(En Arabe) De l'esprit de liberté, de démocratie et des lois vs. l'arbitraire
روح الحرية والديموقراطية والقانون
في مقابل روح الاعتباطية المزاجية
باختصار شديد في في حدود الإمكان
في خضمّ هذه اللحظات الصاخبة ليومه لأحد 18 سبتمبر 2016، يومِ المسيرة الكارنافالية بالدار البيضاء ضد "الأخونة والهيمنة" (انظر هــــنــــا) ردّا على الصخب الذي سبق ذلك حول محاربة غول "التحكّم" في إطار حملة انتخابوية سابقة لأوانها وخالية كليّةً من أيّ برامج (تعليم، تشغيل، تقاعد، صحة، توازنات جهوية وثقافية، أمن، الخ.) وعادت فيها بحدّة كثرةُ الحديث المباح وغير المباح من كل حدب وصوب عن الثنائية المانوية لــ"الحكم والتحكم"، ثم عن الحديث عن ثالوث "الحكومة والحكم والتحكم" على خلفية مرجعيةِ "حاكميّة" مذهب ابن تيمية ومدرسته (انظر هــــنـــا و هــــنـــا حول هذه المدرسة، ثم هـــــنــــا حول استلهاماتها الحالية)، وكذا عن بقية التعابير المتقادمة من "عفاريت وتماسيح" و"أياد خفية" و"مؤامرات" وكل أشكال "التــــابْــــعــة" وسائر الماهيات العنقائية (انظر هــــــنـــــا كتذكير)، وعن مختلف "إرادات الهيمنة والسيطرة" بكل أشكالها المتصوَّرة، ليستأثر كلّ ذلك في النهاية بجُماع الخطاب والفعل السياسيين،
نقول: في خضم كلّ ذلك الصخب المثار باسم الحرص على الديموقراطية، ليس هناك ما يلخّص روح التكامل الجدلي التلازمي كتلازم وجهي عملة واحدة بين قـيمتَي الحريـــــــــــــة والمســـــــــؤوليــــــــــة من جهة، وفضائل الديمـــــــوقراطيـــــة من جهة ثانية، باعتبار هذا كله من مفاهيم فلسفة الأخلاق، وذلك في مقابل المزاجية والاعتباط، سوى ما عبّر عنه مَن جاء لتفكيــــــك وخلــــــــخلة كل اليقينيات الدوغمائية لعصره في مجتمعه اللذين كانت تلك المفاهيم في طور النشأة الطبيعة فيهما من رحم ما سبقها في عصر فلسفة الأنوار العقلانية.
نه المفكر "المشاغب" فريديرك نيتشه، الذي استنطق زورادشتَ وأعلن عن "أفول الأصنام" و"موت الإله" كما يتصوره حاملو تلك اليقينيات الدوغمائية كمجرد تأليه وثني لـ"حُجّة" المستبدّ برأيه، الذي يرفع رأيه إلى السماء ككلام لله، ويسند رأيَ غيره إلى الطاغوت، متجسدا على الأرض، في من يخالفه في الرأي.
فإذا أردت أن تعرف روح مجتمع معين من المجتمعات الحديثة، بما يميز سيرَها وتسييرها من آليات تتراوح ما بين الآلية الدستورية، وآلية قضاء المآرب البسيطة في المرافق (أكشاك عمومية وخصوصية، مساجد، أسواق، طرق)، وأردت أن تعرف أين يكمن "التحــــــكــــم" بمعناه الصحيح (arbitraire، أيْ الاعتباط ومزاجية الأهواء) في بعض تلك المجتمعات ممّن تشكو منه، فما عليك إلا أن تلاحظ سلوك أهلها من مجرد "يا أيها الناس" تجاه قيود الانضباط لتلك الآليات في أبسط تجلياتها في الحياة اليومية؛ وذلك بعيدا عن التحقيقات الفقهية في القوانين السامية.
حاول فقط، على سبيل المثال، حينما يتعلق الأمر ببلد كالمغرب، أن تعبر شارع الحسن الثاني بالعاصمة الإدارية في أحد المعابر "المخصصة" للراجلين في غمر سيلِ سيارات طائشة يقودها قومٌ أجلافٌ متعجرفون ممن ليسوا جميعا من هذا المربع الذهبي أو من ذلك المثلث الفضّي. أو لاحظ كيف يركن العامّة والخاصة من عُبّاد الرحمن المؤمنين سياراتِهم بجوار المساجد، لتقف على أصل وشأفة التحكّم في بضع دقائق بدون معلـّم متفقّه في القانون الدستوري، ولا بحّاثة في السوسيولوجيا.
ثم فعِّـل نفسَ القبيل من الملاحظة أمام كشك مَرفقٍ عمومي، أو حتى أمام مجرد مخبزة أو محلبة، وقارن كل ذلك بما يقابله في المجتمعات الديموقراطية الحقة، ليتبيّـن لك الخيط الأبيض من الأسود في باب فصل المقال في الفرق بين التحكم والانضباط للقوانين وللأخلاق، وفي معرفة أين يكمُن كل منهما، وعمّن يصدُر حيثما وُجِد.
فبنفس منطق وآلية سلوك سواد الناس إزاء قانون السير البسيط، مراعاةً أو خرقا، يتمّ كذلك سلوك الخاصة وخاصة الخاصة إزاء سائر القوانين بمختلف درجاتها، أي بنفس المزيج المتكامل من الجهل والجهالة والعجرفة ومغامرة صاحب المخالِفة وصاحب الجريمة، اللذين يرجّحان دائما احتمال الإفلات من الضبط والمحاسبة والجزاء أثناء الإقدام على مختلف أنواع ودرجات الخروقات.
القوانين، كمجرد قانون السير البسيط مثلا، صياغاتٌ صـــــــوريــــــــة لا لُبس في مضامينها وفي مدى الالتزام بها أو عدمه. ومتى ما صيغت تلك القوانين واعتُمدت (من الدستور إلى قانون الأحزاب أو الانتخابات مثلا، وإلى قانون السير أو قانون البناء)، فإنها تكفّ، بمقتضى صياغتها واعتمادها، عن أن تكون تحكّمية اعتباطية؛ وذلك مهما كانت قد صيغت إما على مقاس الشعب، وإما على مقاس الأمير. فتبقى لها بمقتضى روح القوانين حُرمةُ أن يتم نسخها حسب قوانينِ نسخِ القوانين، كما يسنها القانون الأسمى.
أما "التحكم" (أو الاعتباط أو مجانية الأهواء) بمعناه الجوهري، فهو خبَطات إراداتٍ مــــزاجــــيــــــــة الأهواء، لا سبيل لا إلى حصر مضامينها ولا إلى تبيُّن مدى الالتزام بتلك المضامين من لدن الأطراف المعنيّة بها افتراضا ("طلع تاكُل الكرموس، من كًال ليك طلع!"؛ "طاحت الصمعة، علّقو الحجّام").
فسلوكُ مجرّدِ "يا أيها الناس"، انضباطا أو عدمَ انضباطٍ في الحياة اليومية، تجاه قوانين بسيطة وعادية مثل قانون السير أو القوانين الداخلية لمؤسسات صغيرة أو كبيرة، سياسية أو اجتماعية أو أكاديمية أو تربوية أو حتى فنية وغير ذلك، هو العيار الذي يبيّن مدى سيادة التحكم وأين يوجد ذلك التحكم، دون البحث عن مصادر ومظاهر تلك الآفة في دوائر الأرواح العلوية.
والديموقراطية، التي كثُر حولها اللغط على غير أساس، رصيدٌ فكري وتشبُّع سيكو-تربوي متراكم. وهي جهاز مفاهيمي صوري ذو جوهر مقاصدي غائيّ غايتُه بلوغ أقصى درجة ممكنة من درجات صلاح الإنسان وسعادته في المدينة، والحدّ من أوجه تعاسته فيها إلى أدنى درجة ممكنة. إنه تصوّرٌ لتدبير شؤون المدينة توصّل إليه العقل البشري بناء على قرون من التجارب الجميعة المريرة ومن إعمالٍ جماعي للفكر الأخلاقي العقلاني على مستوى النخبة، يتم تصريف مضامينه إلى أذهان العامة عبر أجيال من التربية.
فليست الديموقراطية مجرد تحريك طقوسي لمساطر شكلية على غرار تحريك "طاحونة الصلاة" (moulin à prière) أو مداعبة حبات سبحة بين أصابع اليد اليمنى ومداعبة ما تحت الجبة بأصابع اليد اليسرى. باختصار: فلا ديموقراطية بدون شرعية الانضباط للقوانين القائمة من جهة (Il n’y a pas de démocratie sans légalité)؛ ومن جهة ثانية، لا يغني مجردُ مراعاة وتطبيق القوانين والمساطر عن مراعاة أسس المشروعية في إرساء تلك الديموقراطية، وذلك باعتبار معطيات المرحلة في ما يتعلق بمصادر تلك المشروعية في مجتمع من المجتمعات عبر اللحظات التاريخية لتطوره (انظر هــــنـــــا للتذكير).
يقول المشاغب، فريديريك نيتشه، عن الانضباط للقيود الصورية (ومن بينها صورانية القوانين)، في مقابل الإرادات المزاجية ما يلي:
(تنبيه: "بور روايال" الوارد في الاستشهاد هو مدرسة لسانية فرنسية كان لها تأثير كبير في تأسيس اللسانيات التوليدية الحديثة من طرف نوام تشومسكي الذي خصص لها عدة كتابات)
[[لكي نفهم فلسفة الرواقيين، ولغويات "بور روايال"، يتعيّن التنبّه إلى أن اكتساب اللغة البشرية لما تتميز به من قوّة وحرية (قيود عروضية، سلطة الإيقاع والقافية، سلطة النحو) إنما يتمّ بفضل الانضباط لمجموعة من القيـــــــــــود (النحوية والبلاغية).
فما أكثر ما كابده الشعراء والخطباء في جميع الأمم في هذا السبيل؛ دون أن ننسى بعضَ الدعاة في زماننا هذا الذين لهم في الباب آذان مرهفة. يُكابدون كل ذلك من أجل الانضباط لـقوانين هي "قوانين خرقاء" في نظر المستخفين بها من الأفظاظ النفعييـن الذين يعتقدون أنّهم ه الشُـطـّـار. يلتزم أولئك المكابدون بذلك الانضباط "في استلاب واستعباد تجاه قوانينَ تحكّمية" كما يقول عنهم الفوضويون الذين يتبجّحون هكذا بكونهم "أحرارا"، بل بكونهم "مفكرين أحرارا".
ولكن، ومهما بدا ذلك غريبا، فإن كل ما هو موجود، وما يمكن أن يوجد على ظهر البسيطة، في باب ما يتعلق بالحرية والرقّة والإقدام والرقص والثقة العالية، سواء في دائرة التفكير الخالص أم في أبواب فنون الحُـكم، أو الكلام، أو الإقناع في مجال الإبداع أو في مجال الأخلاق، لم يزدهر قطّ سوى تــحـــت قبـــضــة القوانين التي يصفها السفهاء بــ"التحكّمية". وأقولها بكل جدّية: يبدو أن القيود هي الطبيعة، وهي الشي الطبيعي، وليس تركُ الحبلِ على الغارب]].
انتهى كلام المشاغب الجرماني من أسلاف ويلي براندت وهيلموث كول وأنجيلا ميركيل.
Par-delà le bien et le mal. Union Générale d’Edition. 10-18. p. 142
----------------
- كنت قد استشهدت بهذا المقتطف، مع نص آخر لديكارت في كتابه "المنهج"، في واجهة (En prologue) أطروحتي لدكتوراه الدولة المودعة صيغتُها المرقونة سنة 1992 بكلية الآداب بالرباط وذلك في باب مفهوم "القيود" في بناء تمثيلات الوصف العلمي. والأطروحة بعنوان
Aspects des représentations phonologiques dans certaines langues chamito-sémitiques.
محمد المدلاوي المنبهي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres