(En Arabe) Définitions fantastiques de certains concepts éthiques-Suite-3
معجم مواد الأحكام السلطانية وأخلاق المدينة وفلسفة التاريخ
كما وردت في كتاب
"مقامات في اللغات والعقليات؛ الهويّة والتحديث بين التذكير والتأنيث"
كتـــاب "مقامات في اللغات والعقليات؛ الهوية والتحديث ما بين التذكير والتأنيث" (2010؛ انظر هــــنــــا) كتاب تخيـيــلي الأسلوب، وفانطازيّ التحرير في باب العلاقة الأنثروبو-ثقافية بين اللغات والذهنيات. تلك العلاقة التي يبحث فيها علم الأنثروبو-لسانيات (Anthropo-linguistics) بمختلف أطره النظرية ومناهجه. وقبل ظهور ثم تطوير ذلك العلم في أمريكا على الخصوص، كان كثير من المفكرين قد عالجوا قضاياه معالجات فلسفية، أبرزهم فريدريك نيتشه في كتابه "الصدق والكذب بمعنييهما خارج الأخلاق" (Vérité et mensonge au sens extra-moral) حيث يرى أن اللغة هي المهيكل الأول للواقع في الذهن قبل العلم؛ والذي يرى كذلك أن بنيات اللغة المعينة (المعجم والتركيب) تشكل بذلك ما يشبه أقدم المقابر التي يمكن النبش فيها للوقوف على رفات الأفكار والمفاهيم التي يدفن بقايا بعضها على بقايا البعض الآخر على طول الأزمان والآباد.
كاتبني أحد الزملاء مؤخرا في شأن بعض ما ورد في الكتاب، "مقامات في اللغات والعقليات"، فعدت إلى الفصل المعنيّ، ففاجأني بعد حين أمرُ ما تخلل ثنايا مجمل الكتاب الذي صدر سنة 2010 من إرهاص غريب بـما عرف بــ"الربيع العربي" لسنة 2011؛ ذلك "الربيع" الذي أصبح اليوم ومنذ أشهر على بدايته غُثاء أحوى يغذّي نارا لا تبقي ولا تذر، لوّاحة للبشر، وَقُودُها الناسُ والعمران والحضارة، بدل ما كان يُنتظر من أن يأتي ذلك الفصل من فصول التاريخ ربيعا طلقا يختال ضاحكا ويرسم البسمات على شفاه من صاحوا يوما "هرمنا، هرمنا، هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية" (هـــنـــا).
بعد فصل "ما يستفاد من المقامة"، وعلى طريقة دروس التفسير كما تم تلقينُها لنا في الصغر، خُتم الكتاب بفصل أخير لـ"شرح المفردات" بعنوان "معجم مواد الأحكام السلطانية وأخلاق المدينة وفلسفة التاريخ" الواردة في المقامة. ويتعلق الأمر بأهم الكلمات-المفاتيح الآتية التي يدور الكتاب حول مفاهيمها، أي:
- اللغة، العقلية، العقل، المذكر، المؤنث، المرأة، المرء، أميسية، أبيسية، طلاق، ثقافة، هوية، تربية، تعليم، تثقيف، عِلم، جامعة، دراسة، قراءة، تقويم، سياسية، حُكم، عدالة، عدل، حقّ، دولة، مدينة، مواطنة، سلطة، ديموقراطية، ثورة، جمهورية، مجتمع، لائكية، مثقف، بهتان ثقافي.
وتعميما لمشاطرة بلا حدود، لا يراد منها جزاء ولا شكور، أيْ من قبيل "لا خوفْ، لا طمعْ"، سأعمل من حين لآخر على نشر "تعريفات" هذه المواد على الخط بمدونة OrBinah. وهي تعريفات يتداخل فيها جوهر الجد بالاسلوب الفانطيزي، أي على طريقة رَوْم الجدّ بما يشبه الهزل كما هو طابع مجمل الكتاب المذكور. وبعد أيراد ما يتعلق بمادة "1- المدينة" (انقر هــــنــــا)، ثم إيراد ما يتعلق بــ"2- السياسية" (انقر هــــــنــــا)، أواصل هنا ذلك النشر بإيراد تعريف مواد "3- الدولة"، "4-الحُكم والحقّ"، "5-القضاء"، "6-العدل"، "6-الثورة". فهاهي تلك المواد:
3- مادة "الـدولــــــــــــة"
أما لفظُ "دولة" السابقُ ذكره، فهو لفظ مشتق من دال/يدول، بمعنى دار/يدور، إذ الراء أخت اللام كما يقول ابن جني في كتابه "سر صناعة الإعراب"، ومعناهُـما "ولّى الشيء وأدبر بعد أن استكمل دورته"، وذلك كما تدور الأجيال وتولـّي فينقطع خلفـُها أحيانا كثيرةً عن سلَـفـها، وتنقطع في ذهن ذلك الخلَــف المفاهيم عن سنـَـدها، كما حصل لمفهوم "المدينة" كما بين ذلك الشارح.
فلماذا، إذن، أطلق القوم لفظ "دولة" (من دال/يدول) على مفهوم يبدو من خلال سياق الاستعمال أنه عينُ ونفسُ مفهومِ المدينة بالمضمون الذي سبق أن حدده الشارح؟ أي ذلك المفهوم الذي تتراوح الألفاظ الدالة عليه في لغات الحضارات الإغريقية-اللاتينية ما بين مختلف مشتقات فِعل statuo، الدائرة كلها حول معانٍ متقاربة متكاملة والتي تفيد حالات الثبات والدوام والاستقرار، مثل أقام، و وضَع، و أرسى، و شيـّد، و سـنّ، مما هو ضروري لهيئةِ وهيكلِ فضاءِ إرساء المدينة ووضع هياكل الحكم وإقامة الحق؛ ومن تلك المشتقات في تلك اللغات ألفاظ مثل Etat، Estado، State، Staat الدالة كلها في الفرنسية، والإسبانية، والإنجليزية، والألمانية على الترتيب، على ما يسميه المتأخرون في العربية بــالدولة المشتق لفظها من الدَوْل والزوال ترجمةً غير واعية للمصير الخلدوني لدول العصبية، المحكوم بدورة استنفاد زاد شوكة القطع لدى أصحاب العصبية.
فلِمَ، يا ترى، يقترن ذلك المفهوم في تلك الأمم واللغات بـالوضع والدوام والاستقرار على الحال (Etat، Estado، State، Staat)، بينما يقرنه بعض القوم بــالاستحالة والزوال، اللذين يفيدهما دال/ يدول، وزال/يزول، إذ الزاي أخت الدال عبر الذال؛ وتلك الأيام نداولها بين الناس؟ والدهور بالناس قـُـلـّبٌ كما يقولون. وبهذا الاستعمال لللفظ يقول أبو البقاء الرندي في الأمور التي تقوم فتدول وتزول:
هي الأمور، كما شاهدْتـَها دُوَلٌ * من سرّه زمنٌ ساءته أزمان
أكيد أن لهذا الاقتران الأخير علاقةً بانقطاع معنى ومفهوم المدينة عن مدارك الأجيال. فــالانقطاع والزوال قد تمكنا من هذه الأجيال كنمط للتفكير وللعمل، فرشّحا بذلك مفهومي التكرار والاجترار ورجّحاهما كمنطق للتاريخ، مأخوذَيـن على أنهما وصل واتصال مع جوهر الأصل الذي لا يمكن استحضاره حسب تلك العقلية إلا بالعَود والتكرار، في حين أن نسخة التكرار لا يمكن أن ترقى إلى مكانة ورتبة الأصل إذا لم يصادَق عليها بمعاينة الجوهر الذي هو المقاصد والغايات الكلية التي تأخذ في اعتبارها الأبعاد الزمانية والمكانية والتطورية.
ولعل في هذا التصور الخاص لأسس المدينة، القائم بحكم دال/يدول وزال/يزول، والمتمكن في الذهنيات والعقليات المنقطعة والمنبتـّـة، ما يفسر بعض مظاهر السياسة والتاريخ في فضاءات أولئك القوم. فلكي تـُتداول السلطةُ تداولا، ويـُتناوب عليها في وسط يغيب فيه مفهوم المدينة، لا يمكن أن تـُـتصور آليةٌ أخرى غير إسقاط دولة لإقامة دولة أخرى. ذلك أنه لا فرق، في هذا التصور الانقلابي للتاريخ، بين "الحكومة" أو"السلطة"، المرتبطتين بشخص الحاكم وعشيرته، أو السلطان وبطانته، وبين المدينة أو ما يطلقون عليه خلطأ "الدولة"؛ مع أن مفهوم المدينة (Etat) يتمثلِ في نظام قارّ من المبادئ والأسس المجردة والمتصفة بالديمومة والاستمرارية من حيث جوهرُ مقاصدها، لا من حيث صورُ صيغها، المتعـدِّلة باستمرار حسب المقاصد دائما كلما تغيرت معطيات الطبيعة والعادة والعقلية في الزمن التاريخي، فتكون ثيوقراطية ناسوتية، يقول فيها الفرعون "أنا ربكم الأعلى"، أو تكون ثيوقراطية غيبية يقول فيها الحاكم "أنا خليفة الله"، أو تكون ديموقراطية، برلمانية، أو رئاسية أو شبه رئاسية أو شبه ذا وذاك؛ فما القول إذن في الديموقراطية؟
4- مادتا "الحــــــكــــــم" و"الحــــــــق"
ومن المواد المعجمية المستعارة بالنقل من معنى "القطع" الحسي لتؤثـّث حقلَ المفاهيم السلطانية مادةُ "حـُكم". فهي مشتقة من حكم/يحكُم، ومعناه في الأصل "قطـَع"، سواء من حيث أصله الثنائي بعد التثليث بالميم، كما هو معروف من توسيع الجذور الثنائية بحروف (ل،م،ر،ن،ع،و،ي) في اللغات السامية (مثل قص/قصم/قصل، جز/جزأ/جزم/جزر، قطّ/قطم/قطع ...) أم قبل ذلك التثليث، حيث كانت مادة "حـــــك" عبارة عن وجه لهجي لمادة "حـــــق" التي تفيد نفس معنى القطع من حيث معناها الحقيقي الأول، لا المجازي، في أصل المعجم، والتي تمت استعارتها بدورها في المنظومة الفكرية لذهنية لغة القوم للدلالة على مفهوم "الحق والحقوق" أي النصيب المقتطع لذوي الحقوق في القسمة، تلك المنظومة التي على أساسها يقطع القاضئ ويقضي، ويحكـُم الحاكم في فضاء الدولة، أي ذلك المفهوم الذي يقترن المعنى الحقيقي، قبل المجازي، لأوجه لفظه في معاجم كثير من لغات العجم بمفهومي "الاستقامة" و"اليمين" (في مقابل "الشِـمال") كما في مصطلحات Droit, Derecho, Right, Recht. وقد بيـّن شرحُ مادة "القضاء" كيف أن لفظ "الحكم" ومفهومه القطعي قد استُعيرا في ثقافة القوم من فضاء القضاء القائم عندهم على القطع، إلى فضاء المعرفة التي تم تمثـّلُـها بدورها كأحكام إطلاقية قطعية كما سيتبـّينُ ذلك من شرحُ مادة "العلم".
5- مادة "القــــضـــــاء" (في علاقته بالمدينة وبالمعرفة)
القضاءُ لغةً "القطعُ"، فــ"قضى، يقضي" و"قضأ يقضأ" يعنيان "قطَع يقطع"؛ فالضادُ أختُ الطاءِ وتـُفضي إليها بالإبدال والانصراف الدياكروني التاريخي كما في التقابل بين "قضَم" و"قطَم"؛ والعين أخت الهمزة وتفضي إليها بالإبدال والانصراف الدياكروني كما في "رعى" و"رأى"؛ وبذلك يكون لفظ "قضى" عبارة عن وجه لهجي من أوجه "قضأ" أو "قطع".
أما في الاصطلاح – وبما أن القضاء أساس المُـلك - ، فإن عقلية من يقيس التدبيرَ المدني على سياسةً الدواب، ويعتبـِرُ فضاءَ المدينة حلبةً للقطع يتداول فيها أجيالُ القاطعين الغلبةَ، وتشكـّلُ وظائفُ القطْع فيها أساسَ الدولة التي هي من دال/يدول كما سيتضح، فقد استعارت تلك العقلبة هذا اللفظ، أي لفظ القضاء الدالّ لغةً على القطع والاستئصال والفصل، فأطلقته على خـُطة إحقاق الحق وإقامة ما يسمى بــ"العَدل" في فضاء المدينة، التي تم تصورها من حيث المبدإ وأصل الاعتبار الفلسفي ليتداين الناسُ فيها ويتعاملوا؛ أي أن تلك العقلية قد أطلقت لفظ "القضاء" الذي يعني "القطْع" على خطة إقامة ما تطلِق عليه بعض الأقوام لفظ Justiceالمشتق في أصل لغتهم من معاني الصحة والاستقامة وملاءمة الشيء - حسب ضوابط العقل الأخلاقي - لمحله ولسياقه دون انتقاص أو زيادة، أي المبادئ التي تقوم على المـعادلة بين الشيء ونظيره، والتي أجملها أولئك الأقوامُ في لفظ Equité ورمزوا إلى مبدإ المساواة والمعادلة فيها بآلة الميزان.
أما بحكم الخلفية الدلالية للاشتقاق الأول السابق، فقد كان يمكن أن يسمى القاضي بـ"القاضئ" (من قـَضأ)، أو بــ"القاطع" (من قطـَع). وبما أن القضاء أساسُ نوع السياسة والحكم والمُلك، وبما أن السياسة مشتقة في ذهنية القوم من "ساس/يسوس"، أي من مفهوم ترويض الداواب، فقد تم تأكيد تلك العلاقة على مستوى لغتهم عن طريق الربط من جهة أخرى ما بين مفهوم "الحُكم" وبين أبرز أدوات ترويض الدواب، ألا وهي حديدة اللجام المعروفة لديهم بـ"الحـَكـَمة" والتي أصبحت بدورها أصلا لاشتقاق المفاهيم الحقوقية. فقد ورد في لسان العرب لابن منظور الإفريقي "حـَكـَم الفرسَ حَـكْـما: جعـلَ لِـلجامه حَـكـَمةً ؛ والحـَكـَمة: حديدةٌ في اللجام تكون على أنف الفرس وحنـكـه، تمنعه عن مخالفة راكبه". كما أورد صاحب اللسان في نفس السياق حديثا يقول "ما من آدمي إلاّ وفي رأسه حـَكـَمةٌ". ولقد سمى لسانُ العرب القضاةَ "حـَكـَمةَ" على سبيل جناسٍ متعدد المعاني فقال "والحـَكـَمةُ: القضاةُ؛ والحـَكـَمةُ: المستهزئون".
ثم إنهم نقلوا مفهوم الحـُكم والقـَطع من ميدانِ أحكامِ قضاءِ الجزاء في حلبة الغلبة الاجتماعية إلى ميدان الذهن، فقاسوا عليه حمْـلَ أمورِ الفكر والنظر العلمي بعضِها على بعض، أي نَسْـبَ المحمولات إلى موضوعاتها وحملـَها عليها، سواء بمقتضى المنطق أم باعتبار الطبيعة أو الأخلاق. فقد تواضعوا على تسمية جملة إخبارية من قبيل قولك مثلا: "الكلُّ أكبرُ من الجزء" بمصطلح "قضية" وهي من صيغة "فعيل" بمعنى "مفعول" من قضى يقضي بمعنى "قطَع"؛ واعتبروا العلاقة القائمة ما بين طرفي الإسناد في تلك الـ"قضية" أو الـ"قطيعة"، أي طرفي "الكل" و"أكبر"، بأنها علاقة قضاء وقطع وحـُكم، يُحكـَمُ من خلاله بثبوت الطرف الثاني للأول وصدوقه عليه بما أن القضية حملية موجبة؛ أي أن الناظرَ "يحكُم" في مسائل العلم والمنطق (التي تعتبر في مصطلحات منطقهم "قضايا" يُقضَي في شأنها وتـُصدَر أحكام) كما يحكُم القاضي في القضايا الجنائية والمدنية حسب مفاهيم العدل والحقوق والأحكام كما هي مترسبة في الذهنية بمقتضى الاشتقاق الكـُبـّار مما فصل وبعضه وسيفصل في ما تبقى منه.
ثم إن هذا المفهوم الإطلاقي والقطعي للمعرفة باعتبارها أحكاما تـُصدر، وليس اجتهادات نسبية تقترح للتجريب والاختبار في فضاءات العقل والطبيعة والمدينة، قد امتد إلى تسمية المعرفة نفسها ليغيـّرها حتى تتطابق مع مفاهيم الفكر الإطلاقي القطعي. فلقد أصبحت المعرفة تسمى "حكمة"، ويسمي من يحوزُها بـالحكيم. ذلك أن الجيل الذي كان مزدوج اللغة باطلاعه على لغة مصدر مفهوم "المعرفة" أيام وضْع العلوم، كان قد ترجم اللفظ الإغريقي sophia بلفظ "العرفان"، مشتقا إياه من المعرفة، وذلك للدلالة على كل نشاط ذهني يـُعمِلُ العقلَ، وليس النقل أو الوهم، في استكناه حقائق الأمور. غير أن الأجيال اللاحقة التي انقطعت عن أسانيد مفاهيم المعرفة قد قاست بعد ذلك المفهومَ على ما يقابله في الفكر القطعي المقيس على القضاء والأحكام، فقالوا "حكمة" وقالوا "حكيم"، واطرحوا لفظي المعرفة والعرفان. وقد اشترك آل عبران مع آل عربان في أصل هذا الاشتقاق من خلال لفظ חכמה. وزاد الآخِرون من أهل الشِعر والشَعـَر والوبر، فأوّلوا في تـأويلاتهم جهلَ الجيل فنسبوا أهلَ العرفان، أي مـُحبي "صوفيا" sophia، إلى عادة ارتداء الصوف في زعمهم ووهمهم، في مقابل من يرتدون الحرير! وتجدر الإفادة من الناحية المعجمية إلى أن مختلف كلمات لغات العجم من أخوات لسان الأغريق مثل savoir, sagesse, saber, sabeduria, sapere, saggezza, sapienza، تنحدر كلها من نفس جذر اشتقاق لفظ sophia، أي ما يفترض أنه SAB أو SAG، مع العلم بأن كثيرا من الأصوات الطبقية (g, k, q) والشفهية (b, p, v, f, ) قد تتطور تاريخيا في اللغات الطبيعية عن أصل واحد هو الطبقيات المشفهة أو ذوات رَومِ الضم (gw, kw, w)؛ وهذا معروف جيدا عند العارفين باللغويات المقارنة، كما في أوجه لسان البربر مثلا للـّفظ الدال على "دفة الباب"، أي تــاكَـّورت / تــاوّورت / تــابّـورت، وقد فصّل أبو زيد في ذلك القولَ في قسم من رسالته المسماة "مبادئ المقارنة الحامية السامية على ضوء مفهوم الفصائل الصوتية الطبيعية"، وذلك بعيدا عن ذهنية مرجعيات الصوف أو الوبر أو الشـَعـَر فيما يتعلق بتأصيل كلمات المعجم، أي الإيتيمولوجيا. وقد أسند بعضهم تلك الرسالة إلى ابن مدلا وأسندها آخرون إلى غيره، وذلك الاختلاف في عنعنة السند غيرُ مهم بالقياس إلى أهمية المتن والمضمون.
وخلاصة هذا الشرح المعجمي هو أن المعرفة أصبحت عند القوم أحكاما مطلقة قطعية كما سيأتي تفصيل ذلك في شرح مادة "العلم"، فسميت تلك المعرفة "حِكمة" وهي صيغةُ مصدرٍ كيفيّ من فِعْل "حَكـَم" (على غرار "جـِلـسة" من "جلس")، وأن صاحب تلك الحكمة الذي يحكـُم بمضامينها حـُكماً، ويقضي بها قضاءً كحقائق مطلقة هو حاكم باعتبار لسانه وقلمه، وحكيم أي محكوم بحكم سيف الحاكم الزمني، وباعتبار أن حد السيف لديهم منصـّبٌ فوق شباة القلم كما سيتم شرح ذلك في مادة "مثقف" (الذي هو وجه من أوجه حكماء وعلماء العصر)، وباعتبار أن صيغة "فَعيل" تدل في صرف لغتهم على معنى "مفعول" كما في "حبيب" و"جريح" و"قتيل".
6- مادة "العـــــــــــدل"
وإذا كان لفظ Justiceقد اشتق في اللغات التي تستعمله من معاني "الصواب والاستقامة" وملاءمة الشيء - حسب ضوابط العقل الأخلاقي - لمحله ولسياقه دون انتقاص أو زيادة كما اشتق لفظ Equité فيها من الجذر الدال في معاجمها على "المساواة" كما شرح الشارح ذلك في مادة "القضاء"، فإن عقلية القاطع والمقطوع، والغالب والمغلوب، قد اشتقت لفظ ما اعتقدت أنه يقابل معنى Justice، أي "أساس الحُكم" بتعبير الحكماء، من اللفظ الدال في لغتها على مجرد غرض من الأغراض اليومية يستمد بدوره مرجعيته العملية من حظيرة الدواب، ألا وهو الخـُرْجُ الذي يوضع على ظهور دواب الحمل التي تُساس سياسة وتـُحكـَم بالحـَكـَمة، إنه "الجولق" المعروف في العامية بــ"الشواري"؛ وبذلك قالوا "العَـدل" و"العدالة" اشتقاقا من "العِـدل"، أي "الشواري" الذي توضع قـُفـّـتاه على جانبي ظهر الدابة فلا تستويان أبدا من الناحية العملية ومن حيث أصل دلالة كلمة "العـَدل" التي تلتبس بمعنى المـَيل والانحراف والاعوجاج والعدول. ذلك أن كلمة "العَـدل" مبهمة وملتبسة المعنى التباسَ تضادّ في لغتهم ما بين إفادة الاستقامة والاستواء، وإفادة الاعوجاج والميل والانحراف، إذ أن من بين معاني "العـَدل" و"العدول" معاني "الانحراف" و"المَيل"، حيث يقال "عدلَ الطريقُ" إذا مال، "عدَل عن جادة الطريق وعن الحق" إذا جانب ذالك.
7- مادة "الثــــــــــورة"
نص تعريف هذه المادة قد تم إغناؤه ببعض الشواهد التي كان يتحدث عنها نظريا، وذلك مباشرة بعد اندلاع ما سمي بــ"الحراك" أو "الربيع" سنة 2011 الذي انعكس في المغرب على شكل ما عرف بـ"20-فبراير". وهذا رابط نحو هذه الصيغة المصوغة على هدي شواهد الساعة، وهو بعنوان "هل من علاقة بين الثور والثورة؟":
https://orbinah.blog4ever.com/en-arab-y-a-t-il-une-relation-entre-taureau-et-revolution
-------------------------
محمد المدلاوي المنبهي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres