(En arabe)s. De la nature des biographies? A l'occasion du départ de feu Lahcen Waggag (1930-2025)
مسألة "الترجمة" لحياة الأشخاص؟
رحم الله الأستاذ الحْـــسْـــن واكًّــاكًـ/وجّاج (1930-2025)
.
1- حياة المرء/المرأة طاحــــــــــونة دوّارة على نهـــــــر دائم الجريان إلى أجل معيّن. ماء النهر لا يمرّ بأي مَحنيّة ولا من تحت أي جســــــر أكثر مرة واحد. لا يتبقى من وصلات تلك الدينامية والديمومة المتواصلة عبر إيقاع نبضات القلب والدقائق والساعات والأيام والسنين سوى لقطــــــات/فلاشــــات قليلة متشتّـتة على شكل "بطائق بريدية" قديمة. يصدق هذا حتّى في ذاكرة الشخص المعنيّ حينما يحاول أن يفتح أرشيف حياته. فهو لا يجد سوى لحظـــــات تغلب على رسم ملامحها الذاكرة البصــــــرية وأصداء من الذاكرة السمعــــــية. وهو لا يقوى على أن يسترد لا أحاسيسه ولا مشاعره الحيّة حياةً حقيقيّة مما اقترن بلحظة استردّها، ولا يسترد مِن منطــــق وسببيّــــات اللحظة المعينة من اللحظات التي استحضر صورتها سوى النزرَ القليل، المشكـــــــوكِ مع ذلك في تماســـــكه. فما بالك إذن بـ"تراجــــم" الغير للأشخاص والشخصيات على اختلاف بروفيلاتهم الواقعية ومكاناتهم، ممّا تزخر به كتب التراجم وتدوينات مواقع التواصل وموسوعات الأعلام (أكاديميّها وشعبيّها)؟ ودعْ عنك فنّ الروايات "التاريخية" في هذا الباب. تذكرت هدا الأمر على إثر رحيل المرحوم الأستاذ الحْــــــسْــن وكًّــاكًـ (1930--2025) قبل في بداية هذا الأسبوع.
2- كان للمرحوم تأثيـــــــر كبيـــــر (في اتجاهات مختلفة) في تكوين جيلنا كتلاميذ (كانوا يسموننا "طلبة") داخليين في "المعهد الإسلامي بتارودانت" طيلة مرحلتي الإعدادي والثانوي (1963-1969)، حيث درّسنا مادة "تاريخ الإسلام" وبعض "أغراض الشعر العربي" بما في ذلك غرض "الغــــــزل" ثم مادة الفلسلفة وعلم النفس والفكر الإسلامي في قسم الباكالوريا (1968-1969). كما كان له حضور يومي بيننا على حصائر مسجد المعهد (شبه مستودع فسيح كان مسقفا بصفائح الزنك ثم ابدِلت بصفائح الديماتيت) مُئمّا للصلاة ومشاركا في تلاوتنا الجماعية للحزب الرتيب بعد صلاة المغرب وفي الفجر، قبل أن ينخرط واعظا في حلقة من حلقاته يتحلّق عليه فيها البعض منّا ممّن كانوا معجبين بأسلوب حديثه ونهج تواصله، ومنهم من كان يعيرهم كتبَه المفضلة، وفي مقدمتها مؤلفات "ابن تيمية" وتلميذه الحنبلي المذهب، "ابن القيّم الجوزية".
3- كان لي بطبعة الحال نصيب من تأثير حضور ذلك الأستاذ في مرحلة مفصلية من مراحل التكوين، نصيبٌ ملأ ذاكرتي، التي تستعيده من حين لآخر حسب منطق غامض لتوارد اللقطات والفلاشات، إلى درجة أن آخر تذكّـر مما سمحت وسائل الاتصال الحالية بتوثيقه يعود إلى سنة ونصف فقط، لمّا عثرت على شريط فيديو في الشبكة يسجل إحدى حلقات/دروس المرحوم الناطقة بالعربية المغربية الدارجة (كثير من حلقاته ناطقة إما بالدارجة أو بأمازيغية تاشلحيت)، فتقاسمتُ ذلك الشريط "بدون مناسبة" على صفحتي بالفايسبوك مقدّما له بهذه العبارة الموجزة:
"الأستاذ الحسْـــــن وجّـــــاج درّسني مادّة "تاريخ" الإسلام في السنة-2 إعدادي ومادة الفلسفة في قسم الباكالوريا بمعهد تارودانت. إنه أخو الحسين وحّاج عضو أكاديمية المملكة المغربية؛ بارك الله في عمرهما" (فايسبوك 28 يناير 2024):
4- هممت إذَن - بعد رحيل المرحوم - بأن أستردّ شيئا من تفاصيل بعض أوجه ذلك الحضور الكبير والبارز للأستاذ كما أشعر به يملأ ذاكرتي ...
لكن، لما أطللت على جــرّة ذاكرتي لأتفقد غورها، لم أعثر على ما كنت أتخيل أنها غاصّة به من وقائع تعكس ذلك الحضور الكبير والبارز الذي أشعر به. لم أجد سوى بضعة فلاشات/لقطات !
5- لم أكن، في الواقع، من المهتمين بحلقات الأستاذ في الوعــــظ والإرشـــاد والنصيــــحة، ولا بالتموقع إزاء "السلفية" والمذاهب عامة. لقد اكتشفت أن تأثير الأستاذ كان ينحصر بالنسبة لي في أسلوبه التـــــــربوي في التعامل، وفي منهجه البيـــــــداغوجي في التواصل والتبليغ حسب المقام والغاية.
فيما يتعلق بالأسلوب التربوي، لم يكن، في دروسه النظامية ولا في حلقاته الحرّة، يقرّع أحدا بعينه (كأن يقول مثلا "آ-الحمار" أو "آ-ياغيول") ولا طيفا من الأطياف الفكرية (كأن يكفّــر أو يخوّن طيفا فكريا أو جماعة من الجماعات).
أما منهجه البيداغوجي في تدريس الموادّ المدرسية النظامية التي تُـسنِـد إليه أو التي يكون قد اقترحَ نفسه للقيام بها - وبعضها شديد الحساسية في كل فترة وحين (مادة الفلسفة مثلا) خصوصا في وسط فقهاء "جمعية علماء سوس" التي كانت هيئتُها تشكل الخلفية الإدارية لعقيدة برامج المعهد من جهة، والتيارات الحديثة التي بدأت تظهر مع نهاية الستينات في أوساط الجديد مع تسارع انتشار مصنفات الطباعة الحديثة من جهة أخرى؛ هذا المنهج كان يتّـسم بنصيب كبير من الانفتاح على الفكر الحديث وبنصيب أكبر من الحــــذر والحكمة والالتزام بمجرد وظيفة "إدارة النــــــقاش" حول القضايا المطروحة في الدرس المعين. كان يسهّل فيعليه ذلك الالتزامَ وجودُ جيل متعطش إلى التحصيل والتهام المطبوعات، وأبرزها (إلى جانب المجلات التيسيرية المشرقية) في مادة الفلسلفة وعلم النفس والفكر الإسلامي، كتابُ محمد عابد الجابري واحمد السطاتي. فقد كانت هناك عناصر في القسم تأتي إلى حصة الدرس مشبّعة بسابق قراءات ومراجعات نقاشية جماعية داخل مسجد داخلية "المعهد" وفي حدائق تارودانت، فيكتفي الأستاذ بإدارة النقاش المنتظم داخل الفصل، مع إبداء بعض الإيماءات الملطفة والمستحسنة أو الساخرة أو المبهمة بقسمات الوجه ونظرات العين أو يبعض الأسئلة المنفذة للنقاش.
أتذكر من بين تلك اللقطات/الفلاشات النزرة في باب أسلوب تعامله التربوي حتّى في حالة ما لا يرتاح له هو شخصيا أو ما يثير نوبة غضب لدى بعض الأساتذة بصفة عامة، النكتة َ الآتية:
6 كان رحمه الله رصينا وهادئا في حديثه مع التلاميذ في الفصل؛ وحتّى عندما لا يرتاح إلى فعل أو قول إنما يلجأ إلى عبارة ساخرة لطيفة.
سألنا ذات صبيحة شديدة البرد والقوم مشتملون في جلابيبهم في بداية حصة مادة تاريخ الإسلام؛ سألنا على سبيل استذكار مضامين الدرس السابق قائلا: "أين كان يجتمع المسلمون الأولون لما كانت الدعوة سرّا؟" فخيّم الصمت وظل الجميع مشتملا في الجلابيب. وردَ على بالي شخصيّا ما يشبه صدىً مهتزّ للجواب، فلهجتُ به على عواهنه:
"أستاذ، كانوا يجتمعون في دار الـــــــرقم بن الــــــرقم"؛ فعقّب عليّ في الحين بهدوء:
"قُل الأرقــــــــم بــــــــن أبــــــي الأرقـــــــم، آ-العطّار" (بدل "آ-الحمار" أو "آياغيول") فضحك الجميع ودبّ في القسم دبيب استفاقة المشتملين في جلاليبهم.
7- وعلى المستوى الشخصي، كان لدي انطباع بأن للمرحوم انطباعا إيجابيا عنّي، خصوصا من حيث إنه كان يــستــــحسن سماعَه لي ألغو لغوا، في كل مكان وحين، بشذرات من اللغة الإنجليزية التي كنّا حديثي تعلمها على يد أول فردين من أفراد "بعثة السلام/Peace Corps" الأمريكية التحقا بمدينة تارودانت ("دافيد بروّي" و "ميس كانينكًهام"):
كنا خارجين في ازدحام وجلبة من قاعة الدرس متجهين نحو مصلّى الداخلية لأداء صلاة العصر جماعة، فأخذتُ أشقشق بصوت عال، كما هي عادتي في التمرين، بشذرات من الإنجليزية التي كنت قد تمكنت من فونيتيكا النطق بها، ولم أنتبه إلى أن الأستاذ كان من خلفي مباشرة إلى أن سمعته يقول: "الله يعطيك الصحة؛ تُجيـــدُ لغةَ القِــطَـط !".
قال ذلك على سبيل الاستحسان والتشجيع والدفع بالجيل إلى امتلاك وتملّك أدوات تحصيل جديدة لم تكن متاحة لجيله ووسطه. استنتجت ذلك من انشراح قسمات وجهه وهو يتكلم وكذلك مما أذكره، بعد أن ابتلعتنا دوامة الحياة المهنية وطوحت بنا بعيدا، من أن أحد الأصدقاء نسيت من هو قد أخبرني مرارا بأن المرحوم كان يسأله عنّي ("وذاك مول لــــوغة المشــــاش، أين هو ومادا فعل الله به؟").
.
8 وكان في أحاديث حلقاته في الوعظ والإرشاد والنصيحة ينهج منهج التبسيــــــط (لكن من غير إسفـــــــاف) سواء من حيث اللـــــــغة (عربية مُعربة، عربية مغربية دارجة، أمازيغية، حسب المقام) أم من حيث المفـــــاهيـــــم (لا تَـنطُّع إنشائي ولا تقعير مصطلحاتي). لم يكن يقرّع فردا بعينه، ولا يعزو طيفا أو جماعة إلى مروق أو كفر مهما كان غير موافق على ما ذهب إليه مَن ذهب مذهبا لا يرتضيه هو شخصيا (يكتفي مثلا بقول: "هذاك المسخ !"). ويتضح ذلك من خلال النموذج الذي أعطيت أعلاه رابطا نحوه (ناطق بالعربية المغربية الدارجة (الفقرة-3 أعلاه). وهذا نموذج آخر متداخل اللغة ما بين الامازيغية والدا رجة:
https://web.facebook.com/mohamed.yacoubi.75/videos/3132114360132626?locale=fr_FR
9- لا يتسع المقام لتفصيل كيفية تعامله مع النقاش داخل الفصل في حصص درس الفلسفة حول أفكار ديكارت و سبينوزا وسارطر وهايدغر وفرويد وماركس وغيرهم...
هذا النزر القليل من النتف هو كلّ ما وجدته لمّا أطللتُ على جرّة ذاكرتي كأساس لذلك لحضور شخصية الأستاذ الحسن واكًّاكًـ الذي أشعر مع ذلك بقوته.
فـرحم الله الأستاذ الحسن واكًّاكًّـ/وجّاج (1930-2025).
أشكر زميلي الأستاذ حسن الأدوزي الذي وافاني بشريط سمعي-بصري لجانب جوانب تأبين المرحوم بمدينة تيزنيت، أتقاسمه أسفله في التعليق-1,
-----------------------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 358 autres membres