكًيدار/تاكًديرت/) قد سميّت بها مدنٌ وقرى كثيرة في المغرب (أكَادير، يكَودار، يكَيدار، تاكًاديرت). ومن ذلك بلدة /يمي ن-وكًادير/ ("باب الحصن") التي تمّ تعريبها في بعض المناقبيات التاريخية بلفظ متداخل ما بين الدارجة والفصحى بلفظ "فُـــمّْ الحيصْن" الذي أصبح ينطق "ُفُــمّْ الحسـ'ــن".

-  /كًــدل/: فعل بمعنى "جعلَ المكان حِمىً/محمية". ويسمى والحمى/المحمية /اكًــدال/. قد يكون /اكًدال/ محمية رعي أو غرس، أو حَرَما من حُرُم الأولياء، أو حِمَى سلطةٍ مركزية. وبهذا الاستعمال الأخير انتشر فضاء /اكًـدال/ في المدن السلطانية بالمغرب (مراكش، فاس، مكناس، الرباط).

.

4-  ومن أوجه الإبدال الصوتي التاريخي المعروف والمنتشر في أوجه الأمازيغية، مما له تعلق بالموضوع، هناك أبدالٌ تطوّري تاريخي لللام راءً، وإبدال "الكًاف" جيماَ أو ياءَ. فمن ذلك اشملال/اشمرار "أبيض"، مليلت/مريرت (أو /مريتش/ مدينة "مليلية" ...)؛ ومنه مكًر/مجر "حَصَد"؛ ومنه اركًاز/ارياز "رَجُل".

وكما أنه من المعروف، في الدراسات اللغوية التاريخية، أن علامة التأنيث (قصد التأنيث أو التصغير) في الأمازيغية عن طريق تصدير الاسم وتذييله بالتاء /ت-xxx-(ت)/، كما في وشّن/تـــــوشّنــــت "ذئبٌ/ذئبة، أسلوب صرفي مستحدث، وأن علامة التأنيث الأقدم كانت تقتصر على إلحاق تاء في الأخير فقط (/xxx-ت/)، كما تحتفظ بذلك كثير من أسماء الأماكن (/مليلــت/ "مليلية"، /مريرت/، /مزوضــت/ "مزوضة"، /ماسّـــت/ "ماسّة''، /وجد'ت/، /ميدلـــت/، /مكًدورت/ بتيكًوكًا، /غرضايت/ بالأطلس الكبير وبالجزائر "غرضاية"...)، وكما بُنيّت على صيغته الصرفية الأمازيغية كثير من المقترضات الأمازيغية من العربية (/لخدمـــت/ "شغل/عمل"، /لبهيمت/ "دابّة"، /لكسيبت/ "ماشيّة، دّيّــــت "دِيّةٌ"، /لّيلــت/ وتنطق اليوم لفظا [دّجير'ث] "ليلٌ").

.

5-  المعطيات المعجمية المقارنة (النقطة-3) والمعطيات اللغوية الدياكرونية على مستويي الأصوات والصرف الأمازيغيين (النقطة-4)، تجعل الآن العلاقة قائمة بين كثير من أسماء الأعلام المكانية من قبيل حرَم /سيدي مكًدول/ أو /سيدي  مكًدور/ (ضواحي الصويرة)؛ ومن قبيل /تامكًدولت/ و/ميـــدلت/ التي كانت في الأصل مجموعة من حصون أيت يزدكًـ ("قصور" أو "يغرمان،"، جمع "يغرم") في ممر استراتيجي من وإلى تافيلالت، هذه المدينة التي ما يزال بعض الجيل القديم ينطقها بلفظ [مكًــدلت] بكًاف مغوّرة احتكاكية أقرب إلى الياء؛ وكذلك من قبيل قرية /مكًــدورت/ المحصنة قديما في عهد الموحّدين بجماعة تيكًوكًا بالأطلس الكبير في عمالة تارودانت (بعض الجيل الجديد أصبح ينطقها بلفظ /مكًـدوت/). وبهذا يقوم الجسر التأصيلي بين كلّ أسماء أعلام الأماكن التي تفيد التحصين بالسور أو الحِمى، بما في ذلك تسمية /موكًادور/ المشهورة بسورها المحصّن لها وأبراجها، وفي علاقة مكانها (الصويرة القديمة والجدية) بقُطب حرَم "سيدي مكًدول/مكَدور.الكلمة قد مرّت طبعا بالنطق الأيبيري البرتغالي الذي لا يقبل توالي عدة صحاح دون حركات (*mgdor)   فتم فكّ ذلك بإدخال حركات فكان لفظ mogador.

.

خلاصــــــة

من خلال النقط أعلاه، يتضح أن تأصيل ألفاظ أسماء الأعلام المكانية والبشرية والمصطلحات والوقوف على معانيها المعجمية الأولى يقتضي تقاطعا متضافرا لمعطيـــــــــات كثير من المؤشــــــرات: تقاطع وتضافر المؤشرات المعطيات اللغوية المقارنة والتاريخية، ومعطيات الجغرافيا التضاريسية، والمعطيات السوسيو-اقتصادية والعمرانية التاريخية. وإذا كان عموم الجمهور والهواة يستهويهم المجاز والتشبيه والاستعارة والحكاية (سُمّي بكذا لأنه قد حصل كذا فقالوا كذا، كما فعل أحد الأكاديميين مؤخّرا مع تأصيل اسم أُكلة "صايكوك"، /ازايكوك/ بالأمازيغية)، فإن ذلك غير مقبول عندما يصدر عن حاملي الألقاب الأكاديمية في مقامات خطاب معرفي، تيسيريا للعموم كان أم موجها للوسط الأكاديمي. كما لا يقبل منهم الجنوح إلى مجرّد التخميــــن والاستبطــــان اللدُني في حلّ من الوثائق والمعطيات. إن الوقوف عند مثل هذا النهج الأخير، صادرا عن الأكاديميين، ليس مضيعة للوقت كما يذهب إلى ذلك البعض ممن يرى أن الأفكار الكبرى فقط (وليس جزئيات "البغرير" أو "الصايكوك") هي التي تستحق الوقوف عندها، من قبيل "معضلة التعليم"، "لغة التكوين والبحث"، "مسألة الهوية"، الخ. ذلك لأنه يقال في بعض لغات العَجَم: Le diable se cache dans les détails ("إبليس يكمن في ثنايا الجزئيات")

----------------------

 

استــــدراك

أشكر الأستاذة مينة المغاري التي نبهتني عبر الميل (يوم 15 ماي 2019) بعد قراءة هذا النص إلى عملها المتميز في هذا الباب، باعتبارها مؤرخة عارفة بتاريخ مدينة موكًادور/السويرة/الصويرة/تاصورت. لقد بعثت إلي بنسخة إيليكترونية من القسم الثاني من كتابها الصادر سنة 2006 (أطروحة نوقشت سنة 2004).

 

الشيء الذي يبعث على الاطمئنان، على المستوى المعرفي، في هذا التنبيه، هو التقاطع التكاملي التام القائم ما بين معطيات دقيقة مستقاة من مصادر تاريخية موثقة ساهم بها المؤرخ المتخصص (مينة المغاري)، وفرضيات تأصيليّة إيتيمولوجية ساهم بها اللغوي من خلال النص أعلاه، انطلاقا من مجرد مؤشرات معجمية مقارنة ومن ملاحظة التطورات الصوتية الدياكرونية للألفاظ (ل/ر؛ كًـ/ج/ي؛ علامة التأنيث في الأمازيغية)، في تقاطع ذلك مع بعض المؤشرات العمرانية العامة (وظيفة "التحصين").

 

.

 

وهذا مرجع عمل الأستاذة المغاري.

 

مغاري، مينة (2006). مدينة موكًادور-السويرة؛ دراسة تاريخية وأثرية. دار أبي رقراق للطباعة والنشر. الرباط.

 

.

-  مقال حول منهج الحشوية في المجال الأكاديمي

(تحليل حشوي لنقيشة ضريح الملك ماسينيسا)

https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-du-populisme-politique-au-charlatanisme-academique

.

-  مقالان قصيران حول تأصيل طوبونيمي لاسمي "شفشاون" و"غمارة"

https://orbinah.blog4ever.com/en-francais-deux-essais-d-etymologie-toponymique-et-onomastique-chefchaouen-et-ghomara

---------------

.

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



10/05/2019
2 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres