(En arabe) Une langue, ce que ces textes véhiculent et sa fonction dans l'enseignement (le cas du Maroc)
"الفنـقـلة" جوهرُ شعار "الإنجليزية هي الحَلّ"
لقطات من وقائع معيشة في باب مفهوم التكوين
.
1- التقى بي سّي عبد الله ذات يوم، وهو صادر من الينبوع سائقا دابته المحملة بقُلَل الماءـ فسألني مازحا كا العادة: "يوا، اش كا تقراو فالسكُيلة؟ أجبت: "الإملاء والمطالعة والأشياء والديكتي والكالكول ..."؛ فقاطعني وقال: "يوا، اشنو كا يفرّق راسك من راس الحمار؟"، فأخذت أنظر إليه وإلى رأس حماره وأتلمس رأسي. قال لي في تعالٍ واستهزاء: "كًول فاهمون، وعاقلون، وتامايّازو الكالام، ا-راس الحمار؛ اللي بغاو يقراو، راهوم عند سّي الحسن فالجامع".
.
2- بعد أن شاع عنّي أن متقدّم في الصفّ وأنّي أقرأ وأكتب الرسائل للناس في دواوير المجموعة القروية، كان الوالد رحمه الله لا يفوّت مناسبة زيارة ضيفٍ من الضيوف إلّا وأثار مسألة الحديث عن /تيغري/ ("القراءة/التمدرس") ليكون ذلك مناسبة للتباهي بما حققتُه. زارنا ذات يوم أحد من يعرفون بـ/مجروح الجامع/ ("كل ملازمٍ لمجالسِ 'الطُلبة' لم يتمّ مشواره في التعليم التقليدي، فأصبح لاهو مؤهل لوظيفة الطالب/الفقيه ولا هو مؤهل للأعمال المعيشية المنتجة")، فأعاد الوالد نفس الحبكة للتباهي، وهو يعدّ الشاي؛ لكن جريح الكُت"اب ظل متبرّما. وبعد أن استعرض مساوئ /لمضرصت ن-يروميّن/ ("مدرسة النصارى")، التفت إليّ ليختبرني تدعيما لما قال عن مدرسة النصارى، فأشار عليّ بقوة بقبضة يده، مفرِدا الأصبعَ الأصغر. أشخصتُ فيه البصر لِما لمْ أفهم ما يريد. أعاد نفس الحركة مفردا الإصبع الثاني، فالثالث إلى الخامس، وأنا مُجحظ عينيّ، والوالد مترقّب في حرج. بعد ذلك لوّح جريح الكتّاب بيده مستخفّا، وقد التفت بنظره الشامت إلى الوالد، ثم استعرض في استظهار أسماء أصابع اليد بصوت عال: "خنصر، بنصر، وُسطى، سبّابة إبهَم". وجدت الأمر جدّ تافه، بل من باب العبث؛ ولكنّي لم أجرؤ على العبير عن ذلك. فأين هو المشكل في أن يكون زادي المعجمي من قاموس لغة في طريق الاكتساب (ولتكن الفصحى أو الفرنسية) لم يمتد بعد في فصل الابتدائي الأول إلى تفاصيل مكونات عضو اليد، مع العلم أننا كنا نستعمل "مومّو بو خويتم" للخنصر، وننتهي بـ"قتّال الكًميلة" للإبهَم؟
.
3- زاد ذلك الجريح، بعد أن تيقن أنه قد خيب ظن الوالد، فقال لي: "مانينْتْ" بلهجة سؤال. بقيت مشدوها، لا أعرف حتى اللغة التي تنتمي إليها الكلمة. زاد فقال: [جواب "مانينت" هو أن تقول "مَنْهُ بدينارٍ يوَدّيهِ إليكَ" (تحريف لجملة من جمل الآية 75 من سورة آل عمران)؛ وإذا زاد السائل متشكّكا في كفاءتك في العلم، فزد وقل له: /نكّين ا-يكًان افقّير ن-ايت غانامو القوم/ ("إنّي أنا شيخ آل غَنَم القوم"؛ وبذلك ستكون قد أفحمته]. ارتبك الوالد، فصب الشاي في الكؤوس بدون سكّر ... أما أنا فقد كنت أتلمّس كيف أنسحب لأتخلص من كابوس جريح الكُتّاب.
.
4- كنّا منحدرين في الطريق، الوالد وأنا شخصيا، من تيكًوكًا نحو المنابهة خلال إحدى رحلاتنا الصيفية إلى مسقط رأسي بمدلاوة/يمدلاون بالأطلس الكبير. سمع الوالد بمرض أحد أصدقائه من عائلة "إيجورار" الذين هم من كبريات بيوتات تيكًوكًا، فقرر أن نزوره فطريقنا. أُدخِلنا الدارَ الكبيرة فوجدنا الشيخ متمدّدا على مطرف أبيص وثير، وتبدو عليه علامات الإنهاك المتقدّم، وبجانب رأسه فقيه يمسك كتابه بيمينه، إلى جانب زوّار آخرين. قُدّم لنا طبق شهيّ لم أعهده من قبل، ولم أذق مثله إلا لعقود بعد ذلك لما ذقتُ "الميحميح" في بلدة فيكًيكً. غير أن ما تلا ذلك من حديث الفقيه قد نغص عليّ لذة ذلك الطبق العجيب. فقد كان الفقيه/الطبيب لا يتوقف عن الحديث عن العلم والعلماء وعن عجز طبّ النصارى عن شفاء أمراض المسلمين. قال محدّثا الحضور ما معناه [العلماء نادرون؛ أنا أتحدى أي واحد في مجموع جبل درن (/ادرار ن-درن/ أي الأطلس الكبير)، من "تيزي ن-تاست" إلى "أكًادير ن-يغير" (التسمية القديمة لمدينة أكادير) أن يحدّد لي البرجَ الذي توجد فيه الشمس الآن، أو اسم الجنّي الأعظم الذي يتولّى الحكمَ في هذه اللحظة]؛ قال ذلك وهو يشير إلى الكتاب الذي بيمينه. ولما تداعى الحديث من جديد إلى التقاطب بين الكُتّاب ومدرسة النصارى كما كان ذلك شائعا في أواخر الخمسينات، قال وهو ينظر إلىّ وإلى الوالد: ماذا يقرأون؟ إنهم يقرأون "زينب تقفز فوق الحبل"] ثم شرح للسامعين معنى الجملة بتاشلحيت /زينب ار تّاكُي ف-يزيكر/، فضحك الجميع مستخفّا، بمن فيهم الشيخ المريض الذي رسم ابتسامة مطمئنا بذلك إلى كفاءة الفقيه/الطبيب الذي يعرف بالضبط اسمَ الجنّي الحاكم الذي يتعين التفاوض معه لشفاء الزبون من مسّ شعب الجنّ. أما أنا فقد ظلتْ تطاردني خطيئة "مدرسة النصارى" أو "المدرسة الحكومية" التي قضيت فيها الأربع سنوات الأولى قبل أن أتحول إلى التعليم العتيق "التعليم الأصلي".
هذه عيّينات تمثيلية ملموسة، ومن صميم التجربة، لجوهر نموذج من نماذج التكوين. النقط 1-3 تتعلق بنموذج لتــــهيئــة البنية/الآلية الصورية للذهن، التي بفضلها تتشكل المعرفة. ويتمثل ذلك النوع من البنية/الآلية في ما أطلق عليه بعضهم (طه حسين، إن لم تخنّي الذاكرة) "الفنــــقلة" (تركيب ترخيمي انطلاقا مِن: فـــإن قيـــل كذا-1 يُقـــــال كذا-2). وإذا ما تمت تهيئة تلك البنية/الآلية وفق منهج/أسلوب قوليّات الفنقلة، حينئذ يتهيأ الذهن لتقبل قبيل ما ورد في النقطة-4 من المضامين، وهو قبيل شاسع، متعدد الأوجه حسب الحقب، لكنه قارّ الجوهر.
.
منهج الفنقلة، وشعار "الإنخليجية هي الحلّ"
نشرت على صفحتي بالفاسبوك عدة تدوينات ساخرة بعنوان "الانخليجية هي الحل"، وذلك على إثر الضجة التي إثيرت في الأسابيع الماضية حول لغة/لغات تدريس العلوم بالمغرب. وإذ يظل من المسلّم به عند أهل النظر والمعرفة بالواقع أنّ اللغة الإنجليزية هي اليوم - ومنذ ما بعد الحرب الثانية - أمّ اللغات حاليا في باب البحث العلمي المتقدم (وليس ذلك بالضرورة قضاء سرمديا إلى الأبد)، فإن شعار "الانجليزية هي الحل" كما تمّ رفعه في المغرب مجرّد مزايدة وذريعة للدفاع عن منهج في التكوين أساسه الفنـــقـــلة يراد له أن يكون من نصيب شريحة من شرائح المجتمع؛ ولا يعكس ذلك رؤيةً معرفية متجردة لامتلاك لغة البحث الأساسي الراهنة (الانجليزية) ولا رؤية موضوعية حول تأهيل اللغة العربية، ناهيك عن اللغة الأمازيغية، لتحتل المكانة المبدئية التي وضع لها الدستور. فاللغة إنما هي بما تحمله من رصيد نصوص فعلية ملموسة في مختلف الحقول العلمية والمعرفية والثقافية، ولا يُحكَم لها أو عليها بما هي عليه بالقوة، أو بحكم ما كانت عليه في الماضي. ولكي لا نذهب بعيدا، مستعرضين مرثيات ابن الهيثم والبيروني وابن النفيس والخوارزمي والسموأل المغربي وغيرهم، يكفي أن نعود من جديد إلى لقطة من لقطات التجربة المعيشة الملموسة، وهي الآتية.
بعد أربع سنوات أولى في "مدرسة النصاري / المدرسة الحكومية" المزدوجة اللغة (عربية-فرنسية)، أتممتُ شخصيا دراستي/ من الشهادة الابتدائية حتى الباكالوريا، في التعليم الأصلي الوحيد اللغة. درست جميع العلوم الطبيعية (تشريح، فيزياء، كيمياء) والرياضية (جبر وهندسة) باللغة العربية؛ وكانت هذه المواد هي المواد التي تستهويني أكثر، والتي أحصل فيها على أعلى الدرجات كما تبين ذلك نتائج دفتري المدرسي الذي أحتفظ به. وكنت أتساءل في استغراب، من حين لآخر، كيف يمكن للفرنسية أن تعبّر عن مصطلحات الجبر والهندسة على الخصوص. كان معي بداخلية معهد تارودانت صديق عزيز هو عمر صيّاف (التاماصتي) الذي كان يجمعني به فصلُ المتوسط الأول بالمدرسة الحكومية بأولاد برحيل، التي واصل فيها دراسته إلى أن انتقل إلي إعدادية ابن سليمان الروداني بتارودانت (بينما كان يبيت بداخلية المعهد). لقد كنت أسأله، من حين لآخر في فضول، كيف تسمي الفرنسية بعضَ تلك المصطلحات التي أصفها له اعتمادا على الرسوم، فيبينها لي، وأجد فيها نقصا في الشفافية الصرفية والمعجمية بناء على انطباعاتي الذاتية باعتبار أني كنت قد توقفت عن مواصلة تعلّم الفرنسية، ولم أستأنف ذلك التعلم بشكل ذاتي/عصامي سوى في المرحلة الجامعية. وما اطلعت عليه من نصوص معرفية في هذه اللغة الأخيرة بعد ذلك هو ما مكّنني بالضبط من أن أتأقلم مع ما حصل من توجيهي إلى الأدب العربي في المرحلة الجامعية نظرا لانعدام المنافذ الموافقة لدفتري المدرسي، وأنا الذي كنت أحلم بألا أغادر المختبر أو المصنع يوما لما كنت أدرس العلوم الطبيعية والرياضية في الثانوي.
الخلاصة هي أن العربية اليوم قد تقهقر رصيدها من النصوص العلمية والمعرفية على مختلف المستويات (من النصوص التيسيرية والموسوعية، إلى الترجمة العلمية، إلى البحث الأساسي غير الموجود أصلا) وفي مختلف الحقول. وقد كان "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" قد خطّ خطة في اتجاه تجاوز هذا النقص، من أجل تأهيل اللغة العربية لوظائف جديدة في التكوين العالي؛ لكنها خطةٌ تحولت مع مرّ السنين إلى خط في الرمل في خضمّ زبد الخطابة؛ فلم يبق للعربية من قوة أقناعٍ بالجدارة والاستحقاق سوى الجانب السماوي الإعجازي ووَتَر حميّة قوميّة هلاميّة.
---
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres