OrBinah

(En arabe) De la querelle-controverse comme moteur des études littéraires.

عن "الخـــصـــومـــــــــات"

كأسلوب محرّك للدراسات الأدبية

 

 .

 

1-   قرأت قبل أيام (أبريل 2019) في مكان ما من الشبكة مقالا تتأسف فيه كاتبته، بمناسبة ملابسات الإعلان عن جائزة البوكر العربية الإماراتية، عن اختفاء نـــــهـــــــــــــج "الخصومات الأدبية" حول ثيــــــمـــــة من الثيمات الفكرية أو الإبداعية من فضاء الثقافة العربية، واستحالة المواكبة التحليلية و"النقدية" في ذلك الفضاء اليوم إلى مجرد تعقبٍ موسمي للجوانب المتعلقة بالهيـــــــــاكــــــــل والهيئــــــات وبمواقع أشخاص الأدباء والمبدعين منها. وقد استعرضَت الكاتبة بعض أوجه العصر الذهبي للخصومات الأدبية في ذلك الفضاء بدءا بفترة "النهــــضــــة" ومدرستي كل من طه حسين التحقيقيّة العصرية، ومصطفى صادق الرافعي المحافظة (والرابطة القلمية المهجرية ...)، وما جاء بعد ذلك متداخلا معه ومتميزا ثيماتيكيا عنه.

.

2   بالفعل، يتذكر بعض الجيل الحالي تلك الخصومات، التي انخرط فيها ذلك الجيل، في فترة الطلب وبعد الطلب، بحكم تكوين الوقت ومناهجه. ويتذكر احتدم تناسخ ثيمات الخصومات على مستويات ومحاور متعددة يتداخل فيها ما يتعلق بــ"بنيـــــــــــة الفن/النوع" بما يتعلق بــ"الغايــــــــــــة من الفن"؛ فتوالت محرّكات "الخصومات" تتناسخ على شكل ثنائيات تحقيقات الصواب والخطأ في النصوص والتراجم، والانتحال والنحل، ثم التجديد والتقليد، وصدق العاطفة والافتعال/التكلّف، ثم الطبع والتطبّع (شوقي/العقاد)، والصنعة والتصنّع/التصنيع (مصطلحات شوقي ضيف). ثمّ ما لبثت الأصداء البعيدة لبعض العلوم الإنسانية (علم الاجتماع، علم النفس) أن زعزعت عرش المنهج التحقيقي التاريخي فظهر "المنهج لاجتماعي/الطبيعي"  (الأدب ابن بيئته) و"المنهج النفسي" وحتى "المنهج العلمي" في الدراسات الأدبية (ثقافة الناقد للنويهي) ...

.

3-   ومع هبوب رياح أدبيات الفكر الــــــــوجـــــــوديّ التي هبت كذلك من بعيد في الستينات والسبعينات (سارتر)، في اختلاط مع رياح الاشتــــــــراكيّــــــة، ظهرت ثنائيات جديدة: الحرية ولالتزام، والتقدمية والمحافظة/الرجعية في إطار مفاهيم "الصراع الطبقي"؛ ومن تـمّة شرعت "الخصومات الأدبية" تتزحزح تدريجيا من النــــــــــص إلى صـــــــــاحب النص، إلى أن أصبح "النقد" ("النقد" و"نقد النقد") يتخذ في الملاحق الأدبية للصحافة شكلَ مرافعات وتجريحات سياسية مفتوحة للمنقود/المنتقد، مبدعا كان أم ناقدا لإبداع أو لنقد سابق. وبذلك اكتملت الدورة باكتشاف الجيل أنه لم يعد يشتغل بالفكر والأدب والإبداع، فتـمّ، بالضرورة من جديد، العَود المُكرَه إلى النص في حد ذاته.

حصل هذا العَود الأخير مع هبوب رياح أخرى من بعيد، رياح ما أُطلِق عليه "المنهج اللساني/السيميائي" في الدراسات الأدبية  وفي "الفـــكـــر" عامة (؟؟). فراجت "البنيوية"، و"البنيوية التكوينية"، و"التوليدية"، و"الانزياح"، و"التفكيكية"، و"الانشطارية"، الخ.؛ وأصبح النص النقدي/التحليلي/التركيبي مادة تشــــكــيــــــليّـــــة قوامها جداولُ ومُسْهَمات وتشجيرات و"برشمانات" على الورق، يفهمها الجميع ويختلف حول دلالاتها الجميع. وحل محلّ ماركس ولينين، بورب وباختين، و دي-صوسور وتشومسكي، وكًريماس، وكًولدمانوبارث،  وكريستيفا تودوروف، كأئمة لدعم الأقوال وإفحام الخصم وإعجازه.

.

4-   غير أن عمر الانبهار بلغة الإعجاز قصير. فكما أن أصحاب المناهج "الاجتماعية" و"النفسية" لم يكونوا قط علماء اجتماع ميدانيين، ولا علماء نفس، يستعملون الأثر الأدبي بالنسبة لعلومهم كمجرد معطى ثانوي من معطيات التجريب في مواضيع اشتغالهم، فكذلك لم تكن جحافل أصحاب المناهج "السيميائية/اللسانية" من اللسانيين، على غرار جاكوبسون مثلا وزملائه في "مدرسة براغ" الذين طوّروا أوّلا علمي الفونيتيك والفونولوجيا، واستخدموا بعد ذلك جانبيا بعض أنواع الآثار الأدبية من قبيل معطيات الإبداع الشعري مثلا (السجع، والقافية، ...) كمجرد مادة تجريـــــبـــيّــــــة ثانوية بالنسبة لذينك العِلمين الفرعيين من فروع اللسانيات. منهجهم في ذلك هو التكامل الجدلي بين فرضية نظرية في الوصف والتفسير في موضوع معيّن من جهة، والمعطيات التجريبية الملموسة لذلك الموضوع من جهة ثانية، وليس أسلوب الــــردّ المباشر على خصم معيّن. وببلوغ مناهج المعالجات المحسوبة على اللسانيات والسيميائيات الباب المسدود نظرا لعدم دخولها من الباب الصحيح، عاد المنهج الأيديو-سياسي يلوح في الأفق من جديد لكن في أبعاد أخرى غير أبعاد الصراع الطبقي. أنه بعد الخير والشر، والصلاح والطلاح، والهداية والضلال. وقد تمثل ذلك مؤخرا (ماي 2019) بشكل كاريكاتوري في القراءة النقدية التي قدم بها الداعية والفاعل السياسي، أبو زيد المقري العمل السردي للأديب والمفكر والفاعل السياسي، الأستاذ حسن أوريد المعنون بـ"رَواء مكة" (المنشور 2017)، ذلك التقديم الذي شكل في مغرب-2019 حدث الترويج الأدبي الكبير الذي لم يحصل مثله في العقود الأخيرة.

.

5-   منهج الخصومات (controverse) منهج قديم؛ وقد حدّد شوبنهاور أساليبه وحيله تحديدا صوريا وحصرها مرقمة 38 حيلة في كتابه L’art de toujours avoir raison ("كيف تكون دائما على صواب"). وفي باب قيمة أسلوب الخصومات في علاقته بالبحث في جواهر الأشياء، كان قد قال ديكارت في مقدمة Le discours de la méthode ("خطاب المنهج") ما يلي:

"... كما أنني لم ألاحظ أنه قد تمّ يوما التوصل إلى حقيقة لم تكن معروفة من قبل، بفضل ما ينشب من خصومات بين الحلقات والمدارس؛ وذلك أنه بينما يحاول كل طرف تحقيق الانتصار [على الطرف الآخر]، يتم إنفاق الجهد في التمرس على إبراز اشباه الحقائق [للنيل من الخصم] أكثر مما يتم العمل على تقصي جوهر وعِلل الموضوع وعوارضه؛ مع العلم بأن مَن يكونون على الدوام أمهر المحامين لا يكونون بسبب ذلك أحسن القضاة".

المرّة الوحيدة التي أخطأ فيها ديكارت بالقياس إلى حالة المعرفة في عصره، عصر تأسيس مناهج البحث الحديثة - وهو الذي قال ما قاله أعلاه بعد أن بدأ في مقدمته بالقول أنه قرّر ألا يدخل قط في خصومة، اقتصادا للجهد ولما تبقى له من العمر في سن الخمسين - هي لما اتخذ من بليز باسكال خصما له في نظرية "مدى قابلية الطبيعة الطبيعة للفراغ"، فقال في أسلوب تصويري ساخر: "إذا ما كان هناك مكان في الطبيعة يقبل الفراغ، فهو ذهن باسكال". لقد صفق له الجمهور المحبّ للبيان في حينه، لكن العلم أقرّ بعد ذلك تجريبيا نظرية باسكال في إمكان وجود فراغ في الطبيعة. 

---------------------------------

.

أتذكر أن أول ما اشتغلت بهذا الموضوع، موضوع مشكل الدراسات الأدبية، التي شكلت تكويني الأساسي في الجامعة إلى حدود شهادة الليسانس قبل أن اتجه صوب الدراسات اللسانية، كان مقالا نشر سنة 1980 في المجلة المغربية "الثقافة الجديدة"؛ ولعله أول مقال يصدر لي في مجلة. ولقد عدت إلى الموضوع قبل بضع سنوات من اليوم على شكل سلسة من المقالات الصحفية (عمود "مساءلة البداهات" في جريدة "العلم") أودعتها بعد ذلك في مدونتي، وهذا رابط نحو نصها الرابع:

.

"عن  الدراسات الأدبية في شعب العربية بالجامعة المغربية. 4- نحو إعادة تصور الموضوع"

https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-4-de-l-etat-des-etudes-litteraires-aux-dpts-d-arabe-4

...

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



07/05/2019
3 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres