(En arabe) Un fragment de micro-histoire (Moulay Saïd Ben Hassan Alaoui
ميكروتاليخيات
العالم المقاوم، مولاي سعيد بن الحسن العلوي،
وعلاقتي به (قسم-1)
-----------------------------
1- "دار الشرفا" بإيكًودار/المنابهة، و"أيت بن السعيدي"
هو مولاي سعيد بن مولاي الحسن، من "ايت بن السعيدي": أسرة من الشرفاء العلويين قدمت من تافيلات واستقرت - لست أدري ابتداء من أي تاريخ - ببلدة "أولوز" بمخرج "واد سوس" من جوف جبال الأطلسين، الصغير والكبير (راس الواد). انتقل جيل فرعي من تلك الأسرة إلى إيكًودار/المنابهة لست أدري متى، فاستقر فسم منه، "ايت الحاج اسماعين"، في مدشر "أيت أيوب" (حوالي 500م غرب ثلاثاء إيكًودار)، وقسم "ايت بن السعيدي" في مدشر "ايت حمّو عدّا الغرّابي" (مدشر دارس تماما اليوم على الضفة الشرقية لواد "بوسريويل"، منذ أن دكّه "ايت حيدا مُّيس" في مذبحة غادرة رهيبة على ما يحكى) الكائن على نفس المسافة شرقا من سوق ثلاثاء إيكودار. هناك شيّد "ايت بن السعيدي" قلعة عرفت بــ"دار الشــــــــــــرفا": قلعة مُحصنة بسور عالية ذات أبراج مقرمدة ولها باب واحدة ("الباب البرّاني")، وتتوفر على جميع المرافق داخل الأسوار (أربعة آبار، معصرة زيتون، بيدر للدراس، مسجد للصلاة وتعليم الأطفال ثم مدرسة لاحقا، كثير من أهرية التبن و"طونيات" ومستودعات خوابي الزيت وأكًرانات" (مخازن الحبوب والمجففات)، ومرابض الدواب والأبقار (أيت بن السعيدي لم يكونوا يربون الغنم، ولا يتخذون كلابا للحراسة)، وساحات متعددة الوظائف، ومساكن وظيفية داخل الأسوار للائتمان تحيط بعقر دار الشرفاء التي لها بوابتها الداخلية الخاصة داخل القلعة هي: "باب القوس" (مباشرة بعد "باب الجامع" منها يتمّ الولوج إلى "المدرسة" التي كانت مدرسة ملحقة بالمسجد ثم تحولت "دويرية" ضيافة بعد تعطيل "قبّة الخرّازا"، ثم إلى دار "سيدي بنفضيل" عبر "باب الزيت"، ثم إلى داري مولاي عبد العزيز (وزوجته لالة عويش سماعين، أخت مولاي سعيد بن سماعين في "ايت أيوب") ودار أخيه مولاي سعيد المعروفة ب"دار عيشة الحاج"، زوجته ما قبل الأخيرة، التي لم أدرِكها. أما السكن الوظيفي للاستئناس في القلعة، فقد كانت هناك "دار الزاياني" (بالتفخيم)، و"دار ايت بوجّنان"، و"دار سّي حماد" (فقيه المسجد، جدّي من أمي، أصله من "يسكًتان"/تاليوين)، و"دار ايت بويسان" (من "يسكًتان)، و"دار يكًرّامن" (من "يسكًتان")، ودور أخرى لم أعد أتذكر أسماءها. وفي كل من "دار سّي حماد" ثم "دار ايت بويسان" (بعد عودة أهلها إلى بلدتهم الأصلية، "يسكًتان") قضيت صبايَ إلى أن حصلت على الباكالوريا، وتخللت ذلك رحلة الطلب (7 سنوات) في كل من تاليوين (الشهادة الابتدائية) ثم تارودانت (الإعدادي والثانوي). وقد أعددت قبل سنيتين تصميما لتلك القلعة التي لم يبق منها في حالة تداعٍ ودروس متقدمين، سوى بعض من جناح مولاي عبد العزيز (القبة المزخرفة وساحتها، و"بيت الجير"، و"بيت مُّا خدّوج"). أما دار الريف سيدي بنفضيل (وزوجته لالّة رقية حسن، أخت مولاي سعيد ومولاي عبد العزيز) فقد درست اليوم عن آخرها، كما استوت المساكن الوظيفية اليوم مع الأرض كأكوام، ما عدا بيتنا الذي قمت بزيارته قبل سنتين من الان.
وكان لأيت بن السعيدي متاع واسع من الأراضي المسقية والأشجار المثمرة (خاصة الزيتون) في كل إيكًودار/العوينة، و"الجرادات" و"تينزرت"، و"تاماصت"، و"أولوز"، و"ايت كُربال" و"تاغُلامت" يتعهدها خمّاسون في أماكنها ويتولّى تدبير محاصيلها من تخزين وإعداد للاستهلاك في القلعة مستخدمون منزليون ومستخدمات يتعهدون كذلك بالأبقار والدواب والأشغال المنزيلة، تراوحت وضعياتهم الاجتماعية عبر الزمن ما بين وضعية "عبيد" (لم أدرك سوى عبد واحد، "فاتح" يرافق نقيب الشرفاء مولاي بن نصر من وراء بغلته حينما يأتي من أولوز ليزور) إلى وضعية "حراطين" خدمات وسخرة.
كانت القلعة وأهلها الشرفاء قطبا اجتماعيا في محيطها، بمثابة زاوية بدون طقوس أو مواسم طرقية، ما عدا ما كان من أن الناس، من "يا أيها الناس"، كانوا يتبركون عند مرورهم قبالة باب القلعة بكومة من الأحجار ("كركور مولاي علي الشريف") نصبت أمام "الباب البرّاني" للقلعة، وذلك بتقبيل حجر من أحجار ذلك الكركور و/أو إضافة حجر صغير إليه عند مرورهم؛ وإذا ما كان قطب تلك القلعة القارّ إقامةً في الفترة التي أدركتها، الشريف مولاي عبد العزيز، جالسا بجلبابه وعمامته على إحدى حجارة ذلك الكركور، كما يفعل كثيرا، يتقدم المارّ من المارّة نحوه فينحني ويقبل يده ثم يواصل طريقة إلى حال سبيله. وكثيرا ما كان يُحتكم إلى مولاي عبد العزيز (أخ مولاي سعيد)، لفض بعض النزاعات بين الناس بـ"التي هي أحسن".
ففي "دار الشرفاء" تلك، استقر الشريف مولاي سعيد، الكثير التنقل (أولوز، إيكًودار، تارودانت، مراكش، ...) في حياته المتقلبة ما بين الحركة العلمية للوقت والعمل الوطني مع بداية الخمسينات من القرن-20. هناك استقر مقيما لفترة من الزمن لم أدرك منها سوى الفترة التي أصبح يكتفي بزيارتها على حين غرة، قادما إليها ليلا (كنت أسمع: "جا داخ مولاي سعيد !") أيامَ ما أدركت، في ما بعد، أنه أيام العمل الوطني في بداية الخمسينات من القرن الماضي. أتذكر أني خرجت ذات صباح من المنزل متّجها، حافي القدمين كما هو شأن الصبيان حينئذ، نحو "الباب البراني" للقلعة حيث يكون الانفتاح على الأفق وعلى مشاهدة المارّة، فوجدت مولاي سعيد جالسا بجلبابه الصوفي الأسود مسنِدا ظهره إلى "باب الجامع" وهو حافي القدمين مثلي! وهو يفلي ثيابه الداخلية. تعرّفت على وجهٍ لم أكن أتذكر أين ومتى عرفته من قبل؛ ناداني الشريف "موحمّاد، كبرتي، أجي عندي"، فوضعني في حجر جلبابه وأخذ يداعبني. ... (فلاش من أول لقاء تحتفظ به الذاكرة).
2- فلاشات ذاكرة
بعض الفلاشات الذاكرية الأخرى، كانت على شكل مرويات لاحقة بعد الاستقلال، سمعتها مرارا من الوالد والوالدة رحمهما الله. لا أتذكر بشأن مواضيعها من واقعة ملموسة سوى تلك الليلة التي أصبح فيها بيتنا مسرحا لحركة غير عادية: بغلةٌ واقفة في الظلام باب المنزل محمّلة بحمولتها. سمعت أثناء الإعدادات ما يفيد أن الوالد سينقل مؤونة "العوين" الذي أعده مولاي عبد العزيز ليبعث به إلى أخيه مولاي سعيد "اللي دخّلوه النصارى للحبس فـ"تافينكًولت". امتلكني فزع شديد غامض، لأني تعلّـمت من خلال حديث الناس أن يمتلكني الرعب من بطش النصارى (كنت أسمع عن "لاليجو" و"ساليكًان" وأرى من بعيد بعض دورياتهم تمرّ بـ"لاجيبّ" حينما أخرج إلى "الباب البرّاني" لــ"دار الشرفا").
أما الفلاش الملموس الآخر الذي أدركت لاحقا أنه مرتبط بفلاش ليلة البغلة و"العوين" (قبل ذلك أو بعده؟) فقد احتفظت من خلاله الذاكرة بما شاهدت ذات ظهيرة: الشريف سيدي بنفضيل يخضع في "اغكًـُــمّي الباب البراني" إلى استنطاق من طرف عنصرين من "المخازنية/السبايسية" (الحرس القروي المسلح) ببندقيتيهما على أكتافهما، وهو مصرّ تكرار على إنكار شيئ ماـ والدموع تنهمر من عينيه (سمعت حديثا عن الكتب، العدّة/البارود ...) ففزعت فزعا شديدا: الشريف يبكي في حالة ضعف!. أما مولاي عبد العزيز فلست أدري أين اختفى ذلك اليوم بالرغم من أنه محدود الحركيّة بسبب الرشلل رجله اليسرى، يستعيض عنها بعكّاز ذي مُعتمَد).
3- روايات الوالدين لاحقا
أما رواية الوالدين، التي أصبحا يحكيانها بعد الاستقلال بخصوص ليلة البغلة و"العوين"، فمفادها أن مولاي عبد العزيز، بعد أن قرر إرسال "العوين" إلى أخيه السجين بسجن تافينكًولت، أراد أن يوكل الأمر لشخص ثـــــــــــقــــــة حتّى لا يفتضح الأمر خلال تمامه أوبعده، فطلب من مولاي ع.س من دوار "الجرادات" أن يتكفّـل بالمهمة، فردّ عليه له قائلا: "أهوي آ-خيّي عزيز؛ انا عندي وليدات، وما نقدّ على المخزن". ثمّ طلب نفس الشيء من الشريف جاره، فردّ عليه هذا الأخير قائلا: "لاواه آ-خيّي عزيز؛ الشريف ضروك مكًبوض، الله يفكّ سراحو؛ ونتا معدّر الله يعافيك؛ ويلا مشيت فيها حتى انا، شكون غادي يقوم بدار الشرفا؟".
هناك التجأ مولاي عبد العزيز إلى الوالد، حسب رواية الوالد وشهادة الوالدة، فأفضى إليه بالتفاصيل المذكورة، ثم أخذ يبكي موضّحا بالشلحة (الجميع كان مزدوج اللغة هناك): "أ-فتعرف يا عبّلا (ترخيم عبد الله): يقال إنهم يُفطرون أخي بالملح كل صباح في تافينكُولت، ...، وقد رجوت من فلان وفلان تسريب شيء من المؤونة إليه ليلا عن طريق حارس سوق الإثنين بتافينكَولت فتعلل كلّ منهما بعلله ورفض. أ-فنترك مولاي سعيد يقتله النصارى بتجريعه ماء الملح؟. إذا قبلت يا عبد الله، رحم الله سّي الحسين، أن تقوم بهذه المهمة فسيجازيك الله خيرا؛ أنت منّا بالخير، وأبناؤك أبناؤنا ...".
قال لنا الوالد مرارا وتكرارا (بالأمازيغية): "عدتُ إلى البيت وطرحت المسألة على عيشة (زوجته/والدتي) لترى في الأمر، فقالت في الحين (بالأمازيغية): "اذهب؛ الشرفاء لنا ونحن لهم؛ لن يفرّطوا أبدا في أبنائنا ...". وكثيرا ما كان الوالد يكرّر علينا، في ما تلا من السنين، تفاصيل تلك المغامرة الليلية التي تجنب فيها ببغلته الطريق السوي العادي وسلك واد "بوسريويل" صاعدا معه عبر حجارته ورمله كي لا يخلف أثر حوافر الدابة، إلى أن وصل قبل الفجر إلى دار حارس سوق تافينكًولت الذي كان على علم بالعملية؛ كما حكى لنا تفاصيل عملية تسليم العوين/الزاد بتواطؤ أحد حراس السجن الذي كان بدوره من بين حلقات العملية التي تمت بنجاح.
في الصفحة-17 من الكتاب المصور غلافة رفقته (وإلى جانبه صورة مولاي عبد العزيز)، إشارة إلى ذلك الشهر من السجن الذي قضاه مولاي سعيد بسجن تافينكولت.
أما حادث حصة الاستنطاق المذكور لـ"سيدي بنفضيل"، ففي رواية أخرى للوالد دائما، ما يفسر بعض جوانبها التي تدلّ على أن الأمر كان يتعلق بوشاية بكون القلعة تحتوي على بنادق ("بوشفر") وبارود، وقد تمّ تسريب عزم السلطات إنزال مرتقب لــ"المخازنية/السبايسية"، وذلك ما يفسر غياب "مولاي عبد العزيز، الأخ الشقيق لمولاي سعيد يوم الإنزال، إذ ربما كان قد تنقل إلى أولوز عن طريق حافلة "عومار الديري" (تتنقل مرتين في الأسبوع إلى سوقي الأربعاء والأحد). فقد روى الوالد، مما أرجح اليوم أن علاقة بذلك المشهد، أن مولاي عبد العزيز قد طلب منه يوما العمل على إخفاء مجموعة من الصنادق، وأنه عمل ليلا على حفر خنادق في أسس جدران "دار الزاياني" المذكورة المهجورة حينئذ وطمرها في الأنقاض، بعد تسرّب خبر احتمال إنزال تفتيشي.
محمد المدلاوي
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres