(En arabe) une petite histoire du potiron de Lemnabha; Maroc
القصة القصيرة لـ"الكًرعة المنبّهية"،
من خلال بعض أنثروبولوجيات ثقافة "القصّ" عند المغاربة
إنها حكاية طويلة. ابتدأت مع جولات موحمّاد في عرصات وبحائر فضائي "أكًرور" و"المغدود" بقرية العوينة بإيكًودار/المنابهة، التي كانت، بخُضرها وزيتونها ورمانها وتينها ومشمشها وتفّاحها وإجاصها وسفرجلها وبرتقالها وليمونها، هبة من هبات العين النضاخة المسماة "عوينة بُّيــه بن الفلاح".
كان خمّاس الشرفاء، أيت بن السعيدي، دّا-الحسين بنبيروك، يطلب من موحمّاد أحيانا أن يرعى له البحيرة وما بجانبها من حقل الذرة ليزجر عن محاصيلها الغربان، وذلك في مقابل السماح له بقضاء وطره مما طاب من إحدى شجرات التين الممتاز. كان موحمّاد يتأمل مختلف أنواع القرع في البحيرة من مختلف الأحجام وبمختلف الأسماء. تعلم التمييز ما بين "بو-وسكوبّر"، و"البسيبسي"، و"الشماعي"، و"بو-وبرّوش"، إضافة إلى أنواع أخرى أقل جودة في أسفل سلّم الذائقة الطعمية المحلية ("توخريفت"، "إهريزّي" بالتفخيم...). فأما الكًرعة الشماعية، فكانت ألذها عنده، خصوصا في الطاجين مع ما يكفي من زيت الزيتون والفلفل الحار. وأما "بو-وبرّوش" (حرفيا: "صاحب الجذري") فكان يلفت انتباهه كذلك بلونه الداكن الخضرة وبما يكسو فشرته التمساحية السميكة مما يشبه تراكمات ثالول ("التالول/التولال") من مختلف الأحجام والأشكال، وكذلك بحجمه العملاق عند اكتمال نضجه. فحينما يعمد دا-الحسين بن بيروك، بأمر من صاحب الدمنة، مولاي عبد العزيز بن السعيدي العلوي، إلى تسويق نصيب من الغلة في سوق "الطلاطا"، كانت شُحنة الحمار لا تتعدى ثلاث قرعات في النقلة الواحدة: قرعة واحد في كل عين من عينَي الجوالق ("الشواري") وثالثة توضع فوق ظهر الدابة محكمة الربط بحبل يمتد بين أذنَي الجوالق. يشتري الخضّار المقسّط (القشّاش") القرعة الواحدة فيقسّط منها طول النهار على شكل شقوف يكفي الواحد منها الزبونَ لمدة أسبوع.
لمّا انتقل موحماد إلى تاليوين على بعد 70 كلم كأفّاق قصد إعداد الشهادة الابتدائية بفرع المعهد الإسلامي هناك، وجد الكًرعة المنبّهية الشماعية في الموعد، مكوّمة في ساحة مطعم الداخلية، يعالج منها العامل المطبخي المسمّي الحسين من حين لآخر بالشلخ ما تيسّـر، فكانت الخضرةَ الوحيدة المعوّل عليها للتناوب مع القطاني (لوبيا، عدس، حمّص) في ما يقدّم كوجبات للأفاقين. ولمّا أكمل الله الذي بفضل نعَمه تتم الصالحات نعمته، فنجح موحماد في الشهادة الابتدائية، ممّا أهّله للاتحاق بالثانوي بمركز المعهد بتارودانت في الموسم اللاحق، وجد هناك كذلك الكًرعة المنبّهية في الموعد، مكومة لمدى شهور في العراء على شكل صخور بازالـطية بالقرب من جبل حطب جذوع الزيتون، حيث يعالج منها ما يلزم بالشلخ العاملُ المسنّ بوجمعة، المكلف في نفس الوقت بتقطيع الحطب لمطبخ الداخلية.
هناك بين أسوار فضاء المعهد الإسلامي بتارودانت، اكتسبت الكًرعة المنبّهية شهرة أكبر. فقد كانت، إلى جانب دقيق وغبرة الحليب والزبدة البيضاء والجبن الأصفر المعلب في علب كبرى مما هو "هدية من الشعب الأمريكي، ليست للبيع ولا للتبادل"، إضافة إلى تموينات الحاج عابد السوسي من قطاني تستقدم من مستودعاته بالدار البيضاء، المقوّم الرئيسي لمعيشة أفواج متتالية من خريجي ذلك المعهد. لكن تلك الشهرة كانت شهرة تبـرّم بروتينية واستبداد تلك الفصيلة من القرعيات، وشهرة ازدراء لها ولأهلها، وبُعداً من أبعاد المنافرة والمعايرة بين عشائر ذلك الفضاء الكوسموبوليتي الذي جمع الأفاقين من المغرب ومن غرب إفريقيا؛ وكان ذلك خصوصا من طرف عشائر تيزنيت-ولاد جرار-الساحل-ايت باعمران- يحاحان ودرعة-تامكًروت،...
وإذ كان موضوع التغذية من بين مواضيع مادّة "العلوم"، يطّـلع من خلالها الطلبة على مفاهيم جديدة مثل "الكاربوهيدرات"، "البروتينات" و"الفيتامينات"...، فقد انتشر في صفوف القوم أن الكًرعة لا تتوفر على أي شيء من ذلك، وأنها بمثابة مجرد تبن للآدميين. كان طلبة جهة المنابهة، على قلتهم العددية، يتضايقون كثيرا من هذه النعمة الربّانية التي يزدريها القوم والتي ألصقت بهم وقرنت بهويتهم، فكانوا يضطرّون إلى الدفاع عن الكًرعة وعن مزاياها في إطار ما يشبه الدفاع عن الكرامة. بل إن بعضهم احتكم إلى الأستاذ المصري لمادة العلوم، الأستاذ أنور، فاستفتاه في ما إذا كانت الكًرعة تتوفر على فيتامينات، فبين له الأستاذ أنها تحتوى من ذلك على الكثير، فهبّ ينشر ذلك حوله لكن الجميع لا يزداد إلا سخرية منه لأن قناعة الجمهور الغالب راسخة.
هذا، ومن بين الأنشطة التي كثيرا ما كان موحمّاد يزجّي بها رتابة الوقت في الداخلية نشاط الرسم ثم الرسم ثم الرسم الحرّ أو الإنشاء الحر. حضره ذات يوم مشهد من مشاهد يوم سوق الطلاطا، فعمد إلى تسجيله رسما: حمار يحمل ثلاث كًرعات "بو-وبرّوش" بالشكل الذي سبق وصفه، وهو صاعد من واد "بوسريويل" نحو سوق الطلاطا. كان الرسم موفّقا جدّا بالقياس إلى عمر التلميذ (حوالي 14 سنة) في وسط تنعدم فيه ثقافة التشخيص البلاستيكي. كان من حين لآخر يخرج ورقة الدفتر التي رسم فيها لوحة "كًرعة بو-برّوش" ليتأمل الكًرعة بتنتوءاتها المحكمة التصوير. مرّ بالقرب منه مرة "سّي عبد الله"، أحد طبلة قسم البروفي ممّن يتأهبون لولوج مدرسة المعلمين، وكان من الشريحة العمرية الكبيرة السن (متوسط 20 سنة) وكان دائم المرح والمزحة مع الجميع، وهو من عشيرة بلاد يحاحان في المعهد. أبدى إعجابه وانبهاره بالرسم، وطلب من موحمّاد أن يعيره "اللوحة" ليعرضها على زملائه. شعر موحمّاد بالزهو، فناوله إياها باعتداد وفرح.
بعد يوم من ذلك، رآه مولاي الحسين أيت مولاي المغافري المنبهي من بعيد، وكانت له نفس طباع وخضال زميله الحاحي، فأقبل على موحمّاد في مزيج من قسمات الجد واللعب على محيّاه قائلا: "وكّلنا عليك الله، آ-المنبّهي الصغير. واش كًاع ما لكًيت ما تصوّر غير حمار هازّ ثلث كًرعات "بو-وبرّوش"؟ فضحتينا معا هاذاك الشيطان عادوّ الله نتاع سي عبد الله الحاحي؛ راه ما خلّى لمن ما ورّاها".
لم يتخلص موحمّاد من ثقل نقيصة الكًرعة المنبهية التي ظلت عبءاً على ذاكرة الطفولة، وهو الذي كان يحمل لقب نسبة "المنبهي"، سوى في خريف 1990. كان ذلك خلال إقامة سداسي من البحث والعمل بجامعة أمهارست الأمريكية بإنجلترا الجديدة. ما أن أقبلت نهاية شهر أكتوبر حتى استرعت انتباهَه، في الأسواق وفي الواجهات الزجاجية للمتاجر، عروضٌ الكًـرعة الكروية الشكل من جميع الأحجام وبمختلف الألوان، وإن كان يغلب اللون الأصفر. عروضٌ تزيَّن فيها معروضات القرع بقلائد من الورود وبمفروشات متلألئة وبتسليط الأضواء الملونة عليها.استفسر في ذلك الأمر المدهش، فقيل له إنها الاستعدادات للاحتفال بعيد "عشية جميع الصالحين" (La Veillé de la Toussaint)، الذي هو نظيـــــــــــــرٌ هناك لـتركيب ما بين فولكلور /بيـلموان/ ("بو-الجّلود، بو-البطاين") غداة عيد الأضحى، وفولكلور /اكُـندرّيس/ ("جمع الأطفال للكرداس لإقامة زردة في عيد عاشورا) في سوس عامّة، والذي يُحتفل به الأنجلوساكسونيون والسلتيون يوم 31 أكتوبر، والذي تقوم فيه الكًرعة بدور العروس من خلال عروض تحسيس الناس بالاستعداد لاقتناء لوازم الاحتفال (اقتناء مختلف أنواع القرع لتزيين موائد العيد وحتّى مداخل البيوت، واقتناء مختلف الحلويات لتوزيعها على الأطفال الذين سيطوفون على البيوت مقنّعين وهم يرددون مجموعة من المرددات من بينها guess or give "تعــرّفْ أو ناوِلْ"). هناك اكتشف الوجه المشرق للكًرعة المنبّهية التي ظلمتها العشائر في معهد تارودانت.
علِم موحمّاد بعد ذلك بسنين أن للفظ "الكًرعة" في إغناء معجم الدارجة المغربية نصيباً. فقد كانت الكًرعة في نوعها المعروف اليوم بـ"الكًرعة السلاوية" تتخذ، بعد أن تنضج جيد وتجف، وعاء رئيسيا لتخزين زيت الزيتون أو أركان. كان يُحدث في رأسها العلوي (أصل المنبِـت، أي الجذمور /اقدمير/ بالأمازيغية) ثقبٌ يفرغ من خلاله ما بداخلها من بذور ومن نُـتف لبابة يابسة، ثم تغسل وتجفف في الشمس وتتخذ لها سدادة من كبسولة الذرة ("الكبوسة") فتملأ زيتا. فكذلك انتشرت "الـكًـرعة" (وهناك من يسمّيها "الخُشاشة") كإناء/معون عادي في المنازل وعند بائعي الزيوت ("البقالين" بالمعنى القديم، من "البوقال" الطيني) في البوادي والحواضر. وإذ نُطق كًـ/g في الدارجة المغربية إنما هو - في جزء من الكلمات (أي ما عدا /كًـ/ المنحدر من /ج/ في مثل /كُزّار/، /عكًز/، /كًوزة/...) - مقابلٌ لهجي لنطق ق/q في لهجات الحواضر (كًال/قال، كًليل/قليل)، فإنه لما امتدّ استعمال قوارير الزجاج من الحاضرة إلى البادية، أصبح في الدارجة المغربية عامة نطقان بمعنيين مختلفين لكمة "كًــــرعة": النطق البدوي الأصل /كًرعة/، الذي لا يفيد سوى معنى الخضرة المعلومة، والنطق الحضري الأصل /قرعة/ الذي لم يعد يفيد في اللهجات البدوية سوى معنى "قارورة من زجاج" التي وردت من الحواضر محتفظة بنطقها، والذي بقي في لجهجات بعض الحواضر يفيد المعنيين معا حسب سياق الاستعمال.
انتهت حكاية "الكًرعة".
-------------------------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres