OrBinah

(EN ARABE)-6 De l'orientation dans l'espace (gauche-droite)-6

Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller  dans  la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)

 

عن بداهة مفهوم الجهات

8- من تقديس بعض الأمكنة إلى أسس الانتماءات الهوياتية

 

للبدء من القسم الأول، الرابط الآتي:

https://orbinah.blog4ever.com/blog/lire-article-162080-2076753-_en_arabe__1_de_l_orientation_dans_espace__gauche_.html

 

 

تم الحديث في الحلقات السابقة عن تقابلات الجهات الست (أمام/خلف، فوق/تحت، يمين/شِمال) من حيث الأسس الذهنية والفيزيولوجية والطبيعية لتحديدها، ثم من حيث ما ربطت ثقافةُ الإنسان بحدي كل تقابل منها من قيم معيارية، إيجابية (أمام، فوق، يمين) أو سلبية (خلف، تحت، شمال) في باب رمزيات الأخلاق والجماليات والأيديولوجيات، وبكل ما يعكسه ذلك الربط أحيانا كثيرة من مفارقات. وتم الحديث أخيرا عن بعض أوجه امتداد إضفاء تلك القيم المعيارية من مستوى الجهات في إطلاقية علائقيتها إلى مستوى أماكن محددة بعينها على وجه الأرض، تُعلن كأماكن مقدسة وقبلات كما حصل في الفكر اليهودي. وستتناول هذه الحلقة بعض انعكاسات مثل تلك التقديسات الجغرافية والطوبوغرافية على ثقافة الانتسابات الهوياتية.

 

 إضافة إلى "المدينة" بمؤسساتها السوسيو-اقتصادية والسياسية المختلفة الأوجه والأسس الدستورية، تعتبرُ الانتسابات الهوياتية من أهم الأطر التي تنتظم من خلالها الجماعات الإنسانية في تدافعاتها الفعلية على رقعة الأرض وفي حيز التاريخ. ويقوم بناء الانتساب الهوياتي على عدة أبعاد أسطورية أو واقعية (جغرافية، سلالية، أيديولوجية) تتداخل وتتفاوت هرمياتها حسب التاريخ، ومن أهمها أحيانا البعدُ الجغرافي المكاني الذي يهمنا في إطار الحديث عن الجهات الست.

فإذ تم التمييز الأيديولوجي والعقدي مثلا بين "أصحاب اليمين" و"أصحاب الشمال"، و"أهل عليين" وأهل "أسفل السافلين"، مما تمّـت الإشارة إليه من خلال قصة تشبيه أنصار المسيح بالضأن ووضعهم على اليمين وتبشيرهم بأعلى عليين في مملكة السماء، وتشبيه غيرهم بالماعز ووضعهم على الشمال ووعيدهم بأسفل السافلين، فقد ظهر عبر التاريخ التمييزُ على وجه الأرض بين المركز والهامش بناء على تقديس أماكن بعينها، وجهات بعينها، باعتبار اعتماد تلك الأماكن كقبلات. وقد تم الحديث عن كيفية تطور مفهوم المركز والهامش الجغرافيين في الفكر الديني اليهودي على الخصوص (الأرض المقدسة، جبل صهيون، أورشليم، جبل السامريين).

ولقد انتقلت فكرة المركز والهامش هذه، المبنية أصلا على أساس اصطفاء ديني لمكان بعينه، من مجال الدين إلى مجال الانتسابات الهوياتية الصرف في إطار التدافع. فلقد سبق لي في إحدى الدراسات،(1) أن رصدت المكانة التي احتفظ بها الفكر اليهودي لشخصيتين علميتين هما: الربي واللساني الكبير، يهودا بين قريش التاهرتي المغربي صاحب "الرسالة إلى يهود فاس" من جهة، والحبر الحكيم، السموءل بن يحيى المغربي، صاحب كتاب "بذل المجهود في الرد على اليهود"؛ وقد قمت بذلك الرصد من خلال جرد مجموعة من موسوعات أعلام الفكر اليهودي؛ فتوصلت إلى استنباط الأبعاد المعتبرة في الثقافة اليهودية، والتي، بمقتضى مكانة الشخصية المعينة من تقاطعاتها، يتحدد نصيبُ تلك الشخصية من أحياز تلك الموسوعات، هذا النصيب الذي قد يكون صفرا، كما حصل مع ابن قريش، وقد يكون صفحة ونصفا، كما حصل مع اليهودي الهولندي باروخ سبينوزا المعروف مع ذلك بفلسلفته في وحدة الوجود panthéisme المقوضة لأسس للأرتودوكسية الدينية الابراهيمية عامة. تلك الأبعاد المعيارية الهوياتية، هي الآتية، مسوقةً على شكل حدّين لكل بعد، أولهما مقدم في الاعتبار الثقافي على الثاني: فهناك البعد الملي (المعرفة الدينية مقدمة على المعرفة العلمية)؛ وداخل المعرفة الدينية (الخطاب الإجماعي مقدم على الخطاب المنشق)؛ وداخل الخطاب المنشق (كل الفرق، قديمها وحديثها بما فيها فرقة المتنبئ الفاشل ساباطاي، مقدمة على فرقة القرّائين الاعتزالية). وهناك بعد اللغة (العبرية مقدمة على اللغات الأوروبية المهوّدة، وهذه مقدمة على العربية المهوّدة). وهناك البعد الإثني (أشكيناز أوروبا الشرقية مقدمون على سيفاراد الغرب والجنوب). وهناك البعد الجغرافي (الشرق مقدم على الغرب، والشمال مقدم على الجنوب).

فابن قريش إذن، وهو واضع اللسانيات المقارنة بدون منازع، خاسر على جميع مستويات رقعة هذه الخطاطة المعيارية. فهو عالم لغوي أكثر مما هو فقيه، وهو يُـنسب بسبب ذلك إلى اعتزالية القرائين، وهو من اليهود السيفاراد، وهو جغرافيا من المغرب قياسا إلى مركزية المشرق، ومن الجنوب قياسا إلى مركزية الشمال، ومن جبال تاهرت قياسا إلى مركزية الحواضر والسهول. وقد بينتُ في الدراسة المذكورة كيف تم طمسُ الأعمال اللغوية الرائدة لابن قريش حتى في عصره، سواء في الأندلس بالشمال أم في المشرق، وذلك لفائدة ساعاديا كاوون المشرقي مُقاما، وكذا في الأندلس بالشمال لفائدة أمثال ابن الأبرط المنحدر من فاس والذي كان يشهر انتماءه للمدرسة البابلية بالمشرق ويتخذ من ذلك الانتساب حجة جدارته العلمية في تدافعه الميداني مع منافسيه في باب اللغويات كما يفعل كثيرون حتى على مستوى الانتماء السلالي بافتعال شجرات النسب التي تلحقهم بأنساب المشرق الذي هو المركز في مقابل الهوامش.

وبالنسبة لهذه الأبعاد الجغرافية الأخيرة (مشرق/مغرب، شمال/جنوب، حواضر/جبال)، تجدر الإشارة إلى أنه حتى شخصية عقلانية مثل موسى بن ميمون ذي الفكر الرشدي وحُجة اليهودية، الذي فضل بدوره الانتقال الفيزيقي من الأندلس والمغرب إلى المشرق ضمانا لإشعاعه، لم تسلم من مثل تلك التصنيفات الثقافية. فقد أورد سيمون ليفي في إحدى مقالاته قول ابن ميمون في بني ملته من أهل جبال الضفة الجنوبية ما يلي: ("إن يهود جبال البربر في نظري أجهل سائر البشر بالرغم من أنهم متشبثون بالإيمان بالله. ويشهد الله بأنني لا أقارنهم بفرقة القرّائين الذين ينفون نقليات السُّنة. إنهم لا يعربون عن أي وضوح في الدراية بالتوراة وبالتلمود بالرغم من أن من بينهم بعضَ القضاة"). وليس هذا التصنيف الهوياتي المبني على الانتماء إلى المشرق أو المغرب، أو إلى الشَمال أو الجنوب، مقصورا على الثقافة اليهودية. فقصة "جغرافية الطائر" معروفة في نوادر ومُـلح الأدب العربي. فقد ورد في كتاب "مفاخر البربر" لصاحبه المجهول ما يلي:

("ولما كانت بلاد المغرب منازلَ البربر ومساكنـَهم، بعد فرارهم من الشام عقب قتل داود عليه السلام لجالوت، صارت أيضا محقرةً عند الناس وأَدوَنَ أقاليم الدنيا ...". "ولما كانت البربر عند كثير من جَـهَـلة الناس أخسَّ الأمم وأجهلـَها وأعراها من الفضائل، وأبعدَها عن المكارم،رأيت أن أذكـُر ملوكهم ...". "ولقد جرى ذكر المغرب بحضرة أمير المؤمنين ابن عبد العزيز العـُبـَيدي، فقال بعض الحاضرين: بلغـَنا أن الدنيا شـُبـّهت بطائر؛ فالمشرق رأسـُها، واليمن جناحُها، والشام جناحها الآخر، والعراق صدرها، والمغرب ذنـَـبُها. وكان في المجلس رجل مغربي يقال له 'الدقــا'، فقال لهم: 'صدقتم، والطائر طاووس'؛ فضحك السلطان وأجزل صلته"): "مفاخر البربر"؛ دار أبي رقراق. 2005. ص: 91-92).

وقصة الذنب هذه، تستمد دلالتها على مستوى سيميولوجية الجهات (أمام/خلف، صدر/ذنب، فوق/تحت) من قول الشاعر المخضرم ما بين الجاهلية والإسلام ما يلي في تصنيف القوم:

قومٌ همُ الأنفُ، والأذنابُ غيرهمُ   *  ومن يساوي بأنفِ الناقةِ الذنبَ

وقول آخر بعده في الإسلام:

ونحن أناسٌ لا توسّط بيــننــــا   *   لنا الصدرُ دون العالمين أو القبرُ

 

أما من حيث الجوهر، فقد سبق أن أوردنا ما جاء في إنجيل متــى (23: 1-13) حول من يعتبرون أنفسهم شُـمّ الأنوف ويتهافتون على مواقع الصدارةوالصفوف الأمامية: ((لا تقـتـدوا بأعمالهم؛ لأنهم يقولون ما لا يفعلون. إنهم يحزمون أعباء ثقيلة، فينصّبونها على كواهل العباد ولا يحركون لحملها إصبعا. يصنعون كل ما يصنعون لمجرد أن يصبحوا محطّ أنظار بني آدم. يزينون معاصمهم بأسماط عريضة، ويتخذون أهدابا مسربلة لثيابهم. يحبون المقام الأول في المآدب، والصفوف الأولى في الجوامع، ويحبون أن يسلم عليهم الناس في الساحات العمومية، وأن يناديهم القومُ "سيدي، سيدي".))

--------------------

  (1) Elmedlaoui, Mohamed (1999-2008) "Les deux 'Al-Maghribi', Ben Quraysh et As-Samaw'al (un souvenir refoulé par une mémoire sélective)". Etudes et documents berbères 27 (2008): pp. 27-46.

--------------

البقية عبر الرابط الآتي

https://orbinah.blog4ever.com/blog/lire-article-162080-2141442-_en_arabe__9_de_l_orientation__gauche_droite__9.html



03/02/2011
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres