(EN ARABE) Parmi les conditions de la présence du Maroc dans sa profondeur africaine
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS, puis sur ARABE(Windows).
عودة إلى بعض شروط حضور المغرب
في عمقه الإفريقي جنوب الصحراء
في بداية سنة 2004، أجرى معي الزميلان، حفيظ اسماعيلي وامحمد الملاخ حوارا روجع بعد سنة من ذلك، ثم نشر تباعا في المجلتين المغربيتين: "فكـر ونقد"، ثم "منتدى الحـوار" (2005) تحت عنوان "قـضايا في اللـسانيـات والوضع اللغوي والبحث العلمي". ومن بين الأسئلة والأجوبة الواردة فيه، مما له تعلق بالشق اللغوي والثقافي للحضور المغربي في عمقه الأفريقي بجنوب الصحراء، السؤال والجواب التاليان:
سؤال:
إن أي وضع لغوي تعددي يقتضي تدبيرا عقلانيا على هدي المشروع المجتمعي المنشود. ما قولكم في الوضع اللغوي المغربي القائم وفي الكيفية التي يتم فيها التعامل معه؟
جواب:
الواقع اللغوي المغربي واقع تعددي تاريخيا، كقاعدة. وفي إطار ذلك التعدد حققت الأجيال ما حققت. فالذي يتغير، بحسب معطيات التاريخ الجهوي والعالمي الذي يتفاعل معه المغرب، إنما هو عينية اللغات التي تشكِّـل فيه عناصرَ لذلك التعدد، تواكبا أو تناوبا. فمن ذا الذي بإمكانه أن يثبت وجود فترة تتسم بالأحادية اللغوية؟. التغيير إنما يحصل على مستوى التعامل مع تدبير ذلك التعدد اللغوي. هذا التدبير يتخذ أوجها مختلفة ويسفر عن تراتبيات، ووظائفيات، ورمزيات سوسيولغوية مختلفة، بحسب منظومة القيم الأيديولوجية القائمة والمؤسسة له في فترة من الفترات.
لقد استتبت عقب استقلال المغرب مثلا مجموعة من القيم الأيديولوجية أساسها الجنوح نحو الرفع من قيمة وحدة البعد الانتمائي (وحدة اللغة، وحدة القومية، وحدة الدين، وحدة الحزب، الوحدة النقابة، وحدة منظمات الطلاب والكتاب، الخ.)؛ وقد انعكس ذلك على كيفية واتجاه وغائيات تدبير الملف اللغوي. وفي وقتنا الراهن دخلت على الخط قناعات أخرى أخذ ينخرط فيها الفكر، وذلك في اتجاه الرفع من قيم الديموقراطية، وحقوق الإنسان، والحق في الاختلاف؛ وكان للملف اللغوي علاقة جدلية مع هذا الواقع الفكري الجديد، من حيث التأثير والتأثر. فمن ذا الذي يمكن أن ينكر أن الخطاب المطلبي السوسيو-لغوي كان، في المغرب الحديث، من بين أوجه تأسيس قيم الاقتناع بالحق في الاختلاف؟ ومن ذا الذي يمكن، من جانب آخر، أن ينكر أن ما عرفه تدبير الملف اللغوي من تقدم على الصعيد الرسمي إنما هو انعكاسٌ، بالمقابل، للاتجاه العام الذي انخرط فيه المغرب عموما منذ سنوات، والذي تجلى كذلك في ملفات اجتماعية وسياسية أخرى، من قبيل "المفهوم الجديد السلطة"، و"تجربة التناوب"، وملفي "مدونة الأسرة" و"الإنصاف والمصالحة"، والحريات الفردية والجماعية؟
إن التدبير اللغوي يعني وضع اللغة المعينة في المكان العقلاني المناسب لها بمقتضى التوازنات اللازمة إقامتها بين الوظائف النفعية والرمزية والهوياتة لتلك اللغات في حركية تطورها الذاتي من جهة، وبين المعطيات العامة للوقت، من جهة ثانية بما في ذلك بقية معطيات الواقع السوسيو-لغوي. وإلى جانب التدبير السوسيولغوي العام للتعدد، أو ما يمكن أن نسميه "الميكرو-تدبير" على صعيد الفضاء الاجتماعي اليومي، لابد من تدبير علمي وبيداغوجي لذلك التعدد، أو ما يمكن أن نسميه "الميكرو-تدبير" على صعيد قطاع التعليم والتكوين والبحث العلمي.
وكما أن الدول الواعية المنخرطة عن وعي وعقلانية في عصرها تجتهد باستمرار لتكييف سياستها اللغـوية والثقافية بحسب مقتضيات العصر، ليس فقط على الصعيد الداخلي، ولكن كذلك على الأصعدة الجهويــة والعالمية، بحسب قدراتها وطموحاتها ومسؤولياتها، فإن على المغرب أن يكون له اجتهاد على هذه الأصعدة الأخيرة كذلك، بما يتوافق مع قدراته ومطامحه. وأذكر بهذا الصدد أنه كان قد سألني مؤخرا [أي في يوليوز 2004] أحدُ المشاركين في "الدورة الثالثة لملتقى بايروت-فرانكفورت حول الدراسات الأمازيغية"، وهـو باحـث إيطالي من "قســـم الدراسات والأبحاث حول إفريـقيا والعالم العربي" بجامعة نابولى، عما إذا كان للأوساط الأكاديمية بالمغرب اهتمامٌ بالواقع اللغوي الإفريقي؛ فكان جوابي [المرتجل حينئذ] أنه، فيما عدا ملتقيات ومنشورات "معهد الدراسات الإفريقية"، التي يغلب عليها التاريخ الحدثاني والمناقبيات الصوفية، ليست هناك خطة اهتمام أكاديمي منهجي بإفريقيا، خصوصا في ميدان اللغويات والسوسيو-لغويات. قلت له ذلك، ثم تساءلت بالمناسبة مع نفسي: كيف يحصل أن يكون الأمر كذلك؟ مع أن هناك اليوم واقعا متحركا في ذلك الفضاء الإفريقي، على الصعيد السوسيو-لغوي، من خلال سعي كثير من اللغات الأفريقية النامية، مثل أمازيغيات الطوارق في المالي والنيجر وبوركينافاصو، ولغات 'الولوف' و'الفولا' في غرب إفريقيا، و'الصانغو' في وسط إفريقيا، و'السواحلية' في شرق إفريقيا، الخ. إلى احتلال مواقع جديدة في رقعة الأسواق اللغوية الوطنية والجهوية؟ قلت ذلك في نفسي أنا أوازن في ذهني، في نوع من المفارقة، ما بين الرغبة في إعادة الحضور المغربي إلى فضاء عمقه الإفريقي، التي ترجمتها مثلا الرحلة الملكية الأخيرة [سنة 2000] إلى بلدان هذه القارة، وكذا بعض المبادرات الموفقة للمال والمقاولة المغربيين في بعض تلك البلدان من جهة، وبين الغياب الأكاديمي الوؤسسي شبه التام للجامعة وللمعاهد المغربية عن ذلك الفضاء في وجهه الحيّ والقائم اليومَ، وليس فقط على مستوى النصوص المناقبية، متسائلا عما إذا كان فعلا بالإمكان إحرازُ المغرب لحضور اقتصادي وديبلوماسي متمكن في فضاء معين في حالة غيابٍ تام لأي فعل ثقافي وعلمي للمغرب عن ذلك الفضاء، وفي ظل الجهل التام بلغات الشعوب المعنية وبثقافاتها، وانعدام أي خطة لتكوين الملحقين الثقافيين ببلدان تلك الشعوب؟
هذا مع العلم أن تجربة المغرب في ميدان اللسانيات بصفة عامة، وخاصة تجربته الفتية الرائدة في ميدان تهيئة وإعداد الفضاء السوسيولغوي، وتطويع الأبجديات الملائمة، والعمل على ضمان معيرة مواصفاتها على الصعيد العالمي، وكذا تطوير إملائيات مناسبة قصد إدراج اللغات ذات التقاليد الشفوية في المنظومات الكتابية والتعليمية الرسمية، مؤهلات تؤهل هذا البلد للعب دور متميز على هذا المستوى في عمقه الجهوي الإفريقي الاستراتيجي المذكور،(1) الذي مثّـل عبر التاريخ أساسَ احتفاظ هذا البلد بموقعه المتميز والمستقل على مستوى إحداثيات بقية أبعاده الممتدة في الفضاء العربي والإسلامي، وفي علاقاته التبادلية القوية غير المتكافئة مع محيطه في شمال المتوسط.
إن طلبا ديبلوماسيا ومقاولاتيا للخبرة في هذا الباب لمن شأنه أن يدفع المؤسسات الأكاديمية المعنية نحو تجديد لائحة أسئلتها المعرفية ونطاق اهتماماتها العلمية بما يساير الانتظارات الموضوعية الثاوية للبلاد؛ كما أن من شأن تعميم ذلك القبيل من المعرفة المنتظر توفيرها في هذا الاتجاه في مختلف القطاعات المعنية (الديبلوماسية، التعاون الاقتصادي، الخ.) أن يعمل مثلا على تعميم فهم حقيقي لذلك الجواب الواقعي البعيد عن لغة الخشب أو المزايدة، والذي أجاب به العاهل المغربي مساعدَ كاتب الدولة الأمريكي في شهر مارس 2004 بمدينة الحسيمة حينما عرض عليه هذا الأخير خطة "الشرق الأوسط الكبير" فقال:
[أولا، نحن لسنا جزءا من "الشرق الأوسط الكبير"؛ ثم إنه يتعين ألا يضع المرء العالم العربي برمته في نفس الكفة؛ فالمغرب قطر مغاربي وشمال-إفريقي. لدينا كثير من النقط المشتركة مع أصدقائنا في الخليج وفي الشرق الأدنى؛ غير أننا لا نواجه نفس الوقائع"].
إنه الفهم الواقعي الذي يستهدي ثوابت تاريخَ محكوم بسموّ حتميات الجغرافيا الطبيعية والبشرية على شعارات الأيديولوجيا، وكذلك على توظيفات لعبة السياسة الدولية والجهوية لتلك الشعارات، وذلك لعشر سنوات قبل حلول فصل "الربيع العربي" الذي تعثر إزهاره ثم أصبح كالصريم.
---------------------------------------
(1)
في سنة 2004، تم التقدم بمشروع مؤسسة من مؤسسات التدبير اللغوي يتضمن شقا متعلقا بهذا الوجه (وجه خبرة التدبير اللغوي) من أوجه شروط الحضور المغربي في محيطه الإفريقي المباشر؛ انظر:
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres