(EN ARABE) 2-Langue d'enseignement: Descartes et Hugo ne sont pas marocains!
بمناسبة الجدل حول لغة التدريس وتدريس اللغة:
ما كان كوندورسي ولا ديكارت مغربيا؛ لا، ولا كان هوجو كذلك
Pour une version française de cet article :
كما يحصل مع ظاهرة السراب، يحصل للبعض دائما، عبرَ نوع من التمويجات التصويرية (anamorphose) على مستوى الإدراك، أن يترائى له شرخٌ "لـُغـَـويــفوني" ثنائي كلما وأينما أثيرت المسألة اللغوية بالمغرب (التعليم، التعريب، الأمازيغية، الدارجة، الخ,)؛ أي أن هناك جنوحا مطردا إلى اختزال بديهي لكل نقاش حول هذا الأمر (وهو نقاش يتخذ في غالب الأحيان طابعا جداليا سجاليا) في مجرد شرخ ومواجهة ثنائية بين معسكرين: معسكر أنصار العربية المنعوتين بـ"العروبيين" ومعسكر أنصار الفرنسية الملقبين بـ"الفرانكوفونيين". غير أن آخر جولات هذا النقاش السجالي قد جاءت اليوم بمناسبة الجدل حول الدارجة والفصحى لفرز ما تداخل واشتبه من قسمات لوحة هذا الشرخ المزعوم. ذلك أن فائزِين مرموقين بجوائز كَـونكور وأصحاب أقلام رفيعة في "لغة فيكتور هوجو" كما تلقب اليوم تلك اللغة، ممن لا تعرف العربية طريقا لا إلى عظـْـمة ألسنتهم ولا إلى شباة أقلامهم، قد انضموا هذه المرة إلى الأنصار التقليديين لما يسميه بعضهم "لغة الجنة" أو "اللغة القومية" ("الطاهر بنجلون: التدريس بالدارجة يعني قطيعة مع العالم العربي". مانشيط ص-1 بيومية الاتحاد الاشتراكي، 29/11/2013). لا غرابة في هذه الظاهرة التي هي قديمة قدم الصراعات الاجتماعية. فالأدبيات اللينينية والماوية كانت تلقن دائما تلقينا مدرسيا للمناضلين ضرورة التمييز، خلال المسيرة الطويلة لـ"الصراع الطبقي" من أجل "فرض ديكتاتورية البروليتاريا"، بين "النقيض الأساسي" و"النقيض الثانوي". وفي ما يتعلق بالرهان اللغوي في كل مكان وكل زمان ومرحلة من مراحل تطور المجتمع، وعلى الأخص مع بدايات بروز مجتمعات المعرفة، يتم التناقض، بين طرفيه الرئيسيين على صعيد يتعالى في الحقيقة على اللغات المعينة المستعملة من قبل هذا الطرف أو ذاك من بين الأطراف المتعددة، ويتجاوز تلك اللغات. إنه تناقض في حقيقة الأمر بين طرفين اثنين، وهما من جهة (1) طرفٌ يتخذ من الأداة اللسانية، إما على شكل لغة بذاتها أو على شكل سجل معين من سجلات لغة معينة، مؤسسةً اجتماعية لتقنين توزيع اجتماعي للحق في أخذ الكلمة ولضبط التفكير وتقعيد اتجاهاته، ضامنة بذلك لنخبة محصورة، في قطاع معين أو في جميع القطاعات، امتيازا معينا إن لم نقل سلطة مطلقة؛ وهناك من جهة ثانية (2) طرفٌ يسعى إلى تحرير الفكر والتفكير وإلى دقرطة أخذ الكلمة والوصول إلى الملعومة والمعارف التي ينتجها المجتمع بفضل فائض القيمة الذي يسفر عنه مجهود عمله الخام (انظر Condorcet : Esquisse d’un tableau historique des progrès de l’esprit humain).
حتما ويقينا، لقد مر انبثاق المجتمعات الحداثية في أوروبا على الخصوص من مرحلة هذا القبيل من الصراع ابتداء من النهضة، والإصلاح الديني (ترجمات الكتاب المقدس إلى اللغات العامية) ثم فكر الأنوار (قيام العقلانية، والقطع النقدي مع الميتافيزيقا والمضاربات العرفانية ومع الفكر المدرسي). فعلى الصعيد السوسيو-لغوي، وخلال المسيرة الطويلة لتشكل ما سمي في النهاية "اللغات الوطنية"، نشب صراع وسجال مدرسي عنيف بتلك المجتمعات في موضوع قبيل من اللغات أو السجلاّت اللغوية مما كان يسمى حينئذ "اللغات العامية" (langues vulgaires) أو "اللغات السوقية" (langues roturières)، أي لغات البورجوازية ("أهل المداشر" bourgs) الناشئة حينئذ كقوة مهددة لنظام الإقطاع باقتصادها الحر، والحرفيين، والمزارعين، والعمال اليدويين، وذلك في مقابل "نبالة" اللغة اللاتينية التي انحدر منها بعض تلك اللغات تاريخيا عبر مزيج من الأرضيات التحتية والتأثيرات الفوقية (adstrats et substrats) على شكل لهجات فرعية (إيطالية، فرنسية، إسبانية، برتغالية، رومانية، الخ.).
خلال مرحلة التداخل السوسيو-لغوي الانتقالي في تلك الفترة بالضبط، اختار أحد كبار فلاسفة الأنوار، روني ديكارت الذي حرر ونشر الكوجيطو (Cogito) باللاتينية في باب المضاربات التأملية الاستبطانية (spéculations) أن يحرر كتابه "خطاب المنهج" (Discours de la méthode)، الذي شكل أساس الفكر والمعرفة الحديثة، ليس بتلك اللغة "النبيلة"، ولكن بلغة ناشئة حينئذ وفي طريقها نحو الانعتاق من سياج خانة "العامية"، ألا وهي الفرنسية. وإنما نحا ديكارت ذلك المنحى في تحرير ونشر ذلك الكتاب من أجل "أن تستوعبه النساء والصبيان" على حد قوله، بدل أن ينحصر مضمونه في مخاطبة طبقة الفقهاء المدرسيّـــين وفئئة أولئك التابعين الأشياع الذين هم في حاجة وجودية للسلطة المعرفية لكل "معلم أول" من تلك الطبقة، ولو كانوا غير متمكنين من أداتها اللغوية ولا من مضامين إنتاجاتها، تلك الفئة من الأشياع التي حرر بشأنها ديكارت وصفا دقيقا في القسم السادس من نفس الكتاب.
أكيد أنه ما كان لا ديكارت ولا كوندورسي مغربيا. وبما أن كاتبا مغربيا من عيار المفكر وفيلسوف التاريخ، عبد الله العروي، في حوار له على صفحات "الأحداث المغربية" (21 نوفمبر 2013، ص:10) حول لغات التعليم والكتابة، قد حمِد السماء على حسن اختيار كونه لم يحرر في النهاية رواية "اليتيم" باالعربية المغربية بالرغم من أن الفكرة كانت قد راودته، كما قال، في البداية، فإن فيكتور هوجو ليس بدوره مغربيا. ذلك أنه، إذ أصبح يحال اليومَ على الفرنسية بربطها بـ"موليير" أو بـ"هوجو" ("لغة موليير"، "لغة فيكتور هوجو")، فقد نسي من يحيلون على أسمى درجات "فصيح" اللغة الفرنسية عن طريق ربطها بالآثار الأدبية لفيكتور هوجو (كما يربط البعض فصيحَ العربية بالجاحظ والحريري) أن فيكتور هوجو (1802-1885) المعاصر لمحمود سامي البارودي (1939-1904) قد اضطر، في زمن ليس أبعد من منتصف القرن التاسع عشر، إلى أن ينظم قصيدة ملتزمة للدفاع النضالي عن ما كان يعاب عليه من استعمال ما كان حينئذ يعتبر مفردات سوقية (mots roturiers). فهو كذلك، وحتى في باب الإبداع الأدبي، ودعك عن المعرفة كما هو الحال عند ديكارت، كان يسعى إلى أن يفهمه العموم من أبناء وبنات جيله وزمانه وليس فقط ثلة من طبقة المتفقهين المدرسييــن (la caste des doctes scholastiques) الذين يتوارثون مهمة حراسة معبد فصاحة أزلية صالحة لكل زمان ومكان. وهذه ترجمة تقريبية لمقتطفات من تلك القصيدة التي عنوانها "ردّ على صك اتهام" والتي لا أعتقد أن هناك اليوم مِن بين الراسخين في الفرنسية مَن سيفهمها كاملة دون أن يتوسّد معجما "كلاسيكيا" ضخما مثل Littré (الكلمات المدونة بالحرف اللاتيني تحيل على أعمال كلاسيكية معروفة):
كانت المفردات السعيدة أو التعسة الميلاد تُحشر معزولة في [ما يشبه] طبقات [اجتماعية]
بعضها نبيل يُــقيــم في امثال Phèdre أو Jocaste
أو Mérope، حيث تسود اللياقة والنخوة كقاعدة،
ويصعد إلى قصر فيرساي على متن عربات ملكية؛
أما البعض الآخر - كقطيع من الصعاليك بصورِ مَحاجن-
فمأواهم اللهجات المحلية؛ ونصيب منهم في كـبَـدِ وعـنَـتِ
لغات "الغَوس" المخصصة لكل الأنواع الدنيا.
(...)
فها أنا ذا قد جئتكم اليوم كخارج عن القانون لأصرخ [فيكم]: لماذا
أولئك دائما في الصدارة، وهؤلاء في الذيل على الدوام؟
(...)
إني لجاعلٌ ريحا ثورية تهب [عليكم].
إني أضع قبعة حمراء على المعاجم العتيقة:
إني أعلن أنه منذ الآن، لم تعد هناك مفردة نبيلة ولا مفردة سوقية.
Victor Hugo, "Réponse à un acte d'accusation", Les Contemplations, livre premier, VII, 1856.
Source : http://www.annabac.com/content/textes-de-n-boileau-v-hugo-rimbaud-b-cendrars
في تلك الفترة بالضبط، انطلق في مكان آخر وجه آخر لتصور "النهضة" في شقها اللغوي. وقد ساهم فيه بامتياز، حسب ما عُـلِـّـمناه في الجامعة، أحدُ معاصري فيكتور هوجو، ألا وهو محمود سامي البارودي الذي نظم من بين ما نظم، قوله:
محا البين ما أبقت عيون المها مني * وشبت ولم أقض اللبانة من سـني
وَأيُّ حُســامٍ لمْ تصبــــهُ كهــامــــةٌ * وَلَا هْذَمُ رُمْحٍ لاَ يــُفــَلُّ مِنَ الطَّعْنِ؟
وقد كان علي شخصيا أن أحفظ هذه القصيدة عن ظهر قلب دون فهمها في سن 13 سنة بقسم الشهادة الابتدائية بمعهد قرية تالوين وأن أُمتحن فيها، كما سبق أن ألزمت في المتوسط الأول قبل ذلك بحفظ قصيدة رائد لاحق من رواد "النهضة"، حافظ إبراهيم، ومنها الأبيات الآتية على لسان اللغة العربية:
رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصــــاتِـــــي وناديْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حياتِي
رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتــــَنـــــي عَقِمتُ فلم أجــــزَعْ لقَــــولِ عــداتي
وَلـــدتُ ولمَّـــا لـم أجِـــدْ لعــــرائســـي رِجــــــالاً وأَكـــــفـــــاءً وَأَدْتُ بـــنــــاتـــــِي
ولو تَزْجُرونَ الطَّير يوماً عَلِمتُـــــــــمُ بمــــا تحتَــــه مِنْ عَثْــــرَة وشَتـــــاتِ
سقَى اللهُ في بَطْنِ الجزِيرة ِ أَعْظُماً يــَعــــــــــِزُّ عليها أن تليـــنَ قَناتِي
أرى كـلَّ يــــومٍ بالجَرائدِ مَـزْلَــقـــــاً مِنَ القبـــــرِ يدنيـــــنِي بغيــرِ أنــــــاة
أما على مستوى التمكين من فهم كل ذلك، فأول ما اسُتــقبل به جيلي بعد اجتيازه عتبة الفصل في المدرسة هو حفظ لائحة "كان وأخواتها "(كان، وأصبح، وأضحى، وظل وأمسى، وصار) التي "ترفع المبتدأ ويسمى اسمها، وتنصب الخبر ويسمى خبرها"؛ وكذلك حفظ لائحة "إن وأخواتها" (إن، وأن، وكأنّ، وليت، ولعل) التي "تنصب المبتدأ ويسمى اسمها وترفع الخبر ويسمى خبرها" مع التمييز في الإعراب بقول: "ليت، حرف تمنّ" و"لعل، حرف ترجّ" الخ. أما على مستوى بقية المضامين، فما زلت أتذكر أن المعلم "شرح" لنا بإسهاب قصة معنى "النفاثات في العُقد"، ولكنه لم يشرح لنا أيا من معاني "الفلق"، ولا "غاسق"، ولا "وقب"؛ ولكننا حفظنا كل ذلك واكتسبنا عادة حفظ الملفوظات دون معرفة معناها حتى أصبح ذلك طبيعة ذهنية ثانية مكتسبة عندنا في باب التواصل، إلى درجة أنهم كانو يقولون من حولنا: "وْلد فلانْ كا يفهمْ دْغيا" إذا كان يحفظ بسرعة.
-------------------------
أما بالرجوع إلى تجربة اللغة الفرنسية، وحتى في يومنا هذا، فتسهر أكاديمية اللغة الفرنسية باستمرار على الإصغاء إلى ما درج على الاستعمال اليومي، وذلك مهما كانت أحكام من يشعرون بأن لهم الحق في أن يُعترف لهم بهالة التمكّن تمكنا ثمنُه كدٌّ تحصيلي كبير ممّا أصبح اليوم يُهجر كـ"غريب" غير قياسي في لغة هوجو نفسه. فهذا مثلا ما ورد بمناسبة مصادقة هذه الأكاديمية على قبول بعض أوجه تصريف فعل croire: {"فإذ نقول بالفعل 'Ils boivent'؛ فليس من الصواب أن نعتير تصريف 'Ils croivent' الذي يجري اليوم على الألسن خطأ في من أخطاء الفرنسية، وذلك تشبثا منّا بــ'Ils croient'". هذا ما أدلى به عضو الأكاديمية، Jean Ormesson. هذا القرار من قرارات أكاديمية اللغة الفرنسية يعكس إذن إرادةً لجعل الفرنسية تتطور نحو وجهها المنطوق يوميا من طرف الذين يستعملونها. إن تبسيط وتوضيح اللغة الفرنسية ونفض الغبار عنها أمور تندرج تمام الاندراج في إطار المهام النبيلة التي تضطلع بها الأكاديمية}. (انظر ICI)
-------------------------
نص آخر قصير ومكمل، هنــا
--------------------------------------
محمد المدلاوي(لسانيّ: لغات سامية وأمازيغية)
المعهد الجامعي للبحث العلمي - الرباط
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres