OrBinah

(EN ARABE) 6-Du système de l'enseignement au Maroc-6

 

7 نموذج قديم لتدبير بيداغوجيا الشأن اللغوي

 

 

تناولت الحلقتان الأخيرتان مسألة التدبير البيداغوجي للشأن اللغوي في المنظومة التربوية المغربية الحالية بصفة عامة. وتتناول هذه الحلقة عرض نموذج قديم لذلك التدبير كما تم استجماع ما تفرق في المصادر من ملامحه، وذلك في ثنايا عمل في طريقه إلى النشر قريبا.(1) ويتعلق الأمر بالنظام التعليمي كما استقر لقرون في بعض المناطق المغربية الأمازيغية اللسان، وفي منطقة سوس على الأخص، وإلى فترة ظهور المدرسة العصرية الحديثة. إنه نموذج يتميز بالبراغماتية ونشدان الفعالية في إطار القيم السوسيو-اقتصادية والمقاصدية السائدة والضابطة حينئذ لآليات المجتمع العتيق الذي طوره، والتي كان ذلك النظام التعليمي يتوخى أن يُمّكن أفرادَ الجيل من التأهل للانخراط في منظومة ذلك المجتمع على هديها. وهي بالطبع قيم قد تغير اليوم كثيرٌ من أبعادها بتغير البنيات السوسيو-اقتصادية والديموغرافية والسوسيو-لغوية. وقد كان ذلك النظام التعليمي أكثر انسجاما  مع محيطه التقليدي، بقطع النظر عن المنهج العام القائم على الحفظ مما سبقت الإشارة إليه، وبالمقارنة مع نظام التعليم الحالي المراد له أن يساير مستجدات التطورات السوسيو-اقتصادية والعلمية لمجتمعات المعرفة الحديثة المعولمة، التي طرأت بالتدريج على المجتمع المغربي منذ أن اصطدمت بنياته الفكرية والسوسيو-اقتصادية القارة الرتيبة بمتغيرات واقع العالم المعاصر منذ ما يزيد قليلا عن قرن من الزمن (نحن في الذكرى المائوية لعقد الحماية).

يتعلق الأمر في ذلك النظام التعليمي، بمجتمع عتيق قار البنيات ورتيب الآلية كان يعيد إنتاج آليته في حلقية حسب دورة الفصول الطبيعية ودورية أجيال الدولة على الخطاطة الخلدونية من سلم واستقرار، وحرب وتسيّب، مجتمع كان قد ضبط اشتغال تلك الآلية الحلقية منذ قرون، فيما يتعلق بمعرفة قوانين الطبيعة والمجتمع وتدبير الأمور ضمنها، على العقيدة والتدين في إطار شريعة إسلامية مكيفة تأويلا مقاصديا، في كثير من حالات القضايا والنوازل الزمنية، مع الأعراف السوسيو-اقتصادية التي يفرزها المحيط الملموس. وإذ كانت النصوص المؤسسة لتلك الشريعة عربية اللسان في مصادرها، بينما لغة التواصل العادية في المحيط الحي هي الأمازيغية، فقد نشأ بالتدريج نظام تعليمي مناسب بيداغوجيا لتلك المعطيات السوسيو-لغوية في إطار تلك القيم، وذلك بما يجعله ناجعا في إعداد النشء لتمثلها وللانخراط والاندماج في الجماعة. ولقد تم ذلك بفضل تصور بيداغوجي وظائفي وتكاملي لمعطيات المسألة اللغوية بالضبط.

فمن جهة، ومنذ تأسيس ذلك النظام التعليمي، ظلت اللغة الأمازيغية التي هي لغة التخاطب العادي، هي نفس لغة التواصل وأداة تلقين أدوات اكتساب العربية في فضاء الفصل أو الصف التربوي (أي "ليحضار" في المسجد، و"الحلقة" في المدرسة العتيقة) مطورة بذلك رصيدا من المصطلحات الديداكتيكية اللازمة للقيام بتلك الوظيفة (تيغري "القراءة"، تيرّا "الكتابة"، ارّا "الويثيقة المكتوبة"، يد-ليف "الأبجدية" (هناك أسماء لقائمة الأحرف، مثلا: ليف، بي، تا، تا-يعجمن، ...، يا-يرزان "الياء المقصورة، ليف ور يمحسين "ألف المد"، يا ور يمحيسن "ياء المد"، واو ور يمحيسن "واو المد"، الخ.)، اسكـّـيل "الحرف"، تيدباكين "الحركات"، ، تاﮔوري "الكلمة"، اﮔـُـمّاي "التهجّي" امحّاس "ضبط الحركات"، اسفتو "الإملاء"، احسّو "الحفظ"، اسغودي/اسغودو "ترديد قصد الحفظ"، اسوفغ "ختم القرآن" الخ.)؛

ومن جهة ثانية، استقر ذلك النظام التعليمي في النهاية على هيئة نظام مرن وتعديلي (système modulaire)؛ لقد كان تعليما ذا سرعتين وبمسارين، ألا وهما:

(أ)   تعليم أساسي نظامي صفّي يبتدئ من الكتّاب (تحصيل الأبجدية، وحفظ القرآن) ومنه إلى المدارس العتيقة (حفظ متون اللغوية العربية والمتون الشرعية) ثم الجامعات في الآفاق (مراكش، فاس، الخ.)؛ ويشكل بدوره نظاما أساسيا يقوم على مجموعة من المعدولات التي كانت تحصل متوالية في الزمان وأحيانا كثيرة في المكان (معدول متون اللغة من نحو وصرف ومعجم، معدول متون العقائد، معدول متون العبادات، معدول متون المعاملات من بيع ورهن وكراء واستئجار وأحوال شخصية من زواج ورق وعتق وميراث، الخ.)؛

(ب)   تعليم مواز غير نظامي مخصص للكبار، رجالا ونساء، ممن لم يتمكنوا من إتمام المسار الأول.

وقد تراكم عبر القرون لفائدة هذا الفرع الأخير من التعليم معدول خاص (module spécial) من الأدبيات الديداكتيكية عُرفت عند أهلها في تلك الأوساط منذ قرون بأدبيات "المازغي". ويتعلق الأمر بديوان ضخم من المنظومات المؤلفة باللغة الأمازيغية والمدونة بالحرف العربي الذي يحصله أغلب الناس في الكتّاب في مراحل التنشئة الأولى، وذلك في مختلف أبواب معرفة الوقت (عقائد، عبادات، معاملات، أخلاق، تأمل وتصوف ووعظ، طبيعة، طب، فصول، فلاحة، هيئة وتوقيت، الخ.)، وبما في ذلك من معاجم مزدوجة اللغة (عربية-أمازيغية) كان يطلق عليها مصطلح "كشف الرموز" وتشكل معدولا آخر خاصا يقوم بالتجسير بين النظامين وبين الفئتين (أي: المتعلمون النظاميون من فقهاء وقضاة وعدول من جهة، وغيرهم من العامة من جهة أخرى)، وتتميز على الخصوص بتغطية معجمية مزدوجة اللغة لرصيد الإقليم من الوحيش والنبت وأشكال التضاريس مما سقطت المفردات الدالة عليه حتى من الرصيد المستعمل اليوم في معجم العربية المعاصرة. وتوفر مادة المازغي رصيدا من الأدبيات يمكن كل من احتفظ من الراشدين بأحرف الهجاء أن يحرز استقلاليته في تحصيل معرفة الوقت. وبما أن تلك المادة قد صيغت على شكل منظومات، فحتى من ضيع حروف الهجاء، وخصوصا النساء، يتمكن من حفظ مسالك متفرقة منها بالسماع أثناء ترديداتها الجماعية في حلقات المساجد والمواسم والأسواق والمناسبات العائلية.

وقد كان الهم البيداغوجي الأساسي الكامن وراء تأسيس هذا النظام التعليمي ذي التكامل الوظيفي بين اللغتين، وذي السرعتين والمسارين هو التقليل، ما أمكن، من الآفة التعطيلية لمنهج ترديد ما لا يُـفهم، كما تُصرح بذلك الهمّ البيداغوجي بوعي تام كثيرٌ من مقدمات مؤلفات "المازغي". ومن ذلك مثلا قول براهيم ازناكَـ (توفي: 1597م)، أحد كبار المؤلفين في فن المازغي، ما يلي:

[كيكَان د-لـّـوغا انغ يفكا لباري. كرا يكَان رّسول د-لوغا نس، ار-يسّ يتّبيان. لعارابي، لـّوغا ن-خاتمو لانبيا. يان يكَان امازيغ يفهم-ت س-لمازغي. يان ور يزضارن ي-لعارابي اد-تن فهمن، يغر لمازغي ن-لعاوام؛ يلّا گـيسن لبايان]؛

 

أي ما معناه:

"لقد وهبنا البارئ عددا هائلا من اللغات. فلكل رسول لسانه يبيّـن به. واللسان العربي هو لغة خاتم الأنبياء. ومن هو أمازيغي اللسان سيفهمه بواسطة 'المازغي'. فمن ليس بوسعه أن يفهم اللغة العربية، فليقرأ 'المازغي' الذي أعِدّ للعامة؛ ففيه بيانٌ".

 

وفي نفس الاتجاه يقول مؤلف آخر، هو الحسن بن براهيم أعروص (حوالي القرن 18م)، في مقدمة ترجمته الأمازيغية لمتن ابن عاشر، "المرشد المعين"، ما يلي في إطار بيان مزايا ووظائف "المازغي":

[لعيلم يسّرخا-ت ربّي، نشكر-اس، نحمد-اس-ت؛ يان يسّـنّ اگــُــمّاي، هانّ يوفا گـيس لحاقّ نس. نضمخ لابيات ن-لمورشيد س-لكلام ن-يمازيغن. يان-اس يسلّان يفهمت؛ ور يحتاجّا ما-يس يمّالن

 

أي ما معناه:

"لقد يسّر الله العلم، نشكره، ونحمد له ذلك؛ فكل من حصّل الحروف الهجائية يكون قد نال منه نصيبَه. لقد عمدنا إلى نظم أبيات 'المرشد' بلسان الأمازيغ. فكل من سمعه سيفهمه في الحين، ولا يحتاج من يبيّن له".

 

لقد تغيرت الآن معطيات البنية السوسيو-اقتصادية للمجتمع المغربي عامة، وكذا آلية اشتغال تلك الآلية، بما ترتب عن تلك التغييرات من بروز قيم جديدة ووظائف اجتماعية جديدة ومهام معرفية وتكوينية جديدة؛ كما تطورت الخارطة السوسيو-لغوية الملموسة بتغير سُـلـّـم اللغات الوطنية تبعا للحركية السوسيولوجية ما بين الحاضرة والبادية والجهات، وكذا بتغير سُـلـّـم اللغات الإقليمية والعالمية التي أصبحت لها وظائف مختلفة ومتحركة عالميا وكذلك وطينا بمقدار ما ينخرط أي وطن مختارا أو مكرها في حتمية نظام العولمة على مختلف الأصعدة. كل ذلك يطرح ضرورة بلورة تصورات سوسيو-بيداغوجية جديدة في باب تدبير الوجه اللغوي لمسألة التربية والتكوين تكون مناسبة وملائمة لبروفيلات الغايات الجديدة لخطط التربية. فإلى أي حد تتم اليوم معالجة الوجه السوسيو-لغوي والتربو-لغوي لخطط التربية والتكوين بما يناظر مرونية ومعدولية النموذج التربوي القديم الذي رأينا الكيفية التي استجاب بها ذلك النموذج للمعطيات الملموسة للمجتمع الذي كان يتكفل بمهمة إعداد الأفراد للانخراط والاندماج فيه؟

-------------------------------------

(1) يتعلق الأمر بكتاب محمد المدلاوي (2012، قيد النشر) رفع الحجاب عن مغمور الثقافات والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون. منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي.

 

البقية عبر الرابط:

https://orbinah.blog4ever.com/blog/lire-article-162080-9285525-_en_arabe__7_du_systeme_de_l_enseignement_au_maroc.html

 



26/04/2012
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 347 autres membres