OrBinah

(En arabe). Vicissitudes de réussites et d’échecs professionnels (un cas concret dans une carrière académique).

 

مع المُخــفقين في لحظات إخفاقهم

(عودة إلى قصة الكتاب "الراكًـْــــــدْ")

 

 

هذا الكلام لا يعني من يؤمنون بالفشل كــــــقدر تعس محتوم، ولا من يرون أن من أفلح مرة فقد تزكّى؛ فلا يُضيعَنّ هؤلاء وقتهم في محاولة الإطلال على فحوى هذا الكلام. إنه كلام مقصور على من تعايش وطبّع مع الإخفاقات، واتخذ من ذلك التعايش سبيلا إلى بعض فرص الفلاح.

.

إن كنت قد نشرت أمس تدوينة حول سماع صوتِ هاتفٍ يقول: "التطبيع مع المساعي الفاشلة هو السبيل إلى مصادفة الفرص الناجحة"، فها هو "سبب نزول" ذلك الصوت الذي سمعته:

1-  كنت قد أخبرت في تدوينة سابقة - بعد "حمد الله الذي بفضل نعمه تتم الصالحات..."- عن إتمام إنجازي لمقال في اللسانيات التقابلية في باب تعليم اللغات بعنوان: "A Contrastive Method of Teaching Hebrew to Arabic speaking People". ذلك المقال الذي كنت قد شرعت فيه سنة 2015، فصرفتني عنه دوّامة الانشغالات الآنية المتوالية حينئذ وبعده، بما أنّ المقال ليس في الواقع سوى تلخيص مركز ومحيّن البيبليوغرافيا لمضمون كتاب مخطوط-1989 ("للغة العبرية: أسس الفونولوجيا والمرفولوجيا ")، كتاب مخطوط لحد الساعة (وربّما ضاع)، كان قد تعثر في "دار الكلام" بالرباط بعد عدة تصحيحات للبروفات قبل أن تغلق الدار بابها، فأصبحت أسميه بـ"الراكًـــــد"، وذلك بعد أن كانت لجنة قراءة "دار توبقال" قد "نوّهت" به واعتذرت عن نشره "لأسباب تقنية تتعلق بالحرف العبري" حسب ما جاء في رسالتها. المقال عبارة عن تحييـــــن مغيَّر اللغة كذلك، من اللغة العربية (التي يريد لها أهلها - بإيمان وإصرار مبدئيين دائمين لا يعتريهما الكلل - أن تكون "لغة العلوم والتعليم") إلى اللغة الإنجليزية، التي توفّر للكاتب بها فرصَ  العثور على دوريات متخصصة لها قارئةٌ متخصصة؛ وهو تحيين مغيَّر الأسلوب أيضا، من أسلوب حاملٍ ديداكتيكي لفائدة مدرّسي اللغة العبرية ومتعلّميها إلى أسلوب البحث الأكاديمي الوصفي والتعليلي الصرف.

 

2- لبثتُ، بعد ذلك، أفكر أين أجد منبرا للنشر، يجمـــع و/أو تتقاطــــع فيه اهتمامات البحث العلمي الصرف، والرغبة في تنمية البحث في متن وبنيات لغة معينة هي موضوع البحث (اللغة العبرية، في هذه الحالة)، ورغبات المدرّسين والمتعلمين المفترضين الراغبين في التمكين من تلك اللغة أو التمكّن منها (الناطقون بالعربية، في هذه الحالة). إنه البحث عن "تربيع الدائرة"/quadrature du cercle!. لا بأس مع ذلك:

 

3- أول منبر أكاديمي توسّمتُ أن تجتمع فيه و/أو تتقاطع الأبعادُ المذكورة هو دورية "لشونينو"/לשוננו الخاصة باللغة العبرية، وذات الانتشار العالمي في أوساط المهتمين بالدراسات اللسانية والديداكتيكية المتعلقة بتلك اللغة. بعثتُ بنسخة "بي-دي-إيف" إلى هيئة التحرير، فأجابتني بأن المقال/البحث جدير بالنشر في الدورية شريطة أن تتم ترجمتـــــه إلى اللغة العبرية. ترجمة مقال في اللسانيات التقابلية إلى اللغة العبرية تحَدٍّ كبير بالنسبة لي؛ لكنه أمر ممكن حينما يستعاد المرء الحماسَ في موضوع تعثر فيه السعيُ لمدة تفوق ثلاثة عقود. يتوقف استرداد ذلك الحماس على الإفلاح أولا في نشر المقال في صيغته الانجليزية، التي تعود البداية في إنجازها بدورها إلى 2015. إنها في النهاية وقفة أخرى من وقفات الإخفاق في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مسألة كتاب "الراكًــــــــد" التي جاوز عمر قصتها الثلاثين سنة، وقفة ريثما يتم التطبيع من جديد مع تقاليد الإخفاقات لتلمّس سُبل فُرص أخرى لمحاولة الكرّ من جديد.

 

4- خلال إحدى محاولات التنقيب، بعد ذلك، في دروب ومتاهات الشبكة، باستعمال الكلمات-المفاتيح المناسبة، عثرت على موقع لدورية لم أكن أعلم بوجودها, إنها دورية HHE (Hebrew Higher Education: An Online Journal for Methodology and Pedagogy for Teaching of Hebrew in Institutions of Higher Learning). تصفحت محتويات العدد الأخير من الدورية (عدد 24/2022)، فعثرت فيه على مقال بالعبرية لأحد معارفي القدماء: البروفيسور صامويل بولوتسكي.

لما كنت في إقامة بحث في جامعة الماساتشوساتس بأمهارست في خريف وشتاء 1991 قيد إعداد أطروحتي لدكتوراه االدولة في اللسانيات (بعد أن ناقشت "دكتوراه السلك الثالث" بباريس سنة  1985 في نفس المادة)، كنت مواظبا على حضور سيمينار البروفيسور بولوتسكي حول اللغة العبرية، في جناح "هيرترهال"، بصفتي مستمعا حرّا مع طلبته المسجلين الذين لا يتعدون الستة أو السبعة (كما كنت مواظبا بنفس الصفة على حضور سيمينار جون ماكارتي في نفس الجامعة، وسيمينار نوام تشومسكي كل جمعة من بين اثنتين في جامعة بوسطون مستقلّا الحافلة أو القطار).

بعد أكثر من ثلاثين سنة، تذكرت، في مسألة نشر مقالي، البروفيسوَر بولوتسكي، الذي كان أول من شجّعني على الشروع في ترجمة مختارات من الأدب العبري إلى العربية، ترجمة نشرتها بعد ذلك سنة 1994 على نفقتي هذه المرة بعنوان "من الأدب العبري الحديث. نماذج قصصية مترجمة".

بحثت في الحين على عنوان البروفيسور بولوسكي في علبة بريدي الإليكتروني، فعثرت عليه؛ ويرجع آخر تبادل بيننا إلى سنة 2013. حدثته في الأمر بالتفصيل الذي سبق ذكره، مع الإشارة إلى مقاله المذكور المنشور في الدورية المشار إليها أعلاه: Hebrew Higher Educatio،  وأرفقت الرسالة بنسخة بّي-دي-إيف من مقالي. انطلقت في الحين سلسلة تبادلات متحمّسة طويلة، عدد أشواطها الآن  11 تبادلا، الكرة الآن في جهتي. وضح لي البروفيسور أني عثرت، بالفعل، على مكان مناسب تمام المناسبة (HHE) لنشر مقالي، بالرغم من أنه منبر أقل بّـريستيجا أكاديميا من دورية "لشونينو" المذكورة، ومكّنني في الحين من الروابط التي يمكنني عبرها إرسال المقال إلى تلك الدورية. أجبته بأنّ غايتي ليست هي بريستيج المنبر، ولكن فقط إنقاذ ما تفرّع عن كتاب "الراكًد" من أن يلقى نفس مصير هذا الأخير. في غضون تبادلاتنا تلك، بيّن لي أنه نشر من جهته أعمالا من نفس القبيل (ديداكتيك تعليم اللغة العبرية استفادة من معطيات منهج اللسانيات التقابلية ِ)، وأنه متحمّس للموضوع. كان ذلك الاهتمام عامل تحفيز جديد دفعني إلى أن أبعث إليه بنسخة من دراسة منشورة لي سابقة-1999 بالفرنسية حول ترجمة يوسف ريفلين للقرآن إلى العبرية تحت عنوان הקראן/אלקראן، دراسة تمّت في من نفس زاوية اللسانيات التقابلية بين العربية والعبرية. الخلاصة، بعد تبادل الحديث عن صلب الموضوع، وحتي في مسائل شخصية تتعلق بوضعية التقاعد وبالأحوال العائلية للطرفين، خصوصا في ظروف وباء كورونا، عبّر لي زميلي القديم عن رغبته، بمجرد أن يصفّي، في غضون شهرين، بعض التزاماته الجارية (أعداد تقرير عن أطوحة جامعية، وإعداد محاضرة مقبلة عن طريق الزوم)، سيعود إلي في شأن تعاون في عمل مشترك في موضوع تعليم اللغات السامية (العربية والعبرية بالخصوص) للناطقين بالإنجليزية. كان ذلك كافيا لبعث الحماس لديّ من جديد بخصوص ما تعثّر، خصوصا وأن البروفيسور في الثمانين من عمره أو تعداها قليلا، وما يزال يحتفظ بنضارة سن الأربعين في تعامله مع تقلّبات المشوار المهني.

---------------------------

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



27/02/2022
2 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres