(EN ARABE) Un grand homme nous quitte: Mohamed Larbi Messari
معرفةٌ قديمة، وتعارفٌ حديث، وصداقةٌ أحدث أعطت معنى لما قبلها.
الراحل، الأستاذ محمد العربي المساري
محمد المدلاوي المنبهي
سيرة وتجربة الفقيد المرحوم، الأستاذ محمد العربي المساري واسعة غنية، تحفل المراجعُ والمواقع بمقتطفات منها؛ ولذلك فليس لدي ما أضيفه في هذا الباب. كلّ ما أودّ أن أسهم به، ككلمة وفاء في حق الفقيد، هو بعض اللقطات من الصورة التي تكوّنت لديّ عنه شخصيا.
لست ممّن عاشر المرحوم من قِدَم وعن قرب. فما كانت الظروف المجالية والجغرافية ولا المهنية تسمح بمثل تلك الإمكانية. غير أن اسم الفقيد قد احتل من ذهني، ومن أذهان كثير من أبناء جيلي مكانة متميزة منذ زمان.
كانت البداية، بالنسبة إليّ، في سنة 1973، وكنت حينئذ طالبا في السنة النهائية من الجامعة؛ وكانت سنة استثنيائية بالنسبة لي، لكن كذلك بالنسبة للجيل ولتاريخ المغرب. كنت فارّا من مدينة فاس حيث كنت أتابع دراستي، وذلك على إثر تداعيات أحداث متلاحقة ما بين غشت 1972 ويناير 1973 وأهمها حظر منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب واعتقال 90 في المائة من أعضاء لجنته الإدارية التي كنت عضوا فيها. خلال حوالي ستة أشهر، كنت قابعا بمنزل أخي، الحسن رحمه الله بحي "بواركان" بمدينة أكادير، لا أبرحه، معتكفا ليل نهار على القراءة (لم يكن متوفرا على جهاز تيليفيزيون). كانت كل صلتي بالعالم الخارجي تمر عبر قناتين لا ثالث لهما: جهاز راديو ويومية "العلم" التي كان يأتيني بها كل مساء عند عودته رحمه الله من العمل. فمن خلال تلك المواظبة على تلك الجريدة الوحيدة حينئذ في بابها اكتشفت قلم الفقيد محمد العربي المساري رحمه الله، كما اكتشفت قلم "عمر نجيب" فعلى صفحات تلك جريدة اكتشفت قـلم الفقيد في تلك الظروف الحرجة المتميزة التي يتذكرها الجيل. في تلك الظروف التي تميّزت بتقاطب أيديولوجي وسياسي حادّ، كان صوت الفقيد صوتا يخترق جدران كل الحلـَـقيات، ليس بالضرورة على سبيل تبنّيه من طرف الجميع دائما، ولكن من حيث قابليته لإنصات الجميع إليه على الأقل، مهما كانت مواقع الحلقيّات.
كانت المحطة الثانية لمّا بادر الفقيد بمراسلتي سنة 1997 بصفته حينئذ مديرا لنشرة "شؤون مغربية"، وكنت حينئذ أستاذا بجامعة محمد الأول بوجدة؛ وذلك في شأن إعادة نشر بحث مطوّل كان قد صدر لي في مجلة "مواسم" (1995) التي كان يصدرها الزميل الأستاذ أحمد الطريبق، وكان بعنوان "صورة المغرب في بعض المكتوبات اليهودية والعبرانية"، فسرّني ذلك كثيرا، وتمّ ذلك النشر في "شؤون مغربية". حينئذ ومن خلال قراءة تلك النشرة التي كنت أتوصل بها باطراد، بدأت أكتشف وجها آخر من أوجه فكر واهتمام الفقيد؛ إنه وجه التعددية الثقافية وما تمثله من غنى موجب داخل الوطن وفي العالم، كما عكس ذلك الوجهَ عملُ الفقيد في عدة مؤسسات منها "مؤسسة الثقافات الثلاث". ذلك البعد الذي تميّز به فكر الفقيد وخطابُه، ما كان يُشكّل بالنسبة إليه أيّ مظهر من مظاهر التعارض مع تصوره العام لمقومات الهوية المغربية، التي سخّر معارفه وتجاربه الأدبية والتاريخية والإعلامية والديبلوماسية ومعرفته بكثير من اللغات لإنعاش أوجه كثيرة من أبعادها مما طاله النسيان. وقد دشنت تلك المراسلة فترة غنية بالتبادل قربتني أكثر من شخصية الفقيد على الصعيد الإنساني ولو عن بعد دائما.
أما المرحلة الثالثة، فقد كانت لما حللت بمدينة الرباط مع بداية الألفية، فأصبحتْ تجمعنا لقاءات أطمئن خلالها كثيرا إلى الحديث معه وإلى مجالسته. وقد انتهى توثّق العلاقة الفكرية والإنسانية بيننا أن قام يوما رحمه الله، بتواضعه الأسطوري المعروف، بتكريمي بزيارة ودّية في مكتبي بمقر عملي بالمعهد الجامعي للبحث العلمي، حاملا هدية تتمثل في كتاب حول السيرة النبوية باللغة الأمازيغية (أمازيغية الأطلس المتوسط) مدونة بالحرف العربي. وقد اقترح عليّ خلال تلك الزيارة التكفل بركن في جريدة "العلم" تكون مواضيعه من اختياري، فقبلت دون تردّد. كل ما أكدت عليه من جانبي، فسارع، رحمه الله، إلى التأكيد على أنه من البديهيات، هو احتفاظي باستقلاليتي في الرأي، الذي قد لا يشاطرني فيه الجميع طبعا. وبذلك وُلـِد ركني الأسبوعي "مساءلة البداهة"، الذي ساهمت به في الصفحة الأخيرة من تلك الجريدة لمدة خمس سنوات (2009-2014) بدون انقطاع؛ وشكل بالنسبة لي تجربة جديدة غنية في التواصل في باب الرأي.
رحمة الله على هذا الرجل الفذ من رجالات هذا الوطن، رجل العلم والثقافة والتاريخ والسياسة والديبلوماسية والإعلام وغير ذلك مما اجتمع فيه في غير ادعاء ولا صخب خطابي؛ وهو الذي لم تنل قط تلك المجالات بتدافعاتها من ثبات استقامته ونزاهته وتواضعه وهدوء سلوكه وعبارته.
كُتِب لنا نصيبٌ من صداقة سيدي محمد العربي المساري، عن بعد ثم عن قرب، فغادرنا اليوم كما غادر أهله وذويه الأقربين مخلفا فراغا كبيرا في وطنه يعز أن يتّم تعويض ملئه بغيره من نفس العيار. فتعازينا الحارة للجميع ولأنفسنا على فقدانه. رحم الله سيدي العربي المساري.
- لقطات من تشييع جنازة المرحوم محمد العربي المساري http://www.alyaoum24.com/340001.html
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres