(EN ARABE) 2-L'Etat civil: déconfessionnalisation de la conscience et déterritorialisation de la confession
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS/AUTRES, puis sur ARABE(Windows).
مفهوم الدولة المدنية وشروط قيامها
2- من الأسس الترابية أو النسَــبية للقناعات، إلى أساس الضمير
القسم الأول عبر هذا الرابط
في إطار عرض بعض أفكار النظرية الأخلاقية في الحلقتين السابقتين عند فيلسوف الأخلاق ورجل الدين الألماني موسى مانديلسون المعاصر لإيمانويل كانط الذي ربطته به عدة مراسلات فلسفية حول العلاقة بين الدولة وحرية الضمير في باب القناعات، ومنها القناعات الدينية والمذهبية بالمعنى الواسع للمذهب، الذي يشمل جميع أوجه الأيديولوجيا، وجودية كانت أسئلتها وأجوبتها، أم هوياتية، أم سوسيو-اقتصادية و/أو سوسيو-سياسية، تمّ التمييز بين مستويين لتفكير العقل الأخلاقي، هما (أ) مستوى العقل الأخلاقي المحض، الذي يبحث نظريا في تصورات صرح وهيكل توازن الحقوق والواجبات في المدينة، ما بين مؤسسات الفرد والجماعة والدولة من جهة، و(ب) المستوى الجدلي الذي يراعي المعطيات السوسيو-اقتصادية والديموغرافية والفكرية والثقافية، في أي تنزيل لتلك التصورات على أرض الواقع؛ وذلك على أساس مبدإ "الحد الأدنى للصلاح"، المبني على أساس أنه "لا يصلح الناس فوضى لا نظام لهم".
وبالعودة إلى المستوى الأول، تُقابِل تلك النظرية الأخلاقية ما بين نمطين اثنين لمأسسة حقل القناعات هما: (1) نمط المأسسة على أسس سلالية/هوياتية/قومية و/أو ترابية، وهي أسس قد تداخلت عبر كثير من التجارب تاريخيا وإلى اليوم، (2) نمط مأسسة "الأساس الضميري للقناعات" بناء على مبدإ "سمو فضيلة حرية الضمير" سموّا لا يعلى عليه، أيْ مبدإ "رفض الإكراه في باب القناعات".
في النمط الأول، يتم الحسم سلفا في مضمون قناعة كل منتم إلى الإطار الترابي المعني، و/أو إلى الإطار الهوياتي المعني، باعتبار تلك القناعة هي قناعة المؤسسة الحائزة للسلطة؛ وأسمى تجليات تلك المؤسسة هي مؤسسة الدولة، التي تعتبر في هذه الحالة أن من حقها، ومن واجبها، أن تمارس حِسبةً ورقابة (وفي أحيان معينة من التاريخ، تفتيشا) على أحوال ما تعتبره "صلاحا عقديا ومذهبيا" للأفراد والجماعات داخل ترابية نفوذها؛ ويترتب على كل إخلال بذلك الانضباط العقدي و/أو المذهبي في هذه الحالة جزاءٌ مؤسسي يترواح - حسب التجارب التاريخية - ما بين الحرمان السلبي من بعض الحقوق المدنية وبين درجات متفاوتة من العقاب، الذي قد يصل إلى حد الحرمان من حق الحياة (حدود الردّة و و"الهرطقة" "الزندقة" مثلا). أما النمط الثاني، فإن واجب الدولة في ظله هو ضمان حق الفرد في ما يكون قد حصل لديه أو لم يحصل من قناعات روحية وفكرية أيديولوجية، ثابتة أو متحركة، بناء على تجربته الوجودية في الحياة، وحمايته في ذلك ليس فقط في وجه أي إكراهي عمومي مؤسسي ولكن كذلك في وجه أي شطط خصوصي من طرف نشطاء المتشددين ممن يتصور أن واجبه يتمثل في فرض ما يراه هو صوابا في باب الفكر والعقيدة والحياة المدنية. ضمان كل ذلك من واجبات الدولة ما دامت قناعة المقتنع لا تصطدم، على مستوى الفعل والسلوك، مع قوانين الدولة في باب تسيير الشؤون الزمنية للمجتمع، وما دام ذلك المقتنع (فرداكان أم جماعة) لا يُسوّق مضامين ورموز وطقوس قناعاته عن طريق استغلال قصور غير الراشدين عقليا.
وفي باب القناعات الدينية على وجه الخصوص، تعتبر التجربة اليهودية أبرز النماذج للنمط الأول من نمطي مأسسة الحالة الملية للفرد. فقد ربطت هذه التجربة الانتماء إلى الملة اليهودية بتصور ثقافي لشجرة الاستمرارية السلالية، من إبراهيم إلى موسى عليهما السلام، وإلى من بعدهم من الأنبياء والملوك ومن عامة من يعتقد أنه تفرع سلاليا من جماعة العبرانيين وسائر اليهود إلى يومنا هذا، الذين يعتقدون أنهم جميعا من نسل إسحاق بن إبراهيم، معتمدين في ذلك، حسب تشريعات فقهية تعود إلى فترة مفسري الميشنا (משנה) المعروفين بالتاناييم (תנאים)، على شجرات الانتساب إلى الأم، التي تورث في تلك الثقافة الفقهية هوية اليهودية، التي لا تسقط عمن ثبتت له حتى ولو أصبح وثنيا، أو كافرا أو مارقا أو مرتدا. ثم إن تلك التجربة قد بلغت على سلـّـم هذا النمط الحقوقي في باب قناعات الأفراد أن جعلت من الختان (ويسمي"ملة" מילה؛ ومنه "ملة إبراهيم") المعروف بـ"بريت ملة" (ברית מילה أي ميثاقٍ الختان) شاهدا حسيا دائما على الماهية الملية للفرد المحسوم فيها كهوية منذ الميلاد؛ وهو ما يفسر الهامشية التاريخية - أن لم نقل انعدام تقاليد التبشير والدعوة في هذه الملة، بل وشدة وتعقّد وطول مساطر وشروط قبول من يرغب في اعتناق تلك الملة.
ثم إن تلك التجربة الدينية قد ربطت الملة في أدبياتها ونصوصها المؤسسة برموز ترابية مقدسة (أرض كنعان، جبل سيناء، جبل السامرة، أورشليم، الخ.)، وطبقت ما يترتب عن كل تلك الأسس الهوياتية والترابية للملة في حق بقية الأقوام ("الامم" أو "الأميين" أو "الكًوييم") الداخلة في إطار سلطتها الترابية في الفترات التاريخية التي تداخلت فيها مؤسسة الدين مع مؤسسة الدولة لتلك الملة (حكم الفاتح يوشع بن نون لأرض كنعان، ثم حكم القضاة، ثم مملكة داود وسليمان، الدولة العبرية الحديثة)؛ حتى إن نظرية رجل الدين اليهودي وفيلسوف الأخلاق، موسى مانديلسون، التي شكلت عرضها موضوع هده الحلقات، تشكل اليوم، بهذا الصدد، تحديا أخلاقيا حقيقيا في باب الحقوق لديموقراطية الدولة العبرية الحديثة التي، على إثر نقاش 9-10 فبراير 1970 حول سؤل מיהו יהודי ("من هو اليهودي؟") بالكنيست، اعتمدت تلك المؤسسة التشريعية مقياس فقهيات التنائيم المذكور المتعلق بالهوية الإثنية التي يشكل فيها البعد الملي، بمفهوم مقوماته المشار إليه أعلاه، أساس المواطنة الكاملة، وذلك حتى من خلال بطاقة التعريف، كما هو قائم أيضا من جهة أخرى في بعض بقية دول الشرق الأوسط (انظر موقف Avraham Burg، الرئيس السابق للبرلمان الإسرائيلي، الرافض لهذه الفلسفة الأخلاقية، هــنــا).
أما المغرب، فقد حقق وراكم تاريخيا، على هذا المستوى، إنجازات كبرى يتعين الوعي بوجودها وبأهميتها، ليس فقط من حيث إن عناصر البعد الملي و/أو المذهبي (واليوم، حتى المهنة)، لا تشكل في هذا البلد جزءا من عناصر تحديد هوية المواطن في بطاقة تعريفه، ولكن أيضا نظرا لانعدام أي إطار ترابي (جهة ترابية، حيّ حضري أو قروي) لأي انتماء مذهبي أو ملي فيه، منذ اختفاء أحياء "الملاحات" اليهودية، التي لم تكن زيادة على ذلك معممة في كل الحواضر والقرى، والتي كانت قد بدأت تتلاشى حتى قبل الهجرات اليهودية الكبرى ما بين الخمسينات والستينات من القرن العشرين بعد ظهور أحياء الطبقة المتوسطة.
وهذا لا يعني أن هناك فقرا أو فراغا روحيين في المجتمع المغربي على مستوى التأطير الانتسابي للقناعات الروحية كيفما كانت الأسس الإثنو-ثقافية لتلك الانتسابات (ثقافة الأنساب والشجرات). بالعكس؛ فالمجتمع المغربي مجتمع متميز عن غيره بغنى منقطع النظير في باب التقدير الروحي لمختلف الانتسابات إلى مختلف أطر وبيوتات الشرف والولاية والكرامات، المنبثة زواياها ومزاراتها ورموز أقطابها عبر كافة بقع التراب الوطني مخترقة للأبعاد الإثنية واللغوية، مع توزّع مقدّري ومريدي تلك الأقطاب والمزارت في الداخل والخارج توزيعا غير مطابق لخارطة توزيعها الترابي. ويصدق هذا على المسلمين واليهود، وبدون أن يترتب على كل ذلك، بشكل مؤسسي وبصريح القانون، لا امتيازٌ مدني بالنسبة للمريد، ولا حرمان مدني بالنسبة لغير المريد. كما أن للمغاربة، مسلمين ويهودا، ماضيا وحاضرا، مرجعياتٍ ترابية مقدسة في الداخل والخارج "تُشَدُّ إليها الرحال" (ربوع الحجّ، حسب الملة). والحج إلى تلك الربوع مضمون مؤسسيا، ومن دون أن تُـتخذ تلك المرجعيات الترابية عناصر لمشروعية أيديولوجية/سياسية في اتجاه أو في آخر.
معنى كل ذلك أن هناك اتجاها في المغرب نحو تطور مؤسسي ينتقل من نمط تـأسيس البعد القناعي للفرد المدني على مفهوم الهوية الجماعية، إلى نمط مأسسة الأساس الضميري لذلك البعد.
وأخيرا، وعلى مستوى معطيات الصعيد الواقعي التجريبي، يتوفر المغرب على معطى تاريخي يشكل معيار قياس التطور الفكري في هذا الباب؛ إنه ما سماه التعديل الدستوري لسنة 2011 بـ"الرافد العبري" للهوية المغربية. فبما أن التصور الأحادي أو السُلـّـمي/الهرمي لمكونات المجتمع على مستوى الحقوق المدنية تصورٌ لا حدود لتجلياته التجريبة على سلـَّـم "الأصول" و"الفروع" (مليا كانت تلك الأصول والفروع أم أيديو-سياسية)، وذلك حينما يشكل ذلك التصور مبدأ إقامة الدولة، فإنه، كلما اختفى عنصرٌ مكونٌ من أسفل سُلـّـم الهرمية المدنية، إلا وحلّ محله عنصرٌ مكونٌ آخر يعطي معنى لتلك الأحادية أو لتلك الهرمية الحقوقية. وهذا ما يجعل الرافد التاريخي المذكور - رغم تضاؤل بُعده الديموغرافي واختلاط تمثلاته في بعض الأذهان بمستجدات جيو-سياسية جهوية (قيام دولة إسرائيل) - يشكل مؤشرا هاما من مؤشرات اتجاه التطور الفكري والمؤسساتي في هذا البلد؛ .وهذا ما يعطي معنى حقوقيا خاصا لتنصيص الدستور المغربي على ذلك الرافد لأول مرة.
-----------------
النص المكمل الأخير عبر هذا الرابط:
https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-politique-culturel-et-teleologie-constitutionnelle-dans-un-etat-civil
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres