OrBinah

(EN ARABE-partie-2) Des rites du sang dans la culture marocaine

Si le texte arabe ci-dessous ne s'affiche pas correctement, aller  vers la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur PLUS, puis sur ARABE(Window)

 

حول طقوس الدم في الثقافة المغربية:

ماذا تقول العلوم الإنسانية ؟[1]

(القسم-2)

القســـــم الأول: هـــنـــا

 

 

الدلالات الثقافية للتصرف إزاء مشاهد الإرهاب الدموي خصوصا

 

بالرجوع إلى مسألة تعامل الصحافة مع مشاهد الرعب الدموي، في علاقة ذلك بالأسس الثقافية للتعامل مع رمزيات الدم بصفة عامة، فإن ما يستوقف المرء اليوم في باب الدلالات المتعددة للأحداث الإرهابية الدموية التي عرفها المغرب ليس هو الدلالات السياسية، كما أراها على الأقل، والتي سبق لي أن أسهبت في الحديث عنها في المقال المشار إليه أعلاه. إن ما أود الوقوف عنده هذه المرة، لألفت نظر المختصين إلى أمره، هو التساؤل بشكل جدي وعلمي  حول علاقة ثقافة المجتمع المغربي في عمومه بعنصر "الدم"، باعتبار دلالات التعامل مع هذه المادة المحملة بالرمزيات منذ غياهب ليل التاريخ، كتعبير عن نوعية التعامل مع أقصى النزعات العدوانية والميولات الفنائية التاناطوسية (thanatos) والنيكروفيلية في مجتمع من المجتمعات أو لدى شخص من الأشخاص حسب تداخل التربية والوسط مع غياهب اللاشعور.

 

إن السؤال هذه المرة ذو بعد أكاديمي في ميدان التربية وعلى ضوء العلوم الانثروبولوجية والاجتماعية والسيكو-اجتماعية. إن عودة الصحافة من جديد سنة 2007، وبشكل قد ينم عن مرَضية جماعية حادّة، إلى التسابق على عروض التشهير بصور أشلاء الأجساد البشرية (صور تقسيط الأحشاء، والأطراف، والجذوع، والرؤوس، والقلوب المتناثرة على الرصيف)، ملتقطة  من على الأرصفة، ومن على السطوح التي شهدت البشاعة، لتنشر على كل واجهات الأكشاك ونقط البيع على الأرصفة عبر البلاد وأمام أعين الصبية وغير الصبية، وبإلحاح في الزمن تعدى أسبوعا كاملا، ومع وتنبيه بعضها إلى أن له "حق الانفراد" بنشر بعض الصور، لهو أمر يستحق أن تطرح بشأنه أسئلة جدية ليس فقط عن المستوى الأخلاقي للمجتمع المغربي ككل (وهذه مسألة فلسفية تتعلق بمدى التدرج في سُـلـّم الرقي في فلسفة تكريم الحياة الإنسانية)، ولكن ربما حتى عن الحالة الصحية لتوازناته التربوية والثقافة والسيكو-اجتماعية (وهذه مسألة تربوية). فلم يعد يتعلق الأمر بمجرد ذلك النصيب المعزول من الهامشيين الذين يفرزهم المجتمع مضطربين في توازناتهم إزاء قيم الجرم والعدوان، والموت والحياة، وإزاء المشاهد المرَضية المرتبطة بدوافع الفناء وبالثقافة النيكروفيلية مجسدةً بالخصوص في مشاهد الافتراس وسفك الدم وإهراقه بل وشربه (عيساوة، حمادشة، ما روي عن حفلات مدنية القصر الكبير في نوفمبر 2007). ذلك أن صنفا من الصحف كان قد اكتشف مع نهاية الثمانينات من القرن الماضي بأن سوق صور الرعب الدموي، وبشاعات جرائم الحق العام (صور الجثث المقطعة والأطراف المبتورة) سوقٌ نافقةٌ في أوساط المجتمع المغربي الضعيف الاستعداد للقراءة. وعبر ذلك (نافذة الإثارة بصفة عامة) اكتسب البعدُ التجاري  للصحافة المغربية شرعيته في التقاليد الصحفية المغربية التي وُلدت ناطقةً باسم هيئات سياسية ذات خطاب. ولقد فطن لهذا الأمر بعد ذلك حتى الصنفُ القديم من الصحافة المغربية وصدر عنه بشكل محتشم، بالرغم من امتناعه من الاستسلام التام لقانون  العرض والطلب، وذلك باسم ميثاق أخلاقيات المهنة (انظر تغطية للنقاش حول الأمر في القدس العربي؛ عدد 5561؛ ص:7). إلا أنه ما أن يتعلق الأمر ببشاعات الإرهاب، التي أصبحت اليوم دورية في البلاد، حتى تتحرر بدورها تلك الفصيلة الزاهدة في الإثارة من قيود الميثاق الأخلاقي بدعوى "كشف الوجه البشع للإرهاب"، وذلك في الحقيقة لإشفاء غليل صحفييها وزبنائها المشاهدين (هم في هذا الباب مشاهدون للصور المثيرة أكثر منهم قراء) في "التمتع" بمشاهد الرعب الدموي المصور والمدعم بنوع أدبي جديد يتفنن في وصف انتثار الأشلاء الآدمية، وبأسلوب يزيد - من خلال إلحاحه على أدق التفاصيل الوصفية لكيفية انـتـثار الأحشاء والأشلاء -  في تأكيد وجاهة التساؤل عمّا إذا لم تكن ظاهرة التعطش لصور الرعب الدموي عندنا من أعراض حالة مرَضية جماعية على مستوى الأسس الثقافية للتربية.

 

الإدراج الجماعي لشعيرة الأضحية في سيكولوجية الثقافة العامة إزاء مشاهد الدم

 

ولقد استحضرت كل هذه الأسئلة السيكو-اجتماعية مرة أخرى بمناسبة ما شاهدته ذات يوم عيد الأضحى (2006): جارة أرملة عجوز أبطأ عنها الجزار صبيحة عيد الأضحى، فاقتحمت على الجيران فناء البيت حيث كانوا متحلـّقين، صبيةً وشيوخا، حول "المعالجة الجماعية" لكبش الأضحية في حالات سيكو-اجتماعية عُـصابية، هي خليط غير مندمج من مشاعر الإشفاق من مشهد الدم، ومن الثوران الهستيري للأعصاب في نفس الوقت بفعل نفس المشهد، أي بفعل ما يسميه المغاربة بــ"هوائش"  الغرائز الافتراسية التي تستعجل أمر معالجة الأضحية معالجة فيزيولوجية وتستوهم روائح الشيّ والقـُـتار. لقد صرحت الأرملة العجوز مشتكية بأن تأخر الجزار جعلها تعاني من "وجع الرأس" بسبب "الهوائش" والحاجة إلى رؤية الدم المراق وإلى استنشاق روائح قـُتار الشحم المحترق؛ حتى إنها كانت تعمد بين الفينة والأخرى إلى إحراق نـُتـف من صوف الكبش فتستنشق قتارها لتخفيفا من ألم "الهوائش" الذي ألمّ بأعشار رأسها. لم تسترد العجوز "توازن" راحتها وخفة رأسها إلا بعد أن تطوع القوم  بتقديم ذبح كبشها عن بقية كباشهم، حيث بادرَتْ شخصيا إلى استقبال كمية من دمه الفائر في إناء من البلاستيك، وذلك لغاية استعمالٍ لم أعرف عنه شيئا. وما أن تم سلخُ الحيوان الضأني، وبقـْرُ حُـشوته وهي تفور بخارا، واقتلاع وكشط شحم أحشائه، حتى تلقـفـت العجوز رداء شحم حشوته ("الضوارة") فتأزرت به ملفـّعةً به كتفيها كما يـُفعل بالشال، ثم أخذت تتبختر في اختيال وانتشاء. هذا مثال ربما كاريكاتوري مركز ولكنه واقعي ذو تمثيلية.

هذا المشهد الواقعي من الهيجان الهستيري إزاء مظاهر التعامل مع الدم نموذج مركز لما هو متقاسَم في الحقيقة بيننا بدرجات متفاوتة من الظهور والإخفاء حسب التربية والتكوين والتنشئة والتثقيف، وهو ذو علاقة وطيدة في أعماق أسسه التحتية بتقاليد الإشباعات الهائجة للفرق الحمدوشية حيث يفترس آدميون وهم يرقصون جديانا حية يتماشقونها كالسباع في مشاهد تحيل على مرجعيات ثقافية موغلة في الأزمنة النيوليتيكية (انظر وصفا للموسم الحمدوشي الأخير بمكناس بمناسبة المولد النبوي في عمود رشيد نيني بجريدة المساء ليوم 10 أبريل 2007).

 

 

علوم الانسان وفهم بعض الظواهر

 

وفي انتظار أن يعكف متخصصون من انثروبولوجيين وسيكو-جتماعيين على معالجة هذه الظواهر معالجة علمية واصفة ومقارنة ومفسرة للدلالات وللوظائف، أختم هذا المقال بالربط، على سبيل المقارنة، ما بين ممارسة العجوز السابق ذكرها من حيث استقبالها لدم الأضحية وهو يفور، وبين دراستين من نوع التحقيق اللغوي الفيلولوجي (المدلاوي 2004؛Elmedlaoui 2006 )  كنت قد بينتُ من خلالهما كيف تمّ، على المستوى الانثروبولوجي، استردادُ واستدامةُ طقس من الطقوس اليهودية- المسيحية شبهِ الوثنيةٍ في شمال إفريقيا، ألا وهي طقوس خروف عيد الفِصح (agneau pascal) المسمى بالأمازيغية "تافاسكا" (اشتقاقا من الآرامية "فاسْــقا" (פסקא)، أي "الفِصح")، وذلك كنموذج لما يمكن أن يساهم به علم من العلوم الانسانية في فهم جانب أو جوانب من ظاهرة اجتماعية معينة.

إنه طقس من الطقوس اليهودية الأولى، يربطه نص التوراة بمعجزات خروج بني إسرائيل من مصر. ومعلوم أن اليهودية كانت قد انتشرت بين ساكنة شمال إفريقيا من الأمازيغ أو "البربر" حسب تسمية غيرهم لهم من العرب والعجم. وتدل على ذلك كثير من القرائن الانثروبولوجية واللغوية، كما أشار إلى ذلك الكاتب ورجل الكنيسة الروماني تيرتوليان Tertullien (160-240م). فقد أشار تيرتوليان (Tertullien, Ad Nationes, I, 3) حسب ما نقله عنه أندري شوراقي ((Chouraqui 1998 : 63  إلى أنه كان في أوساط "البربر" بشمال إفريقيا من كانوا يمارسون الديانة اليهودية، إذ كانوا يعطلون يوم السبت، ويصومون، ويتحرّون  في التمييز بين الحلال والحرام من الأطعمة والأشربة.

فلقد تم إذن، بعد تلك الفترة، استردادُ وظيفي لذلك الطقس الديني بشمال إفريقيا بعد دخول الإسلام، على سبيل ما يعرف في الانثروبولوجيا بالسانكريتيسمية (syncrétisme)، وذلك من خلال المزج الوظيفي، في هذه البلاد، بين شكل ذلك الطقس في ثوب يهوديته الأولى، وبين المرجعية الإسلامية لشعيرة عيد الأضحى بعد دخول الإسلام الذي تحيل فيه رمزية هذه الشعيرة على مرجعية أخرى هي قصة إبراهيم عليه السلام (سورة الصافـّات 102-107).

والذي يعنينا هنا، فيما يتعلق بعادة استقبال دم الذبيحة، كما فعلت ذلك العجوز المذكورة يوم عيد الأضحى، هو ما ورد في سفر الخروج من التوراة (12: 3-7) في شأن أضحية عيد الفصح اليهودي المعروف بـتسمية "فاسقا" في الآرامية، التي منها انحدرت بالاقـتراض كلمةُ "تا-فاسكا" الأمازيغية، التي استعارتها لغات مسلمي الساحل الإفريقي بدورها على شكل tabaska؛[1]  فلقد ورد في سفر الخروج ما يلي :

«في العاشر من ذلك الشهر يـؤخذ خروف لكل بيت (...) ويكون خروفا سالما من العيوب، ذكَرا وابنَ حوْلٍ كامل، خروفا أو جديا (...)،[2] ويقوم الملأ من بني إسرائيل بذبحه أضحيةً، فيؤخذ من دمه ويـُهرق منه على قائمتي الباب وعارضته» (ترجمتنا الخاصة عن النص العبري).

 

فنلاحظ هنا إذن أصلَ عادةٍ ما تزال جارية في بعض البوادي المغربية وتتمثل في استقبال القوم المضحين لبعض دم الذبيحة، وإهراقهم  إياه على عارضة باب المنزل. إنها عادة كانت جدّ منتشرة، حتى إن الفقيه الهوزالي، أكوبيل، صاحب "كتاب الحوض" الأمازيغي اللسان في الفقه المالكي كان قد اضطر إلى النهي عن ذلك الأمر في أرجوزته "تنبيه الإخوان على ترك البدع والعصيان"، باعتبار ذلك، في اعتقاده، بدعة مستحدثة، حيث قال:

 

                   ولطخُهم بالدم فوق الباب   *   من بدَعٍ ليست من الصواب

 

وقد تنبه بعض شراح الأرجوزة إلى الأصول اليهودية لهذا الطقس فقال:

«وأخبر بعض الفقهاء أن صاحب "المعيار" ذكر أنهم [أي العامة من المسلمين] اتبعوا في ذلك أهل الكتاب. فكيف يرضى من له غيرة في الإسلام أن يقتدي باليهود في أفعالهم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم لما في ذلك من التعظيم لدينهم» (انظر: بوحيدة 1991، ص 34؛ و كذلك :  v. Boogert 1997,  p. 166).[3]

 

إن أمورا من هذا القبيل لذات دلالات أنتروبولوجية وتاريخية مهمة. فهي تبين من جهة بأن التعامل الواعي مع مثل هذه الظواهر أمر يقتضي معرفة انثروبولوجية ميدانية معمقة  ولا يصح التعامل المؤسسي (مؤسسات إدارية وتشريعية وقضائية) مع مظاهره اعتمادا على مجرد ما يوحي به "الدمغي" في لحظات الارتباك، معتمدا بدوره على مجرد عقلية فقهية شعبية أو شعبوية كتلك العقلية التي جعلت النخبة المغربية تخصص ما يفوق قرنا من الزمن من الفتاوى لتقرير ما إذا كان يحلّ أم يحرم استهلاك الشاي وسكر القالب  بناء على ما كان  يـُـفترض من علاقة ذلك الاستهلاك بقوة أو بضعف الباءة (انظر السبتي و لخصاصي 1999)، وذلك قبل أن تصبح تلك العشبة الأسيوية اليوم مشروب الإدمان في مجالس الفقهاء خاصة؛ كما أن مثل تلك الأمور تبين من جهة أخرى، وكنتيجة جانبية لعلوم الفيلولوجيا ولدورها في ميدان دراسات التاريخ والثقافة (انظر Elmedlaoui 2008)، قيامَ حضور يهودي في شمال أفريقيا قوي ومتجذر في اللغة وفي العادات والعقائد في فترة ما قبل الإسلام، واستمرارَ بعض مظاهره بعد الإسلام على شكل أوجه متعددة من التداخل السانكريتي (syncrétisme) الذي يتعين على الانثروبولوجيين ومقارني الأديان الانكباب على فك خيوطه المتشابكة في بناء منظومة الثقافة المغربية.

 

تساؤلات وخلاصة

فهل المواسم الحمدوشية، في المولد النبوي، ومشاهد طقوس شرب أكواب الدم، كما قيل بأنه قد حصل في حفل مدينة القصر الكبير وغيره، وكل مظاهر الغليان المحموم في التعامل الجماعي مع الأغنام، وفي مباشرة وشحذ السكاكين والمقدات من جميع الأحجام، في الأسواق، وعلى الأرصفة، وفي الساحات، وكل الظواهر السيكو-اجتماعية التي ترافق الإعداد لأضحية عيد الأضحى، تصعيداتٌ سيكولوجية تحريرية يكون من وظائفها تصريفٌ منهجيٌ للشحنات العدوانية الفردية والجماعية عن طريق تفريغها في الأضحية ككبش فداء، أم أن تلك الممارسات تعابيرُ مقنّـعة، وتنميةٌ مهرّبة تحت قناع الشعائر، تـنمّي، على العكس من ذلك، تلك الميولاتِ العدوانيةَ الدفينة، وذلك عن طريق ابتذالِ مشاهد الفظاعة وجعلِها عادية يأنس إليها الفرد والجماعة؟

إنه السؤال التربوي الذي يتعين أن تجيب عنه العلوم الانسانية المعنية في ربط لهذه العلوم بتربة المجتمع المغربي، وأن تسنّ على هدي ذلك الجواب خططٌ تربوية وتثقيفية وترفيهية احتفالية تساعد على الاستجابة لحاجات الوظائف التصعيدية العلاجية السيكو-اجتماعية، وتعمل على ملاءمة أوجه وأشكال تلك الاشبعاعات لظروف التطور الاجتماعي والعمراني، وتحد في نفس الوقت من الأشكال الاحتفالية التي يثبت أنها تعمل على تنمية النزعات التدميرية لدى الفرد والجماعة.

وفي هذا الباب، باب علاقة الأحاسيس والميولات والسلوكات من جهة، بطبيعة الزاد التربوي المؤسسي للفئات الاجتماعية المختلفة من جهة ثانية، يحق أن يتم التساؤل عما إذا كان هناك من رابط ممكن ما بين ارتفاع الطلب على مشاهد الرعب الدموي لدى زبناء الصحافة المكتوبة بلغة دون أخرى كما لاحظ ذلك الجميعُ في المقارنة ما بين سلوك الصحف المغربة الناطقة بالعربية من جهة، والصحف الناطقة بالفرنسية من جهة ثانية، في التعامل مع صور الدم، وذلك بمقتضى كون الصحف تساير أذواق زبنائها؟ إن الأمر يتعلق هنا بمدى ما يمكن أن يكون هناك من علاقة ما بين نوعية الزاد الثقافي التكويني المكتسب بالتربية المؤسساتية وبين سلوكات سيكو-اجتماعية معينة.

المتخصصون في علوم الاجتماع والانثروبولوجيا وأسس التربية هم وحدهم المؤهلون للإجابة عن مثل هذه الأسئلة، التي لم يعد بالإمكان اعتبار طرحها ترفا في مثل الأحوال التي أصبحنا نعيشها. وإلى أن يعالج أولئك المتخصصون - إذا ما كان هناك متخصصون - أمثال تلك الأسئلة ويوردوا بشأنها أجوبة أو فرضيات على الأقل، فإن من الأحسن أن تريحنا الصحافة من الاتجار بصور الدم والرعب بدعوى "كشف الوجه البشع للإرهاب"، الذي لم يـحتج يوما إلى عدسات التكبير لكي تبرز بشاعته؛ ذلك أن فظاعة الإرهاب تدرك أخلاقيا وعقلا، لا بالإباحية الفرجوية أو ما سماه السيد لحسن حداد في مقال متألق له بجريدة المساء؛ عدد:182 (20-04-2007؛ ص:17) "بورنوغرافية الإرهاب".

أما تداخل كل هذه الأسئلة بالحقل الديني من حيث أن كل وجه من أوججها يتخذ لبوس التخشع ويبحث به عن شرعية في المرجعية الغيبية بمفهومها الأوسع، خصوصا فيما يتعلق بتصريف أوجه كثيرة من هذه السلوكات عبر قناة عيد

الأضحى، فإن دور الفكر الديني يسجل تخلفا فظيعا في مواكبة تطور العلوم الانسانية (من اقتصاد وعمران وأيكولوجيا واجتماع وانثروبولوجيا) قصد الاستفادة منها في العمل على ملاءمة الشعائر من حيث مقاصدها لا من حيث أشكالها الصورية لشروط تطور المجتمع، المحكومة بقوانين عوامل تتعولم أبعادها ومفاعيلها أكثر فأكثر. فمن ذا الذي يمكن أن يزعم بأن وظيفة نحر الأضحية اليوم في فضاء مجتمع الصناعة والخدمات (حتى الزراعة أصبحت صناعة)، واقتصاد التبادل والاستهلاك والإشهار، ومدن الاكتظاظ، وعمران الشقق والطوابق، وسياسات الصحة العمومية، والتربية العمومية، وتدبير الاقتصاد العمومي، وضمان الأمن الغذائي الخ، مما أصبح من صميم المهام الأولى للدولة والمدينة، ما تزال تفي في شكلها النيوليتكي الأول بالمقاصد الأولى من سنها؟ فبالإضافة إلى التقاليد الشعبية شبه الوثنية مما سبقت الإشارة إلى عينات منه، قد استردت المؤسسات البنكية والإشهارية شكلَ الأضحية فقوّت وضخمت شكله الاستهلاكي المحض في تناف لذاك الاستهلاك مع الحاجيات الحقيقية للمجتمع الحديث ولظروف فضاءاته العمرانية، وأزمنته الإدارية، ولإمكاناته الاقتصادية، ومتطلبات سياسته الصحية العمومية.

. "هذا يعني أن ممارسة طقوس عيد الأضحى لم تعد لها علاقة بالتعاليم الحقيقية للإسلام، فهذا العيد أصبح مهرجانا ... سوقا غاصا بالشناقة والمتفرجين. لقد أصبح مناسبة للأكل حد التخمة" (خالد الجامعي؛ المساء. عدد 689  الجمعه 5 ديسمبر 2008). فحتى تبريرات "التصدق" بلحم سـُنة الأضحية لم تعد مقنعة من حيث بلوغ المقاصدية بما أن ذلك التصدق يتحول إلى مجرد مصدر لإضرارٍ مضاعف بالصحة العمومية من حيث تشكيله لسوق سوداء يفوِّت من خلالها المتصدَّقُ عليهم أكياسَ لحوم "الصدقات" لصغار الجزارين الذين يعيدون تصريفها بعد أسابيع للزبناء، وهي لحوم غير مراقبة أصلا من الناحية الصحية، وذلك حتى يتمكن أولئك المتصدق عليهم من تسديد سلف نحرهم لأضحيتهم الذي يضطرون إليه بفعل الطابع الإشهاري والتجاري والاستهلاكي المحض الذي اتخذته شعيرة الأضحية اليوم. "من هنا تبرز الحاجة إلى مراجعة هذا العيد الذي يجعل الفقراء أكثر فقرا. وقد اتخذ الحسن الثاني [ذات مرة] قرارا شجاعا بأن ينوب هو في ممارسة هذا الطقس عن المغاربة" (خالد الجامعي؛ نفس المصدر).

 

المـــراجـــع

 

بوحيدة، ابراهيم (إعداد وتقديم 1991) من التراث السوسي. التنبيه الحالي من تنبيه الإندزالي. الرباط. مطبعة وراقة الفضيلة (ش.م) 218، شارع عبد الكريم الخطابي؛ المحيط. الرباط. الإيداع القانوني:  312 / 1991.

بنيدير، جامع (2007)  مهرجان ءيمعشار بـتيزنيت.  منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (مركز الدراسات الانثروبولوجية والسوسيولوجية). سلسلة دراسات – رقم 8

 

المدلاوي، محمد (2004) " اسم الجلال في'ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الأمازيغية"؛ ص 100-112 من:  الترجمة بين الهواية والمهنية؛ وقائع ندوة؛ إعداد عز الدين الكتاني الإدريسي و ابراهيم الخطابي وعبد اللطيف زكي. جامعة محمد الخامس – السويسي و المعهد الجامعي للبحث العلمي- الرباط.

المدلاوي، محمد (2006) "من عناصر الثقافة اليهودية في التمازج الثقافي المغربي محاكاةً وحكيا؛ نماذج للتناصّ بين العبرانية والأمازيغية والعربية". الحكاية الشعبية في التراث المغربي. موضوع لجنة التراث؛ بالمشاركة مع الجمعية المغربية للتراث اللغوي. مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية - الرباط. سلسلة "الندوات". ص: 229-264.

السبتي، عبد الأحد و عبد الرحمان لخصاصي (1999) من الشاي إلى الأتاي؛ العادة والتاريخ. منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط. سلسلة بحوث ودراسات؛ رقم 25.

Chouraqui, André (1998). Histoire des Juifs de l'Afrique du Nord. Tome I : En exil au Maghreb).Editions du Rocher. 1998

Elmedlaoui, Mohamed (2006) "Traduire le nom de Dieu dans le Coran : le cas du berbère", pp. 105-115, in Dymitr Ibiriszimow, Rainer Vossen et Harry Stroomer (éd.), Etudes berbères III : Le nom, le pronom et autres articles, Köppe Verlag, Köln, 2006.

Elmedlaoui, Mohamed (2008) "Le Judaïsme du Maroc profond, déjà une légende ? (Le cas des 'Juifs berbères' ou 'Berbères juifs')". Colloque international Permanences du Judaïsme Marocain. Hôtel Kenzi Farah, Marrakech 26 mai 2008. A paraître dans les actes. 

van den Boogert, Nico (1997) (1997) The Berber Literary Tradition of the Sous. With an edition and translation of 'the Ocean of Tears' by Mohammad Awzal. Publication of the "De Goeje  Fund" XXVII. Leyde: Nederlands Institut voor het Nabije Oosten.

van den Boogert, Nico et Maarten Kossmann  (1997) "Les premiers emprunts arabes en Berbère".Arabica, XLIV, pp 317-322.

 


[1]   ذلك أن لغة الدعوة الإسلامية في غرب شمال إفريقيا في العصرالوسيط كانت حينئذ هي اللغة الأمازيغية كما تدل على ذلك دراسة مؤشرات مصطلحات العبادة (انظر دراسة تحقيقية مقارنة للمصطلحات العبادية الأمازيغية: تاژالّــيت "الصلاة"، تيمزگــيدا "المسجد"، وژوم "الصيام"، تيزوارنين  "الظهر"، تاكُّـُــژين "العصر"، تين-ووتشي "صلاة المغرب"، تين-ييضص "صلاة العشاء" في: van den Boogert et Kossmann 1997).

 

[2]   إنها، في المجمل، نفس الشروط التي يقتضيها الفقه الإسلامي في الأضحية بناء على ما ورد في الحديث: «لا يجوز من الضحايا العوراء البيّـن عورها والعرجاء البيّـن عرجها والمربضة البيّـن مرضها والعجفاء التي لا تنقي» (كتاب الضحايا؛ سنن النسائي) .

 

[3]   صدر تقرير انثروبولوجي لا يعود إلى أكثر من سنة 1996 وهو تحت عنوان:

« Le sacrifice de l'Aïd El-Kabir en France (1990-1995) », ، أي "قربان عيد الأضحى في فرنسا (1990-1995)" وقد كان منشورا حينئذ بالموقع الأليكتروني : http://www.adri.fr/me/pdf/me063.pdf . ويشير بخصوص دم الحيوان الذبيح بأن "بعض النسوة من المغاربيات يغمسن فيه أيديهن فيطبعن بها بصمة مماثلة من الدم على شكل "كف فاطمة" على عارضة الباب، وذلك كفأل جالب للبركة".

 

 



07/12/2008
3 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres