(EN ARABE) 4-Du système de l'enseignement au Maroc-4
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)
منظومة التربية والتعليم، إلى أين؟
البدء من الحلقة الأولى عبر الرابط الآتي
5. البعد اللغوي في المسألة البيداغوجية
هناك مسألة أخرى من مسائل التربية والتعليم يغلب على خطاب معالجتها في النقاش والوثائق الإصلاحية طابعُ "ما هو لائق سياسيا"، أو بالأحرى "ما هو لائق أيديولوجيا". إنها مسألة المناهج ومضامينها. وتتمثل الأوجه الفرعية الأساسية لهذه المسألة في ثلاثة: وجه المضامين، ووجها اللغة والبيداغوجيا، وهما وجهان مترابطان.
فلنبدأ بهذين الوجهين الأخيرين، لأن الإشكال يبدأ بهما منذ الخطوات الأولى للتربية والتعليم. فهذه الخطوات الأولى تبدأ من الروض وتستمر، بالتدرج التناقصي، عبر الابتدائي ثم الإعدادي؛ وتتمثل مهامها الأساسية الأولى في الإعداد السوسيو-تربوي (socialisation) ومنهجة الهيكلة الذهنية الناشئة للصغير (structuration psycho-mentale)، أي تنمية قدراته التواصلية العامة وتفيتح وتأطير قدراته الذهنية والسيكولوجية في إدراك المحيط وتجريد التصورات وتدبير المشاعر والأحاسيس. ويكون للتعامل البيداغوجي مع الوضع السوسيو-لغوي الملموس في بدايات هذه المرحلة دور حاسم في تحديد مصير تلك القدرات لاحقا، إما تفتقا وإما تعثرا أو انسدادا كليا.
فالطفل لا يلج المدرسة وهو أبكم، إلا في الحالات الخاصة التي لها باب تدبير شأنها؛ وأداة الطفل اللغوية التي بفضلها يتم الشروع في تفتيق استعداداته الذهنية والتواصلية والسيكو-اجتماعية الطبيعية داخل الدائرة الأسرية الضيقة بشكل عفوي سلس هي الأداة المؤهلة، من الناحية السيكو-لسانية، للاستعمال البيداغوجي في المراحل الأولى للتمدرس قصد منهَجَة ذلك التفتيق في باب التواصل الاجتماعي الأوسع، ومنهَجَة التفتح على المحيط بشكل سلس، وتنمية القدرات الذهنية الإدراكية لدى الطفل، وبداية إكسابه الأطر الأخلاقية والجمالية المؤسسية لتدبير حزمة مشاعره وعواطفه وانفعلاته. هذه الأداة اللغوية التنشيئية الأولى في المغرب الحالي هي إما العربية المغربية وإما الأمازيغية بأوجهها، وذلك حسب الأحوال الملموسة. ولكل من تينك اللغتين أدبياتُ أطفال من مرددات خفيفة من قبيل "ا-شتا صبّي صبّي"؛ "نزار ا-بابا ربّي؛ وت ا-يانزار وّت" الخ. ولها حكايات مرحة من قبيل "حديدان ومديدّان"؛ "دّيب ولكَنفود"؛ "عيشة رمادة"؛ "وشّن د-بومحند"؛ "مارس يغد"، الخ. وقد تم تدوين نصيب قليل من هذه الأدبيات؛ لكن ضاع منها كذلك الكثير، فحلت محله "أناشيد" الوضّاع الثقيلة وغير المفهومة، وقصص الوعّاظ المملة وغير الملائمة للطفل.
فكل إكساب للغة أخرى غير اللغة المنزلية، وبالأحرى لأدبيات تلك اللغة مهما كانت قيمتها ومكانتها بالنسبة للتكوينات اللاحقة، إكساب يتعين بيداغوجيا، في المراحل الأولى للتنشئة، ألا يندرج إلا في إطار خانة بداية التفتح على معطيات المحيط ومتطلباته المستقبلية وليس في خانة الإرساءات الأولى السابق ذكرها والتي لا يمكن أن تتم بنجاح إلا عبر استمرارية لغة البيت في الفضاء التنشيئي الأساسي للتمدرس.
معنى ذلك هو أن التصور البيداغوجي العام يقتضي التأكيد المؤسسي على الوظيفة التنشيئية الأساسية للغة المنزلية بدل اعتبار هذا البعد الأساسي للكيان الاجتماعي للطفل منذ البداية مجرد عاهة خلقية، وتأثيما وجوديا يشكل بالنسبة إليه صدمة تربوية مبكرة لا يوفق بعد ذلك أبدا، في غالب الأحوال، في تجاوز ما يمثله ذلك التأثيم (تأثيم الحديث بلغة الأم في الفصل) من تأزيم وجودي لشخصيته يطبعها طيلة الحياة في ما يتعلق بالتواصل بوجهه العام إخبارا واستدلالا، بما في ذلك التواصلُ مع المحيطين الطبيعي والاجتماعي عن طريق إدراكهما وتجريد مفاهيمهما وتطوير المنطق اللازم للتعبير عن تلك المفاهيم وتبليغها أو استيعابها حينما يعبر عنها الغير.
لقد حاول نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين معالجة مسألة وظائف اللغات. إلا أن تلك المعالجة كانت عبارة عن ملامسة مبدئية محتشمة للمسألة، ولم ترق من الصراحة والوضوح إلى مستوى يستفاد منه ضرورة إعادة تصور مؤسسي للخطة البيداغوجية في بعدها اللغوي. ولا يُعتقد أن الأمر يعود هنا بالجانب المعرفي فحسب؛ إذ إن جانب "ما هو لائق سياسيا وأيديويوجيا" جليّ بما فيه الكفاية في خطاب نص ذلك الميثاق في هذا الباب. والواقع أن البعد اللغوي من الشق البيداغوجي للمسألة التربوية أمر جوهري وحاسم. فمتى ما تم التوفق في تنمية القدرات التواصلية والتفتحية والإدراكية الأولى للطفل عن طريق استعمال سلس لعدته اللغوية الأولى المستأنس بها عاطفيا ألا وهي لغة البيت، يتأهل ذلك الطفل حينئذ لاستعمال تلك القدرات في اكتساب المعارف والمضامين والمهارات المختلفة على قدر نوعية استعداداته الذكائية الشخصية ودرجتها، بما في ذلك اكتساب المعرفة باللغة أو باللغات الأخرى اللازمة، مرحليا وفي هذا الأمد أو ذاك، لتعميق تلك المعرفة في هذا الباب أو ذاك.
أما إذا تعثرت الإرساءات الأولى للقدرات التنشيئية في مرحلة مبكرة بسبب عنف الصدمة اللغوية (traumatisme linguistique)، فإن أسس اكتساب كافة المعارف، بما في ذلك أسس التأهل لاكتساب لغات جديدة، تكون قد اختلت مع الدخول إلى المدرسة؛ بل إن المنطق اللغوي للغة البيت نفسها يختل في هذه الحال سواء في علاقته بالمنطق الرياضي والطبيعي أم بالبنيات التركيبية والمعجمية لتلك اللغة التي تصبح لدى الفرد الراشد هجينة تخترقها نتف مبعثرة من هذه اللغة أو تلك فينعكس كل ذلك بغلبة التفكك وقلة التماسك على طبيعة القدرات المنطقية الإجمالية للفرد الراشد.
وقليلا ما يتوفق الراشد في تجاوز هذا التعثر لاحقا، اعتمادا على مجرد تجارب عصامية واستراتيجيات سيكو-تربوية ذاتيه خاصة يتمكن بفضلها، في نوع من العلاج السيكو-تربوي الذاتي، من إعادة بناء شخصيته التي شرختها تجربة التمدرس في طراوة الطفولة؛ ويكون في ذلك بالطبع هدر كبير للطاقات. فإذا انحصر مفهوم الهدر المدرسي حتى الآن في ما هو قابل للإحصاء الكمي بالأرقام، أي التكرار والانقطاع، فإن للهدر وجها آخر يتمثل في المجهودات العصامية، المكلفة زمنيا وطاقيا، التي تتمكن من خلاله قلة من الراشدين من تجاوز الأعطاب السيكو-تربوية التي تحدثها بيداغوجيا التنشئة الأولى على مستوى اللغة على الخصوص في علاقتها بالقدرات العقلية.
أما من لم يتمكن من تحقيق ذلك العلاج السيكو-تربوي،.فإنه يبقى مفكك القدرات الذهنية واللغوية والتواصلية طول حياته.الشخصية والمهنية. بل إنه قد يصبح معلما أو مدرسا أو أستاذا أو "باحثا في اللسانيت"، أو كاتبا أو صحفيا يركب جملا طويلة يشغل بعضها فقرة كاملة حافلة باللفظ؛ لكنك إذا تفحصتها تجد أنه يشرع بمبتدإ وهو عُمدةٌ في الكلام (مثلا: "إن الأمر الفلاني ...")، ثم يسترسل في مراكمة سلاسل من فضلات بناء الجملة الأم، كالنعوت والجمل الموصولية (مثلا: الذي كذا ...) والجمل الاعتراضية أو التفسيرية أو الاستدراكية (وحيث إن كذا ...، مع العلم أن كذا ...، وبالرغم من أن كذا ...)، حتى يعود إلى استئناف فقرة أخرى لكن دون أن ينتبه إلى أنه لم يتم الجملة الرئيسية ("إن كذا ...، ...، ...،) التي تبقى بدون عمدة منطقية ثانية ألا وهي خبر المتدإ (أو محمول القضية بتعبيرالمنطق )؛ وغالبا ما لا ينتبه القارئ نفسه إلى ذلك، لكنه يسارع إلى تكوين رأيه وحكمه في هذا الاتجاه أو ذاك بناء على جمل فارغة المضمون. إنه وجه كلاسيكي لانشطار البنية المنطقية وللانفصام ما بين اللفظ والمنطق، اللذين يترتبان على اختلال أسس الإرساءات الأولية للتنشئة. وبذلك يساهم هذا القبيل من البروفيلات الشخصية، على مستوى الأفراد، في تغذية وإعادة إنتاج نفس ما تولده المناهج البيداغوجية على المستوى المؤسسي. وإذا ما حصل لبعض مثل تلك البروفيلات أن يكون صحفيا يساهم من موقع الصحافة في تشكيل الرأي العام كما تشكل المدرسة بنية الأذهان، فلن يستطيع الفاحص حصر عدد الجمل المصوغة على الشكل السوريالي الآتي المسوق هنا كمثال فقط والذي يقول: "مذكرةٌ جديدة لوزير العدل والحريات تلحّ على وكلاء الملك استبعادها". إنه المانشيط الرئيسي المكتوب باللون الأحمر في الصفحة الأولى ليومية عريقة هي يومية "العلم" (ع: 6 أبريل 2012).
هذه الأسس المختلة للعلاقة بين ملـَـكة منطق اللغة (علاقات الوظائف النحوية، من فعل وفاعل ومفعول، ومن مبتدإ وخبر، ومن محددات هذه العُمَد كالنعت والجمل الواصفة والحال والظروف وعلاقات مرجع الضمير) من جهة، وبين ملـَكة المنطق الصوري (ا"لكليات الخمس"، و"المقولات"، وبنية "القضية" وأنواعها، وعلاقات "الاستلزام" أو "التناقض"، الخ.) من جهة ثانية، تنعكس في النهاية على مجمل نوعية الخطاب الاجتماعي الخامّ، سواء في جانبه التواصلي والإخباري، أم في جانبه الاستدلالي والإقناعي. وكلما قل امتلاك التماسك على مستوى علاقة اللغة بالمنطق بسبب اضطراب الإرساءات التنشيئية الأولى للأجيال، كلما أصبح الإقناع معتمدا على آلة العنف اللفظي ورفع الصوت وأساليب أخرى أكثر فيزيقية.
البـــقيـة عبر الرابط:
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres